فرنسا ترفض سحب قواتها من النيجر وتتمسّك بشرعية بازوم

مؤشرات تباين في مواقف «إيكواس» من الانقلابيين

أنصار المجلس العسكري يتظاهرون خارج مقر القاعدة العسكرية الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)
أنصار المجلس العسكري يتظاهرون خارج مقر القاعدة العسكرية الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)
TT

فرنسا ترفض سحب قواتها من النيجر وتتمسّك بشرعية بازوم

أنصار المجلس العسكري يتظاهرون خارج مقر القاعدة العسكرية الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)
أنصار المجلس العسكري يتظاهرون خارج مقر القاعدة العسكرية الفرنسية في نيامي (أ.ف.ب)

استبق سباستيان لوكورنو، وزير الدفاع الفرنسي، انتهاء المهلة التي أعطاها المجلس العسكري النيجري، الأحد، لرحيل القوات الفرنسية عن البلاد، بتأكيد أن باريس «ليست في وارد الخضوع» لمطالب الانقلابيين، وأنها لا تزال على تواصل دائم مع الرئيس المخلوع محمد بازوم الذي تعترف بشرعيته.

والحجة التي تتمسك بها فرنسا، منذ حصول الانقلاب في نيامي، 26 يوليو (تموز) الماضي، واضحة وقوية، ولا تحتمل برأيها الجدل، وهي أن الحضور العسكري الفرنسي في النيجر موثّق في اتفاقيات معقودة مع السلطات الشرعية، وبناءً على طلبها، وبالتالي فإنها فقط معنية بما يصدر عن هذه السلطات و«ليس عن انقلابيين يفتقدون الشرعية».

وكما رفضت باريس، الأسبوع الماضي، الاستجابة لطلب وزارة الخارجية النيجرية سحب سفيرها سيلفان أيتيه، من نيامي، خلال مهلة لا تزيد عن 48 ساعة، فإنها ترفض الخضوع لمطلب المجلس العسكري الذي نقض الاتفاقيات الأمنية والدفاعية الموقعة بين الطرفين وأمهل القوة الفرنسية شهراً واحداً للخروج.

تواصل يومي مع بازوم

في حديث نشرته صباح السبت صحيفة «لو فيغارو»، قال لوكورنو إن باريس أرسلت قوات إلى مالي وبوركينا فاسو والنيجر لمساعدة القوات المحلية في محاربة التنظيمات الإرهابية؛ مثل «داعش» في منطقة الساحل، والفرع المحلي لـ«القاعدة»، ومجموعة «بوكو حرام». وبرر انسحاب هذه القوات من مالي وبوركينا فاسو بتخلي السلطات الانقلابية في هذين البلدين عن محاربة الإرهاب. لكنه أردف قائلاً إن «الوضع في النيجر مختلف، ونحن لا نعترف إلا بسلطة الرئيس بازوم ونريد العودة إلى الانتظام الدستوري».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستقبل رئيس النيجر محمد بازوم في الإليزيه في 23 يونيو 2023 (أ.ف.ب)

من جانبه، قال الرئيس إيمانويل ماكرون، الجمعة، إنه يتحدث «كل يوم مع الرئيس بازوم»، وتابع: «نحن ندعمه. ولا نعترف بمن نفذوا الانقلاب. وأي قرارات سنتخذها، أياً كانت، ستكون مبنية على تواصلنا مع بازوم».

الملفت في كلام ماكرون أن باريس كانت تربط تعاطيها، حصراً، بالملف النيجري بما تقرره المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «إيكواس» التي يتلخص موقفها بالبحث عن حل سياسي ــ دبلوماسي لأزمة النيجر، مع عدم استبعاد التدخل العسكري باعتباره «ملاذاً أخيراً».

وحتى يوم الاثنين الماضي، في خطابه أمام سفراء فرنسا بمناسبة مؤتمرهم السنوي، أكّد ماكرون أن بلاده تدعم «إيكواس» في خياراتها إن كانت دبلوماسية أو عسكرية. والحال، أنه في حديثه الأخير، ربط قرارات بلاده القادمة بما يطلبه الرئيس المخلوع الذي وصفه ماكرون بــ«الرهينة»، والذي يشكو من المعاملة السيئة التي يتلقاها من الانقلابيين. لكن هذا لا يمنعه من التواصل مع العالم الخارجي بحرية، أو أن تكون له مكالمة يومية مع الرئيس ماكرون الذي يتهمه المجلس الانقلابي بأنه يخطط ويدفع للتدخل العسكري.

الفرق بين انقلابي النيجر والغابون

وفي تبرير الفرق في التعاطي بين انقلابي النيجر والغابون، يقوم التفسير الفرنسي الرسمي، حسب ماكرون، على اعتبار أنهما «مختلفان للغاية». أما كلام لوكورنو فقد جاء أكثر تفصيلاً، إذ أكد أن فرنسا «تدين كل الانقلابات ولا تكيل بمكيالين، لأن مصداقيتها على المحك». لكنه أردف قائلاً: «رغم ذلك، لا نستطيع أن نضع على قدم المساواة ما جرى في النيجر وما حصل في الغابون». ففي الحالة الأولى، «عمد عسكريون يفتقدون للشرعية لإزاحة رئيس منتخب شرعياً، فيما دافعُ العسكريين في الغابون هو تحديداً عدم احترام القانون الانتخابي والدستور، وفي اعتقادي أن هناك شكوكاً حول نزاهة الانتخابات». ويعني ذلك عملياً أن باريس يمكن أن تغض الطرف عن انقلاب الغابون، وهو ما سبقه إليها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى.

تباين داخل «إيكواس»

حقيقة الأمر أن ما يُقلق فرنسا يتمثل بوجود بوادر تفسّخ داخل مجموعة «إيكواس» إزاء كيفية تواصل التعاطي مع انقلابيي النيجر. وثمة قناعة، وفق مصادر أوروبية، قوامها أن «كل أسبوع يمر من شأنه تقوية موقع المجلس العسكري وتراجع احتمال التدخل الخارجي»، وهي تضيف أن انقلاب الغابون واختلاف التعاطي الإقليمي والدولي معه يضعفان «إيكواس»، خصوصاً العواصم المتشددة الدافعة باتجاه عملية عسكرية مثل ساحل العاج أو السنغال.

متظاهر يحمل لافتة للتعبير عن رفضه بقاء القوات الفرنسية في النيجر (أ.ف.ب)

بيد أن التخوف الفرنسي الأكبر مصدره نيجيريا التي كانت تعد، مع حصول الانقلاب، الدولة الأكثر حزماً وإصراراً على إجهاضه، حتى عسكرياً. وموقف نيجيريا، القطب الأكبر سياسياً واقتصادياً والأقوى عسكرياً، والتي تتشارك مع النيجر بحدود تصل إلى 1500 كلم، له التأثير الأهم على مقاربة «إيكواس» للأزمة النيجرية.

فضلاً عن ذلك، فإن بولا تينوبو، الرئيس النيجيري الجديد الذي يرأس الدورة الحالية لـ«إيكواس» أكد منذ البداية أن الانقلاب في نيامي هو «لزوم ما لا يلزم، وبالتالي يتعين التصدي له». وسارع إلى إغلاق حدود بلاده مع النيجر، وقطع الإمدادات الكهربائية لها، ودفع لاتخاذ عقوبات صارمة بحقها، وفرض عزلة سياسية واقتصادية ومالية عليها من أجل لي ذراع الانقلابيين ودفعهم للتراجع.

المفارقة، أن بولا تينوبو هو أول رئيس من مجموعة «إيكواس» عمد، الخميس الماضي، إلى اقتراح حل سياسي ــ دبلوماسي في بيان صادر عن الرئاسة النيجيرية. وعرض فيه على الانقلابيين «فترة انتقالية» من 9 أشهر. وحُجّة تينوبو أن ما نجح في نيجيريا للتخلص من الحكم العسكري في تسعينات القرن الماضي، يمكن أن يكون مخرجاً من الأزمة الراهنة في النيجر.

بيد أن «إيكواس» عجّلت، مساء اليوم نفسه، إلى إصدار بيان ذكرت فيه أن موقفها «واضح» ولم يتغير ومؤداه أنه يتعيّن على «السلطات العسكرية العودة إلى الانتظام الدستوري فوراً، وإطلاق سراح الرئيس بازوم وتمكينه من استعادة سلطاته». وما جاءت به هذه الهيئة يعكس، بلا شك، وجود مقاربات مختلفة، لا بل تفسخاً، في مواقفها، خصوصاً أنها تعلن عن مواقف متضاربة مع مواقف رئيسها.

فترة انتقالية؟

تجدر الإشارة إلى أن مقترح الرئيس النيجيري جاء بعد أيام قليلة من اقتراح مشابه قدمه وزير الخارجية الجزائري أحمد العطاف، بعد جولة أفريقية شملت نيجيريا، فيما زار مسؤول رفيع المستوى في وزارته نيامي وأجرى مباحثات مع قادة الانقلاب. وتتضمن الخطة الجزائرية ستة بنود، أهمها القيام بترتيبات مرحلية على مدى ستة أشهر تحت إشراف سلطة مدنية توافقية، بما يُفضي إلى استعادة النظام الدستوري في البلاد مع المطالبة بإخلاء سبيل الرئيس بازوم وتمكينه من ممارسة مهامه.

وسبق للجنرال عبد الرحمن تياني، رئيس المجلس العسكري، أن تحدث عن فترة انتقالية من ثلاث سنوات. والواضح أن بحثاً في هذا الاتجاه سيكون سمة الجهود الدبلوماسية. لكن نقطة الضعف فيها أن الضمانات التي قد يقدمها الانقلابيون لجهة تنظيم انتخابات مبكرة والالتزام ببنود اتفاق مرحلي لن يتم بالضرورة العمل بها، والدليل على ذلك ما حصل في مالي وبوركينا فاسو.

حتى اليوم، لم يصدر أي تعليق فرنسي على المقترحين الجزائري والنيجيري، فيما تنشط الولايات المتحدة اتصالاتها الدبلوماسية.

متظاهرون يحملون علم «فاغنر» في نيامي السبت (أ.ف.ب)

وثمّة قناعة اليوم بأن باريس تعاني من «العزلة الدبلوماسية»، وقد تجد نفسها قريباً وحيدة بسبب التمسك بمواقف متشددة، علماً بأنها المتضررة الأولى مما يحصل في الساحل وأخيراً في الغابون.

فالتوجه الغالب داخل الاتحاد الأوروبي يشدد على الحل الدبلوماسي، والولايات المتحدة لا ترى غيره حلاً. وتراجع نيجيريا ستكون له، بلا شك، تداعيات داخل «إيكواس».

في المقابل، فإن الضغوط لترحيل القوة الفرنسية سوف تتضاعف، ولا شك أن السلطة العسكرية والجمعيات والمجموعات الموالية لها سوف تستخدم الضغط الشعبي للتخلص من الحضور الفرنسي. وتكاثرت في الأيام الأخيرة الدعوات للاعتصام قرب القاعدة العسكرية التي يستخدمها الجنود الفرنسيون في نيامي. وأول من أمس، سُئل الرئيس ماكرون عن عزلة بلاده في ملف النيجر، وكان جوابه: «العزلة لا تزعجني إذا كانت بسبب وفائنا للمبادئ والاحترام الذي يتعين علينا إظهاره للشعوب».


مقالات ذات صلة

النيجر تطرح مخزونها من اليورانيوم للبيع في السوق الدولية

أفريقيا الجنرال عبد الرحمن تياني (الثاني على اليسار) رئيس النظام العسكري في النيجر (أ.ف.ب)

النيجر تطرح مخزونها من اليورانيوم للبيع في السوق الدولية

أعلنت النيجر، الأحد، طرح اليورانيوم الذي تنتجه شركة «سومير» التابعة لشركة «أورانا» الفرنسية العملاقة قبل تأميمها في يونيو (حزيران)، للبيع في السوق الدولية.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
أفريقيا الجنرال عبد الرحمن تياني (الثاني على اليسار) رئيس النظام العسكري في النيجر والذي جاء إلى السلطة بانقلاب يُحيّي حشداً من الناس في نيامي في يوليو 2024 (أ.ف.ب) play-circle

تاريخ حافل بالاضطرابات... ما أبرز الانقلابات العسكرية في أفريقيا خلال العقد الأخير؟

تاريخ أفريقيا حافل بها... فيما يلي الانقلابات العسكرية الناجحة في السنوات العشر الأخيرة في القارة السمراء وآخرها انقلاب غينيا بيساو يوم الأربعاء 26 نوفمبر.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شمال افريقيا سفير النيجر بالجزائر يسلم أوراق اعتماده للرئيس تبون (الرئاسة الجزائرية)

استئناف الحوار بين الجزائر والنيجر بعد تصاعد الأزمة في 2023

يسعى وفد من حكومة النيجر يزور الجزائر حالياً، لطي خلاف حاد نشأ في صيف 2023 بسبب الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، واشتدت الأزمة باحتجاج نيامي على …

أفريقيا رئيس النيجر المخلوع محمد بازوم (أرشيفية - أ.ف.ب)

النيجر نحو تنظيم «مؤتمر وطني» بشأن ميثاق انتقالي

أعلنت وزارة الداخلية في النيجر أن النظام العسكري الحاكم سينظّم «مؤتمراً وطنياً» من 15 حتى 19 فبراير (شباط)، يهدف خصوصاً لتحديد مدة للفترة الانتقالية.

«الشرق الأوسط» (نيامي)
الولايات المتحدة​ قاعدة أغاديز (أرشيفية - أ.ب)

الجيش الأميركي أنهى سحب قواته من آخر قاعدة في النيجر

أعلن الجيش الأميركي، الاثنين، إنهاء سحب كل قواته من قاعدته الأخيرة في النيجر؛ تلبية لمطلب قادة الانقلاب العسكري في الدولة الأفريقية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

النيجر تتهم «أورانو» الفرنسية بالتسبب في تلوث إشعاعي

منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
TT

النيجر تتهم «أورانو» الفرنسية بالتسبب في تلوث إشعاعي

منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)
منجم «سومير» لليورانيوم في منطقة أرليت بالنيجر (رويترز)

اتهمت النيجر شركة «أورانو» الفرنسية للوقود النووي بـ«السلوك الاستغلالي» وارتكاب جرائم بيئية، في تصعيد جديد لنزاع محتدم حول السيطرة على مناجم اليورانيوم في الدولة الواقعة بغرب أفريقيا.

وذكرت الحكومة التي يقودها الجيش أن شركة «أورانو» يمكن أن تواجه إجراءات جنائية بتهمة ارتكاب «جرائم جماعية» بعد أن أفادت السلطات بالعثور على 400 برميل من المواد الأساسية المشعة في منطقة ماداويلة بالقرب من منطقة أرليت.

وقالت شركة «أورانو»، المملوكة بنسبة 90 بالمائة للدولة الفرنسية، إنها لم تتلقَّ أي إشعار رسمي بالإجراءات القانونية، ونفت العمل في منطقة ماداويلة.

وأضافت الشركة، في رد مكتوب على أسئلة وكالة «رويترز»، «(أورانو) لا تملك رخصة تشغيل لموقع ماداويلة، ولم تقم بأي عمليات هناك».

وقال وزير العدل أليو داوودا إن الإشعاع في المنطقة تجاوز المعدلات الطبيعية بشكل كبير؛ إذ بلغ نحو سبعة إلى عشرة ميكروسيفرت في الساعة، مقارنة بالمعدل المعتاد البالغ 0.5 ميكروسيفرت. ووجدت الفحوص مادتين مرتبطتين بمشاكل تنفسية يمكن أن تشكل ضرراً على صحة الناس.

يأتي هذا الخلاف عقب تأميم النيجر منجم «سومير» في يونيو (حزيران)، مما أدى إلى تجريد «أورانو» من حصتها البالغة 63.4 بالمائة.


كيف وسّع تنظيم «القاعدة» نفوذه في غرب أفريقيا؟

عناصر من مجموعة مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في النيجر (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من مجموعة مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في النيجر (أرشيفية - الشرق الأوسط)
TT

كيف وسّع تنظيم «القاعدة» نفوذه في غرب أفريقيا؟

عناصر من مجموعة مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في النيجر (أرشيفية - الشرق الأوسط)
عناصر من مجموعة مسلحة مرتبطة بتنظيم «القاعدة» في النيجر (أرشيفية - الشرق الأوسط)

أعلن تنظيم «القاعدة» أنه شنّ خلال الشهر الماضي أكثر من 70 عملية في دول الساحل وغرب أفريقيا، ما أسفر عن سقوط أكثر من 139 قتيلاً، في وقت تعيش فيه هذه المنطقة أسوأ وضع أمني منذ عقدين.

ونشرت جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» التابعة للتنظيم تقريراً يتضمن حصيلة عملياتها في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وبنين، بالإضافة إلى نيجيريا التي شنت فيها الجماعة أول هجوم على أراضيها خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

وزعمت الجماعة أن عملياتها أسفرت عن تدمير قرابة 40 آلية عسكرية، وأكثر من 100 دراجة نارية.

آلية تابعة لجيش مالي قال تنظيم «القاعدة» إنه دمرها قرب مدينة غاو (تواصل اجتماعي)

وحول طبيعة العمليات، قالت الجماعة إنها شنّت أكثر من 62 غارة، و27 هجوماً باستخدام العبوات الناسفة، ونصبت أكثر من ستة كمائن، ونفذت عمليتين بالقصف المدفعي، واستولت على أكثر من 180 قطعة سلاح متوسط. كما زعمت أنها أسرت سبعة جنود، دون تحديد دولهم.

ولا يمكن التحقق بشكل مستقل من هذه الأرقام، في ظل غياب مصادر مستقلة.

توسع النفوذ

وتعليقاً على هذه الحصيلة، قال الباحث في قضايا دول الساحل والصحراء والجماعات المسلحة محمدن أيب إن أغلب الهجمات كانت من تنفيذ «جبهة تحرير ماسينا»، التي وصفها بـ«القوة الضاربة» في جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» لأن أغلب مقاتلي الجماعة في المنطقة هم من هذه الجبهة التي أنشأها أمادو كوفا سنة 2015.

عناصر من الأمن تعزز وجودها في باماكو عاصمة مالي خلال حصار خانق فرضه تنظيم «القاعدة» (أ.ف.ب)

وأشار أيب في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أن عدد مقاتلي «القاعدة» في منطقة الساحل وغرب أفريقيا يقدر بأكثر من 18 ألفاً، مستنداً لأرقام أوردها مصدر قال إنه «موثوق» من داخل «نصرة الإسلام والمسلمين». وأضاف أن ذلك أسهم في «زيادة عمليات التنظيم في المنطقة بنسبة 21 في المائة بالمقارنة مع الأشهر الأخيرة».

وأوضح أن ارتفاع عدد العمليات يعود إلى حصار باماكو، عاصمة مالي، وما حدث فيه من استهداف لصهاريج الوقود، بالإضافة إلى دخول مناطق جديدة إلى حيز الهجمات للمرة الأولى، مثل شمال نيجيريا. لكنه أكد أن حصيلة العمليات «ضعيفة جداً» بالمقارنة مع عددها ومع العمليات التي شنها التنظيم خلال أشهر سابقة.

صهاريج وقود أضرم مقاتلو «القاعدة» النار فيها على طريق يربط مالي بالسنغال (إعلام محلي)

من جهة أخرى، أكد الباحث أن توسع تنظيم «القاعدة» يرجع إلى نفوذ «جبهة تحرير ماسينا» والكتائب التابعة لها؛ وضرب مثلاً بـ«كتيبة حنيفة» التي توجد في النيجر، والتي قال إنها كانت في السابق مجرد كتيبة عادية وصغيرة قبل أن تصبح الآن «قوة ضاربة تحكم حدود النيجر مع بوركينا فاسو، وتتبع لها كتيبة أخرى تدعى (كتيبة مسلم) تنشط في شرق بوركينا فاسو وتنفذ عمليات شمال بنين».

وأضاف أن نفوذ كتائب «ماسينا» توسع في بوركينا فاسو ليصل إلى الحدود مع ساحل العاج، كما توسع في مالي ليصل إلى الحدود مع موريتانيا والسنغال.

جنود من جيش مالي خلال إنزال لمطاردة مسلحين من «القاعدة» في إحدى الغابات (إعلام محلي)

لكنه قال: «بالنظر إلى كل هذا التوسع، يمكن القول إن الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم عادية جداً؛ سواء من حيث حصيلة العمليات، أو الحصول على العتاد والسلاح من ثكنات جيوش دول الساحل: النيجر ومالي وبوركينا فاسو».

العمليات «الانغماسية»

وفي رأي أيب، فإن تقرير تنظيم «القاعدة» غابت عنه العمليات «التي تسمى عندهم بالعمليات الانغماسية، وهي عمليات من تنفيذ كوماندوس يستهدف نقطة حساسة دون التخطيط للخروج منها أو العودة، مثل العملية التي استهدف فيها التنظيم مطار باماكو شهر سبتمبر (أيلول) 2024».

بقايا آلية عسكرية قال تنظيم «القاعدة» إنه دمرها في هجوم بولاية غاو شمال مالي في أكتوبر 2025 (تواصل اجتماعي)

وأوضح الباحث أن «العمليات الانغماسية رديفة للعمليات الانتحارية، وتسمى في أدبيات تنظيم (القاعدة) بالسلاح الاضطراري»، مشيراً إلى أن عدم لجوء التنظيم إليها في الفترة الأخيرة «يعني تحكمه في المنطقة، أي أن التنظيم لا يحتاج إلى انغماسيين أو انتحاريين يرسلهم لتنفيذ عمليات، لأنه يتحكم في طرق الإمداد».

وأضاف: «هذا التحكم جعل تنظيم (القاعدة) لا يلجأ إلى العمليات الانغماسية والانتحارية، واكتفى بالمحاصرة والهجوم واستخدام الدراجات النارية».

«فوضى إعلامية»

ولفت الباحث إلى أن جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» تعيش حالياً ما يمكن تسميته «الفوضى الإعلامية»، مشيراً إلى وجود حالة من «عدم التنسيق» بين الأذرع الإعلامية لتنظيم «القاعدة» في المنطقة.

وأوضح أن التنظيم كان يعتمد في السابق اعتماداً تاماً على «مؤسسة الأندلس» لنشر بياناته وتقاريره والدعاية لعملياته، ثم ظهرت بعد ذلك «مؤسسة الزلاقة» لتلعب الدور نفسه في غرب أفريقيا والساحل.

متحدث باسم «القاعدة» خلال مقطع فيديو يعلن فيه حصار باماكو (إعلام محلي)

وفي الوقت ذاته ظهرت قناة جديدة اسمها «الفتح»، تنشر أخبار التنظيم وعملياته، كما أن المقاتلين ينشرون بأنفسهم على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو من جوالاتهم مباشرة.

وأضاف أن ذلك دفع قاضي التنظيم والمتحدث الرسمي باسمه، محمود باري، إلى أن يتحدث ويطلب من المقاتلين «التخفيف في نشر مقاطع الفيديو»، وهو ما عدّه الباحث دليلاً على «فوضى إعلامية داخل جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين)، وأنها أصبحت خارج نطاق تحكم تنظيم (القاعدة) التقليدي»، أي التنظيم الأم.


نيجيريا تعين وزير دفاع جديداً وتعيد هيكلة منظومتها الأمنية «المتعثرة»

وزير الدفاع الجديد في نيجيريا الفريق كريستوفر موسى (الوكالة الرسمية)
وزير الدفاع الجديد في نيجيريا الفريق كريستوفر موسى (الوكالة الرسمية)
TT

نيجيريا تعين وزير دفاع جديداً وتعيد هيكلة منظومتها الأمنية «المتعثرة»

وزير الدفاع الجديد في نيجيريا الفريق كريستوفر موسى (الوكالة الرسمية)
وزير الدفاع الجديد في نيجيريا الفريق كريستوفر موسى (الوكالة الرسمية)

وسط ازدياد عمليات «الخطف الجماعي» وغيرها من «الجرائم الإرهابية»، اتخذت نيجيريا خطوات لتعزيز منظومتها الأمنية وإعادة هيكلتها، وعينت وزير دفاع جديداً أملاً في التصدي لمثل هذه المخاطر؛ كما اتخذت قرارات تمنع العفو عن المتورطين في جرائم الخطف والإرهاب، وتشدد الرقابة على حيازة الأسلحة وبيعها.

وبعد جلسة فحص «معمَّقة»، أقر مجلسا الشيوخ والنواب، الأربعاء، تعيين رئيس الأركان السابق الفريق كريستوفر موسى وزيراً للدفاع، بعد استجوابه حول خطته لمواجهة انعدام الأمن وتصاعد وتيرة الهجمات الإرهابية وعمليات الخطف الجماعي في البلاد.

واستمرت جلسة مجلس الشيوخ قرابة أربع ساعات، ووصفتها الصحف المحلية بأنها كانت «عاصفة وغلبت عليها الخلافات الحزبية»، كما توقفت عدة مرات بسبب «احتجاجات صاخبة داخل القاعة»؛ وهو ما يعكس مستوى التوتر والضغط الشعبي بسبب سوء الأوضاع الأمنية في بلد يتجاوز تعداد سكانه 200 مليون نسمة، ويُعد أكبر مُصدر للنفط والغاز في أفريقيا.

بدأت الجلسة ساخنة حين اقترح أحد أعضاء المجلس عدم «استجواب» الفريق موسى حين يمثل أمام الجلسة لعرض خطته، مشيراً إلى حساسية القضايا الأمنية التي عادة تناقش «وراء أبواب مغلقة»، على حد وصفه.

ولكن المقترح أثار غضب عدد كبير من أعضاء مجلس الشيوخ؛ ومع تصاعد وتيرة الجدل، تدخل رئيس المجلس غودسويل أكبابيو لضبط النظام قائلاً: «هذه ليست ساعة للمرور دون استجواب».

خطة الوزير

خضع موسى لأسئلة دقيقة حول تمويل الدفاع، وإخفاق الاستخبارات، وفجوات التكنولوجيا، وتصاعد عمليات قُطاع الطرق، وتوغّل الإرهابيين، وحوادث الاختطاف المتكررة.

أفراد من قوة مهام مدنية يجوبون مناطق بمدينة مينا النيجيرية لملء الفراغ الأمني 29 نوفمبر 2025 (رويترز)

وقدَّم موسى خطته لتسيير وزارة الدفاع، التي تضمنت تسع نقاط بارزة، على رأسها سحب الجيش من الحواجز الروتينية، وتسليم هذه الحواجز للشرطة والدفاع المدني، وإعادة نشر القوات المسلحة في الغابات لملاحقة الإرهابيين في مخابئهم.

كما تضمنت الخطة ما سماه «تعزيز التنسيق مع الحكّام والوزارات، وإشراك المجتمعات المحلية، ومكافحة التعدين غير المشروع المموّل للإرهاب». وأشار الوزير إلى أهمية تعزيز الأمن البحري، وتوسيع الرقابة الحدودية حتى الكاميرون، وحماية الأراضي الزراعية لضمان الأمن الغذائي.

وتعهد الوزير بالعمل على فرض «فحص صارم للتجنيد مدعوم بأنظمة رقمية»، وأكد أن القوات المسلحة «لن تسمح بضمّ عناصر سابقة في الجماعات المتطرفة»، وذلك وسط اتهامات بوجود ثغرات استخباراتية سببها وجود جنود لديهم سوابق إرهابية.

وقال الوزير الجديد إن الحل الجذري لهذه الشكوك هو «قاعدة بيانات وطنية شاملة تمنع المجرمين من الإفلات عبر تغيير أماكن إقامتهم».

«فجوة التسليح»

خلال مساءلة الفريق موسى، قال نائب رئيس مجلس الشيوخ غودسويل أكبابيو إن «التمرد الإرهابي» كان في تراجع قبل «التصريح الشهير» للرئيس الأميركي دونالد ترمب حول نيته التدخل عسكرياً في نيجيريا لحماية المسيحيين، لكن هذا التصريح أدى إلى «تفاقم التوتر الأمني».

أفراد من قوة مهام مدنية يقفون للحراسة أمام كنيسة بمدينة مينا النيجيرية 30 نوفمبر 2025 (رويترز)

وطالب السيناتور علي ندوم بوضع القوات المسلحة «ضمن بند الصرف المباشر»، وذلك «لضمان حصولها على تمويل فوري من الحساب الاتحادي دون عراقيل بيروقراطية»، وقال: «الأمن أهم من التسويف... لا مبرر لأي تأخير في التمويل»، ودعا إلى تحسين أوضاع الجنود، مشيراً إلى أنّ رواتب الجنود النيجيريين ليست ضمن الأفضل في غرب أفريقيا.

وأثار بعض أعضاء مجلس الشيوخ مسألة «فجوة التسليح»، وأشاروا إلى أن الجماعات الإرهابية والعصابات تمتلك أسلحة أكثر تطوراً من الجيش. وسأل أحدهم: «لماذا نرى قطّاع طرق يحملون أسلحة متقدمة، بينما ما زالت قواتنا تحمل بنادق كلاشنيكوف؟».

وهُنا أجاب الفريق موسى بالقول إن «فجوات كبيرة لا تزال موجودة، خصوصاً في الجانب التقني وتكامل المعلومات الاستخبارية»، وتعهد بالعمل على «إصلاحات عاجلة».

لا فدية

وفي سياق ردوده، قال موسى: «لا تفاوض مع المجرمين والإرهابيين. يجب وقف دفع الفدية. ولا يجوز للولايات عقد صفقات تُقوّض الأمن القومي»، وذلك في إشارة إلى الأموال الكبيرة التي تجنيها شبكات الإرهاب والجريمة في نيجيريا من عمليات الخطف.

فصل دراسي خاوٍ بمدرسة ثانوية للبنات في مدينة مينا النيجيرية بعد قرار الحكومة إغلاق المدارس بشمال البلاد لانعدام الأمن 1 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

وأضاف الوزير الجديد أن الانتصار في الحرب على الإرهاب لا يتوقف على الجيش وحده، وقال: «الأمن يبدأ من الحكم الرشيد والعدالة والإنصاف... 30 في المائة فقط من الحرب عسكرية، والباقي حوكمة».

وانتقد بشدة «التأخر الكبير في محاكمات الإرهاب والاختطاف»، عادّاً أن هذا التأخر «يُضعف معنويات الأجهزة الأمنية».

قوانين صارمة

وبالتزامن مع جلسة الشيوخ، عقد مجلس النواب جلسة أخرى كانت عاصفة، وانتهت بالمصادقة على قوانين جديدة تتضمن تصنيف الاختطاف «جريمة إرهابية» عقوبتها الإعدام دون خيار الغرامة، وحظر دفع الفدية ومنح العفو، وتشديد الرقابة على الأسلحة وإخضاعها لمراجعة وطنية شاملة، وإنشاء نظام جرد موحد مدعوم بتتبع رقمي.

وصادق النواب على قانون إنشاء محكمة خاصة بالإرهاب وقطاع الطرق والمتورطين في الخطف الجماعي، كما أقروا قانوناً ينص على «ملاحقة ممولي الإرهاب علناً».

وفي إطار تعزيز الحرب على الإرهاب، صادق النواب على قانون يعد «ميزانية الأمن ضمن خط الصرف المباشر، وأولوية تلقائية في الصرف المالي المباشر دون تأخير ودون قيود بيروقراطية»، كما وافق المجلس على إعلان الأمن الحدودي «حالة طوارئ»، وعلى إنشاء حرس الحدود الوطني، وتنظيم وتدقيق عمل شركات الأمن الخاصة.

وينص الدستور في نيجيريا على أن القوانين التي صادق عليها مجلس النواب، لا تكون سارية المفعول إلا إذا صادق عليها مجلس الشيوخ، ومن المنتظر أن تُحال للشيوخ خلال أيام، لمناقشتها والمصادقة عليها.