انسحاب فرنسا من النيجر انتكاسة جديدة لها في الساحل

ماكرون أكد عزمه التواصل مع الانقلابيين من أجل خروج منظم

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً إلى قنوات تلفزيونية مساء الأحد (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً إلى قنوات تلفزيونية مساء الأحد (أ.ف.ب)
TT

انسحاب فرنسا من النيجر انتكاسة جديدة لها في الساحل

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً إلى قنوات تلفزيونية مساء الأحد (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون متحدثاً إلى قنوات تلفزيونية مساء الأحد (أ.ف.ب)

أخيراً، أقرت فرنسا باستحالة بقاء قواتها في النيجر بعد مكابرة دامت شهرين رفضت خلالهما الاستجابة للسلطة العسكرية المنبثقة من الانقلاب الذي حصل في 26 يوليو (تموز) الماضي والذي أطاح بالرئيس محمد بازوم الموجود حتى اليوم في الإقامة الجبرية، في أحد أجنحة قصر الرئاسة في نيامي. كذلك رفضت باريس ترحيل سفيرها سيلفان إيتيه الذي عدّته نيامي شخصاً غير مرغوب فيه، وسحبت منه صفته الدبلوماسية، وطلبت من باريس رحيله عنها في مهلة لا تزيد على 48 ساعة. والحال، أن الرئيس إيمانويل ماكرون أعلن مساء السبت، في حديث لعدد من القنوات التلفزيونية الفرنسية أن إيتيه سيعود إلى البلاد في «الساعات المقبلة» مع عدد من دبلوماسيي السفارة، وأن القوة الفرنسية المشكلة من 1500 رجل والمرابطة بشكل أساسي في الشق العسكري من مطار نيامي سيتم ترحيلها في مدة لن تتخطى نهاية العام الحالي.

 

مظليون عسكريون فرنسيون يحضرون للقيام بعملية عسكرية في مايو 2023 في النيجر (أ.ف.ب)

فرنسا في طريق مسدودة

ثمة إجماع في العاصمة الفرنسية على اعتبار أن التطور الأخير يشكل «نكسة» جديدة للسياسة الفرنسية في منطقة الساحل. فانسحاب القوة الفرنسية من النيجر هو الثالث من نوعه بعد انسحابها تباعاً من مالي «قوة برخان» ثم من بوركينا فاسو «قوة الكوماندوز». وفي الحالتين، نقلت قيادة الأركان الفرنسية جزءاً من القوة المنسحبة إلى النيجر التي كانت باريس تقيم معها علاقات هي من بين الأفضل في منطقة الساحل. والسؤال المطروح اليوم على السلطات الفرنسية يتناول الجهة التي سيتم الانسحاب إليها: هل ستعاد هذه القوات إلى فرنسا أم أنه سيتم إعادة نشرها في المنطقة أكان في تشاد، حيث لباريس قوة من ألف رجل أم في بلدان خليج غينيا، حيث تقترح فرنسا مساعدة البلدان المحتاجة لتعزيز قدراتها على محاربة التنظيمات الإرهابية الساعية للتمدد إليها؟

اللافت في حديث ماكرون للقنوات التلفزيونية ثباته في اعتبار أن عملية «برخان» التي أرسلت باريس بموجبها في عام 2013 قوة عسكرية كبيرة إلى مالي لمنع سقوط عاصمتها باماكو بأيدي التنظيمات الجهادية والإرهابية «كانت ناجحة»، وأن تدخل فرنسا العسكري في البلدان الثلاثة (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) كان بناء على طلب سلطاتها. وشدد على أنه «من دون (هذا التدخل)، لكانت معظم هذه البلدان قد سيطر عليها... جهاديون». وأضاف «نحن لسنا موجودين هناك لكي نكون رهائن لدى الانقلابيين. الانقلابيون هم أصدقاء الفوضى»، مشيرا إلى أن الهجمات الجهادية تسفر عن «عشرات القتلى يوميا في مالي»، وأنها استؤنفت أيضا في النيجر. ولأن محاربة الإرهاب هي مسوغ بقاء القوة الفرنسية في النيجر، ولأن التعاون بين هذه القوة وبين الجيش النيجري متوقف منذ الانقلاب العسكري، فهذا يعني، وفق باريس، أن سبب بقائها انتفى. لذا قال ماكرون: «إننا ننهي تعاوننا العسكري مع سلطات الأمر الواقع في النيجر، لأنها لم تعد تريد محاربة الإرهاب».

حقيقة الأمر أن باريس وجدت نفسها في مأزق حقيقي. فهي منذ حصول الانقلاب، رفضت الاعتراف بالسلطة الجديدة التي يترأسها الجنرال عبد الرحمن تياني بصفتها سلطة أمر واقع، لا بل كانت الأكثر تشدداً من بين الدول الغربية كافة في التنديد بالمجلس العسكري، وبقيت مصرّة على اعتبار أن شرعية الحكم تعود للرئيس المعزول محمد بازوم. والأهم من ذلك أن باريس دعمت قرارات المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) التي هددت باللجوء إلى التدخل العسكري لإعادة الانتظام الدستوري إلى النيجر، وتحرير الرئيس المحتجز، وتمكينه من استعادة سلطاته. وراهن الجانب الفرنسي على التدخل العسكري، وأكد أكثر من مرة مساندته لـ«القرارات كافة» التي يتخذها بما فيها اللجوء إلى قوة السلاح. وأكثر من مرة، قالت وزيرة الخارجية كاترين كولونا إن الوضع في النيجر يمكن أن يعود إلى الوراء. والحال، بعد انقضاء شهرين على الانقلاب، أصبح احتمال التدخل العسكري بعيداً للغاية. فـ«إيكواس» منقسمة على نفسها، والاتحاد الأفريقي لا يدعم التدخل العسكري الذي تعارضه الولايات المتحدة ودول أوروبية رئيسية مثل ألمانيا وإيطاليا... كذلك، فإن الرئيس النيجيري بولا تينوبو الذي كان الأكثر حماسة للعمل العسكري تراجع واقترح خطة سلام تنص على مرحلة انتقالية من تسعة أشهر يعود الحكم بعدها للمدنيين، على غرار ما حصل في بلاده. ثم إن الجزائر التي لها حدود مترامية مع النيجر «ألف كلم» حذّرت مراراً من مغبة التدخل العسكري، وعدته مصدر تهديد لأمنها، وطرح وزير خارجيتها أحمد عطاف، باسم الرئيس عبد المجيد تبون، خطة سلمية من ستة مبادئ أهمها التزام مرحلة انتقالية من ستة أشهر تجري عقبها انتخابات بإشراف لجنة يتم التوافق عليها بين الأطراف المعنية.

 

 

مظاهرة لنيجريين قرب القاعدة العسكرية الفرنسية في نيامي للمطالبة برحيل القوة الفرنسية (إي بي آي)

باريس مستعدة للتواصل مع الانقلابيين

في حديثه الأخير، كرر ماكرون أن بلاده ما زالت لا تعترف إلا بشرعية محمد بازوم، إلا أنها ستقوم بالتواصل مع سلطة الأمر الواقع لتنظيم خروج قواتها من النيجر. ولم تتأخر ردة فعل المجلس العسكري الذي سارع لإصدار بيان عدّ فيه أن خروج القوة الفرنسية «لحظة تاريخية تشهد على تصميم الشعب النيجري وإرادته». وجاء في البيان أيضاً أن القوة الفرنسية «ستغادر وكذلك السفير الفرنسي أراضي النيجر بحلول نهاية العام»، مضيفا أن «أي شخص أو مؤسسة أو كيان يهدد وجوده مصالح... بلدنا سيتعين عليه مغادرة أرض أجدادنا شاء ذلك أم أبى».

تعزو باريس تصاعد الشعور المعادي لها للدعاية الروسية المباشرة أو من خلال المجموعات المحلية التي تدعمها موسكو الساعية لإحداث البلبلة والفوضى في أفريقيا وتعزيز حضورها. وخلال الأسابيع الماضية، كانت نيامي تشهد مظاهرات معادية لفرنسا ولقوتها العسكرية، وحاول المتظاهرون بعد أيام قليلة على الانقلاب اجتياح السفارة الفرنسية، وقاموا بإحراق مدخلها. وبعد أن نقضوا الاتفاقات الأمنية والدفاعية المبرمة مع باريس في الثالث من أغسطس (آب) الماضي ونزعوا الصفة الدبلوماسية عن السفير إيتيه، أصبح الأخير محجوزا داخل السفارة التي قطعت عنها الكهرباء، وفرض حصار محكم حولها، وقطع أي اتصال رسمي معها. وكانت باريس رفضت ترحيل سفيرها وقواتها، على اعتبار أن قرارات المجلس العسكري «غير شرعية»، وأنها مستعدة للتجاوب فقط مع ما يطلبه الرئيس بازوم الذي كان ماكرون على تواصل شبه يومي معه. لكنّ اليوم، وبعد أن وجدت باريس أنه لا فائدة من الاستمرار في الإنكار وتجاهل سلطة الأمر الواقع، سلكت مسلكا آخر، وقال ماكرون إن القوة الفرنسية «ستعود بطريقة منظمة في الأسابيع والأشهر القادمة»، وأن بلاده «ستتشاور مع الانقلابيين؛ لأننا نريد أن يتم ذلك (الترحيل) في هدوء».

قلق فرنسي من التطورات

يبدو أن ماكرون يريد أن ينفض يديه من أي تطورات سلبية قادمة في الساحل إذ قال: «أنا قلق جدا حيال هذه المنطقة. لقد تحملت فرنسا، وحدها أحيانا، كل مسؤولياتها وأنا فخور بجيشنا. لكننا لسنا مسؤولين عن الحياة السياسية لهذه البلدان». ولمح إلى المخاوف من استقواء التنظيمات الجهادية والإرهابية التي تنشط بشكل خاص في منطقة «المثلث الحدودي» بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر. ومشكلة باريس أن خروجها العسكري من هذه البلدان يحرمها من التدخل، وبالتالي فليس من المستبعد أن تلجأ واغادوغو ونيامي إلى قوات «فاغنر» الروسية، مثلما فعلت باماكو، لملء الفراغ المتسبب بانسحاب الفرنسيين.

يبقى أن أمرين تتعين الإشارة إليهما: الأول، أن القوة العسكرية الأميركية ستبقى في النيجر كذلك السفيرة الأميركية. والثاني أن المجلس العسكري النيجري الذي أمر السبت بإعادة فتح الأجواء أمام الطيران المدني، إلا أنه استبعد من قراره الطائرات الفرنسية.


مقالات ذات صلة

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

الولايات المتحدة​ قاعدة أغاديز (أرشيفية - أ.ب)

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

أعلن الجيش الأميركي، الاثنين، إنهاء سحب كل قواته من قاعدته الأخيرة في النيجر؛ تلبية لمطلب قادة الانقلاب العسكري في الدولة الأفريقية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
أفريقيا متظاهرون يهتفون تأييداً للقوات النيجرية أثناء تجمعهم أمام السفارة الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)

مقتل 15 جندياً في النيجر قرب الحدود مع بوركينا فاسو

قتل 15 جنديا في النيجر على الأقل أمس (الاثنين) خلال معارك في منطقة تير (جنوب غرب) قرب بوركينا فاسو.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
أفريقيا مجموعة أفراد يحملون شبكة صيد في طريقهم لبحيرة الثعبان لجمع الأسماك بمالي (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو إلى «تحرك دولي فوري» لحل أزمة منطقة الساحل الأفريقي

دعت الأمم المتحدة، الجمعة، إلى تحرك دولي فوري لوضع حد للنزوح القسري للمدنيين في منطقة الساحل الأفريقي التي تشهد أزمة إنسانية تزداد سوءا.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
أفريقيا جنود فرنسيون يتأهبون لركوب طائرة عسكرية بعد انسحابهم من النيجر في 22 ديسمبر 2023 (رويترز)

السماح للجيش الألماني بالاحتفاظ بقاعدة جوية في النيجر

أعلنت وزارة الدفاع الألمانية أن الجيش الألماني سيتمكن من الاحتفاظ بقاعدته للنقل الجوي في النيجر في إطار «اتفاق مؤقت» أبرم مع الدولة الواقعة في منطقة الساحل.

«الشرق الأوسط» (برلين)
الولايات المتحدة​ صورة عامة للعاصمة نيامي (أرشيفية - رويترز)

أميركا تستكمل سحب قواتها من النيجر بحلول 15 سبتمبر

قالت النيجر والولايات المتحدة في بيان مشترك إنهما توصلتا إلى اتفاق بشأن انسحاب القوات الأميركية من الدولة الواقعة في غرب أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (نيامي )

ألمانيا تستعد لانتخابات مبكرة في فبراير بعد انهيار الائتلاف الثلاثي

المستشار أولاف شولتس وافق على تنظيم الانتخابات التشريعية في فبراير المقبل (رويترز)
المستشار أولاف شولتس وافق على تنظيم الانتخابات التشريعية في فبراير المقبل (رويترز)
TT

ألمانيا تستعد لانتخابات مبكرة في فبراير بعد انهيار الائتلاف الثلاثي

المستشار أولاف شولتس وافق على تنظيم الانتخابات التشريعية في فبراير المقبل (رويترز)
المستشار أولاف شولتس وافق على تنظيم الانتخابات التشريعية في فبراير المقبل (رويترز)

بعد أيام من الضوضاء التي عاشتها ألمانيا إثر الانهيار المفاجئ لحكومتها الائتلافية، وإصرار المستشار أولاف شولتس على الاستمرار بقيادة حكومة أقلية حتى نهاية مارس (آذار)، خضع أخيراً لضغوط المعارضة، ووافق على انتخابات مبكرة في 23 فبراير (شباط) المقبل.

ويستعد شولتس لطرح الثقة في حكومته في 16 ديسمبر (كانون الأول)، وهي خطوة ضرورية قانونياً تمهد للدعوة لانتخابات مبكرة. ومن المتوقع أن يخسر التصويت، بعد أن خسرت الحكومة أكثريتها إثر طرد المستشار لوزير ماليته كريستيان ليندنر، وانسحاب وزراء آخرين منتمين جميعاً للحزب «الليبرالي»، الذي يُشكّل مع الحزب «الاشتراكي» بزعامة شولتس، وحزب «الخضر» الائتلاف الحاكم.

المستشار الألماني أولاف شولتس متحدثاً في فعالية ببرلين غداة إقالته وزير المالية وإعلانه طرح الثقة بحكومته (د.ب.أ)

وكشف فريدريش ميرتس زعيم الحزب «الديمقراطي المسيحي»، الذي يستعد لخلافة شولتس ليصبح مستشار ألمانيا المقبل، عن استعداد حزبه لخوض الانتخابات المبكرة التي كانت مجدولة أصلاً لنهاية سبتمبر (أيلول). وقال: «نحن مستعدون، وفي أفضل حال». وتحدث خلال ظهور له في منتدى في برلين، عن خطط يعد لها حزبه، من بينها تخفيض الإعانات المالية عن العاطلين عن العمل، وهي إعانات رفعتها حكومة شولتس، وعرضتها لكثير من الانتقادات.

وزير المالية الألماني كريستيان ليندنر (أ.ب)

ورغم أن السنوات الثلاث الماضية من عمر الحكومة الائتلافية شابتها خلافات كثيرة بين الأحزاب المشاركة في الحكومة، فإن هذه المرة كان الخلاف كبيراً، وتسبب في انهيار الائتلاف الهش. واختلف المستشار مع وزير ماليته حول ميزانية العام المقبل التي لم تتمكن الأحزاب الثلاثة من الاتفاق عليها. وفيها يتفق حزب شولتس «الاشتراكي»، مع حزب «الخضر» حول السياسات الضريبية والاجتماعية لقيادة البلاد، وكان الحزب «الليبرالي» وهو حزب يميني وسطي، غالباً ما يصطدم مع الحزبين الآخرين حول السياسات المالية.

ورفض ليندنر مساعي شولتس، وحزب «الخضر» لزيادة النفقات الاجتماعية مقابل رفع الضرائب على الشركات، وسعى لتخفيض تلك الضرائب، وحتى تخفيض المعاشات التقاعدية تجنباً لزيادة الديْن العام.

الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير يتسلم شهادة الإقالة لوزير المالية كريستيان ليندنر بعد عزله من قِبَل المستشار أولاف شولتس (رويترز)

ويحظر الدستور الألماني الاستدانة إلا في الحالات الطارئة. وقد ارتفع سقف الديْن العام في ألمانيا منذ تسلم حكومة شولتس مهامها نهاية عام 2021، أولاً بسبب الأزمة الاقتصادية التي تسبب فيها وباء «كورونا»، وثانياً بسبب تبعات الحرب في أوكرانيا، والتضخم والغلاء اللذين ضربا ألمانيا. وأراد ليندنر تخفيض المعاشات التقاعدية لتمويل الحرب في أوكرانيا، ولكن شولتس عدّ ذلك خطاً أحمر وطرد وزير ماليته. وعدّ البعض الخلاف الذي حدث بين ليندنر وشولتس متعمداً، بسبب تدني شعبية حزبه بشكل كبير منذ دخوله الحكومة.

البرلمان الألماني - البوندستاغ (أ.ف.ب)

وتشير استطلاعات رأي إلى أن الحزب «الليبرالي» لن يدخل حتى البرلمان في الانتخابات المقبلة، بسبب انخفاض نسبة التأييد له إلى ما دون 5 في المائة، وهي عتبة الدخول للبرلمان. ولكن هذا الانسحاب الذي وصفه البعض بـ«التكتيكي» من الحكومة، قد يرفع حظوظ الحزب «الليبرالي» مرة جديدة، خصوصاً أن مستوى الرضا عن حكومة شولتس منخفض إلى درجات قياسية.

وليندنر نفسه عبّر عن استعداده للعودة للحكومة بعد الانتخابات المقبلة ضمن حكومة يديرها الحزب «المسيحي الديمقراطي» وزعيمه ميرتس الذي يحل في الطليعة بحسب الاستطلاعات، ويحصل على نسبة تزيد على الـ32 في المائة. وحتى ميرتس عبّر عن انفتاحه للتحالف مع الليبراليين، وإعادة ليندنر نفسه وزيراً للمالية. وتعد السياسة المالية للحزبين «الليبرالي»، و«المسيحي الديمقراطي» قريبة من بعضها، وهي سياسة محافظة تعتمدها الأحزاب اليمينية الوسطية.

زعيم حزب المعارضة «المسيحي الديمقراطي» فريدريش ميرتس الذي يتصدر حزبه استطلاعات الرأي للفوز بالانتخابات المقبلة (إ.ب.أ)

وقال ليندنر بُعيد إعلان الاتفاق على تاريخ جديد للانتخابات، إن هدف حزبه تحقيق 10 في المائة من نسبة الأصوات في الانتخابات المقبلة، مضيفاً خلال مشاركته في منتدى ببرلين، أن «السباق لمنصب المستشار انتهى، ومن شبه المؤكد أن فريدريش ميرتس هو المستشار المقبل».

وبالفعل، حتى الآن تشير الاستطلاعات إلى أن الحزب «المسيحي الديمقراطي» الذي تنتمي إليه المستشارة السابق أنجيلا ميركل، وكان قد خرج من السلطة معها قبل ثلاث سنوات، هو الحزب الأول وبفارق كبير. وفي المرتبة الثانية يحل حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف بنسبة تأييد تصل إلى 18 في المائة، وبعده الحزب «الاشتراكي» بنسبة تأييد تصل إلى 16 في المائة. وفي الماضي، قادت ميركل ثلاث حكومات ائتلافية من أصل أربع كان الحزب «الاشتراكي» شريكها فيها. ولكن هذه المرة يبدو أن ميرتس يخطط للتحالف مع الليبراليين، ولكن سيتعين أولاً الحصول على أصوات كافية لدخول البرلمان.

المستشار الألماني أولاف شولتس في مكتبه يتحدث عبر الجوال قبيل إقالته وزير ماليته (أ.ف.ب)

ويرفض ميرتس وكل الأحزاب السياسية الأخرى، التحالف مع «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف رغم حلوله ثانياً في استطلاعات الرأي، ما يعني أنه قد يصبح حزب المعارضة الأكبر داخل البرلمان في الانتخابات المقبلة.

وانهارت حكومة شولتس في اليوم الذي صدرت فيه نتائج الانتخابات الأميركية، وأُعلن فوز دونالد ترمب بالرئاسة. ورغم أن التسريبات من داخل حزب شولتس كانت تشير إلى أن فوز ترمب قد يوحد الحكومة ويدفعها لتخطي خلافات بهدف الاستعداد لولاية ترمب، فإن العكس حدث. وشجع الرئيس الألماني فرنك فالتر شتاينماير المنتمي للحزب «الاشتراكي» على السرعة لتخطي الأزمة السياسية، وإعادة الاستقرار لألمانيا، وهو يجري مشاورات لا تتوقف مع الأحزاب منذ انهيار الحكومة. ويتعين عليه الآن تأييد تاريخ 23 فبراير موعداً للانتخابات المقبلة، ولكن ذلك يعد خطوة شكلية.

وزير المالية المقال كريستيان ليندنر (إ.ب.أ)

ويرى محللون أن تقليص فترة عدم اليقين في ألمانيا ضرورية لكي تتيح للحكومة المقبلة أن تستعد للتعامل مع إدارة ترمب، خصوصاً في الملفات الشائكة، وتحديداً ملف أوكرانيا. ويؤيد حزب ميرتس دعماً أكبر لأوكرانيا من شولتس، وهو يؤيد كذلك انضمامها لحلف الناتو، على عكس شولتس الذي يرى أن الأفضل أن تبقى حيادية.