موسكو تؤكد صلة أوكرانيا بـ«هجوم كروكوس»... وبوتين يتوعد بعقاب

الهجوم الدموي أعاد للروس ذكريات مرعبة قبل ربع قرن

مواطنون روس يكرّمون ذكرى ضحايا الهجوم الإرهابي في موسكو السبت (رويترز)
مواطنون روس يكرّمون ذكرى ضحايا الهجوم الإرهابي في موسكو السبت (رويترز)
TT

موسكو تؤكد صلة أوكرانيا بـ«هجوم كروكوس»... وبوتين يتوعد بعقاب

مواطنون روس يكرّمون ذكرى ضحايا الهجوم الإرهابي في موسكو السبت (رويترز)
مواطنون روس يكرّمون ذكرى ضحايا الهجوم الإرهابي في موسكو السبت (رويترز)

لم تمر 24 ساعة على وقوع الهجوم الدموي في «مركز كروكوس» التجاري الترفيهي العملاق، شمال غربي موسكو، حتى أعلنت الأجهزة الأمنية عن نجاحها في تعقب المنفذين الأربعة، واعتقالهم مع عدد آخر من المشاركين في التخطيط للهجوم.

وفتحت النتائج الأولى للتحقيقات، التي جرت سريعاً بالاستناد إلى اعترافات بعض الموقوفين، على تطور خطر للغاية. إذ أكدت تسجيلات سربتها المسؤولة الإعلامية المقربة من الكرملين، مارغاريتا سيمونيان رئيسة تحرير شبكة «روسيا سيفودنيا»، أن المنفذين «تلقّوا تعليمات عبر تطبيق (تلغرام) بإطلاق النار عشوائياً وإيقاع أكبر قدر ممكن من القتلى»، في مقابل حصولهم على مبلغ مالي قدره مليون روبل (12 ألف دولار) تم تحويل نصفه قبل التنفيذ.

توعّد بوتين

نشرت الأجهزة الروسية مقاطع مصورة من تحقيقات جرت في الشارع مباشرة بعد القبض على المنفذين، الذين اعتقل اثنان منهم في منطقة بريانسك على مقربة من الحدود مع أوكرانيا. وقال أحدهما إنهما كانا ينويان قطع الحدود نحو البلد الجار، فيما اعتقل ثالث في منطقة قريبة من مكان وقوع الحادث.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة متلفزة السبت (رويترز)

وبدا أن الأبرز في التسجيلات هو العثور على «أثر أوكراني» في الجريمة المروعة، وهو ما دفع الرئيس فلاديمير بوتين الذي تلقى تقارير أمنية وافية عن اعتقال 11 شخصاً لهم صلات بالعملية، إلى الظهور في رسالة تلفزيونية موجهة إلى الروس قال فيها إنه «تم العثور على جميع الجناة الأربعة المنفذين المباشرين للهجوم الإرهابي، أولئك الذين أطلقوا النار وقتلوا الناس، وتم اعتقالهم»، مضيفاً أنهم «حاولوا الاختباء متجهين نحو أوكرانيا، وتشير المعطيات الأولية إلى أنه تم إعداد منفذ لهم من الجانب الأوكراني لعبور حدود الدولة». وأضاف أن الأجهزة الأمنية «تعمل الآن على تحديد وكشف قاعدة المتواطئين مع الإرهابيين، من أولئك الذين زودوهم بوسائل النقل، وأعدوا طرق الهروب من مكان الجريمة، والمآوي المجهزة ومخابئ الأسلحة والذخيرة».

وتوعد بوتين «جميع منفذي هذه الجريمة ومنظميها ومدبريها» بأنهم سوف ينالون العقاب العادل والحتمي، وقال: «سنحدد ونعاقب كل من يقف وراء الإرهابيين، من أعد هذا العمل الوحشي، هذا الهجوم على روسيا وعلى شعبنا».

رجلا إطفاء روسيان داخل قاعة الحفلات الموسيقية المحترقة في ضاحية موسكو السبت (إ.ب.أ)

وخاطب الروس بعبارات حماسية مؤكداً أن «واجبنا المشترك الآن أن نكون معاً في صف واحد، وأعتقد أن الأمر سيكون كذلك، لأنه لا يمكن لأحد ولا لشيء أن يهز وحدتنا وإرادتنا، وتصميمنا وشجاعتنا، وقوة شعب روسيا الموحد. لن يتمكن أحدٌ من زرع بذور الشقاق والذعر السامة في مجتمعنا متعدد الأعراق». وذكّر بأن روسيا «مرت بأصعب المحن التي كانت لا تطاق أحياناً، لكنها خرجت منها أكثر قوة. وسيكون الأمر كذلك الآن أيضاً». بدوره، أكد نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسي، أن الهجوم «أظهر مدى التهديد الذي يشكله الإرهاب على روسيا».

دور أوكراني؟

تفتح الرواية المقدمة على كل الاحتمالات حول رد الفعل الروسي المحتمل حيال أوكرانيا، وكان نائب رئيس مجلس الأمن ديمتري مدفيديف لوّح مباشرة وبعد مرور ساعات فقط على الهجوم بأن «الموت سوف يجلب الموت»، متوعداً بـ«سحق قادة أوكرانيا» إذا ثبت وجود صلة لهم مع هذا الهجوم.

لكن، ومع أن مسار التحقيقات سوف يصب بعد هذا التطور في اتجاه تحميل كييف والأجهزة الغربية من خلفها المسؤولية عن الهجوم الدموي، فإن الحادث المروع بث حالةً من الذعر في أوساط الروس، خصوصاً أنه ذكرهم بسلسلة أعمال تفجيرية وهجمات دموية شهدتها المدن الروسية الكبرى في مطلع الألفية.

لافتة حداد على ضحايا الهجوم الإرهابي في أحد شوارع موسكو (أ.ف.ب)

ولا شك أن حديث بوتين عن وحدة الأمة في مواجهة الكوارث حمل دلالات مهمة، خصوصاً أن الهجوم الدموي وقع بعد مرور أيام قليلة على إعادة انتخابه رئيساً لولاية خامسة بأصوات غالبية ساحقة من الروس. وهو أمر أشار إليه بوتين في خطاب بعد الفوز، قال فيه إن الروس «منحوا أصواتهم وثقتهم، وعلينا أن نعمل من أجل تنفيذ الخطط التي تلبي تطلعاتهم»، مشيراً إلى تعزيز أمن البلاد ومواجهة التحديات ورفع مستوى المعيشة للمواطن. كان المغزى وراء هذه العبارة واضحاً، فبوتين حصل على تفويض شعبي كامل في إطار «عقد اجتماعي» يقوم على ثقة الروس به، في مقابل تلبية تطلعاتهم وتقليص مصادر الخطر أو المشكلات المحيطة بهم.

لقد وجه إرهاب كروكوس ضربة قاسية وشكل تحدياً جدياً لبوتين في هذا الإطار.

تحقيقات أولية

في الموضوع ذاته، بدا أن «التحقيقات الأولية» لا تجيب على الكثير من التساؤلات التي شغلت بال الروس، إذ ليس مفهوماً كيف نجح أربعة شبان بالكاد يعرفون الروسية، في اقتحام مركز تجاري ضخم ومهم للغاية، وفتح النيران على المواطنين بشكل مباشر، وبهدوء لافت، كما ظهر في تسجيلات فيديو انتشرت على مواقع التواصل.

قوات الأمن الروسية قرب موقع الهجوم الدامي في إحدى ضواحي موسكو السبت (إ.ب.أ)

اللافت في الموضوع أن اللقطات المنشورة تدل على أنهم محترفو قتال ومدربون بشكل جيد، ما يضع أسئلة حول فكرة أنه تم تجنيدهم قبل شهر واحد عبر «تلغرام».

الموضوع اللافت الثاني، هو المقارنات التي سارعت وسائل إعلام إلى وضعها بين الهجوم وبين هجمات سابقة على «مسرح دوبروفكا» في موسكو عام 2002، و«مدرسة بيسلان» (أوسيتيا الشمالية - شمال القوقاز) في 2004. في الحالتين، كان الفاعلون والدوافع معروفة ومحددة، إذ نفذ مقاتلون شيشانيون العمليتين، واحتجزوا خلالهما رهائن مدنيين مطالبين بوقف الحرب في الشيشان وإطلاق سراح معتقلين لدى موسكو.

الفارق أن منفذي «مركز كروكوس» لا توجد هوية محددة تربطهم بمطالب محددة، كما أنهم نفذوا هجوماً يهدف مباشرة إلى قتل أكبر عدد ممكن من الناس وترويع البلاد، وليس لإعلان مواقف سياسية.

منظر يظهر قاعة الحفلات الموسيقية المحترقة في صالة كروكوس بأعقاب حادث إطلاق النار في كراسنوغورسك خارج موسكو الجمعة (أ.ف.ب)

في هذا الإطار، يبدو هجوم المركز التجاري، وفقاً لبعض الخبراء، أقرب في آلية تنفيذه وعقلية تدبيره إلى سلسلة الهجمات التفجيرية التي استهدفت مباني سكنية في موسكو ومدن أخرى نهاية عام 1999، وطوال عام 2000.

ولا شك أن مسارعة الأجهزة الروسية حالياً إلى توجيه الاتهامات إلى «الإرهاب الأوكراني» توفر قناعة بأن الحادث الكبير سوف يحمل الكثير من التطورات الساخنة على صعيد الجبهة المفتوحة في البلد الجار.


مقالات ذات صلة

الحكم على رئيس الاستخبارات الباكستانية الأسبق بالسجن بعد محاكمة عسكرية

آسيا الفريق الركن فايز حميد الحليف المقرّب لرئيس الوزراء السابق عمران خان تولّى في السابق قيادة جهاز الاستخبارات الباكستانية القوي (أ.ب)

الحكم على رئيس الاستخبارات الباكستانية الأسبق بالسجن بعد محاكمة عسكرية

يشكل الحكم لحظةً نادرةً في التاريخ السياسي الباكستاني، إذ إنها المرة الأولى التي يُحاكم فيها رئيس سابق لأقوى جهاز في البلاد ويُسجن على يد المؤسسة العسكرية.

سلمان مسعود سلمان مسعود (إسلام آباد *)
آسيا يقود الركاب سياراتهم وسط ضباب كثيف بعد تلوث الهواء الشديد في إسلام آباد في 10 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

مقتل معلمتين بإطلاق نار نفّذه مسلحون مجهولون شمال غرب باكستان

قُتلت معلمتان تعملان في القطاع الحكومي إثر تعرضهما لإطلاق نار على يد مسلحين مجهولين، الجمعة، في منطقة شارسده بإقليم خيبر بختونخواه شمال غرب باكستان. وأوضحت…

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد )
آسيا محكمة عسكرية حكمت على فيض حميد رئيس المخابرات السابق بالسجن 14 عاماً بعد إدانته بـ4 تهم من بينها التدخل في السياسة (متداولة)

حكم بالسجن 14 عاماً بحق رئيس مخابرات باكستان السابق

قال الجيش في باكستان، الخميس، إن محكمة عسكرية حكمت على فيض حميد، رئيس المخابرات السابق، بالسجن 14 عاماً بعد إدانته بأربع تهم، من بينها التدخل في السياسة.

«الشرق الأوسط» (إسلام آباد)
أفريقيا رئيس مالي الجنرال آسيمي غويتا تعهَّد بالقضاء على الإرهاب ويحظى بدعم روسي كبير (إعلام محلي)

الجيش المالي يوجه ضربات جديدة لمعاقل «القاعدة»

أعلن الجيش المالي أنه دمَّر مواقع تابعة للجماعات الإرهابية، في منطقة قرب الحدود مع موريتانيا.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا استنفار أمني صومالي في العاصمة مقديشو (متداولة)

إحباط محاولة تفجير قرب أكاديمية عسكرية صومالية في مقديشو

أحبطت قوات الجيش الوطني الصومالي محاولة تفجير انتحارية كانت تستهدف مقر أكاديمية الجنرال طغبدن العسكرية في العاصمة مقديشو.

«الشرق الأوسط» (مقديشو)

عقوبات بريطانية على قادة من «الدعم السريع» بينهم شقيق «حميدتي»

عبد الرحيم دقلو نائب قائد «قوات الدعم السريع» (وسط) خلال اجتماعات لإطلاق «تحالف تأسيس» بنيروبي في فبراير الماضي (أ.ب)
عبد الرحيم دقلو نائب قائد «قوات الدعم السريع» (وسط) خلال اجتماعات لإطلاق «تحالف تأسيس» بنيروبي في فبراير الماضي (أ.ب)
TT

عقوبات بريطانية على قادة من «الدعم السريع» بينهم شقيق «حميدتي»

عبد الرحيم دقلو نائب قائد «قوات الدعم السريع» (وسط) خلال اجتماعات لإطلاق «تحالف تأسيس» بنيروبي في فبراير الماضي (أ.ب)
عبد الرحيم دقلو نائب قائد «قوات الدعم السريع» (وسط) خلال اجتماعات لإطلاق «تحالف تأسيس» بنيروبي في فبراير الماضي (أ.ب)

فرضت بريطانيا، الجمعة، عقوبات على كبار قادة «قوات الدعم السريع» السودانية، متهمة إياهم بالتورط في عمليات قتل جماعي وعنف جنسي بشكل ممنهج، وهجمات متعمدة على المدنيين في السودان. وقالت الحكومة البريطانية إن عبد الرحيم حمدان دقلو، نائب قائد «قوات الدعم السريع» وشقيق قائدها محمد حمدان دقلو (حميدتي)، إلى جانب ثلاثة قادة آخرين يُشتبه في تورطهم بهذه الجرائم، باتوا يواجهون تجميد أصول وحظر سفر. وقالت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر في بيان إن «الفظائع المرتكبة في السودان مروعة إلى حد أنها تترك ندبة في ضمير العالم... والعقوبات التي نعلنها ضد قادة (قوات الدعم السريع) تشكل ضربة مباشرة لأولئك الذين تلطخت أيديهم بالدماء».

انتهاكات متعمدة

وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر (أ.ب)

وأضافت الوزيرة البريطانية أن أفعال «قوات الدعم السريع» في الفاشر ليست عشوائية «بل هي جزء من استراتيجية متعمدة لترهيب السكان وبسط السيطرة عن طريق الخوف والعنف. وآثار أفعالهم يمكن مشاهدتها من الفضاء... حيث تُظهر صور الفاشر التي التُقطت من الفضاء الرمال مخضّبة بالدماء، وأكوام جثث، وما يدل على وجود قبور جماعية دُفنت بها جثث الضحايا بعد حرقها». ورأت الوزيرة في بيان ضرورة محاسبة المسؤولين عن هذه الأفعال، واتخاذ خطوات عاجلة للحيلولة دون حدوثها مرة أخرى.

وجاء في البيان أن «فرض عقوبات على قيادات (قوات الدعم السريع) الذين يُشتبه بضلوعهم في أعمال القتل الجماعي والعنف الجنسي في الفاشر، يرسل رسالة واضحة بأن كل من يرتكب فظائع سوف يُحاسَب عن أفعاله. وذلك يجسد التزام المملكة المتحدة بمنع ارتكاب مزيد من الفظائع».

الأشخاص المشمولون بالعقوبات:

* عبد الرحيم حمدان دقلو – شقيق ونائب قائد «قوات الدعم السريع» الفريق أول «حميدتي». يشير البيان إلى وجود أسباب معقولة تدعو لإثارة الشك بأنه ضالع، أو كان ضالعاً، في عمليات قتل جماعي، وإعدام على أساس عرقي، وعنف جنسي ممنهج، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي، والاختطاف لطلب فدية، والاعتقال التعسفي، والاعتداء على المرافق الصحية وموظفي الإغاثة.

عبد الرحيم دقلو نائب قائد «قوات الدعم السريع» (وسط) خلال اجتماعات لإطلاق «تحالف تأسيس» بنيروبي في فبراير الماضي (أ.ب)

* جدو حمدان أحمد – قائد «قوات الدعم السريع» في قطاع شمال دارفور. يشير البيان إلى وجود أسباب معقولة تدعو لإثارة الشك بأنه ضالع، أو كان ضالعاً، في عمليات قتل جماعي، وعنف جنسي، واختطاف، وهجمات على طواقم طبية وموظفي إغاثة.

* الفاتح عبد الله إدريس – عميد في «قوات الدعم السريع». توجد أسباب معقولة تدعو لإثارة الشك بأنه مسؤول، أو كان مسؤولاً، عن العنف ضد أشخاص بناء على أصلهم العرقي وعلى دينهم، وتعمّد استهداف المدنيين.

* تيجاني إبراهيم موسى محمد – قائد ميداني لـ«قوات الدعم السريع». توجد أسباب معقولة تدعو لإثارة الشك بأنه مسؤول، أو كان مسؤولاً، عن الاستهداف المتعمد لمدنيين في الفاشر.

تعهدات بمساعدات

ودعت المملكة المتحدة جميع أطراف الصراع إلى إنهاء فوري للفظائع، وحماية المدنيين، وإزالة العوائق أمام وصول المساعدات الإنسانية.

وذكر البيان أن الحكومة تعهدت بتقديم 21 مليون جنيه إسترليني إضافية لتوفير الغذاء والمأوى والخدمات الصحية والحماية للنساء والأطفال في بعض المناطق التي يصعب الوصول إليها، والتي باتت على حافة الهاوية.

وأشار البيان إلى أن «شريان الحياة هذا سوف يمكّن وكالات الإغاثة من الوصول إلى 150 ألف شخص، وتوفير احتياجاتهم الأساسية كالغذاء والرعاية الطبية والمأوى الطارئ، إلى جانب الحفاظ على استمرار تقديم الخدمات في المستشفيات، ولمّ شمل العائلات التي فرّقت شملها الحرب».

وتأتي هذه العقوبات بعد أن اقترحت الولايات المتحدة والإمارات ومصر والسعودية في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي خطة لهدنة لمدة ثلاثة أشهر تليها محادثات سلام. وردت «قوات الدعم السريع» بقبول الخطة، لكنها سرعان ما شنت غارات جوية مكثفة بطائرات مسيّرة على مناطق تابعة للجيش. وتسبب اندلاع الحرب في أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في نزوح ملايين الأشخاص.

وفي وقت سابق من الشهر الحالي، تبنّى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قراراً مقدماً بقيادة المملكة المتحدة أدان الفظائع، وحشد الإجماع الدولي حول التكليف بإجراء تحقيق عاجل في الفظائع التي ارتُكبت في الفاشر.

غوتيريش: حرب «فضيحة»

من جهته، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عقد لقاء يضم الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» في جنيف، في وقت قريب، ضمن محاولة تقوم بها المنظمة الأممية لدفع الطرفين لاحترام القانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين، ولتنفيذ ما تم التوافق عليه سابقاً في «إعلان جدة»، وحمّل في الوقت نفسه الأطراف السودانية المسؤولية عن الانتهاكات، وركّز هجومه على «الدعم السريع» ووصفها بـ«القوات السيئة».

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش (رويترز)

وفي تصريحات نقلتها فضائية «العربية – الحدث»، الجمعة، وصف غوتيريش الحرب في السودان بـ«الفضيحة»، وطالب بضغط دولي حقيقي على أطراف القتال والجهات الداعمة، وضرورة المساءلة عن الجرائم والانتهاكات ضد أطرافها، وقال: «دعوني أكون صادقاً، هناك إخفاقات كثيرة في السودان... سلوك فظيع شاهدناه، ولا أحد يسلك سلوكاً جيداً، لكن هناك جانباً واحداً يرتكب الجرائم بالشكل الأسوأ... قوات (سيئة) وهي (قوات الدعم السريع)».

«الدعم السريع» تنفي

وأثارت تصريحات الأمين العام غضب «قوات الدعم السريع»، فسارع تحالف «تأسيس» الموالي لها، إلى الرد ببيان اتهم فيه غوتيريش بـ«ازدواجية المعايير» بشأن الانتهاكات في السودان. وقال المتحدث باسم التحالف الدكتور علاء الدين نقد، في بيان حصلت عليه «الشرق الأوسط»، إن تحالفه «سعى إلى كل منابر التفاوض، ولم ينسحب من أي مفاوضات، وقبِل بالهدن الإنسانية، وأقر بحدوث انتهاكات فردية، من بعض منسوبيه، واتخذ إجراءات للمحاسبة، كما أعلن تشكيل لجان لحماية المدنيين، وأبدى تعاوناً مع آليات تقصّي الحقائق».

قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو يلقي كلمة أمام قواته (أرشيفية - قناته على «تلغرام»)

ومقابل ذلك، وجّه نقد اتهامات واسعة للجيش السوداني، واتهمه بارتكاب فظائع وجرائم حرب مزعومة، ودعا المجتمع الدولي إلى إرسال بعثات مستقلة لتقصّي الحقائق ميدانياً، بدلاً من الاعتماد على ما وصفه بـ«الحملات الإعلامية المضللة».

وقال غوتيريش إن القنوات الدبلوماسية مع أطراف الحرب في السودان ما تزال مفتوحة، وإن الأمم المتحدة «تتحدث مع جميع الأطراف» في محاولة لوقف الحرب. وكشف عن اجتماع بين الجيش و«قوات الدعم السريع» يُعقد في جنيف في وقت قريب، ويهدف إلى دفعهما لاحترام مبادئ القانون الإنساني الدولي وحماية المدنيين، وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه سابقاً في محادثات جدة السعودية.


عبور عشرات المهاجرين إلى بولندا عبر نفق على الحدود مع بيلاروسيا

حرس الحدود في بولندا يلقي القبض على أحد الأشخاص (حرس الحدود البولندي عبر منصة «إكس»)
حرس الحدود في بولندا يلقي القبض على أحد الأشخاص (حرس الحدود البولندي عبر منصة «إكس»)
TT

عبور عشرات المهاجرين إلى بولندا عبر نفق على الحدود مع بيلاروسيا

حرس الحدود في بولندا يلقي القبض على أحد الأشخاص (حرس الحدود البولندي عبر منصة «إكس»)
حرس الحدود في بولندا يلقي القبض على أحد الأشخاص (حرس الحدود البولندي عبر منصة «إكس»)

قال حرس الحدود في بولندا، اليوم الجمعة، إن أكثر من 180 مهاجراً عبروا إلى البلاد عبر نفق في غابة على الحدود مع بيلاروسيا.

وذكر حرس الحدود، في بيان، أن نحو 130 منهم جرى أوقفوا داخل بولندا بعد اكتشاف الممر، الخميس، في حين تمكن الآخرون من الفرار، وفقاً لوكالة «رويترز».

ونشر حرس الحدود مقطع فيديو للنفق المحفور بين الجذور وفي الأرض الجرداء، والمدعوم بأعمدة خشبية وقضبان معدنية، ولا يتجاوز ارتفاعه متراً ونصف المتر، وهو ما يجبر معظم العابرين على الانحناء.

وتواجه بولندا، العضو في الاتحاد الأوروبي، أزمة متصاعدة على حدودها مع بيلاروسيا منذ عام 2021.

وتتهم بولندا كلاً من بيلاروسيا وروسيا بالتآمر لزعزعة استقرارها من خلال تشجيع الأفراد، وخاصة من الشرق الأوسط وأفريقيا، على عبور الحدود. ورفضت الدولتان هذه الاتهامات مراراً.


الكرملين يرفض تعديلات أوروبا على «خطة السلام»... ويترقب الحوار مع واشنطن

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لندن (إ.ب.أ)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لندن (إ.ب.أ)
TT

الكرملين يرفض تعديلات أوروبا على «خطة السلام»... ويترقب الحوار مع واشنطن

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لندن (إ.ب.أ)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في لندن (إ.ب.أ)

بدا الجمعة أن النقاشات حول خطة السلام الأميركية في أوكرانيا بدأت تأخذ منحى أكثر تسارعاً، برغم تباعد المواقف بين موسكو من جانب، وكييف والعواصم الأوروبية من جانب آخر. ولفتت السجالات الروسية - الأوكرانية حول مصير منطقة دونباس، إلى انتقال الأطراف إلى مناقشة تفاصيل عملية التسوية المقبلة التي رأت أوساط في روسيا أنها «باتت قريبة».

جانب من اجتماع الرئيس الأميركي دونالد ترمب مع قادة أوروبا حول حرب أوكرانيا في البيت الأبيض يوم 15 أغسطس (إ.ب.أ)

وبعد مرور ساعات على إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فكرة إجراء استفتاء وطني شامل لتحديد مستقبل دونباس، ما حمل مؤشرات إلى بدء الخطوات العملية لتكريس الإقرار الأوكراني الرسمي بضرورة تقديم تنازلات ميدانية مؤلمة، رد الكرملين بتأكيد أن روسيا لن تتراجع عن قرارات ضم الأراضي التي باتت «روسية وفقاً للدستور». لكن اللافت أنه أقر في الوقت ذاته بإمكان تقديم تنازلات محددة لإنجاح خطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، في سياق الاستعداد لسحب الجيش الروسي مستقبلاً من المنطقة، والاكتفاء بقوات شرطية لحفظ الأمن فيها.

الرئيسان الفرنسي ماكرون والأوكراني زيلينسكي ورئيس الوزراء البريطاني ستارمر ونظيره البولندي تاسك والمستشار الألماني ميرتس في كييف يوم 10 مايو (إ.ب.أ)

وقال يوري أوشاكوف، مساعد الرئيس الروسي، إنه لا يستبعد احتمالية عدم وجود أي قوات روسية في دونباس في نهاية المطاف، لكنه أشار إلى أن وحدات «الحرس الوطني» قد تبقى في إطار قوات للحفاظ على النظام.

وتمسك أوشاكوف بموقف موسكو السابق حول أن «أي وقف لإطلاق النار لن يتحقق إلا بعد انسحاب القوات الأوكرانية». لكنه أضاف أن «ما سيحدث هناك (في دونباس) بعد ذلك، فبرأيي، يمكننا مناقشة ذلك؛ لأنه من الممكن تماماً ألا يكون هناك أي قوات، سواء روسية أو أوكرانية. نعم، لكن سيبقى (الحرس الوطني)، وشرطتنا، وكل ما يلزم للحفاظ على النظام وتنظيم الحياة».

وردّ السياسي الروسي على فكرة زيلينسكي إجراء استفتاء لتحديد مستقبل المنطقة، مذكّراً بأن «دونباس بأكملها روسية وفقاً للدستور الروسي». ورأى أن دونباس «ستخضع عاجلاً أو آجلاً للسيطرة الروسية الكاملة (...) إن لم يكن عن طريق المفاوضات، فعسكرياً. ستخضع هذه المنطقة (دونباس) للسيطرة الكاملة للاتحاد الروسي. كل شيء آخر سيتوقف على ذلك». وقال مساعد الرئيس الروسي إن موسكو «قد لا تكون راضية تماماً عن الوثيقة الأميركية المعدلة بشأن تسوية السلام في أوكرانيا التي ستتلقاها قريباً».

وأوضح أن «الأميركيين يقومون حالياً بالتنسيق مع الأوروبيين والأوكرانيين. وفي نهاية المطاف، يجب عرض النسخة النهائية لخطة السلام علينا، وهو ما سيثير، بطبيعة الحال، رد فعل مناسباً. ولا أعتقد أننا سنكون راضين تماماً عنها». وزاد أن بلاده لم تطلع بعد على النسخ المعدلة من خطة السلام الأميركية، مضيفاً أن موسكو «سوف تنخرط بشكل فعّال مع واشنطن بشأن خطة السلام في أوكرانيا». وأوضح: «عاجلاً أو آجلاً ستُستأنف الاتصالات الفعّالة مع الأميركيين؛ لأن ما ينسّقه الأميركيون حالياً مع الأوروبيين والأوكرانيين يجب أن يُعرض علينا في نهاية المطاف».

قادة «الترويكا الأوروبية» مع الرئيس الأوكراني عند مدخل مقر رئاسة الوزراء البريطانية في لندن الاثنين (أ.ف.ب)

في غضون ذلك، بدا أن زيلينسكي الذي تعرض لضغوط أميركية قوية خلال الأيام الماضية، بدأ يستعد بالفعل لخوض استحقاق انتخابي رئاسي. وكانت موسكو شككت في شرعية الرئيس الأوكراني أكثر من مرة؛ كونه أجّل الاستحقاق الانتخابي بعد انتهاء ولايته الرئاسية العام الماضي، مبرراً ذلك بأن البلاد تعيش في حالة طوارئ بسبب الحرب.

ووفقاً لوكالة «آر بي سي - أوكرانيا»، يعتزم حزب «خادم الشعب» الحاكم عقد مؤتمر في 17 ديسمبر (كانون الأول) لإعادة انتخاب زعيمه زيلينسكي، ما يمهد لإطلاق عملية انتخابية في البلاد.

الرئيسان ترمب وبوتين خلال «قمة ألاسكا» في 15 أغسطس (أ.ف.ب)

ورأت تحليلات في وسائل إعلام روسية وأوكرانية أن إجراء الانتخابات وإعلان زيلينسكي احتمال إجراء استفتاء على الأراضي، يعدان مؤشرين إلى أن «الصراع يقترب من نهايته». ورأى خبراء أنه «مهما كانت النتيجة فهي حتماً وخيمة على أوكرانيا (...) سيشعر بعض الأوكرانيين بالخيانة، في حين سوف يتساءل آخرون عن جدوى كل هذه التضحيات إذا ما تبين أن الاتفاق النهائي أسوأ من ذلك الذي رفضته كييف في إسطنبول في أبريل (نيسان) 2022. لكنْ ثمة أمر واحد واضح: لقد باتت نهاية الحرب أقرب بكثير».

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف يتحدث مع نظيره الأميركي ماركو روبيو بكوالالمبور في 11 يوليو 2025 (رويترز)

وكان الكرملين علّق على تصريح زيلينسكي بشأن استعداده لإجراء انتخابات رئاسية في أوكرانيا، بإشارة إلى أن «هذا التصريح جديد تماماً».

وأشار المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، إلى «تطور» في موقف زيلينسكي، لكنه ذكّر بأن الرئيس فلاديمير بوتين كان قد أثار هذا الموضوع سابقاً مع نظيره الأميركي، وأكد الطرفان في حينه «الحاجة إلى مثل هذه الإجراءات».

وكان زيلينسكي أكد استعداده للانتخابات، لكنه شدد على ضرورة إجراء تعديلات تشريعية واتخاذ تدابير أمنية، بما في ذلك السماح لأفراد الجيش بالتصويت. كما أشار إلى أن أولوية الحكومة يجب أن تكون ضمان شفافية العملية الانتخابية ونزاهتها، فضلاً عن حماية حقوق جميع المواطنين.