موسكو تؤكد صلة أوكرانيا بـ«هجوم كروكوس»... وبوتين يتوعد بعقاب

الهجوم الدموي أعاد للروس ذكريات مرعبة قبل ربع قرن

مواطنون روس يكرّمون ذكرى ضحايا الهجوم الإرهابي في موسكو السبت (رويترز)
مواطنون روس يكرّمون ذكرى ضحايا الهجوم الإرهابي في موسكو السبت (رويترز)
TT

موسكو تؤكد صلة أوكرانيا بـ«هجوم كروكوس»... وبوتين يتوعد بعقاب

مواطنون روس يكرّمون ذكرى ضحايا الهجوم الإرهابي في موسكو السبت (رويترز)
مواطنون روس يكرّمون ذكرى ضحايا الهجوم الإرهابي في موسكو السبت (رويترز)

لم تمر 24 ساعة على وقوع الهجوم الدموي في «مركز كروكوس» التجاري الترفيهي العملاق، شمال غربي موسكو، حتى أعلنت الأجهزة الأمنية عن نجاحها في تعقب المنفذين الأربعة، واعتقالهم مع عدد آخر من المشاركين في التخطيط للهجوم.

وفتحت النتائج الأولى للتحقيقات، التي جرت سريعاً بالاستناد إلى اعترافات بعض الموقوفين، على تطور خطر للغاية. إذ أكدت تسجيلات سربتها المسؤولة الإعلامية المقربة من الكرملين، مارغاريتا سيمونيان رئيسة تحرير شبكة «روسيا سيفودنيا»، أن المنفذين «تلقّوا تعليمات عبر تطبيق (تلغرام) بإطلاق النار عشوائياً وإيقاع أكبر قدر ممكن من القتلى»، في مقابل حصولهم على مبلغ مالي قدره مليون روبل (12 ألف دولار) تم تحويل نصفه قبل التنفيذ.

توعّد بوتين

نشرت الأجهزة الروسية مقاطع مصورة من تحقيقات جرت في الشارع مباشرة بعد القبض على المنفذين، الذين اعتقل اثنان منهم في منطقة بريانسك على مقربة من الحدود مع أوكرانيا. وقال أحدهما إنهما كانا ينويان قطع الحدود نحو البلد الجار، فيما اعتقل ثالث في منطقة قريبة من مكان وقوع الحادث.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كلمة متلفزة السبت (رويترز)

وبدا أن الأبرز في التسجيلات هو العثور على «أثر أوكراني» في الجريمة المروعة، وهو ما دفع الرئيس فلاديمير بوتين الذي تلقى تقارير أمنية وافية عن اعتقال 11 شخصاً لهم صلات بالعملية، إلى الظهور في رسالة تلفزيونية موجهة إلى الروس قال فيها إنه «تم العثور على جميع الجناة الأربعة المنفذين المباشرين للهجوم الإرهابي، أولئك الذين أطلقوا النار وقتلوا الناس، وتم اعتقالهم»، مضيفاً أنهم «حاولوا الاختباء متجهين نحو أوكرانيا، وتشير المعطيات الأولية إلى أنه تم إعداد منفذ لهم من الجانب الأوكراني لعبور حدود الدولة». وأضاف أن الأجهزة الأمنية «تعمل الآن على تحديد وكشف قاعدة المتواطئين مع الإرهابيين، من أولئك الذين زودوهم بوسائل النقل، وأعدوا طرق الهروب من مكان الجريمة، والمآوي المجهزة ومخابئ الأسلحة والذخيرة».

وتوعد بوتين «جميع منفذي هذه الجريمة ومنظميها ومدبريها» بأنهم سوف ينالون العقاب العادل والحتمي، وقال: «سنحدد ونعاقب كل من يقف وراء الإرهابيين، من أعد هذا العمل الوحشي، هذا الهجوم على روسيا وعلى شعبنا».

رجلا إطفاء روسيان داخل قاعة الحفلات الموسيقية المحترقة في ضاحية موسكو السبت (إ.ب.أ)

وخاطب الروس بعبارات حماسية مؤكداً أن «واجبنا المشترك الآن أن نكون معاً في صف واحد، وأعتقد أن الأمر سيكون كذلك، لأنه لا يمكن لأحد ولا لشيء أن يهز وحدتنا وإرادتنا، وتصميمنا وشجاعتنا، وقوة شعب روسيا الموحد. لن يتمكن أحدٌ من زرع بذور الشقاق والذعر السامة في مجتمعنا متعدد الأعراق». وذكّر بأن روسيا «مرت بأصعب المحن التي كانت لا تطاق أحياناً، لكنها خرجت منها أكثر قوة. وسيكون الأمر كذلك الآن أيضاً». بدوره، أكد نيكولاي باتروشيف، سكرتير مجلس الأمن الروسي، أن الهجوم «أظهر مدى التهديد الذي يشكله الإرهاب على روسيا».

دور أوكراني؟

تفتح الرواية المقدمة على كل الاحتمالات حول رد الفعل الروسي المحتمل حيال أوكرانيا، وكان نائب رئيس مجلس الأمن ديمتري مدفيديف لوّح مباشرة وبعد مرور ساعات فقط على الهجوم بأن «الموت سوف يجلب الموت»، متوعداً بـ«سحق قادة أوكرانيا» إذا ثبت وجود صلة لهم مع هذا الهجوم.

لكن، ومع أن مسار التحقيقات سوف يصب بعد هذا التطور في اتجاه تحميل كييف والأجهزة الغربية من خلفها المسؤولية عن الهجوم الدموي، فإن الحادث المروع بث حالةً من الذعر في أوساط الروس، خصوصاً أنه ذكرهم بسلسلة أعمال تفجيرية وهجمات دموية شهدتها المدن الروسية الكبرى في مطلع الألفية.

لافتة حداد على ضحايا الهجوم الإرهابي في أحد شوارع موسكو (أ.ف.ب)

ولا شك أن حديث بوتين عن وحدة الأمة في مواجهة الكوارث حمل دلالات مهمة، خصوصاً أن الهجوم الدموي وقع بعد مرور أيام قليلة على إعادة انتخابه رئيساً لولاية خامسة بأصوات غالبية ساحقة من الروس. وهو أمر أشار إليه بوتين في خطاب بعد الفوز، قال فيه إن الروس «منحوا أصواتهم وثقتهم، وعلينا أن نعمل من أجل تنفيذ الخطط التي تلبي تطلعاتهم»، مشيراً إلى تعزيز أمن البلاد ومواجهة التحديات ورفع مستوى المعيشة للمواطن. كان المغزى وراء هذه العبارة واضحاً، فبوتين حصل على تفويض شعبي كامل في إطار «عقد اجتماعي» يقوم على ثقة الروس به، في مقابل تلبية تطلعاتهم وتقليص مصادر الخطر أو المشكلات المحيطة بهم.

لقد وجه إرهاب كروكوس ضربة قاسية وشكل تحدياً جدياً لبوتين في هذا الإطار.

تحقيقات أولية

في الموضوع ذاته، بدا أن «التحقيقات الأولية» لا تجيب على الكثير من التساؤلات التي شغلت بال الروس، إذ ليس مفهوماً كيف نجح أربعة شبان بالكاد يعرفون الروسية، في اقتحام مركز تجاري ضخم ومهم للغاية، وفتح النيران على المواطنين بشكل مباشر، وبهدوء لافت، كما ظهر في تسجيلات فيديو انتشرت على مواقع التواصل.

قوات الأمن الروسية قرب موقع الهجوم الدامي في إحدى ضواحي موسكو السبت (إ.ب.أ)

اللافت في الموضوع أن اللقطات المنشورة تدل على أنهم محترفو قتال ومدربون بشكل جيد، ما يضع أسئلة حول فكرة أنه تم تجنيدهم قبل شهر واحد عبر «تلغرام».

الموضوع اللافت الثاني، هو المقارنات التي سارعت وسائل إعلام إلى وضعها بين الهجوم وبين هجمات سابقة على «مسرح دوبروفكا» في موسكو عام 2002، و«مدرسة بيسلان» (أوسيتيا الشمالية - شمال القوقاز) في 2004. في الحالتين، كان الفاعلون والدوافع معروفة ومحددة، إذ نفذ مقاتلون شيشانيون العمليتين، واحتجزوا خلالهما رهائن مدنيين مطالبين بوقف الحرب في الشيشان وإطلاق سراح معتقلين لدى موسكو.

الفارق أن منفذي «مركز كروكوس» لا توجد هوية محددة تربطهم بمطالب محددة، كما أنهم نفذوا هجوماً يهدف مباشرة إلى قتل أكبر عدد ممكن من الناس وترويع البلاد، وليس لإعلان مواقف سياسية.

منظر يظهر قاعة الحفلات الموسيقية المحترقة في صالة كروكوس بأعقاب حادث إطلاق النار في كراسنوغورسك خارج موسكو الجمعة (أ.ف.ب)

في هذا الإطار، يبدو هجوم المركز التجاري، وفقاً لبعض الخبراء، أقرب في آلية تنفيذه وعقلية تدبيره إلى سلسلة الهجمات التفجيرية التي استهدفت مباني سكنية في موسكو ومدن أخرى نهاية عام 1999، وطوال عام 2000.

ولا شك أن مسارعة الأجهزة الروسية حالياً إلى توجيه الاتهامات إلى «الإرهاب الأوكراني» توفر قناعة بأن الحادث الكبير سوف يحمل الكثير من التطورات الساخنة على صعيد الجبهة المفتوحة في البلد الجار.


مقالات ذات صلة

تركيا: خطوات متسارعة على طريق الحوار مع أوجلان

شؤون إقليمية رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي مستقبِلاً وفد الحوار مع أوجلان بالبرلمان التركي (حساب حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب في «إكس»)

تركيا: خطوات متسارعة على طريق الحوار مع أوجلان

تشهد مبادرة الحوار مع زعيم «العمال الكردستاني» السجين عبد الله أوجلان حول حل الحزب وإعلان انتهاء الإرهاب في تركيا، خطوات متسارعة.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الولايات المتحدة​ صورة من موقع الهجوم الإرهابي بشارع بوربون في نيو أورليانز بلويزيانا بالولايات المتحدة الأميركية أمس (إ.ب.أ)

«التحقيقات الفيدرالي»: منفّذ عملية الدهس في نيو أورليانز تصرّف بمفرده

أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي «إف بي آي»، الخميس، أن منفّذ عملية الدهس في نيو أورليانز، التي أسفرت عن مقتل 15 شخصاً على الأقل، تصرّف بشكل منفرد.

«الشرق الأوسط» (نيو أورليانز (الولايات المتحدة))
الولايات المتحدة​ مخزون من المتفجرات محلية الصنع تم العثور عليها في منزل براد سبافورد بولاية فرجينيا الأميركية في شهر ديسمبر (أ.ب)

«إف بي آي» عثر على 150 قنبلة محلية الصنع بمنزل بفرجينيا في ديسمبر

عثر العملاء الفيدراليون في أميركا على أحد أكبر مخزونات المتفجرات محلية الصنع التي صادروها على الإطلاق، في منزل بولاية فرجينيا في ديسمبر.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ عنصران من شرطة ولاية لويزيانا في شارع بوربون بالحي الفرنسي 2 يناير 2025 بنيو أورليانز بعد هجوم إرهابي (أ.ف.ب)

هل من صلة بين هجوم نيو أورليانز والانفجار أمام فندق «ترمب إنترناشيونال»؟

يبحث المحققون الأميركيون احتمال وجود صلة بين هجوم الدهس المميت الذي وقع في نيو أورليانز، وانفجار شاحنة أمام فندق «ترمب إنترناشيونال» في لاس فيغاس.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الولايات المتحدة​ تقف سيارات الشرطة في منطقة مغلقة بعد أن صدم سائق شاحنة صغيرة حشداً في نيو أورليانز في الحي الفرنسي في وقت مبكر من يوم رأس السنة الجديدة مما أسفر عن مقتل 15 شخصاً قبل أن تقتله الشرطة بالرصاص (د.ب.أ) play-circle 00:31

تقرير: نيو أورليانز كانت تفتقر إلى الحواجز الأمنية قبل الهجوم المميت

ذكرت تقارير أن مدينة نيو أورليانز كانت تفتقر إلى الحواجز الأمنية التي كان من الممكن أن تمنع السائق من تنفيذ الهجوم المميت صباح يوم رأس السنة الجديدة.

«الشرق الأوسط» (نيو أورليانز)

زيلينسكي: عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترمب قد يساعد في إنهاء حرب أوكرانيا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناة تلغرام)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناة تلغرام)
TT

زيلينسكي: عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات ترمب قد يساعد في إنهاء حرب أوكرانيا

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناة تلغرام)
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (قناة تلغرام)

اعتبر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الخميس، أن عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب قد يساعد على إنهاء الحرب مع روسيا، التي تقترب من إتمام عامها الثالث.

وقال زيلينسكي إن الجمهوري ترمب «قوي للغاية ولا قدرة على التنبؤ بتصرفاته، وأرغب فعلاً في أن أرى عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات الرئيس ترمب ينطبق على روسيا. أنا على قناعة بأنه يريد فعلاً أن ينهي الحرب».

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يصافح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي داخل كاتدرائية نوتردام دي باريس قبل حفل إعادة افتتاح الكاتدرائية التاريخية بعد حريق عام 2019 بباريس يوم 7 ديسمبر 2024 (رويترز)

وقال وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، في مقابلة مع وكالة «تاس»، الأحد، إن روسيا غير راضية عن مقترحات فريق ترمب، المتعلقة بتأجيل انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) لمدة 20 عاماً، ونشر قوات حفظ سلام من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة هناك.

وأوضح لافروف قائلاً: «استناداً إلى التسريبات العديدة، ومقابلة دونالد ترمب مع مجلة (تايم)، في 12 ديسمبر (كانون الأول)، فهو يتحدث عن تجميد الأعمال القتالية على طول خط الاشتباك ونقل المسؤولية عن مواجهة روسيا إلى الأوروبيين».