كييف محبطة وبايدن متمسك بعدم استهداف الأراضي الروسية لأسباب انتخابية

زيلينسكي يؤكد من خاركيف أن «الوضع صعب للغاية» لكنه «تحت السيطرة»... وقواته تهاجم مطاراً عسكرياً في القرم

زيلينسكي يزور جبهة خاركيف (أ.ف.ب)
زيلينسكي يزور جبهة خاركيف (أ.ف.ب)
TT

كييف محبطة وبايدن متمسك بعدم استهداف الأراضي الروسية لأسباب انتخابية

زيلينسكي يزور جبهة خاركيف (أ.ف.ب)
زيلينسكي يزور جبهة خاركيف (أ.ف.ب)

لا تزال إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تعارض السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأميركية في استهداف عمق الأراضي الروسية، أو على الأقل تلك القريبة من جبهات القتال الحدودية، على الرغم من الحاجة الماسة لكييف للقيام بذلك، والضغوط التي تمارسها حول هذا الأمر.

زيلينسكي يزور جبهة خاركيف (أ.ف.ب)

وهو ما أشار إليه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قائلاً إن إدارة بايدن لا تزال تعارض السماح لأوكرانيا بضرب أهداف داخل الأراضي الروسية بأسلحة أميركية. وقال بلينكن، في ختام زيارته لأوكرانيا: «لم نشجع أو نمكن من توجيه ضربات خارج أوكرانيا». وأضاف: «لكن في نهاية المطاف، يتعين على أوكرانيا أن تتخذ قرارات بنفسها بشأن كيفية إدارة هذه الحرب، وهي حرب تخوضها دفاعاً عن حريتها وسيادتها وسلامة أراضيها».

واستخدمت أوكرانيا أسلحة قدّمتها دول أخرى، بما في ذلك بريطانيا، لضرب أهداف على الأراضي الروسية، لكن بلينكن أشار إلى عدم وجود تغيير في السياسة من جانب الولايات المتحدة. ومنع البيت الأبيض استخدام المعدات الأميركية لضرب الأراضي الروسية، لتفادي توسيع الصراع مباشرة مع موسكو، التي تمتلك أكبر ترسانة من الأسلحة النووية في العالم.

أوكرانيا محبطة

وهو ما أحبط أوكرانيا، خاصة في الأسابيع الأخيرة، حيث تمكنت القوات الروسية من حشد قوات عسكرية بالقرب من خاركيف، لكن قدرتها على ضربها كانت محدودة للغاية.

ونقلت وكالة الإعلام الروسية عن فيتالي جانشيف، وهو مسؤول معين من روسيا في أوكرانيا، قوله إن القوات الروسية تحاول السيطرة على قرية ليبتسي، التي تبعد نحو 30 كيلومتراً شمال خاركيف، ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا.

وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يلتقي الرئيس فولوديمير زيلينسكي في كييف (أ.ب)

وعدّ الموقف الأميركي جهداً حثيثاً من إدارة بايدن لمنع حصول أي تداعيات على حملته الانتخابية، حيث يواجه أزمات أخرى، وخصوصاً الحرب الإسرائيلية على غزة، فضلاً عن استطلاعات الرأي «المقلقة» لحظوظه في مواجهة خصمه الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترمب. غير أن مراقبين عدّوا تصريحات بلينكن إشارة إلى احتمال تغيير الموقف الأميركي في مرحلة لاحقة، مع محاولة لتجميد توسع الحرب وتمكين أوكرانيا في الوقت نفسه من الدفاع عن نفسها، في حال نجح بايدن في العودة إلى البيت الأبيض. كما أن الضغوط - التي تمارسها دول غربية حليفة، على رأسها بريطانيا، التي سمحت أخيراً باستخدام صواريخ «ستورم شادو» بعيدة المدى، في استهداف الأراضي الروسية، وفرنسا التي أعلن رئيسها عن استعداد بلاده للدفع بقوات على الأرض، إذا ما طلبت أوكرانيا ذلك - لا يمكن لواشنطن أن تتجاهلها لوقت طويل، ما لم تكن «منسقة» أيضاً بشكل مسبق معها.

روسيا توسع رقعة سيطرتها

وسلّط التأخير المتمادي لإرسال المساعدات العسكرية الأميركية الجديدة، الضوء على العواقب التي ترتبت عليها في جبهات القتال، حيث تمكنت القوات الروسية من قلب المعادلة الميدانية، ولو جزئياً.

وعدّ وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس أن المكاسب التي حقّقتها روسيا في منطقة خاركيف بأوكرانيا يجب أن تكون بمثابة «جرس إنذار»، مضيفاً أن حلفاء كييف «صرفوا انتباههم» عن أحداث الحرب. وقال شابس لشبكة «سكاي نيوز»: «آمل حقاً أن يكون مسموعاً الآن جرس الإنذار الذي حاولنا أن نطلقه». وأضاف: «هذه ليست حرباً يمكنك أن تكون فيها متنبهاً تماماً، ثم تغلق أذنيك، أو ربما تصرف انتباهك لنزاع مختلف، ثم تتوقع ألا يتغير شيء على الأرض».

دبابة أوكرانية مدمرة في خاركيف (رويترز)

وسيطرت روسيا على 278 كيلومتراً مربعاً، خلال أسبوع، في شرق أوكرانيا، ولا سيما منطقة خاركيف، في أكبر اختراق لها منذ سنة ونصف السنة، بحسب تحليل لوكالة «فرانس برس» استناداً إلى بيانات للمعهد الأميركي لدراسة الحرب. وبين 9 و15 مايو (أيار)، سيطرت روسيا على 257 كيلومتراً مربعاً في منطقة خاركيف وحدها في شمال شرقي أوكرانيا، مركز الهجوم الروسي الجديد، حيث أعلنت موسكو الاستيلاء على بلدات عدة. وسيطرت على 21 كيلومتراً مربعاً، في مواقع مختلفة على خط الجبهة، من بينها بلدة روبوتينه الاستراتيجية في جنوب البلاد. ولم تحرز القوات الروسية مثل هذا التقدم السريع في الأراضي الأوكرانية، منذ منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2022. ومنذ بداية عام 2024، احتلت روسيا نحو 800 كيلومتر مربع، وهي مساحة أكبر من تلك التي استولت عليها في عام 2023 بأكمله (600 كيلومتر مربع).

ومنذ بدء الغزو الروسي، حتى 15 مايو 2024، استولت روسيا على 65336 كيلومتراً مربعاً من الأراضي الأوكرانية، ما يمثل نحو 12 في المائة من أوكرانيا، من دون احتساب الأراضي التي ضمّتها روسيا في السابق، مثل شبه جزيرة القرم.

تشتيت الأوكرانيين

ويقول محللون ومسؤولون أميركيون إن القوات الروسية لا تبدو مستعدة للاستيلاء على مدينة خاركيف، لكنها تحاول على الأرجح إحداث ما يكفي من التحدي هناك لسحب الأصول العسكرية الأوكرانية بعيداً عن مواقع الخطوط الأمامية الأخرى.

وقال معهد دراسة الحرب إن الهجوم الروسي على منطقة خاركيف الشمالية الشرقية يبدو أنه تباطأ، ما يشير إلى أنه ربما كان محاولة لإنشاء منطقة عازلة على الحدود، وليس محاولة للاستيلاء على المدينة، رغم مواصلة روسيا تحقيق مكاسب صغيرة، ولكن ثابتة في الجنوب.

وبدا أن روسيا تقاتل من أجل السيطرة على قرية روبوتاين، وهي قرية كانت محتلة من قبلها في منطقة زابوريجيا، وتتمتع بأهمية رمزية، لأنها كانت واحدة من الأماكن القليلة التي حررتها القوات الأوكرانية خلال هجومها المضاد الذي فشل إلى حد كبير في الصيف الماضي. وشكّكت أوكرانيا بالادعاءات الروسية أن قواتها استولت على القرية مرة أخرى، لكنها اعترفت بأن هجوماً شرساً كان جارياً.

زيلينسكي: الوضع صعب للغاية

قالت القوات الأوكرانية، الخميس، إنها تعمل على إبطاء وتيرة الهجوم الهجومي الذي تقوم به روسيا في شمال شرقي البلاد، حتى في الوقت الذي تكافح فيه لاحتواء الهجمات الروسية الجديدة في عدة مواقع أخرى على خط المواجهة، حيث تسعى موسكو إلى توسيع تمدد القوات الأوكرانية لاختراق دفاعاتها.

وأفاد الجيش الأوكراني، في وقت متأخر من يوم الأربعاء، أنه صدّ 4 هجمات برية في منطقة خاركيف الشمالية الشرقية، حيث تصاعدت القوات الروسية عبر الحدود الأسبوع الماضي، واستولت بسرعة على نحو 12 قرية ونحو 80 كيلومتراً مربعاً من الأراضي.

وكتب الرئيس فولوديمير زيلينسكي، الذي ألغى رحلته إلى إسبانيا، على وسائل التواصل الاجتماعي، يوم الخميس، بعد عقد اجتماع في خاركيف مع الجنرال أولكسندر سيرسكي والقادة العسكريين في المناطق الشمالية والشرقية: «الوضع في منطقة خاركيف تحت السيطرة بشكل عام». وأضاف زيلينسكي: «لكن الاتجاه لا يزال صعباً للغاية، نحن نعمل على تعزيز وحداتنا». وقال زيلينسكي، في وقت سابق، إن الوضع متوتر في جميع الاتجاهات، «واهتمامنا يتركز باستمرار على الخطوط الأمامية، في جميع مناطق القتال».

وقال مدنيون أوكرانيون، تم إجلاؤهم يوم الخميس، إن القوات الروسية كانت تقاتل في وحدات صغيرة تسللت عبر الغابات إلى القرى. وقد ظهرت تلك الوحدات بشكل غير متوقع في شوارع بلدة فوفشانسك، وهي قرية تقع على بعد نحو 30 كيلومتراً إلى الشرق من مدينة خاركيف. وقال أوليكسي خاركيفسكي، ضابط الشرطة الذي يقوم بإجلاء المدنيين، إن الأجزاء الشمالية من فوفشانسك أصبحت الآن في مرمى الدبابات الروسية، لكن لا يسيطر عليها الجيش الروسي بشكل كامل، ما يشير إلى أن القتال قد تباطأ في المنطقة وفي محيط القرية، على الرغم من تكرار القصف المدفعي.

ومع ذلك، تم الإبلاغ عن مزيد من الهجمات الروسية في أماكن أخرى، شرق منطقة خاركيف، وجنوباً في منطقتي دونيتسك وزابوريجيا. وقال زيلينسكي: «نرى بوضوح كيف يحاول المحتل تشتيت انتباه قواتنا وجعل عملنا القتالي أقل تركيزاً».

وبدورها، هاجمت القوات الأوكرانية مطاراً عسكرياً في شبه جزيرة القرم التي تحتلها روسيا لليلة الثانية على التوالي. وقال موقع «أسترا» الإخباري الإلكتروني إنه جرى شنّ هجوم صاروخي على منشأة وقود في مطار بيلبيك العسكري واندلعت النيران هناك. من جانبها، قالت وزارة الدفاع الروسية إنه جرى إسقاط 5 صواريخ طراز «إيه تي إيه سي إم إس» أميركية الصنع فوق القرم. وأضافت الوزارة أن القوات الروسية أسقطت 4 مسيرات أوكرانية، واعترضت اثنتين أخريين بالتشويش على إشاراتهما.


مقالات ذات صلة

ترمب سيلتقي مع بوتين «سريعاً جداً» بعد تنصيبه

أوروبا دونالد ترمب يصافح فلاديمير بوتين خلال لقاء على هامش «قمة العشرين» باليابان في يناير 2019 (أرشيفية - د.ب.أ)

ترمب سيلتقي مع بوتين «سريعاً جداً» بعد تنصيبه

قال الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، إنه سيلتقي نظيره الروسي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين «سريعاً جدّاً» بعد تنصيبه الأسبوع المقبل.

«الشرق الأوسط» (بروكسل)
أوروبا قناصة روس يغيِّرون موقعهم لإطلاق النار على القوات الأوكرانية من مكان غير معلوم (وزارة الدفاع الروسية- أ.ب)

أوكرانيا تشن هجوماً ضخماً على روسيا وتستهدف مصنعاً يزوِّد القاذفات الروسية للمرة الثانية

أوكرانيا تشن هجوماً بطائرات مُسيَّرة، استهدف عدة مناطق روسية، وألحق الضرر بكثير من المواقع، منها مصنع كيميائي لوقود الصواريخ والذخيرة.

«الشرق الأوسط» (كييف)
أوروبا دبابة أوكرانية بعد أن أصابتها طائرة من دون طيار روسية بالقرب من مستوطنة فوزدفيزينكا شرق أوكرانيا (أ.ب)

موسكو تتهم كييف بإطلاق صواريخ غربية في هجوم استهدف مصنعاً عسكرياً

أعلن الجيش الروسي اليوم (الثلاثاء) أن أوكرانيا أطلقت صواريخ غربية في هجومها على الأراضي الروسية ليلاً.

«الشرق الأوسط» (موسكو)
العالم فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

خلُص تقرير جديد إلى أن عدد ضحايا الأسلحة المتفجرة من المدنيين وصل إلى أعلى مستوياته عالمياً منذ أكثر من عقد من الزمان.

«الشرق الأوسط» (لندن)
أوروبا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي يلتقي وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس في كييف (د.ب.أ)

زيلينسكي يناقش مع وزير الدفاع الألماني بناء درع شاملة للدفاع الجوي

كشف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أنه ناقش مع وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس بناء درع شاملة للدفاع الجوي، وتعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية.

«الشرق الأوسط» (كييف)

لافروف: موسكو على تواصل مع دمشق ولن تغادر المنطقة

جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)
جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)
TT

لافروف: موسكو على تواصل مع دمشق ولن تغادر المنطقة

جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)
جنود يوقفون سيارة عند نقطة تفتيش بعد السيطرة على ميناء طرطوس في وقت سابق هذا الشهر (أ.ف.ب)

أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استعداد بلاده للمساهمة في دفع مسار العملية السياسية في سوريا، وقال إن موسكو «لم ولن تنسحب من الشرق الأوسط» مشدداً على استمرار التواصل مع القيادة السورية الجديدة.

وحمل الوزير الروسي خلال مؤتمر صحافي في موسكو، الثلاثاء، النظام السوري السابق المسؤولية عن تدهور الوضع في البلاد. وقال إن «عدم رغبة النظام السوري السابق في تغيير أي شيء، وتقاسم السلطة مع المعارضة كان من أهم أسباب انهياره».

وأوضح أنه «على مدار السنوات العشر الماضية بعد أن طلب الرئيس السوري السبق بشار الأسد من روسيا التدخل، وبعد إطلاق صيغة أستانا، ورغم المساعدة التي برزت من جانب الدول العربية، أبدت السلطات في دمشق مماطلة في العملية السياسية ورغبة في إبقاء الوضع على ما هو عليه».

صورة نشرتها وكالة «سانا» الرسمية في 26 يونيو للقاء الرئيس بشار الأسد مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي ألكسندر لافرنتييف في دمشق (أ.ف.ب)

وزاد أن موسكو «دعت الحكومة السورية مراراً لدعم عمل اللجنة الدستورية التي أنشأت في سوتشي خلال المؤتمر السوري السوري في 2018، ودفع جهود وضع الدستور».

ووفقاً للافروف، فإن «الحكومة السورية لم تبد أي استعداد لتقاسم السلطة مع المعارضة، ولا يدور الحديث هنا عن المعارضة الإرهابية»، مضيفاً أن هذه المماطلة رافقتها مشكلات ناتجة عن العقوبات الاقتصادية التي خنقت الاقتصاد السوري، بينما تعرض الجزء الشرقي من سوريا الغني بالنفط للاحتلال من الولايات المتحدة، وتم استغلال الموارد المستخرجة هناك لصالح دعم الروح الانفصالية في شمال شرقي سوريا.

وكشف لافروف عن جانب من الحوارات التي أجرتها موسكو في وقت سابق مع الجانب الكردي، وقال إن موسكو «تحدثت مع الأكراد عن ضرورة وجود سلطة مركزية (في سوريا)، لكنهم قالوا إن الولايات المتحدة ستساعدهم على إنشاء حكومتهم، فقلنا لهم إن تركيا وإيران لن تسمحا بقيام دولة خاصة بكم»، مؤكداً على أن الموقف الروسي ركز على أن حقوق الأكراد يجب أن تؤمن في إطار الوضع الدستوري للبلدان سوريا والعراق وإيران وتركيا.

وأعرب عن قناعة بأن تجاهل دمشق (بشار الأسد) للنقاش في عهد السلطات السابقة: «أوصل الإصلاحات التي تحدثت عنها الأمم المتحدة ومنصة موسكو ومنصة القاهرة والمعارضة التي كانت في إسطنبول، وكذلك الاتصالات بين هذه الأطراف، إلى طريق مسدود وإلى فراغ أسفر عن هذا الانفجار».

جندي روسي أمام مركبات عسكرية في إحدى القواعد الروسية في عين العرب «كوباني» (أرشيفية)

وانتقد لافروف الاستنتاجات التي تحدثت عن أن «خروج روسيا من سوريا يعني مغادرة مواقعها في الشرق الأوسط»، وقال إن روسيا «لم ولن تغادر المنطقة». ومن دون أن يتطرق مباشرة لوضع القواعد العسكرية الروسية في سوريا، قال الوزير إن «سفارتنا لم تغادر دمشق، ولدينا تواصل دائم مع السلطات هناك».

وأكد أن موسكو «ترغب في أن تكون ذات فائدة في الأوضاع الراهنة، فيما يتعلق بإقامة حوار جامع بمشاركة كل القوى القومية والسياسية والطائفية، وبمشاركة جميع الأطراف الخارجية المعنية».

وذكر لافروف أن اتصالاته مع تركيا ودول الخليج العربي ونتائج الاجتماعات الأخيرة حول التسوية السورية بمشاركة دول عربية وتركيا وبعض الدول الغربية، تظهر أن «الجميع ينطلقون من أن هذه العملية يجب أن تشارك بها روسيا وإيران، إذا كانت هناك رغبة حقيقية في الوصول إلى نتائج مستدامة وملموسة، وليس فقط تصفية الحسابات بين المتنافسين على الأراضي السورية».

دمشق... أولويات موسكو

بدوره، قال نائب الوزير ومبعوث الرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، إن روسيا تتابع باهتمام تطورات الوضع في سوريا، وتنظر إلى العلاقات مع دمشق بوصفها «من أولويات سياستها الخارجية»، وشدد على أن «علاقات الشراكة والتعاون بين الشعبين والدولتين تمتد إلى عقود طويلة، بل إنها تغور عميقاً في التاريخ السحيق».

وأضاف أن موسكو السوفياتية ومن ثم روسيا، أسدت الدعم والمساعدة لسوريا في تحقيق السيادة والاستقلال، وحرصت دوماً وفي مختلف المراحل على مبدأ وحدة وسيادة الأراضي السورية وبناء علاقات متكافئة تقوم على المصالح المشتركة.

ووفقاً له، فإن «العلاقات بين روسيا الاتحادية وسوريا تدخل اليوم في منعطف نوعي جديد، وعلى الجانبين الانطلاق من الإرث العميق للصداقة بين الشعبين الروسي والسوري للحفاظ على المكتسبات والمنجزات والمضي إلى الأمام في خلق مناخات جديدة للتعاون البنَّاء».

وأشار إلى ارتياح الدبلوماسية الروسية لـ«التصريحات الإيجابية الصادرة عن الإدارة السورية الجديدة تجاه روسيا، والحرص على العلاقات الاستراتيجية بين بلدينا». وأكد أن موسكو ترى في المواقف الإيجابية «أرضية قوية للانطلاق نحو الأفضل».

وترددت معطيات، الثلاثاء، بأن بوغدانوف سوف يرأس وفداً روسياً إلى دمشق قريباً، لكن مصدراً دبلوماسياً روسياً أبلغ «الشرق الأوسط»، أنه لم يتم بعد تحديد موعد لهذه الزيارة» التي بدا أنها كانت مقررة، وتم إرجاؤها لوقت لاحق. وفي حال تم تحديد موعد للزيارة سيكون بوغدانوف أول مسؤول روسي يزور العاصمة السورية منذ سقوط نظام الأسد.

عنصر سوري يحرس مدخل قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية الساحلية السورية (رويترز)

قيود سورية

في غضون ذلك، أكدت معلومات متطابقة نشرتها وسائل إعلام روسية وغربية، على أن عملية إخلاء أسلحة ومعدات القوات المسلحة الروسية من سوريا، تواجه صعوبات بسبب قيود فرضتها السلطات السورية على تحرك السفن الروسية في المياه الإقليمية.

ووفقاً لمعطيات نشرتها النسخة الإنجليزية لقناة «آر تي» على موقعها الإلكتروني، فقد منعت السفينة الروسية «سبارتا 2»، التي كانت مخصصة لنقل المعدات والأسلحة الروسية من دخول ميناء طرطوس، حيث توجد القاعدة البحرية الأجنبية الوحيدة لروسيا الاتحادية.

وأكدت بيانات محللي «OSINT» وخدمات مراقبة الشحن المفتوحة وتقارير المدونين العسكريين الروس، أن السفينة التي غادرت بالتييسك (منطقة كالينينغراد في الاتحاد الروسي) في 11 ديسمبر (كانون الأول) تبحر قبالة الساحل السوري منذ 5 يناير (كانون الثاني)، دون الحصول على إذن لدخول الميناء.

صورة للسفينة الروسية «سبارتا 2» نشرتها صحيفة «آر بي كا» الروسية تبحر قبالة الساحل السوري منذ 5 يناير دون الحصول على إذن لدخول الميناء

وتخضع سفينة «سبارتا 2» التي كانت تستخدم سابقاً لنقل المعدات بين شبه جزيرة القرم وسوريا، لعقوبات أميركية، ما قد يكون أسهم أيضاً في منع الوصول إلى الميناء. في حين تقول مصادر سورية، إن السلطات الجديدة فرضت قيوداً للحد من مجالات تهريب أنصار النظام السابق على متن سفن روسية.

وتشير صور الأقمار الاصطناعية من «ماكسار» تراكماً كبيراً للمعدات العسكرية الروسية في الميناء، بما في ذلك أكثر من 100 شاحنة ومعدات دفاع جوي. ويقول المحللون إنه إذا فشلت السفن في الرسو، فإن البديل الوحيد يظل قاعدة حميميم الجوية. وهناك، تستمر الرحلات الجوية المنتظمة لوزارة الدفاع الروسية لضمان نقل الأفراد والبضائع. وفي الوقت نفسه، أرسلت الولايات المتحدة طائرة دورية إلى المنطقة لمراقبة الوضع.

جندي روسي أمام مركبات عسكرية في إحدى القواعد الروسية في عين العرب «كوباني» (أرشيفية)

إضافة إلى ذلك، وبينما تؤكد موسكو استمرار المفاوضات مع السلطات السورية الجديدة، لكن محللين في روسيا رأوا أن «احتمال انسحاب روسيا الكامل من البلاد آخذ في الازدياد»، وفقاً لما نقلته صحيفة «موسكو تايمز»، بالإضافة إلى ذلك، أشارت تقديرات محللي الصحيفة إلى أن الوحدات الروسية في سوريا «غدت محاصرة فعلياً في أماكن انتشارها».

في هذا الإطار، قال الخبير السياسي روستيسلاف إيفاتشينكو، في مقابلة مع موقع «برافدا رو»، إن القواعد العسكرية الروسية في المنطقة، فقدت عملياً أهميتها الاستراتيجية. ويكمن السبب في رأيه في «تغيير ميزان القوى: فتركيا، التي تتمتع بالسيطرة الجغرافية على المضائق والمنطقة كلها، يمكنها أن تمنع الوصول إلى هذه القواعد في أي وقت».

ووفقاً لإيفاشتشينكو، فإن هذا لا يعني ضرورة سحب القواعد، لكن الحفاظ عليها يصبح مكلفاً سياسياً واقتصادياً، مبرراً بأن «اعتماد روسيا المتزايد على تركيا في هذا الشأن يضع موسكو في موقف صعب».