روسيا تتحايل على العقوبات الغربية لتعزيز وجودها العسكري بأفريقيا

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
TT

روسيا تتحايل على العقوبات الغربية لتعزيز وجودها العسكري بأفريقيا

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)

في الوقت الذي تُواصل فيه روسيا قصف أوكرانيا، تقوم بتوسيع نطاق وجودها العسكري في أفريقيا، من خلال تزويد مناطق النزاع في أفريقيا جنوب الصحراء بأسلحة متطورة، حيث تشهد قوة مسلَّحة خاضعة لسيطرة «الكرملين» صعوداً ملحوظاً.

وبينما تتجاوز العقوبات التي فرضتها الدول الغربية، تستخدم موسكو سفن شحن لنقل دبابات ومركبات مدرَّعة ومدفعية ومُعدات عالية القيمة إلى غرب أفريقيا، وفق ما كشفته وكالة «أسوشييتد برس».

شعار «فاغنر» الروسية (أرشيفية)

وباستخدام صور الأقمار الاصطناعية والإشارات اللاسلكية، تتبعت الوكالة قافلة من سفن الشحن التي ترفع العَلم الروسي، خلال رحلةٍ استمرت قرابة شهر من بحر البلطيق.

ووفقاً لمسؤولين عسكريين أوروبيين راقبوا السفن من كثب، فقد كانت تحمل مدافع هاوتزر ومُعدات للتشويش اللاسلكي، وغيرها من العتاد العسكري.

ومِن شأن هذه الشحنات أن تُعزز «فيلق أفريقيا»، التابع لروسيا، والذي لا يزال في بداياته، في وقتٍ تتنافس فيه موسكو مع الولايات المتحدة وأوروبا والصين على النفوذ بالقارة.

سفينة شحن روسية في غينيا (أ.ب)

ويشهد «فيلق أفريقيا»، الذي يرتبط بفرع سري من الجيش الروسي، تنامياً في وقتٍ بدأت فيه القوات الأميركية والأوروبية الانسحاب من المنطقة، بعد أن أجبرتها دول في أفريقيا جنوب الصحراء على الخروج، واختارت التوجه نحو روسيا للحصول على الدعم الأمني.

ويخوض كل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر، منذ أكثر من عقد، معارك ضد مقاتلين مرتبطين بتنظيمَي «القاعدة» و«داعش».

أنهت مجموعة «فاغنر» دورها رسمياً وغادرت مالي حيث كانت تنشط منذ عام 2021 على أن يجري دمج مجموعاتها ضمن «فيلق أفريقيا» المرتبط بروسيا (أرشيفية-متداولة)

في البداية، دخلت جماعات مرتزقة ذات صلة غير مباشرة بـ«الكرملين» ساحات القتال في أفريقيا، لكن روسيا بدأت تدريجياً نشر قوتها العسكرية وأجهزتها الاستخباراتية بشكل مباشر ومتزايد. وقال المتحدث باسم «الكرملين»، دميتري بيسكوف: «نعتزم توسيع تعاوننا مع الدول الأفريقية في جميع المجالات، مع التركيز على التعاون الاقتصادي والاستثمارات». وأضاف: «يشمل هذا التعاون مجالات حساسة مرتبطة بالدفاع والأمن».

سفينة شحن روسية في غينيا (أ.ب)

وتُنقل الأسلحة الروسية بالشاحنات إلى مالي، وتُعدّ سفينتا «بالتيك ليدر» التي تبلغ حمولتها 8800 طن، و«باتريا» التي تبلغ حمولتها 5800 طن، من بين مئات السفن التي فرضت عليها الدول الغربية عقوبات؛ في محاولة لخنق الموارد التي تُستخدم في حرب روسيا ضد أوكرانيا.

وأظهرت صور أقمار اصطناعية لوكالة «أسوشييتد برس» أن السفينتين رَسَتا وأفرغتا حمولتيهما في مدينة كوناكري، عاصمة غينيا، في أواخر شهر مايو (أيار) الماضي.

عناصر من «فاغنر» في بلدة بشمال مالي يسكنها طوارق (متداولة)

وكانت سفن أخرى قد قامت بنقل شحنات إلى الميناء نفسه في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، حيث جرى تسليم دبابات ومركبات مدرّعة ومُعدات عسكرية أخرى نُقلت، لاحقاً، براً إلى مالي المجاورة، وفقاً لمسؤولين عسكريين أوروبيين، وفيديو نشره مدوِّن مالي يُظهر قافلة طويلة من المركبات. وتحدّث المسؤولون العسكريون إلى وكالة «أسوشييتد برس» حول العمليات الروسية، بشرط عدم الكشف عن هوياتهم. ونجحت الوكالة في التحقق من الفيديو، الذي نشره المدوِّن، عبر تحديد الموقع الجغرافي للقافلة على طريق «آر إن 5» السريع المؤدي إلى العاصمة المالية باماكو.

وبعد الشحنة الأخيرة التي جرى تسليمها في كوناكري، شُوهدت مجدداً شاحنات تنقل مركبات مدرّعة ومدافع هاوتزر ومُعدات روسية الصنع أخرى على الطريق البري المؤدي إلى مالي.

صورة من مقطع فيديو نُشر 20 مايو 2023 على «تلغرام» التابع للخدمة الصحافية لشركة «كونكورد» المرتبطة برئيس «فاغنر» يفغيني بريغوجين الذي يظهر واقفاً أمام عَلَم وطني روسي مع جنوده (أ.ف.ب)

وأكدت هيئة الإذاعة والتلفزيون المالية الرسمية «أو آر تي إم» أن جيش البلاد تسلَّم مُعدات عسكرية جديدة. ومن خلال تحليل فيديوهاتها وصور المدوِّن المالي، التي صُوّرت في الموقع نفسه الذي التُقطت فيه صور تسليم يناير، جرى التعرف على مجموعة واسعة من المُعدات روسية الصنع، من بينها مدافع ميدانية من عيار 152 ملم، ومدافع أخرى أصغر حجماً.

كما حددت وكالة أسوشيتد برس وجود ناقلة جنود مدرّعة من طراز «بي تي آر-80» مزودة بمُعدات تشويش لا سلكي، إلى جانب مركبات مدرّعة من طراز «سبارتاك» ومركبات مدرّعة أخرى، بعضها مزود بأسلحة رشاشة. وضمّت الشحنة أيضاً زورقين صغيرين شِبه مطاطيين، أحدهما يحمل عَلَم روسيا مرسوماً على هيكله، بالإضافة إلى شاحنات صهريجية، كُتب على جوانب بعضها كلمة «قابل للاشتعال» باللغة الروسية.

أرشيفية لعنصرين من «فاغنر» في مالي (متداولة)

وقال المسؤولون العسكريون، الذين تحدثوا إلى وكالة «أسوشييتد برس»، إنهم يعتقدون أن روسيا خصصت أقوى المُعدات، ولا سيما المدفعية ومُعدات التشويش، لـ«فيلق أفريقيا» التابع لها، وليس للجيش المالي. ويبدو أن «فيلق أفريقيا» حصل أيضاً على قدرات جوية، إذ رصدت الأقمار الاصطناعية، خلال الأشهر الأخيرة، طائرة هجومية من طراز «سو24-» في قاعدة جوية بباماكو.

والوحدة السرية سيئة السمعة في موسكو، ولسنوات، دعّمت القوات الفرنسية، خلال عمليات مكافحة التمرد في مالي وبوركينا فاسو والنيجر المجاورتين. لكن فرنسا سحبت قواتها بعد الانقلابات التي وقعت في مالي خلال عاميْ 2020 و2021، وفي بوركينا فاسو عام 2022، وفي النيجر عام 2023. وقد ملأ المرتزقة الروس هذا الفراغ.

وأبرز هؤلاء كانت مجموعة «فاغنر»، التي نشرت قواتها في السودان عام 2017 ووسَّعت نطاق انتشارها إلى دول أفريقية أخرى، غالباً مقابل الحصول على امتيازات في مجالات التعدين.

واكتسبت المجموعة سُمعة بالوحشية، حيث اتهمتها دول غربية وخبراء من الأمم المتحدة بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، بما في ذلك في جمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا ومالي.

ومن بين 33 دولة أفريقية تنشط فيها شركات عسكرية روسية خاصة، كانت الأغلبية تحت سيطرة «فاغنر»، وفق بحثٍ أجرته مؤسسة راند، برعاية الحكومة الأميركية.

لكن بعد تمرد قوات «فاغنر» في روسيا، خلال عام 2023، ومقتل زعيمها يفغيني بريغوجين، بعد شهرين، في حادث تحطم طائرة تحوم حوله شبهات، شددت موسكو قبضتها.

وجرت إعادة هيكلة العمليات العسكرية الروسية في أفريقيا، مع تولي «الكرملين» مزيداً من السيطرة، من خلال «فيلق أفريقيا».

ويُشرف على هذا الفيلق قائد الوحدة 29155، وهي واحدة من أكثر فروع جهاز الاستخبارات العسكرية الروسي غموضاً وسوء سُمعة، وفقاً للاتحاد الأوروبي.

سفينة شحن روسية في غينيا (أ.ب)

واتهمت الوحدة 29155 بتنفيذ هجمات سرية ضد مصالح غربية، على مدى سنوات، شملت أعمال تخريب ومحاولات اغتيال.

وفي ديسمبر (كانون الأول) الماضي، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على اللواء أندريه أفيريانوف، قائد الوحدة 29155، متهماً إياه بالإشراف على عمليات «فيلق أفريقيا».

وجاء في قرار العقوبات: «في عدد من الدول الأفريقية تُقدم القوات الروسية الحماية للمجالس العسكرية التي أطاحت بحكومات ديمقراطية شرعية، مما أدى إلى تدهور بالغ في الاستقرار والأمن والديمقراطية بتلك الدول». وأضاف القرار أن هذه العمليات يجري تمويلها من خلال استغلال الموارد الطبيعية للقارة.

مقاتلون من مرتزقة «فاغنر» الروسية في مدينة روستوف أون دون بروسيا 24 يونيو 2023 (رويترز)

تجنيد «فيلق أفريقيا»

يقول باحثون ومسؤولون عسكريون إن تدفق الأسلحة من روسيا يبدو أنه يُسرّع من صعود «فيلق أفريقيا» على حساب مجموعة «فاغنر»، مما يساعده على كسب ولاء المرتزقة، الذين ظلوا مُوالين للمجموعة. كما يقوم «فيلق أفريقيا» بتجنيد أفراد داخل روسيا، مقدماً عروضاً مالية تصل إلى 2.1 مليون روبل (26 ألفاً و500 دولار)، وقِطع أراض، مقابل توقيع عقد مع وزارة الدفاع، إضافة إلى مزايا إضافية عند الانتشار.

وبعد أيام فقط من وصول أحدث دفعة من المُعدات، أعلنت «فاغنر» انسحابها من مالي، قائلة، في منشور عبر «تلغرام»، إن «المهمة أُنجزت».

وفي منشور منفصل، أعلن «فيلق أفريقيا» نيّته البقاء.

وقالت جوليا ستانيارد، الباحثة في نشاط المرتزقة الروس بأفريقيا، إن هذا الانتقال من «فاغنر» إلى «فيلق أفريقيا» في مالي قد يكون مؤشراً على تحولات مشابهة في مناطق أخرى من القارة.

وأضافت ستانيارد، من المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود، ومقرُّها سويسرا: «جلب هذه الأسلحة الحديثة والمركبات المدرّعة الجديدة يمثل تحولاً كبيراً».

وتُكبد الجماعات المسلّحة في مالي، القوات الحكومية والمرتزقة الروس خسائر فادحة، فقد قتل مقاتلو جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المرتبطة بـ«القاعدة»، العشرات من الجنود، في هجومٍ، هذا الشهر، على قاعدة عسكرية.

وتُظهر صور أقمار اصطناعية، التُقطت في 29 مايو الماضي شاحنات مصطفّة على الرصيف البحري، أثناء تفريغ السفينة. ولم تتمكن وكالة «أسوشييتد برس» من التحقق مما إذا كانت الحمولة تتضمن أسلحة أو الوجهة النهائية للشحنة، إلا أن مجموعة «فاغنر» لا تزال تحتفظ بوجود قوي في جمهورية أفريقيا الوسطى المجاورة.


مقالات ذات صلة

النفط يرتفع بفعل تصاعد التوترات الجيوسياسية

الاقتصاد حفارة تعمل بالقرب من احتياطي النفط الخام في حوض بيرميان بالقرب من ميدلاند بتكساس (رويترز)

النفط يرتفع بفعل تصاعد التوترات الجيوسياسية

ارتفعت أسعار النفط، خلال جلسة يوم الاثنين، بداية تعاملات الأسبوع، مع ترقب المستثمرين تصاعد التوترات بالشرق الأوسط التي قد تؤثر ​على الإمدادات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
الولايات المتحدة​ جانب من المحادثات بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي في فلوريدا (الرئاسة الأوكرانية - د.ب.أ)

زيلينسكي: مسودة سلام مطروحة تشمل ضمانات أمنية أميركية لمدة 15 عاماً

قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ‌إن ‌مسودة مطروحة ​لإطار السلام ‌وإنهاء الحرب الروسية تتضمن ضمانات أمنية أميركية ‌لأوكرانيا لمدة 15 عاما.

«الشرق الأوسط» (كييف)
تحقيقات وقضايا ترمب وبوتين في ألاسكا... 15 أبريل 2025 (أ.ب)

ترمب... صديق روسيا «اللدود» وصانع «عسلها المر»

لا يبدو أن شهر العسل بين واشنطن وموسكو وردي تماماً كما ظهر في بداية الولاية الثانية لدونالد ترمب في البيت الأبيض.

رائد جبر (موسكو)
أوروبا الرئيس الأميركي دونالد ترمب والرئيسان الأوكراني زيلينسكي والفرنسي ماكرون قبل اجتماع ثلاثي في الإليزيه العام الماضي (د.ب.أ) play-circle

ماكرون: حلفاء كييف يجتمعون في باريس مطلع يناير لبحث الضمانات الأمنية

أعلن الرئيس الفرنسي عن اجتماع لحلفاء كييف في باريس مطلع يناير (كانون الثاني) لمناقشة الضمانات الأمنية التي ستقدّم لأوكرانيا في إطار اتفاق سلام مع روسيا.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا جانب من استقبال ترمب لزيلينسكي في مارالاغو يوم 28 ديسمبر (أ.ب)

ترمب: جهود إنهاء حرب أوكرانيا في «مراحلها النهائية»

بدا الرئيس الأميركي دونالد ترمب متفائلاً بقرب التوصل إلى اتفاق سلام لدى استقباله نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مارالاغو، أمس، وقال أمام الصحافيين إنّ

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

النيجر: المجلس العسكري يعلن «التعبئة العامة» لمواجهة الإرهاب

جانب من اجتماع الحكومة الانتقالية في النيجر الجمعة الماضي (إعلام محلي)
جانب من اجتماع الحكومة الانتقالية في النيجر الجمعة الماضي (إعلام محلي)
TT

النيجر: المجلس العسكري يعلن «التعبئة العامة» لمواجهة الإرهاب

جانب من اجتماع الحكومة الانتقالية في النيجر الجمعة الماضي (إعلام محلي)
جانب من اجتماع الحكومة الانتقالية في النيجر الجمعة الماضي (إعلام محلي)

أقرت الحكومة الانتقالية في النيجر ما سمته «التعبئة العامة» من أجل مواجهة الجماعات الإرهابية، وخاصة تلك المرتبطة بتنظيمَي «القاعدة» و«داعش»، التي تشن هجمات دامية في مناطق مختلفة من البلاد، منذ أكثر من عشر سنوات.

وتدهورت الأوضاع الأمنية في النيجر خلال العقد الأخير، ما دفع البلاد إلى الاستعانة عام 2014 بقوات فرنسية، تبعتها قوات أميركية وأوروبية، لمساندة البلاد في الحرب على الإرهاب، ولكن بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد بازوم في انقلاب عسكري عام 2023، قرر المجلس العسكري الحاكم إلغاء اتفاقيات التعاون العسكري مع الغرب، وطرد القوات الفرنسية والأميركية.

الحكومة الانتقالية في النيجر عقدت شراكة استراتيجية مع مالي وبوركينا فاسو اللتين تحكمهما أيضاً مجالس عسكرية (إعلام محلي)

وتوجّه حكام النيجر الجدد إلى التحالف مع مالي وبوركينا فاسو، اللتين تحكمهما هما الأخريان مجالس عسكرية، وعقد شراكة استراتيجية مع روسيا، استقبلت بموجبها هذه الدول أسلحة ومقاتلين من روسيا، ولكن ذلك لم ينجح في الحد من الهجمات الإرهابية في الدول الثلاث.

ولمواجهة التصعيد الأمني، صادقت الحكومة الانتقالية في النيجر، خلال اجتماعها الأسبوعي (الجمعة)، على إجراءات التعبئة والمصادرة، وقالت في بيان نُشر السبت إنه بموجب القانون الجديد «قد يتم تسخير أشخاص وممتلكات وخدمات أثناء التعبئة العامة للمساهمة في الدفاع عن الوطن، وذلك امتثالاً للتشريعات والقوانين السارية».

وأضاف بيان الحكومة: «يُطلب من كل مواطن الاستجابة فوراً لأي أمر استدعاء أو إعادة استدعاء، والامتثال دون تأخير لتنفيذ تدابير الدفاع عن الوطن»، وهو ما بررته الحكومة بضرورة تحقيق عدة أهداف، من أبرزها «الحفاظ على سلامة الأراضي الوطنية» و«حماية السكان»، وكذلك «مؤسسات الدولة ومصالحها الحيوية من أي تهديد داخلي أو خارجي».

جانب من اجتماع الحكومة الانتقالية في النيجر الجمعة الماضي (إعلام محلي)

وتأتي خطة التعبئة في النيجر بعد خمس سنوات من قيام البلاد بمضاعفة حجم جيشها إلى 50 ألف جندي، ورفع سن التقاعد للضباط ذوي الرتب العالية من 47 إلى 52 عاماً. كما حضت الحكومة المواطنين على تقديم مساهمات «طوعية» لصندوق تم إنشاؤه عام 2023 يساعد في تمويل شراء المعدات العسكرية وتنفيذ المشاريع الزراعية.

وتشير تقارير صادرة عن منظمة «ACLED» غير الحكومية التي توثق النزاعات في أنحاء العالم، إلى أن قرابة ألفَي شخص قُتلوا في النيجر منذ مطلع العام، خلال هجمات إرهابية دامية، شنتها جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» وتنظيم «داعش في الصحراء الكبرى»، وجماعة «بوكو حرام».

وفي آخر هجوم إرهابي، قُتل رجل وزوجته (الأربعاء) في هجوم نفذه مسلحون على كنيسة في منطقة دوسو، جنوب غربي النيجر، وفق ما أفادت مصادر محلية. وأوضح مصدر محلي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن «الهجوم وقع على قرية ميلو قرابة الحادية عشرة ليل الأربعاء/ الخميس، ونتيجة لهذا الهجوم فقدنا رجلاً وزوجته».

وروى نفس المصدر أن «المسيحيين كانوا يحتفلون بالقداس داخل الكنيسة عندما جاء أفراد مسلحون وأطلقوا أعيرة نارية في الهواء، فعمّت الفوضى». وأضاف أن «رجلاً وزوجته لجآ إلى منزلهما، لكن المهاجمين لاحقوهما وأعدموهما».

وأكد أحد أبناء المنطقة وقوع الهجوم، وقال إن «بعض المصلين فرّوا للاحتماء في القرى المجاورة»، في حين «اتجه آخرون نحو الأحراج»، وأشار إلى أن المهاجمين استولوا أيضاً على ماشية.

وتقع قرية ميلو في منطقة دوغوندوتشي التابعة لإقليم دوسو المحاذي لنيجيريا وبنين.

ويشكّل المسلمون غالبية سكان النيجر البالغ عددهم الإجمالي أكثر من 28 مليوناً، في حين تقتصر نسبة المسيحيين منهم على ما بين 1 و2 في المائة، ويتعايش المسلمون والمسيحيون عادة من دون مشاكل في النيجر.

وبين عامَي 2018 و2021، استهدفت هجمات نُسبت إلى جهاديين كنائس في منطقة تيلابيري الواقعة غرب النيجر، قرب بوركينا فاسو ومالي، واختطف مجهولون في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي مواطناً أميركياً يعمل في منظمة تبشيرية في النيجر، واقتادوه إلى جهة مجهولة.

جانب من اجتماع الحكومة الانتقالية في النيجر الجمعة الماضي (إعلام محلي)

وفي مايو (أيار) 2019، أُصيب كاهن نيجري بطلق ناري في هجوم على كنيسة بقرية دولبل في تيلابيري.

ورغم الانتشار الواسع للجيش، لا تزال أعمال العنف التي تُنسب إلى الجهاديين متواصلة وتستهدف مختلف الطوائف، ففي مارس (آذار) الماضي لقِيَ 44 مدنياً مصرعهم داخل مسجد في فامبيتا، في حين قتلت مجموعة يُشتبه في أنها تتألف من جهاديين 71 مدنياً آخرين كانوا يحضرون في 20 يونيو (حزيران) خطبة دينية إسلامية في قرية ماندا.

وبينما تخشى حكومة النيجر أن يأخذ العنف في البلاد طابعاً طائفياً، كما يحدث في الجارة نيجيريا، أوفد رئيس النظام العسكري الجنرال عبد الرحمن تياني، وهو مسلم، وفداً لحضور القداس في الكاتدرائية الكبرى في نيامي.


المجلس العسكري الحاكم في النيجر يعلن «التعبئة العامة» ضد المتطرفين

استنفار أمني عقب هجوم إرهابي في نيجيريا (غيتي)
استنفار أمني عقب هجوم إرهابي في نيجيريا (غيتي)
TT

المجلس العسكري الحاكم في النيجر يعلن «التعبئة العامة» ضد المتطرفين

استنفار أمني عقب هجوم إرهابي في نيجيريا (غيتي)
استنفار أمني عقب هجوم إرهابي في نيجيريا (غيتي)

أقرّ المجلس العسكري الحاكم في النيجر التعبئة العامة لمحاربة التمرد الجهادي في البلاد المستمر منذ فترة طويلة، وفق بيان حكومي اطلعت عليه «وكالة الصحافة الفرنسية» السبت.

صورة عامة لهياكل مدمرة في أوفا بتاريخ 27 ديسمبر 2025 نتيجة حطام ذخائر سقطت جراء غارات أميركية على مسلحين لم يُكشف عن هويتهم مرتبطين بتنظيم «داعش» في نيجيريا (أ.ف.ب)

ويحكم النيجر مجلس عسكري وصل إلى السلطة بانقلاب في يوليو (تموز) 2023.

وتعاني البلاد منذ نحو 10 سنوات هجمات دامية تشنها جماعات جهادية مرتبطة بتنظيم «القاعدة» وتنظيم «داعش»، أودت بحياة قرابة ألفي شخص منذ مطلع العام، وفقاً لمنظمة ACLED غير الحكومية التي توثق النزاعات في أنحاء العالم. وقالت الحكومة بعد اجتماع لمجلس الوزراء: «قد يتم تسخير أشخاص وممتلكات وخدمات أثناء التعبئة العامة للمساهمة في الدفاع عن الوطن وذلك امتثالاً للتشريعات والقوانين السارية».

وأشار النص إلى أن هذه التدابير مدفوعة خصوصاً بـ«ضرورة الحفاظ على سلامة الأراضي الوطنية» و«حماية السكان» وكذلك «مؤسسات الدولة ومصالحها الحيوية من أي تهديد داخلي أو خارجي».

أشخاص في موقع غارة جوية أميركية في شمال غرب جابو... نيجيريا يوم الجمعة 26 ديسمبر 2025 (أ.ب)

وتبنى الحكام الجدد للبلاد إجراءات التعبئة والمصادرة في اجتماع لمجلس الوزراء الجمعة.

وقالت الحكومة بعد اجتماع لمجلس الوزراء: «قد يتم تسخير أشخاص وممتلكات وخدمات أثناء التعبئة العامة للمساهمة في الدفاع عن الوطن، وذلك امتثالاً للتشريعات والقوانين السارية».

وأضاف البيان: «يطلب من كل مواطن الاستجابة فوراً لأي أمر استدعاء أو إعادة استدعاء، والامتثال دون تأخير لتنفيذ تدابير الدفاع عن الوطن».

وتأتي خطة التعبئة في النيجر بعد خمس سنوات من قيام البلاد بمضاعفة حجم جيشها إلى 50 ألف جندي، ورفع سن التقاعد للضباط ذوي الرتب العالية من 47 إلى 52 عاماً.

كما حضت الحكومة المواطنين على تقديم مساهمات «طوعية» لصندوق تم إنشاؤه عام 2023 يساعد في تمويل شراء المعدات العسكرية وتنفيذ المشاريع الزراعية.

أشخاص خلف شريط مسرح الجريمة في موقع غارة جوية أميركية في شمال غرب جابو... نيجيريا يوم الجمعة 26 ديسمبر 2025 (أ.ب)

وبعد فترة وجيزة من توليها السلطة، طلبت السلطة العسكرية من الجنود الفرنسيين والأميركيين الذين كانوا يقاتلون الجهاديين، ولا سيما في غرب البلاد، مغادرة النيجر. ولاحقاً انضمت النيجر إلى مالي وبوركينا فاسو التي تحكمها جميعا مجالس عسكرية، في تشكيل قوة مشتركة لمكافحة الجهاديين قوامها خمسة آلاف جندي.

قتيلان بهجوم على كنيسة في النيجر

في غضون ذلك، قُتل رجل وزوجته مساء الأربعاء بهجوم نفذه مسلحون على كنيسة في منطقة دوسو في جنوب غرب النيجر، وفق ما أفادت مصادر محلية «وكالة الصحافة الفرنسية» الجمعة.

وأوضح مصدر محلي لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أن «الهجوم وقع على قرية ميلو قرابة الحادية عشرة ليل الأربعاء 24 ديسمبر (كانون الأول) الساعة 22:00 بتوقيت غرينتش، ونتيجة لهذا الهجوم فقدنا رجلاً وزوجته».

جندي نيجري يحرس موقعاً استراتيجياً في مدينة والام بالنيجر (متداولة)

وروى أن «المسيحيين كانوا يحتفلون بالقداس داخل الكنيسة عندما جاء أفراد مسلحون وأطلقوا أعيرة نارية في الهواء، فعمّت الفوضى».

وأضاف أن «رجلاً وزوجته لجآ إلى منزلهما، لكن المهاجمين لاحقوهما وأعدموهما».

وأكد أحد أبناء المنطقة وقوع الهجوم، وقال إن «بعض المصلين فرّوا للاحتماء في القرى المجاورة»، بينما «اتجه آخرون نحو الأحراج».

وأشار إلى أن المهاجمين استولوا أيضا على ماشية.

وتقع قرية ميلو في منطقة دوغوندوتشي التابعة لإقليم دوسو المحاذي لنيجيريا وبنين.

ويتعايش المسلمون والمسيحيون عادة من دون مشاكل في النيجر.

وأوفد رئيس النظام العسكري المنبثق عن انقلاب عام 2023 الجنرال عبد الرحمن تياني، وهو مسلم، وفداً لحضور القداس في الكاتدرائية الكبرى في نيامي.

وبين عامي 2018 و2021، استهدفت هجمات نُسبت إلى جهاديين كنائس في منطقة تيلابيري الواقعة غرب النيجر، قرب بوركينا فاسو ومالي.

وفي مايو (أيار) 2019، أُصيب كاهن نيجري بطلق ناري في هجوم على كنيسة بقرية دولبل في تيلابيري.

ورغم الانتشار الواسع للجيش، لا تزال أعمال العنف التي تُنسب إلى الجهاديين متواصلة وتستهدف مختلف الطوائف.

ففي مارس (آذار) الماضي، لقِيَ 44 مدنياً مصرعهم داخل مسجد في فامبيتا، فيما قتلت مجموعة يُشتبه في أنها تتألف من جهاديين 71 مدنياً آخرين فيما كانوا يحضرون في 20 يونيو (حزيران) خطبة دينية في قرية ماندا. ويشكّل جنوب شرق النيجر أيضاً مسرحاً لعمليات دامية ينفذها كل من جماعة «بوكو حرام» وتنظيم «داعش في غرب أفريقيا».


الرئيس الصومالي: «الاعتراف الإسرائيلي» عدوان سافر على استقلالنا

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يتحدث أمام البرلمان (وكالة الأنباء الوطنية الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يتحدث أمام البرلمان (وكالة الأنباء الوطنية الصومالية)
TT

الرئيس الصومالي: «الاعتراف الإسرائيلي» عدوان سافر على استقلالنا

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يتحدث أمام البرلمان (وكالة الأنباء الوطنية الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود يتحدث أمام البرلمان (وكالة الأنباء الوطنية الصومالية)

قال الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، الأحد، إن اعتراف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإقليم «أرض الصومال» دولةً مستقلةً «خطوةٌ غير مقبولة، وتُشكل انتهاكاً للقواعد الدولية، وتعني عدواناً سافراً على استقلال البلاد».

وأصبحت إسرائيل، الجمعة، أولَ دولة تعترف رسمياً بـ«جمهورية أرض الصومال» (صومالي لاند) المعلنة من جانب واحد «دولة مستقلة ذات سيادة»، وهو قرار من شأنه أن يُعيدَ تشكيل الديناميكيات الإقليمية، ويختبر معارضة ​الصومال الطويلة الأمد للانفصال، ويعطي تل أبيب موطئَ قدم في منطقة القرن الأفريقي الحساسة، في بلد يملك أطولَ حدود بحرية في قارة أفريقيا.

وأضاف الرئيس الصومالي، خلال كلمة أمام البرلمان، أنه يرفض «نقل الصراع في الشرق الأوسط إلى أراضينا»، وقال: «موقفنا ثابت في الحوار مع أرض الصومال لتحقيق الوحدة»، مؤكداً أن بلاده لن تقبل بإقامة قواعد عسكرية على أراضيها لانطلاق هجمات منها.

البرلمان يعدّ الاعتراف لاغياً وباطلاً

من جانبها، ذكرت «وكالة الأنباء الصومالية»، اليوم، أن برلمان البلاد وافق على قانون يعدّ اعتراف إسرائيل بإقليم «أرض الصومال» لاغياً وباطلاً.

وجاء في القانون، الذي نشرته الوكالة الرسمية، أن البرلمان «يدين بشدة، ويرفض بشكل قاطع أي قرار أو إعلان أو إجراء من جانب إسرائيل يزعم الاعتراف بأرض الصومال دولةً ذات سيادة أو دولة مستقلة».

وأضاف القانون: «الاعتراف المزعوم الذي تدّعيه إسرائيل يُشكل انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي، ولا سيما ميثاق الأمم المتحدة، وقانون الاتحاد الأفريقي، وميثاق جامعة الدول العربية، وميثاق منظمة التعاون الإسلامي».

وطلب البرلمان من الحكومة الاتحادية إحالة القانون فوراً إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيغاد).

وقال البرلمان إن القانون يُعاقب «أي فرد أو مؤسسة، صومالية كانت أو دولية، تنتهك القانون بموجب قانون العقوبات والقوانين الأخرى السارية في الصومال وقواعد القانون الدولي ذات الصلة».

ونقلت الوكالة الرسمية عن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود القول إن قرار إسرائيل يُعد «غزواً صريحاً».

جلسة طارئة للجامعة العربية

إلى ذلك، قال مندوب الصومال لدى الجامعة العربية علي عبدي أواري، اليوم، إن إسرائيل تعمل على دعم كيان انفصالي في الصومال سعياً لتحقيق التهجير القسري للشعب الفلسطيني من أرضه، في إشارة إلى اعتراف تل أبيب بإقليم «أرض الصومال».

شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)

وقال أواري خلال جلسة طارئة للجامعة العربية: «الصومال لن يكون طرفاً في أي مسعى لتهجير الفلسطينيين من أرضهم».

وتابع: «سنعمل على إفشال تلك الخطط والوقوف في وجه أطماع إسرائيل الفجّة»، مؤكداً أن اعتراف إسرائيل بإقليم «أرض الصومال» هو اعتداء مباشر و«يمس الأمن القومي العربي كله والملاحة في البحر الأحمر».

ومن المقرر أن يعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعاً طارئاً يوم الاثنين بشأن اعتراف إسرائيل المثير للجدل بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة.

وقبيل الجلسة، أصدرت 21 دولة، أغلبها إسلامية، بياناً مشتركاً في وقت متأخر، السبت، حذّرت فيه من «تداعيات خطيرة» للقرار الإسرائيلي على «السلم والأمن في القرن الأفريقي» وفي منطقة البحر الأحمر الأوسع.

وتعمل «أرض الصومال»، وهي منطقة ذات أغلبية مسلمة في شمال الصومال، ويبلغ عدد سكانها بضعة ملايين، بشكل مستقل فعلياً منذ أكثر من 3 عقود.