«تفشي إيبولا» عبء إضافي يُفاقم أزمة الكونغو الديمقراطية

وسط أزمة في شرق البلاد جرّاء نزاع مسلح

منظمة «اليونيسف» تقدم دعماً للكونغو الديمقراطية لمواجهة تفشي «إيبولا» (حساب المنظمة على «إكس»)
منظمة «اليونيسف» تقدم دعماً للكونغو الديمقراطية لمواجهة تفشي «إيبولا» (حساب المنظمة على «إكس»)
TT

«تفشي إيبولا» عبء إضافي يُفاقم أزمة الكونغو الديمقراطية

منظمة «اليونيسف» تقدم دعماً للكونغو الديمقراطية لمواجهة تفشي «إيبولا» (حساب المنظمة على «إكس»)
منظمة «اليونيسف» تقدم دعماً للكونغو الديمقراطية لمواجهة تفشي «إيبولا» (حساب المنظمة على «إكس»)

يتواصل تفشي فيروس «إيبولا» في الكونغو الديمقراطية، في ظل تصعيد مسلح من جانب متمردين في شرق البلاد لم تستطع جهود دولية احتواءه منذ بداية العام من أجل إنهاء عقود من النزاع بتلك الدولة الأفريقية التي تتطلع واشنطن لاستثمارات ضخمة فيها.

ذلك «التفشي» الذي يعود إلى الواجهة بعد 3 سنوات للكونغو الديمقراطية، يراه خبير في الشؤون الأفريقية تحدَّث لـ«الشرق الأوسط»، سيشكل عبئاً إضافياً بخلاف أزمات البلد الأفريقي الغارق في النزاعات المسلحة منذ بداية العام، داعياً إلى دعم دولي للخروج من نفق الصراعات والأوبئة.

ودعت المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية التابعة للاتحاد الأفريقي، الجمعة، عبر حسابها بمنصة «إكس»، إلى تعزيز المراقبة المجتمعية في الكونغو الديمقراطية للمساعدة على احتواء أحدث تفشٍّ لفيروس «إيبولا» في البلاد.

وقال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، للصحافيين، الخميس، عبر رابط فيديو من مقر المنظمة في جنيف: «مر أسبوعان منذ أن أعلنت حكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية عن تفشٍّ لـ(الإيبولا)... وحتى الآن جرى الإبلاغ عن 48 حالة إصابة ما بين مؤكدة ومحتملة، وعن 31 حالة وفاة».

وفي 14 سبتمبر (أيلول) الحالي، أعلنت منظمة الصحة العالمية في بيان أنها بدأت حملة تطعيم ضد فيروس «إيبولا» في إقليم كاساي بوسط الكونغو الديمقراطية، وذلك عقب الإعلان عن تفشي المرض أوائل الشهر الحالي، في أول ظهور له بالبلاد منذ 3 سنوات. ويُعد هذا التفشي السادس عشر على مستوى الكونغو إجمالاً، والأول في إقليم كاساي منذ عام 2008، حسب «رويترز».

وقبل يومين، أفاد مدير برامج المنظمة للاستجابة للطوارئ في أفريقيا، باتريك أوتيم، خلال إفادة صحافية في جنيف بأن «الأمر ممكن، لكنه سيكون صعباً»، ودعا إلى زيادة الدعم للحكومة والشركاء الآخرين.

وقال عدد من العاملين في مجال الإغاثة لـ«رويترز» آنذاك إن الكونغو قد تُواجه صعوبة في التصدي للمرض بفاعلية، نظراً لعمليات خفض المساعدات الخارجية، إضافة إلى تفكيك الوكالة الأميركية للتنمية الدولية خلال عهد الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

ولا يزال الفيروس فتاكاً رغم اللقاحات والعلاجات الحديثة، وقد أودى بحياة 15 ألف شخص في أفريقيا خلال الأعوام الخمسين الماضية، وبين العامين 2018 و2020، أودى الوباء بنحو 2300 شخص في الكونغو الديمقراطية.

ويُقدّر معدّل الوفيات لدى المصابين بـ34.8 في المائة، وخلال موجات وبائية سابقة تراوحت هذه النسبة بين 25 و90 في المائة وفق منظمة الصحة العالمية.

ورُصد «إيبولا» للمرة الأولى عام 1976 في زائير (التسمية السابقة للكونغو الديمقراطية) وينتقل فيروس «إيبولا» عبر الإفرازات والسوائل الجسدية، وتشمل الأعراض الرئيسية الحمى والتقيؤ والنزيف والإسهال، حسبما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويُشكّل تفشي فيروس «إيبولا» في جمهورية الكونغو الديمقراطية «تطوراً خطيراً، يُفاقم الأزمات المتراكمة التي تمر بها البلاد، ويُضيف بُعداً صحّياً معقّداً إلى واقع أمني وإنساني هش»، وفق تقدير الخبير في الشؤون الأفريقية، صالح إسحاق عيسى.

فمنذ الإعلان عن عودة الفيروس في أوائل سبتمبر الحالي، تأكدت عشرات الحالات والوفيات، ما يعكس سرعة انتشاره وخطورته، في ظل ضعف النظام الصحي الوطني، بخلاف أن هذا التفشي في وقت تشهد فيه المناطق الشرقية من الكونغو حالة من عدم الاستقرار، بفعل تمردات مسلّحة ونزاعات مزمنة، ما يُعقّد عمليات الاستجابة الصحية، ويؤدي انعدام الأمن إلى تمدد الوباء جغرافيّاً وارتفاع عدد والوفيات، حسب عيسى.

وقال على المستوى الاجتماعي والاقتصادي الإصابات، يُضيف «إيبولا»، أعباءً إضافية إلى كاهل السكان الذين يعانون أساساً الفقر، ونقص الخدمات الأساسية، والتشريد القسري، كما يُمكن أن يُضعف هذا التفشي ثقة السكان بالمؤسسات الصحية، خصوصاً إذا ترافق مع شائعات أو تأخر في الاستجابة، ما يُفاقم مناخ التوتر والقلق.

جانب من الدعم المقدم للكونغو الديمقراطية لمواجهة تفشي «إيبولا» (حساب منظمة «اليونيسف» على «إكس»)

ويأتي هذا التفشي في ظل تبادل حركات إرهابية ومتمردة في شرق الكونغو عملياتها ضد المدنيين بشكل متصاعد للشهر الثالث على التوالي، ووسط خفوت مسار المفاوضات، وعدم الالتزام بتوقيع اتفاق سلام كان مقرراً قبل نحو شهر.

وسجَّلت جماعة «القوات الديمقراطية المتحالفة»، الموالية لتنظيم «داعش» منذ عام 2019 تحت اسم «ولاية وسط أفريقيا»، أحدث تلك الهجمات قبل أيام، مخلّفة 89 قتيلاً، لتواصل هجماتها شرق الكونغو مع تصاعد عمليات من حركة «23 مارس» المتمردة، وجماعة «مؤتمر الثورة الشعبية» المسلحة، التي أسّسها توماس لوبانغا، وذلك خلال أشهر يوليو (تموز) وأغسطس (آب) الماضيين وسبتمبر الحالي.

وشهد مسار السلام في الكونغو 10 محاولات سابقة منذ 2021 دون جدوى وسط مخاوف دولية؛ ما دعا مجلس الأمن إلى بحث الأوضاع بالدولة الأفريقية، في إحاطة طارئة، في أغسطس الماضي. وحثّت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون أفريقيا، مارثا بوبي، المجلس على ممارسة كامل نفوذه لدعم جهود السلام هناك.

ويعتقد صالح إسحاق عيسى أنه في ظل تفشي فيروس «إيبولا» مجدداً في الكونغو الديمقراطية، تتجلَّى بوضوح العلاقة العضوية بين الصراع المسلح وتدهور الأوضاع الصحية والإنسانية.

وأكد أن استمرار العنف يُفكك الهياكل المؤسساتية، ويقوّض إمكانات الدولة في احتواء الأزمات، ويُحوّل المرض من خطر صحي إلى أزمة معقّدة تتغذى على الفوضى، وانعدام الثقة، وغياب سيادة الدولة في مناطق واسعة.

ويخلص إلى أن «تفشي (إيبولا) لم يعد حدثاً صحيّاً منعزلاً أو عابراً، بل يتقاطع مع أبعاد سياسية وأمنية واجتماعية، ويُعيد تسليط الضوء على هشاشة الدولة في مواجهة الأزمات المعقّدة، وحاجة الكونغو الماسّة إلى دعم دولي مُنسّق يُعالج الأزمة الصحية، ضمن رؤية شاملة تأخذ في الاعتبار السياق الأمني والإنساني الأوسع».

ووفقاً لعيسى، فإنه إذا لم يصاحب التدخل الدولي رؤية شاملة لإنهاء الصراع وإعادة بناء المؤسسات، ستظل البلاد تغرق في دوامة العنف والمرض، وسط صمت دولي يديم مأساة الشعوب الأفريقية دون حلول جذرية.


مقالات ذات صلة

وفاة ثُلثي المصابين بإيبولا منذ عودة الوباء في الكونغو

أفريقيا صورة وزعتها منظمة «أطباء بلا حدود» لرجل خارج مركز لعلاج إيبولا في الكونغو الديمقراطية (أ.ب)

وفاة ثُلثي المصابين بإيبولا منذ عودة الوباء في الكونغو

أعلنت «منظمة الصحة العالمية»، اليوم (الأربعاء)، أن وباء إيبولا الذي تفشّى مطلع سبتمبر (أيلول)، في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أسفر حتى الآن عن 42 وفاة.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا)
أفريقيا عامل صحي يملأ حقنة بلقاح الإيبولا قبل حقنه لمريض في غوما بجمهورية الكونغو الديمقراطية (رويترز - أرشيفية)

الصحة العالمية: احتواء تفشي إيبولا في الكونغو ممكن إذا زاد الدعم

قال مسؤول في منظمة الصحة العالمية، الجمعة، إن من الممكن احتواء أحدث تفشٍّ لفيروس إيبولا في الكونغو، شريطة اتخاذ الخطوات الصحيحة خلال الأسبوعين المقبلين.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا)
صحتك أثناء إطلاق حملة تطعيم ضد سلالة من فيروس الإيبولا بلقاح تجريبي في كامبالا 3 فبراير 2025 (رويترز)

ابتكار حبوب لعلاج الإيبولا... خطوة كبيرة لاحتواء التفشيات المستقبلية للمرض

تمكّن علماء من تطوير دواء فموي مضاد للفيروسات، يُدعى «أوبيلديسيفير» (ODV)، يمنع بشكل ناجح وفاة القرود المصابة بفيروس الإيبولا.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
أفريقيا أطباء أوغنديون يفحصون مخالطي مريض ثبتت إصابته بالفيروس خلال إطلاق حملة التطعيم ضد سلالة فيروس «إيبولا» السودانية بلقاح تجريبي في دار ضيافة مولاغو (رويترز)

«الصحة العالمية»: أوغندا تسجل ثاني وفاة بفيروس «إيبولا»

ذكرت منظمة الصحة العالمية، نقلاً عن وزارة الصحة في أوغندا، أن البلاد سجَّلت ثاني وفاة بفيروس «إيبولا»، وهي لطفل يبلغ من العمر 4.5 سنة.

«الشرق الأوسط» (كمبالا )

فرنسا تنصح رعاياها بمغادرة مالي لفترة مؤقتة

أحد شوارع العاصمة المالية باماكو (رويترز)
أحد شوارع العاصمة المالية باماكو (رويترز)
TT

فرنسا تنصح رعاياها بمغادرة مالي لفترة مؤقتة

أحد شوارع العاصمة المالية باماكو (رويترز)
أحد شوارع العاصمة المالية باماكو (رويترز)

نصحت فرنسا رعاياها بمغادرة مالي لفترة مؤقتة «في أقرب وقت»، في وقت يفرض الإرهابيون فيه حصاراً على العاصمة باماكو وعدد من مناطق البلاد، وذلك في رسالة إلى المسافرين نشرتها «الخارجية» الفرنسية، الجمعة.

وأوردت الرسالة، التي نقلتها «وكالة الصحافة الفرنسية»، أنه «منذ أسابيع عدة، يتدهور الوضع الأمني في مالي، بما في ذلك في باماكو. ننصح المواطنين الفرنسيين بمغادرة مالي مؤقتاً في أقرب وقت، عبر الرحلات التجارية التي لا تزال متوافرة».

ولفتت «الخارجية» إلى أنها «لا تنصح بالتنقل من طريق البر؛ لأن الطرق الوطنية تتعرض راهناً لهجمات مجموعات إرهابية».


هل تتدخل الولايات المتحدة «عسكرياً» لصد «القاعدة» في مالي؟

يجلس سائقو شاحنات الصهاريج المالية على الكراسي في انتظار عبور الحدود بين ساحل العاج ومالي بقرية نيغون بالقرب من تنغريلا... 31 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)
يجلس سائقو شاحنات الصهاريج المالية على الكراسي في انتظار عبور الحدود بين ساحل العاج ومالي بقرية نيغون بالقرب من تنغريلا... 31 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)
TT

هل تتدخل الولايات المتحدة «عسكرياً» لصد «القاعدة» في مالي؟

يجلس سائقو شاحنات الصهاريج المالية على الكراسي في انتظار عبور الحدود بين ساحل العاج ومالي بقرية نيغون بالقرب من تنغريلا... 31 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)
يجلس سائقو شاحنات الصهاريج المالية على الكراسي في انتظار عبور الحدود بين ساحل العاج ومالي بقرية نيغون بالقرب من تنغريلا... 31 أكتوبر 2025 (أ.ف.ب)

في وقت يشدِّد فيه تنظيم «القاعدة» الحصار على مدينة باماكو، عاصمة مالي، أجرى نائب وزير الخارجية الأميركي كريستوفر لانداو، اتصالاً هاتفياً مع وزير خارجية مالي عبودلاي ديوب؛ ليناقشا إمكانية «تعاون أمني» بين البلدين خلال الفترة المقبلة.

الاتصال الهاتفي وصفه مراقبون بأنه «مفاجئ»، وربما يفتحُ الباب لدعم أميركي يساعد هذا البلد الأفريقي الهش على الخروج من أزمة تهدد وجوده، في ظل اقتراب تنظيم «القاعدة» من العاصمة باماكو، وخنقها بحصار مستمر منذ مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، ويدخل شهره الثالث دون أفق واضح للخروج منه.

تواجه مالي حصاراً يفرضه متطرفون على الوقود منذ أسابيع زاد من تدهور الوضع الأمني (رويترز)

دعم معنوي

كريستوفر لانداو، نائب وزير الخارجية الأميركي، بعد نهاية الاتصال الهاتفي مع وزير خارجية مالي، كتب تغريدة على منصة «إكس»، شكَّلت ما يمكن وصفه بأنه «دعم معنوي» من الولايات المتحدة للجيش المالي. وقال المسؤول الأميركي في تغريدته: «الولايات المتحدة تُشيد بالقوات المسلحة في مالي على قتالها ضد المسلحين المتطرفين الإسلاميين (جماعة نصرة الإسلام والمسلمين)». وأضاف في السياق ذاته: «أجريت اليوم محادثة ممتازة مع وزير خارجية مالي؛ لمناقشة مصالحنا الأمنية المشتركة في المنطقة، وأتطلع إلى تعزيز التعاون بيننا».

التغريدة أعادت وزارة الخارجية الأميركية نشرها مع ترجمة إلى اللغة الفرنسية، اللغة الأولى في دولة مالي، في حين رفضت وزارة خارجية مالي التعليق على المحادثات مع الأميركيين، وفق ما أوردت وكالة «أسوشييتد برس» في تقرير نشرته الخميس.

وقالت الوكالة: «بعد أيام قليلة من صدور أوامر للدبلوماسيين والمواطنين الأميركيين بمغادرة مالي، أشاد مسؤول أميركي رفيع بالمجلس العسكري الحاكم، ملمحاً إلى إمكانية التعاون بين الحكومتين بعد سنوات من التوتر في العلاقات الدبلوماسية».

دورية لعناصر من الجيش المالي بالعاصمة باماكو في أغسطس 2020 (أ.ب)

وهو ما وصفته الوكالة بأنه «تحول علني في موقف الحكومة الأميركية تجاه التعاون مع قادة مالي العسكريين»، وذلك في إشارة إلى المجلس العسكري الذي يحكم مالي منذ 2020 وقرر إنهاء شراكة عسكرية مع فرنسا والغرب، والتوجه نحو شراكة مع روسيا، أثَّرت بشكل كبير على علاقاته مع الولايات المتحدة، خصوصاً بعد استقدام مئات المقاتلين من مجموعة «فاغنر» الروسية إلى مالي.

ولكن يبدو أن اقتراب تنظيم «القاعدة» من باماكو غيّر كل القواعد، ودفع الأميركيين نحو التحرك لمنع التنظيم الإرهابي من السيطرة على أول عاصمة في غرب أفريقيا، التي يعني سقوطها انهيار بلد محوري في منطقة الساحل.

مظاهرة في باماكو تدعم روسيا وتدين فرنسا خلال الذكرى الـ60 على استقلال مالي... 22 سبتمبر 2020 (أ.ب)

ترحيب مالي

رغم الصمت الرسمي تجاه تصريحات نائب وزير الخارجية الأميركي، فإن وكالة «أسوشييتد برس» أكدت أنها لاقت ترحيباً من مسؤولين في الحكومة المالية، يرون أن التعاون مع واشنطن قد يساعد الجيش المالي على مواجهة الجماعة التي باتت تهدد العاصمة.

وقال موسى آغ أشاراتومان، عضو المجلس الوطني الانتقالي (الهيئة التشريعية الانتقالية في مالي)، للوكالة: «نظراً لخبرة الأميركيين في هذا المجال، فإن هذا التعاون لن يكون إلا إيجابياً بالنسبة لنا».

في غضون ذلك، يقول خبراء إنّ نية واشنطن الانخراط مجدداً في منطقة الساحل لا تزال غامضة، ولا توجد مؤشرات على تحرك عسكري قريب.

احتمالات التدخل

مع صعوبة الوضع الميداني في دولة مالي، والعجز الواضح لدى الجيش على الخروج من الأزمة، رغم الدعم العسكري الروسي، فإن الخبراء يطرحون كثيراً من الأسئلة حول إمكانية أن تتدخل الولايات المتحدة لإنقاذ باماكو، كما سبق وفعلت فرنسا عام 2013 حين زحف تنظيم «القاعدة» نحو المدينة آنذاك. ولكن لم تُكشف أي تفاصيل حول حدود ما سمّاه نائب وزير الخارجية الأميركي «التعاون» بين البلدين، وما إن كان تعاوناً عسكرياً ميدانياً، أم ضربات جوية خاطفة، أم سيقتصر التعاون على توفير المعلومات الاستخباراتية.

هُنا لا بد من الإشارة إلى أن الولايات المتحدة كثّفت في الأشهر الأخيرة تعاونها الاستخباراتي مع مالي، رغم أن الأخيرة أصبحت محسوبة بشكل لا جدال فيه على روسيا. وأشارت صحيفة «واشنطن بوست» في تقرير نشرته في سبتمبر الماضي، إلى أن وفداً أميركياً برئاسة مسؤول مكافحة الإرهاب رودي عطا الله، زار باماكو وأكد استعداد واشنطن لتقديم المعلومات والتدريب والعتاد.

وكتب عمر الأنصاري، وهو صحافي مختص في الشؤون الأفريقية ويتابع ما يجري في مالي منذ سنوات: «أميركا تعود إلى مالي بعد 3 سنوات من القطيعة... هل بدأ العد التنازلي للتدخل؟!». وأضاف في تغريدة على منصة «إكس» أن الاهتمام الأميركي له أسباب عدة، من أبرزها اقتراب التنظيم من العاصمة باماكو، وامتلاك مالي ثالث أكبر منجم للذهب في أفريقيا، مع اكتشافات نفط ضخمة في حوض توديني، شمال البلاد، وفق ما أورد الصحافي.

العلم الروسي مع صور حكام مالي العسكريين في شوارع العاصمة باماكو (أرشيفية - رويترز)

وقال الأنصاري: «إن باماكو رفضت قوات خاصة أميركية العام الماضي... لكن اليوم الباب مفتوح!»، قبل أن يتساءل: «هل نشهد قواعد أميركية جديدة في الساحل؟ أم مجرد لعبة ضغط على روسيا والصين؟»، مشيراً إلى أن «الساعات المقبلة حاسمة».

حراك دبلوماسي

إلى ذلك، عقد وزير خارجية مالي، الأربعاء، لقاء مع أعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي المعتمد في البلاد، وهو لقاء وصفه الوزير في تغريدة على منصة «إكس» بأنه «يدخل في إطار اللقاءات الدورية وتبادل المعلومات».

وأضاف الوزير: «خلال النقاش حول القضايا الأمنية وإمداد مالي بالمحروقات، أكدتُ على الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة، وعلى الالتزام المشترك للجنود الشجعان في مالي وكونفدرالية دول التحالف، سواء في مكافحة الإرهابيين الناشطين في منطقتنا أو في تأمين قوافل المنتجات البترولية».

ماليون يدعمون الانقلاب في باماكو عام 2020 (أ.ب)

وأوضح وزير الخارجية أن «تغيير الجماعات الإرهابية أسلوب عملها، واستهدافها ما تُعرف بـ(الأهداف السهلة أو الاقتصادية)، يُعدّان دليلاً على ضعفها أمام قواتنا الدفاعية والأمنية، وتراجع مشروعها الرامي إلى زعزعة استقرار مالي لأغراض جيوسياسية فقدت زخمها».


«إيكواس»: الإرهابيون يستهدفون المدارس القرآنية للتجنيد

«إيكواس»: الإرهابيون يستهدفون المدارس القرآنية للتجنيد
TT

«إيكواس»: الإرهابيون يستهدفون المدارس القرآنية للتجنيد

«إيكواس»: الإرهابيون يستهدفون المدارس القرآنية للتجنيد

دعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) إلى إصلاح عاجل وشامل لمدارس التعليم القرآني في غرب أفريقيا، في إطار الجهود الرامية إلى الحد من تصاعد الإرهاب والتطرف العنيف في المنطقة.

جاء ذلك خلال حفل اختتام المؤتمر الإسلامي لغرب أفريقيا حول الأمن والحكامة، الخميس، في أبوجا، الذي عُرضت فيه توصيات المؤتمر الذي شاركت فيه وفود من نخبة العلماء والدعاة والخبراء الأمنيين، وصناع القرار في منطقة غرب أفريقيا.

وركز المؤتمر على إشكالية المدارس القرآنية التقليدية، التي لها حضور قوي في غرب أفريقيا، خصوصاً أن كثيراً من الأطفال في منطقة الساحل ونيجيريا لم يذهبوا إلى التعليم الحكومي؛ بسبب ضغط الجماعات الإرهابية التي تعارض هذا التعليم، خصوصاً جماعة «بوكو حرام» التي يعني اسمها باللهجة المحلية (التعليم العصري حرام).

التنظيمات الإرهابية تستهدف هذه المدارس لتجنيد المقاتلين بسبب الظروف الصعبة لطلابها (أ.ب)

التجنيد الإرهابي

خلال اختتام المؤتمر حذّر رئيس «إيكواس»، الدكتور عمر آليو توريه، من أن مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2025 يُظهر تحولاً كبيراً في خريطة الإرهاب الدولية، إذ أصبحت أفريقيا، لا سيما منطقة الساحل، مركز النشاط الإرهابي في العالم.

وأوضح توريه أن ملايين الشباب في غرب أفريقيا يلتحقون بالمدارس القرآنية التقليدية، غير أن هذه المؤسسات «لم تحظَ بالاهتمام أو الموارد الكافية لتصبح بيئات تعليمية آمنة وحديثة». وأضاف: «نحن بحاجة إلى تطوير نظام التعليم القرآني وتحديثه، وتحويل هذه المدارس إلى مراكز تعليم وتمكين اقتصادي ملائمة ومنظمة».

وقال المسؤول الأفريقي: «الوضع الحالي يجعل المعلمين والطلاب على حد سواء عرضةً للتجنيد من قبل التنظيمات الإجرامية والإرهابية»، بسبب ما قال إنه غياب إصلاح نظام هذه المدارس لتكون أكثر أمناً لمرتاديها.

وأشاد توريه بقادة الدين في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل من دولٍ مثل السنغال وغانا وتشاد والنيجر وبنين وغينيا والمغرب وموريتانيا، على دورهم الريادي في جهود تحديث التعليم القرآني.

إعلان إقليمي

وصدر عن المؤتمر «الإعلان الإقليمي لإصلاح التعليم الإسلامي التقليدي»، وتعليقاً على الإعلان قال رئيس «إيكواس» إن المنظمة الإقليمية التي تضم 15 دولة في غرب أفريقيا «تنفِّذ استراتيجيات عسكرية وغير عسكرية ضمن خطتها الإقليمية لمكافحة الإرهاب»، موضحاً أن «تركيز المؤتمر على دور المنظمات الإسلامية في الوقاية من التطرف العنيف يتماشى مع مقاربات المنظمة غير العسكرية».

وشدّد توريه على ضرورة توجيه طاقات الشباب نحو أنشطة بنّاءة، لافتاً إلى أن ظروف طلاب المدارس القرآنية في كثير من الدول تستدعي معالجة عاجلة، من أجل ضمان عدم اكتتابهم وتجنيدهم من طرف التنظيمات الإرهابية التي تنشط في المنطقة.

من جانبه، عبّر أمير ولاية كانو النيجيرية، سنوسي لاميدو سنوسي، عن أسفه لارتفاع عدد ضحايا الإرهاب بنسبة 250 في المائة خلال العقد الماضي، مشيراً إلى أن المناقشات خلال أيام المؤتمر «أبرزت الحاجة إلى تنسيق الجهود عبر الحدود لمعالجة الروابط بين التعليم الإسلامي التقليدي، وهشاشة الشباب، وتفاقم انعدام الأمن».

وقال سنوسي: «بينما نعتمد الإعلان الإقليمي لتحسين التعليم الإسلامي ومكافحة التطرف العنيف، أدعو جميع الشركاء إلى الثبات في التزامهم، لنمكّن المنظمات الإسلامية من نشر قيم السلام والتسامح والتعايش».

ودعا أمير كانو إلى تحرك جماعي لبناء منطقة يعيش فيها كل فرد بسلام وأمن وكرامة، والعمل على خلق مستقبل أكثر أماناً للأطفال والمجتمعات في جميع أنحاء غرب أفريقيا، على حد تعبيره.