جولة «استراتيجية» لماكرون في منطقة الهندي - الهادئ

فرنسا تروج لـ«الخيار الثالث» عوض الالتحاق بأميركا أو الصين

ماكرون يلقي كلمة في نوميا، كاليدونيا الجديدة، الأربعاء (أ. ف. ب)
ماكرون يلقي كلمة في نوميا، كاليدونيا الجديدة، الأربعاء (أ. ف. ب)
TT

جولة «استراتيجية» لماكرون في منطقة الهندي - الهادئ

ماكرون يلقي كلمة في نوميا، كاليدونيا الجديدة، الأربعاء (أ. ف. ب)
ماكرون يلقي كلمة في نوميا، كاليدونيا الجديدة، الأربعاء (أ. ف. ب)

حطت طائرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء، في مطار بور فيلا، عاصمة جمهورية فانواتو، الواقعة شمال شرق أستراليا، في محطته الثانية، بعد كاليدونيا الجديدة، للزيارة المطولة التي يقوم بها إلى منطقة المحيط الهادئ.

ويصل إيمانويل ماكرون إلى فانواتو التي كانت حتى استقلالها في عام 1980 مستعمرة مشتركة فرنسية - بريطانية، في أول زيارة يقوم بها رئيس فرنسي منذ الزيارة التي قام بها الرئيس شارل ديغول في عام 1966، وبعدها ينتقل إلى مملكة بابوازي ــ غينيا الجديدة ذات الكثافة السكانية الأعلى من بين جزر المحيط الهادئ (15 مليون نسمة)، والأراضي مترامية الأطراف، إذ تبلغ مساحتها 463 ألف كيلومتر مربع.

ترى المصادر الرئاسية الفرنسية أن جولة ماكرون «تاريخية» و«استراتيجية الطابع»، وهي تندرج في سياق الاستراتيجية العامة في منطقة الهندي ــ الهادئ؛ حيث لباريس مصالح أساسية اقتصادية وسياسية وعسكرية، بينما يزيد عدد السكان الفرنسيين فيها على 1.6 مليون نسمة (موزعين على كاليدونيا الجديدة وواليس وفوتونا وبولينيزيا الفرنسية وجزيرة ريونيون). وبفضل هذه الممتلكات، فإن فرنسا تتمتع بثاني أكبر منطقة اقتصادية خالصة على المستوى العالمي.

ويشكل إقليم كاليدونيا الجديدة الواقع على بُعد 16 ألف كيلومتر من فرنسا القارية العمود الفقري للحضور الفرنسي جنوب المحيط الهادئ. وفي حين تعرف البلاد مطالبة سكانها الأصليين «الكاناك» بالاستقلال عن فرنسا، فإن الاستفتاءات الثلاثة التي جرت في الأعوام 2018 و2020 و2021 أفضت كلها إلى فوز المطالبين بالبقاء في حضن الجمهورية الفرنسية. وتجدر الإشارة إلى أن «الكاناك» قاطعوا الاستفتاء الأخير.

في هذا السياق، قال ماكرون، في خطاب له في العاصمة نوميا، إنه إذا كانت كاليدونيا الجديدة فرنسية، فذلك «لأنها اختارت أن تبقى فرنسية». وإذ أعرب عن تفهه لـ«خيبة» المطالبين بالاستقلال، فإنه رأى أن اللاءات الثلاث تعني أنه «حان الوقت لبناء مشروع جديد بتناول مستقبل الإقليم في إطار الجمهورية الفرنسية» وليس خارجها.

ماكرون يتفاعل مع فتاة خلال عرض تقليدي في مطار بور فيلا عاصمة جمهورية فانواتو الأربعاء (أ.ف.ب)

إلا أن الرغبة في الاستقلال لم تنطفئ جذوتها، والدليل على ذلك أن ممثلي حزب «الاتحاد الكاليدوني» الاستقلالي رفضوا تلبية دعوة ماكرون للقائه والحديث حول مستقبل الإقليم، كذلك دعوا «الكاناك» إلى الامتناع عن حضور اللقاء الجماهيري الذي ضم ما لا يقل عن 10 آلاف شخص، غالبيتهم من أنصار البقاء في إطار الجمهورية.

ولم يفت ماكرون التنبيه إلى «مخاطر النزعة الانفصالية» التي «قد تفتح الباب للعنف»، في حين أن السلم المتوافر حالياً يعد «ثروة» للبلاد. وأعرب ماكرون عن رغبته في إعادة النظر في المؤسسات بداية العام المقبل، فضلاً عن الحاجة لإعادة تصويب النظام الاقتصادي والاجتماعي السائد في الإقليم الذي وصفه بـ«المجحف» بحق السكان الأصليين ولصالح «البيض».

وتعد مناجم معدن النيكل الاستراتيجي الثروة الطبيعية الرئيسية للإقليم، إلا أن المستفيدين منها هي الشركات الفرنسية التي لا تترك إلا الفتات للسكان الأصليين.

في خطابه يوم الثلاثاء، أكد ماكرون أن بلاده تعد «قوة يعتد بها في منطقة الهندي - الهادئ». لكن الاتحاد الكاليدوني يتهم فرنسا بـ«تسخير الإقليم في استراتيجية التوازن التي تسعى إليها ما بين الولايات المتحدة والصين» في المنطقة.

وما تريده فرنسا حقيقة هو أن تطرح «خياراً مختلفاً» عن الخيارين الأميركي والصيني، وهي لذلك تعمل، وفق المصادر الرئاسية، على تعزيز حضورها متعدد الأشكال في المنطقة.

مواطنون من كاليدونيا الجديدة يلوحون بأعلام فرنسا خلال إلقاء ماكرون كلمة في نوميا الأربعاء (أ.ف.ب)

وتؤكد هذه المصادر أن دعوة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، إلى باريس ليكون ضيف الشرف في احتفالات العيد الوطني في 14 يوليو (تموز) الحالي والعقود العسكرية التي تم التفاهم عليها، وتوثيق العلاقات بين باريس ونيودلهي... كل ذلك يندرج في سياق السعي الفرنسي لتكون لباريس كلمتها وللدفاع عن مصالحها الأساسية فيها.

وتعد منطقة الهندي ــ الهادئ نقطة الثقل في التجارة العالمية. لكنها في الوقت عينه تمثل مسرح عملية ليّ الذراع بين واشنطن وبكين، بينما تتخوف الدول المطلة من النزاع شبه المفتوح بين الطرفين.

ويبذل الطرف الأميركي جهوداً كبيراً ويعقد أحلافاً من أجل «احتواء» الصين ذات الطموحات الواسعة. بيد أن باريس لا تريد على المستوى الوطني ولا على مستوى الاتحاد الأوروبي الانجرار وراء السياسة الأميركية في المنطقة.

من هنا، المساعي التي يبذلها ماكرون والتي تعكسها زيارته الحالية لبناء ما يسميه قصر الإليزيه «الخيار الثالث».

وترى باريس أن دعوتها إلى قمة منتدى التعاون الاقتصادي الآسيوي ــ الهادئ بحضور القوى الكبرى في المنطقة تبين صواب سياستها، إلا أن تقريراً صادراً عن مجلس الشيوخ الفرنسي في عام 2022 أشار إلى «عدم التواؤم بين الطموحات الفرنسية من جهة والالتزامات المالية» من جهة أخرى.

لا شك أن «صفقة القرن» التي كانت أستراليا ستحصل بموجبها على 12 غواصة فرنسية تعمل بالدفع التقليدي واستبدال صفقة مع الولايات المتحدة وبريطانيا بها للحصول على غواصات تعمل بالدفع النووي، تركت أثراً كبيراً على فرنسا. وما فاقم خيبتها ودفعها للبحث عن حلول بديلة، أن العواصم الثلاث (واشنطن ولندن وكانبيرا) أقامت تحالفاً دفاعياً سمي «أوكوس» استبعدت منه باريس التي تعد الدولة الأوروبية التي لها أكبر قدر من المصالح الاقتصادية والاستراتيجية في المنطقة. من هنا، التعويل على الشراكة مع الهند التي تحل بمعنى ما، محل أستراليا.

لكن سياسة ماكرون لا تلقى قبولاً في العديد من الأوساط التي تعول خصوصاً على المظلة الأميركية. والدليل على ذلك أن التصريحات التي أدلى بها لدى عودته من زيارة رسمية إلى الصين، حيث دعا إلى «عدم الالتحاق بأميركا»، مؤكداً أن «مصالح واشنطن ليست بالضرورة هي المصالح الأوروبية»، أثارت موجة من ردود الأفعال المنددة خصوصاً داخل الاتحاد الأوروبي. لكن يبدو أن ماكرون عازم على مواظبة السير في هذه السياسة التي يرى أنها تتلاءم مع مصالح بلاده الرئيسية في المنطقة. وهنا يكمن المعنى الأساسي لجولته الراهنة.


مقالات ذات صلة

الصين تتأهب لاضطرابات تجارية مع تهديدات ترمب الجمركية

الاقتصاد حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)

الصين تتأهب لاضطرابات تجارية مع تهديدات ترمب الجمركية

أعلنت وزارة التجارة الصينية، يوم الخميس، سلسلةً من التدابير السياسية التي تهدف إلى تعزيز التجارة الخارجية للبلاد.

«الشرق الأوسط» (بكين)
الولايات المتحدة​ سفينة شحن راسية مُحمَّلة بحاويات (أرشيفية - رويترز)

هل تؤدي رسوم ترمب الجمركية إلى إشعال حرب تجارية مع أوروبا؟

قد تكون الدول الأوروبية من بين الأكثر تضرراً إذا نفذ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب التعريفات الجمركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد أعلام الاتحاد الأوروبي خارج مقر البنك المركزي الأوروبي في فرنكفورت (رويترز)

«المركزي الأوروبي»: تصاعد التوترات التجارية يزيد المخاطر على الاستقرار المالي

خلص البنك المركزي الأوروبي، في تقريره نصف السنوي للاستقرار المالي، إلى أن تصاعد التوترات التجارية العالمية يشكل خطراً على اقتصاد منطقة اليورو.

«الشرق الأوسط» (فرنكفورت)
العالم الرئيس الصيني شي جينبينغ يشارك في أعمال منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ في ليما عاصمة بيرو (أ.ب)

لقاء بايدن وشي لا يبدد عدم اليقين بين القوتين العظميين

بايدن يحذّر من حقبة «تغيير سياسي كبير»، ويصف التحالف الروسي الكوري الشمالي بأنه «خطير ومزعزع للاستقرار».

إيلي يوسف (واشنطن) إيلي يوسف (واشنطن)
المشرق العربي صناديق مشروب «شات كولا» المحلي الفلسطيني (أ.ف.ب)

رواج مشروب غازي فلسطيني مع مقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل

بين أشجار الزيتون على تلة في بلدة سلفيت شمال الضفة الغربية، يعمل مصنع «شات كولا» على تلبية الطلب المتزايد عليه، مع تحول الفلسطينيين لشراء منتجاتهم المحلية.

«الشرق الأوسط» (سلفيت)

«الناتو»: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا

لقطة أرشيفية لصاروخ بالستي روسي أطلق في مارس الماضي خلال تجربة للجيش (أ.ف.ب)
لقطة أرشيفية لصاروخ بالستي روسي أطلق في مارس الماضي خلال تجربة للجيش (أ.ف.ب)
TT

«الناتو»: الصاروخ الروسي الجديد لن يغيّر مسار الحرب في أوكرانيا

لقطة أرشيفية لصاروخ بالستي روسي أطلق في مارس الماضي خلال تجربة للجيش (أ.ف.ب)
لقطة أرشيفية لصاروخ بالستي روسي أطلق في مارس الماضي خلال تجربة للجيش (أ.ف.ب)

أكّد حلف شمال الأطلسي الخميس أنّ الصاروخ البالستي الفرط صوتي الجديد الذي أطلقته روسيا على أوكرانيا "لن يغيّر مسار الحرب ولا تصميم الحلفاء في الناتو على دعم أوكرانيا" في تصديها للغزو الروسي.

وقال فرح دخل الله، المتحدث باسم الحلف، في بيان إنّ "روسيا أطلقت صاروخا بالستيا تجريبيا متوسط المدى ضدّ أوكرانيا. هذا مثال آخر على الهجمات الروسية على المدن الأوكرانية. روسيا تسعى إلى ترويع السكان المدنيين في أوكرانيا وترهيب من يدعمونها".