أسرار المواقع السوداء وأمراض الشيخوخة للمعتقلين تتصدر محاكمات غوانتانامو

عبد الهادي العراقي مصيره حُدّد في صفقة سرية قبل عامين

معتقل في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في عام 2019 خلال آخر زيارة قام بها المصورون الصحافيون قبل أن ينهي السجن تسهيلاته الإعلامية (نيويورك تايمز)
معتقل في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في عام 2019 خلال آخر زيارة قام بها المصورون الصحافيون قبل أن ينهي السجن تسهيلاته الإعلامية (نيويورك تايمز)
TT

أسرار المواقع السوداء وأمراض الشيخوخة للمعتقلين تتصدر محاكمات غوانتانامو

معتقل في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في عام 2019 خلال آخر زيارة قام بها المصورون الصحافيون قبل أن ينهي السجن تسهيلاته الإعلامية (نيويورك تايمز)
معتقل في مركز احتجاز خليج غوانتانامو في عام 2019 خلال آخر زيارة قام بها المصورون الصحافيون قبل أن ينهي السجن تسهيلاته الإعلامية (نيويورك تايمز)

تجمعت الكثير من التساؤلات التي تواجه مستقبل عمليات السجون في خليج غوانتانامو في قضية إصدار الحكم على أحد قادة تنظيم «القاعدة» المقرّين بالذنب، من شيخوخة المحتجزين إلى صفقات الإقرار بالذنب السرية.

وفي جلسة استماع عُقدت الشهر الماضي جلس السجين على كرسي مستشفى مبطن ومعه مشاية ذات أربع عجلات وعصا في متناول يده، وهو بالكاد يشبه القائد الموقر للمتمردين الذي كان في أفغانستان. وقد أدى مرض العمود الفقري إلى إصابته بالشلل. ويقول محاموه إنه يعاني آلاماً مستمرة. في مقصورة المحلفين المقابلة للسجين، عبد الهادي العراقي، بدا 11 ضابطاً عسكرياً أميركياً لائقين ومهذبين في زي الخدمة الخاص بهم. وحكمت عليه اللجنة بأقصى عقوبة ممكنة، بالسجن لمدة 30 عاماً أخرى، من دون أن تدرك أن مصيره قد تحدد بالفعل في صفقة سرية قبل عامين.

عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» السابق في صورة قدّمها محاموه... حيث قال أمام هيئة محلفين عسكرية أميركية إنه عُصبت عيناه وجُرّد من ملابسه وحُلقت لحيته قسراً وصُوّر عارياً في مناسبتين بعد القبض عليه عام 2006 (نيويورك تايمز)

العراقي واحد من 4 سجناء مدانين

عبد الهادي، الذي قُبض عليه عام 2006، هو الآن واحد من 4 سجناء مدانين فقط في خليج غوانتانامو. ولكن حاله مثل معظم المعتقلين الثلاثين هناك، تمت الموافقة نظرياً على نقله إلى بلد حليف لأميركا ومستقر وموثوق به. وهو في الثالثة والستين من عمره أيضاً يعدّ أقدم سجين، وهو من بين الأكثر مرضاً بين كبار السن والمرضى في المعتقل البحري. في عام 2022، وافق مسؤول في البنتاغون، مسؤول عن المحكمة، على تحديد مدة العقوبة بعشر سنوات بالنظر إلى اعترافه وتعاونه مع حكومة الولايات المتحدة. وبعبارة أخرى، يمكن أن يطلق سراح السجين في عام 2032.

وبموجب الاتفاق، يمكنه المغادرة في وقت مبكر، إذا تم العثور على بلد ما لاحتجازه وتقديم الرعاية الصحية له. كما تمت الموافقة على نقل 18 سجيناً آخر كانوا محتجزين لفترة أطول من مدة احتجاز عبد الهادي؛ وذلك بموجب ترتيبات أمنية. لا يمكن إعادة معظم المحتجزين الذين تم إخلاء سبيلهم إلى بلدانهم الأصلية؛ لأن الولايات المتحدة ترى بلدانهم غير مستقرة، أو أن حكوماتهم معادية للغاية بحيث لا تتمكن من تعقبهم وإعادة تأهيلهم.

وتشمل هذه المجموعة 11 يمنياً وصومالياً وليبياً لم توجه إليهم أي تهم أو إدانتهم أبداً. وبالنسبة لعبد الهادي، فإن ذلك يعني أنه لا يستطيع الانضمام إلى زوجته وأطفاله الأربعة البالغين، وجميعهم من مواطني أفغانستان، وطنه المتبنى.

وقد ناقش الدبلوماسيون الأميركيون قضيته مع دول أخرى. لم يوافق أي منهم على التعامل مع محنة مجرم حرب معترف يحتاج إلى رعاية طبية مستمرة بعد 6 عمليات جراحية أجريت له في عموده الفقري في غوانتانامو. كما كانت محاكمة إصدار الأحكام بمثابة نموذج لحل قضايا جرائم الحرب طويلة الأمد في غوانتانامو من خلال اتفاقات الاعتراف بالذنب.

وفي إطار العملية الغامضة للجان العسكرية، لا يمكن للقاضي أن يصدر حكماً ببساطة على عبد الهادي.

معسكر العدالة في خليج غوانتانامو بكوبا العام الماضي (نيويورك تايمز)

جزء من تنظيم «القاعدة»

وبدلاً من ذلك، نقلت وزارة الدفاع الأميركية هيئة الضباط العسكريين جواً إلى غوانتانامو من القواعد الأميركية في جميع أنحاء العالم، وحُددت جلسة للنطق بالأحكام خلال أسبوعين، وهي محاكمة مصغرة.

وتلقى الفريق وثيقة مفصلة من 18 صفحة، في 124 فقرة، وهي بالأساس اعتراف تحت القسم تم التوصل إليه مع المدعين العامين، ووقتاً لدراسته. وفيها سرد عبد الهادي قصة حياته. وأوضح أنه فرّ إلى أفغانستان لتجنب العودة إلى الجيش العراقي والخدمة في حرب الخليج عام 1991، وأصبح لاحقاً جزءاً من الدائرة الداخلية لتنظيم «القاعدة».

وأقرّ بأن قوات المتمردين التي كان يقودها استخدمت بشكل غير قانوني غطاء المدنيين في الهجمات التي قتلت 17 من القوات الأميركية وقوات التحالف في أفغانستان بين عامي 2003 و2004. ثم جاء دور الضحايا. وقال ثلاثة من قدامى المحاربين في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على أفغانستان، ووالد وشقيقة أحد أفراد القوات الخاصة الذي قُتل في القتال، عن استمرار شعورهم بالصدمة حتى الآن، بعد سنوات من نهاية أطول حرب أميركية. ووصفوا المنازل المحطمة، والجثث المَتلُوفة، والشعور بذنب الناجين، والعجز التام لديهم. ووصف الرقيب الأول المتقاعد روبرت ستاوت، النجاة من تفجير انتحاري فاشل ثم تفكيك العبوة - وهي سيارة أجرة محملة بالمتفجرات، في تجربة جعلته يعاني ضغوطاً شديدة.

وداخل المواقع السوداء أمضى ثلثا المحتجزين الآن في معتقل غوانتانامو بعض الوقت في برنامج الاستجواب السري التابع للاستخبارات المركزية الأميركية، وفقاً لدراسة سرية أجراها مجلس الشيوخ عام 2014 حول البرنامج، والذي أصبح محظوراً الآن. وقدمت جلسة النطق بالحكم على عبد الهادي لمحة نادرة من الداخل. باستخدام تصوير الطب الشرعي بزاوية 360 درجة الذي أنتجته الحكومة، أطلع عبد الهادي وأحد محامي الدفاع المحلفين على «الموقع الأسود» الذي احتجز فيه عبد الهادي بمعزل عن العالم الخارجي في أفغانستان قبل نقله إلى خليج غوانتانامو عام 2007.

واطلعوا على «غرفة صامتة» بيضاء فارغة مساحتها 6 أقدام، حيث احتُجز عبد الهادي لمدة 3 أشهر تقريباً - من دون لطخة دم على جدار، ودلو للمرحاض، وسجادة بسيطة على الأرض، قال السجين بأنه استعملها كوسادة. تمكن الفريق القانوني لعبد الهادي من رفع السرية عن المادة، وعلى رغم اعتراضات دوغلاس جيه شورت، المدعي العام الرئيسي، تم عرض صور الزنزانة الخالية من النوافذ على الجمهور، والتي كانت في ذلك اليوم في المحكمة تتكون من الضحايا، واثنين من طلاب القانون، ومراسل واحد. الشيخوخة واشتداد المرض، حيث كانت إعاقة عبد الهادي ظاهرة أيضاً طوال جلسة الاستماع، بدءاً بالجنود الذين جلبوه على كرسي متحرك إلى قاعة المحكمة، حيث كان سرير المستشفى متواجداً في زاوية بعيدة. عقد القاضي جلسات صباحية قصيرة قبل أن تجعل مسكنات الألم الموصوفة لعبد الهادي يشعر بالنعاس لدرجة تمنعه من متابعة الإجراءات.

وفي حالات أخرى، يعدّ محامو الدفاع حالته طليعة المشكلات الصحية الناشئة لدى مجموعة من السجناء الذين يعانون إصابات دماغية مؤلمة، وأمراضاً عقلية، واضطرابات في الجهاز الهضمي، وإصابات في الظهر والرقبة.

مدخل معسكر غوانتانامو شديد الحراسة (الشرق الأوسط)

اللائمة على «المواقع السوداء»

وقد ألقى المحامون باللائمة في المشاكل الصحية التي يعانيها السجناء على السنوات التي كانوا يحتجزون فيها في «المواقع السوداء». وقال القاضي العسكري، العقيد تشارلز بريتشارد جونيور، إنه تم تقديم بعض التسهيلات «لضمان عدم التأثير سلباً على حق المتهم في حضور هذه الإجراءات القانونية».

وحذر هيئة المحلفين من اتخاذ هذا الإجراء ضد السجين. قال الرائد لوكاس هويسنغا، وهو محام من قوات المارينز في فريق الدفاع، إن عبد الهادي تلقى رعاية طبية دون المستوى المطلوب في «منشأة دون المستوى المطلوب» في غوانتانامو؛ ونتيجة لذلك «أصبح مُعَوَّقاً بشكل دائم ويعاني ألماً مزمناً وشديداً».

وكان سيتم إجلاء أي جندي أميركي طبياً، في ظروف مماثلة، إلى مرافق طبية عسكرية أفضل تجهيزاً في الولايات المتحدة. هذا، ويحظر الكونغرس نقل المحتجزين إلى الولايات المتحدة لتلقي الرعاية الصحية أو لأي سبب آخر. وبدلاً من ذلك، عندما وُجد عبد الهادي مشلولاً جزئياً ومصاباً بالسَّلَس البولي في زنزانته في سبتمبر (أيلول) 2017، أرسلت البحرية جراحاً صغيراً يفتقر إلى الخبرة إلى غوانتانامو، ولم يكن لديه الموارد الكافية لإجراء عملية جراحية له، كما قال الرائد هويسنغا. في حين دافع السيد شورت، المدعي العام، عن رعاية عبد الهادي وعدّها «بالتأكيد غير كافية» ورفض تشخيصه باضطرابات ما بعد الصدمة الذي لم يتم علاجه، على اعتبار أنه ربما جاء نتيجة لشعوره بالذنب.

* «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

توسع قواعد التجسس الصينية في كوبا يثير قلق واشنطن

العالم الغواصة النووية الروسية «كازان»... (أ.ف.ب)

توسع قواعد التجسس الصينية في كوبا يثير قلق واشنطن

كشفت صور الأقمار الاصطناعية عن محطات تنصت جديدة ومواقع مجهولة الهوية قرب قاعدة بحرية أميركية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ عبد الهادي العراقي في خليج غوانتانامو في صورة قدمها محاموه إلى هيئة المحلفين إذ حُكم على العراقي بالمؤبد بتهمة ارتكاب جرائم حرب في أفغانستان (نيويورك تايمز)

«غوانتانامو»: عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» يتلقى حكماً بالسجن 30 عاماً

هيئة محلفين عسكرية أميركية تُصدر حكماً بالسجن 30 عاماً، لكن بموجب صفقة إقرار بالذنب ستنتهي العقوبة في 2032.

كارول روزنبرغ (واشنطن)
الولايات المتحدة​ معسكر العدالة في خليج غوانتانامو بكوبا العام الماضي (نيويورك تايمز)

عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» يواجه حكماً محتملاً بالمؤبد

بدأت هيئة محلفين عسكرية، الأربعاء، مناقشة الحكم على مجرم حرب محتجز في معسكر غوانتانامو، وذلك بعدما صوّر محامو الادعاء السجين باعتباره عضواً بارزاً في «القاعدة».

كارول روزنبرغ (واشنطن)
الولايات المتحدة​ عبد الهادي العراقي قيادي «القاعدة» السابق في صورة قدمها محاموه... حيث قال أمام هيئة محلفين عسكرية أميركية الاثنين إنه عُصبت عيناه وجُرّد من ملابسه وحُلقت لحيته قسراً وصُوّر عارياً في مناسبتين بعد القبض عليه عام 2006 (نيويورك تايمز)

محاكمات غوانتانامو تكشف عن أسرار سجون «الاستخبارات الأميركية» السرية

جلسات الاستماع في جرائم الحرب تعطي الرأي العام نظرة افتراضية داخل سجن سري تابع لـ«وكالة الاستخبارات المركزية» بعد سنوات من إغلاق برنامج «الموقع الأسود».

كارول روزنبرغ (واشنطن *)
أميركا اللاتينية الغواصات النووية الأميركية تطفو على السطح في كوبا خلف الأسطول الروسي

الغواصات النووية الأميركية تطفو على السطح في كوبا خلف الأسطول الروسي

ظهرت غواصة هجوم سريعة أميركية بمحركات نووية على سطح مياه خليج غوانتانامو في كوبا يوم الخميس.

«الشرق الأوسط» (خليج غوانتانامو )

دول مجموعة العشرين تتفق على تجنب القضايا الجيوسياسية في قمة ريو دي جانيرو

الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا ووزير المالية البرازيلي فرناندو حداد ورئيس البنك المركزي البرازيلي روبرتو كامبوس نيتو يحضرون اجتماع افتتاح الدورة المشتركة لمجموعة العشرين والمسارات المالية في قصر إيتاماراتي في برازيليا (رويترز)
الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا ووزير المالية البرازيلي فرناندو حداد ورئيس البنك المركزي البرازيلي روبرتو كامبوس نيتو يحضرون اجتماع افتتاح الدورة المشتركة لمجموعة العشرين والمسارات المالية في قصر إيتاماراتي في برازيليا (رويترز)
TT

دول مجموعة العشرين تتفق على تجنب القضايا الجيوسياسية في قمة ريو دي جانيرو

الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا ووزير المالية البرازيلي فرناندو حداد ورئيس البنك المركزي البرازيلي روبرتو كامبوس نيتو يحضرون اجتماع افتتاح الدورة المشتركة لمجموعة العشرين والمسارات المالية في قصر إيتاماراتي في برازيليا (رويترز)
الرئيس البرازيلي لويز إيناسيو لولا دا سيلفا ووزير المالية البرازيلي فرناندو حداد ورئيس البنك المركزي البرازيلي روبرتو كامبوس نيتو يحضرون اجتماع افتتاح الدورة المشتركة لمجموعة العشرين والمسارات المالية في قصر إيتاماراتي في برازيليا (رويترز)

قال ممثل البرازيل في مجموعة العشرين أمس (الجمعة) إن دبلوماسيي المجموعة اتفقوا على تجنب القضايا الجيوسياسية الشائكة خلال قمة أكبر الاقتصادات في العالم التي تستضيفها بلاده في نوفمبر (تشرين الثاني).

ولم يفلح وزراء المالية بمجموعة العشرين في فبراير (شباط) في الاتفاق على بيان مشترك خلال اجتماعهم في البرازيل وسط انقسامات بشأن الحربين في كل من غزة وأوكرانيا.

وقال الدبلوماسي ماوريسيو ليريو ممثل البرازيل بمجموعة العشرين للصحافيين إنه تم التوصل إلى اتفاق مع نظرائه في المجموعة بعد «محادثات صعبة حقاً» خلال اجتماع تحضيري في ريو دي جانيرو الأسبوع الماضي.

وأضاف «ما توصلنا إليه في هذا الاجتماع هو اتفاق على كيفية المضي قدماً من الآن فصاعداً حتى يتمكن الوزراء من التركيز على موضوعات محددة لديهم... اسعوا إلى التوافقات في مناطقكم. لستم بحاجة للتعامل مع الأمور الجيوسياسية بعد الآن»، وفقاً لوكالة (رويترز) للأنباء.

وفي وقت لاحق من الشهر الجاري، سيجتمع وزراء المالية ورؤساء البنوك المركزية من المجموعة في ريو دي جانيرو حيث تعقد القمة السنوية لزعماء المجموعة في 18 و19 نوفمبر.

وفي العام الماضي، انتهت قمة مجموعة العشرين في نيودلهي ببيان ختامي للزعماء تجنب التنديد بحرب روسيا في أوكرانيا، رغم أنه سلط الضوء على المعاناة الإنسانية التي سببها الصراع ودعا جميع الدول إلى عدم استخدام القوة للاستيلاء على الأراضي.