​انقلابات أفريقيا... صورة نمطية وطقوس مكررة

عسكر الغابون يعلنون استيلاءهم على السلطة في ليبرفيل (أ.ب)
عسكر الغابون يعلنون استيلاءهم على السلطة في ليبرفيل (أ.ب)
TT

​انقلابات أفريقيا... صورة نمطية وطقوس مكررة

عسكر الغابون يعلنون استيلاءهم على السلطة في ليبرفيل (أ.ب)
عسكر الغابون يعلنون استيلاءهم على السلطة في ليبرفيل (أ.ب)

حالة غضب وتململ سياسي أو شعبي تسيطر عليه اتهامات بالتزوير والفشل الاقتصادي والأمني، يعقبها تحرك لقادة بالجيش يحتجزون عبره رئيس البلاد، يسيطرون على التلفزيون الوطني، يعطلون العمل بالدستور، قبل أن يتعهدوا بإقامة نظام ديمقراطي خلال فترة زمنية، عادة ما يجري تجاوزها، وسط انتقادات دولية تخمد تباعاً مع إحكام القادة الجدد سيطرتهم... هكذا هي الصورة نمطية، والطقوس متكرّرة، للانقلابات في أفريقيا، والتي زادت وتيرتها في السنوات الأخيرة.

أحدث تلك الصور جاءت عندما ظهرت مجموعة من كبار ضباط الجيش الغابوني على شاشة التلفزيون في الساعات الأولى من صباح الأربعاء، وأعلنوا الاستيلاء على السلطة بعد وقت قصير من إعلان لجنة الانتخابات فوز الرئيس علي بونغو أوديمبا بولاية ثالثة.

صورة للعسكريين الذين استولوا على الحكم في النيجر (أ.ف.ب)

انقلاب الغابون، جاء بعد نحو شهر فقط على انقلاب مماثل في النيجر، عندما احتجز أفراد من الحرس الرئاسي، رئيس النيجر محمد بازوم في قصره، وظهروا على شاشة التلفزيون الرسمي وقالوا إنهم استولوا على السلطة لإنهاء «الوضع الأمني المتدهور وسوء الحوكمة». بعدها بأيام أعلن المجلس العسكري قائد قوات الحرس الرئاسي عبد الرحمن تياني، رئيساً جديداً للبلاد.

وبالانقلابين الأخيرين ارتفعت حصيلة الانقلابات في أفريقيا في غضون 3 سنوات فقط إلى 8 انقلابات عسكرية، معظمها في دول غرب أفريقيا، المنطقة التي شهدت ما يزيد على 44 في المائة من الانقلابات العسكرية في القارة.

الكولونيل اسيمي غويتا قائد السلطة حاليا في مالي (أ.ف.ب)

وبخلاف التردي الاقتصادي والاجتماعي، والعوامل التقليدية لفشل الحكم، ثمة عامل مهم يساعد على تكرار تلك الصورة، كما تشير الدكتورة نجلاء مرعي، خبيرة الشؤون الأفريقية، وهو "العدوى"، تقول لـ"الشرق الأوسط" نجاح الانقلابات في دول أخرى، بهذا الأسلوب، "يبعث بجرأة لدى الجنود في دول أخرى على تحقيق نتائج مماثلة، خاصة ما يرونه من تقدير شعبي للزي العسكري وظهور القادة العسكريين الجنود في صورة المخلص من الأزمات".

وبخلاف التردي الاقتصادي والاجتماعي، والعوامل التقليدية لفشل الحكم، ثمة عامل مهم يساعد على تكرار تلك الصورة، كما تشير الدكتورة نجلاء مرعي، خبيرة الشؤون الأفريقية، وهو «العدوى»، تقول لـ«الشرق الأوسط» إن نجاح الانقلابات في دول أخرى، بهذا الأسلوب، «يبعث بجرأة لدى الجنود في دول أخرى على تحقيق نتائج مماثلة، خصوصاً لما يرونه من تقدير شعبي للزي العسكري وظهور القادة العسكريين والجنود في صورة المخلِّص من الأزمات».

ورغم انتشار وسائل الاتصال الحديثة، فإن تلك الصورة ما زالت تحتفظ بقدرتها على إيصال رسالة تتعلق بـ«إحكام السيطرة»، على مفاصل الدولة.

إلى جانب الصورة الأولى، عادةً ما يدعم القادة الجدد مواقفَهم بالإعلان عن كشف تهم تتعلق بالفساد أو التجسس والتزوير لدى الرؤساء المطاح بهم. مثلما انتشر فيديو عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الخميس، لاقتحام عناصر الجيش الغابوني منزل الرئيس المخلوع علي بونغو، وعثورهم هناك على حقائب مليئة بالأموال.

ضباط الجيش في بوركينا فاسو يقرأون بيان الانقلاب (أ.ب)

وتظهر في الفيديو حقائب مليئة بحزم من الأوراق النقدية والفرنك الأفريقي والدولار واليورو.

وترى الدكتورة إيمان زهران، خبيرة العلاقات الدولية والأمن الإقليمي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن تكرار ذلك المشهد النمطي، بهذه الكيفية، يعود في الأصل إلى «فشل تجارب الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي التي بدأت منذ مطلع التسعينات، خصوصاً أن التجارب الديمقراطية في مجملها لم تتمكن من تحقيق احتياجات المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، بل إنها اتجهت في الغالب إلى إضفاء الشرعية على سيطرة المجموعات العرقية والقبَلية ومراكز القوة الداخلية والخارجية».

ومنذ عام 2012 شهدت القارة الأفريقية ما يقرب من 45 انقلاباً أو محاولة انقلابية على السلطة، وذلك بمعدل 4 انقلابات أو محاولة انقلابية في العام تقريباً. لكن اللافت في الانقلابات الأخيرة، أنها تخلو في معظمها من وقوع ضحايا أو اغتيالات، كما اعتاد العسكريون في الماضي، الأمر الذي جعلها تحظى بدعم شعبي نسبي.

العقيد مامادي يحدث الشعب الغيني عبر التلفزيون الحكومي، ويعلن عزل الرئيس وتعطيل الدستور ( أ ف ب)

بوركينا فاسو، بمفردها حظيت بانقلابين في عام واحد: الأول في يناير (كانون الثاني) 2022، عندما أطاح الجيش بالرئيس روك كابوري، واتهمه بالإخفاق في التصدي لعنف متشددين إسلاميين. وتعهد قائد الانقلاب اللفتنانت كولونيل بول هنري داميبا باستعادة الأمن، لكنَّ الهجمات تزايدت وأثّرت سلباً على معنويات القوات المسلحة مما أدى إلى انقلاب ثانٍ في سبتمبر (أيلول) 2022 واستولى قائد المجلس العسكري الحالي الكابتن إبراهيم تراوري على السلطة.

وفي غينيا، في سبتمبر 2021 أطاح قائد القوات الخاصة الكولونيل مامادي دومبويا، بالرئيس ألفا كوندي. قبلها بأشهر، وتحديداً في أبريل (نيسان) 2021 استولى الجيش في تشاد على السلطة بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي. واختير الجنرال محمد إدريس، نجل الرئيس ديبي، رئيساً مؤقتاً وأُسندت إليه مهمة الإشراف على فترة انتقالية تمهيداً لإجراء انتخابات.

دولة مالي كذلك تكرر الأمر فيها، ففي أغسطس (آب) 2020 أطاحت مجموعة من القادة العسكريين بزعامة أسيمي غويتا، بالرئيس المالي إبراهيم أبو بكر كيتا. وتحت ضغوط دولية، وافق المجلس العسكري على التنازل عن السلطة لحكومة مؤقتة بقيادة مدنية، لكنَّ قادة الانقلاب اختلفوا مع الرئيس المؤقت الجنرال المتقاعد باه نداو، ورتبوا انقلاباً ثانياً في مايو (أيار) 2021، وصعد غويتا الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس المؤقت إلى سدة الحكم.


مقالات ذات صلة

الشرطة البرازيلية تتهم الرئيس السابق بولسونارو بمحاولة الانقلاب عام 2022

أميركا اللاتينية الرئيس البرازيلي السابق جايير بولسونارو (وسط) يحضر حفل تخرج للطلاب في أكاديمية عسكرية في ولاية ريو دي جانيرو بالبرازيل 26 نوفمبر 2022 (أ.ف.ب)

الشرطة البرازيلية تتهم الرئيس السابق بولسونارو بمحاولة الانقلاب عام 2022

قالت الشرطة الفيدرالية البرازيلية، اليوم الخميس، إنها وجهت الاتهامات للرئيس السابق جايير بولسونارو و36 شخصاً آخرين بتهمة محاولة الانقلاب عام 2022.

«الشرق الأوسط» (ساو باولو)
أميركا اللاتينية وفقاً للتحقيق خطط الانقلابيون لقتل رئيس البلاد لولا دا سيلفا ونائبه جيرالدو ألكمين وقاضي المحكمة العليا ألكسندر دي مورايس (رويترز)

البرازيل: اعتقال 5 ضباط بتهمة التخطيط للانقلاب على الرئيس لولا دا سيلفا

قالت السلطات البرازيلية، الثلاثاء، إن شرطة البلاد اعتقلت 5 ضباط متهمين بالتخطيط لانقلاب تضمن خططاً للإطاحة بالحكومة بعد انتخابات 2022 وقتل الرئيس.

«الشرق الأوسط» (ساو باولو)
أفريقيا صورة أرشيفية لمتظاهرة تحمل علم بنين خارج البرلمان في العاصمة بورتو نوفو أبريل 2017 (أ.ف.ب)

محاولة انقلابية فاشلة في دولة بنين

أعلنت السلطات في دولة بنين اعتقال قائد الحرس الجمهوري ورجل أعمال مُقرّب من رئيس البلاد ووزير سابق في الحكومة، إثر تورّطهم في مخطط لقلب نظام الحكم بالقوة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا المواطن الأميركي بنجامين ريوبين زالمان بولن خلال محاكمته في قضية «محاولة الانقلاب» بالكونغو (إ.ب.أ)

حكم بإعدام 37 شخصاً بينهم 3 أميركيين في «محاولة الانقلاب» بالكونغو الديمقراطية

أصدرت محكمة عسكرية بكينشاسا حكماً بإعدام 37 متهماً، بينهم 3 أميركيين، في قضية «محاولة الانقلاب» التي شهدتها جمهورية الكونغو الديمقراطية.

«الشرق الأوسط» (كينشاسا)
آسيا الشيخة حسينة (رويترز)

بنغلاديش تلغي حظراً مفروضاً على حزب إسلامي بعد رحيل الشيخة حسينة

ألغت الحكومة المؤقتة في بنغلاديش حظراً على أكبر حزب إسلامي في البلاد، وهو حزب الجماعة الإسلامية، ملغية بذلك قراراً اتخذه نظام رئيسة الوزراء السابقة الشيخة حسينة

«الشرق الأوسط» (دكا)

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
TT

7.7 مليون شخص بجنوب السودان معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل

لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)
لاجئون من جنوب السودان يجتمعون مع أمتعتهم بعد عبورهم إلى أوغندا عند نقطة حدود في منطقة لامو شمال أوغندا في 4 أبريل 2017 (رويترز)

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أن نحو 7.7 مليون شخص في جنوب السودان؛ أي ما يناهز 60 في المائة من سكان هذا البلد الذي يعاني من العنف والكوارث المناخية، معرضون لسوء تغذية حاد العام المقبل.

تدهور الوضع الإنساني في جنوب السودان، أفقر دول العالم، بسبب أسوأ فيضانات تشهدها المنطقة منذ عقود، ووصول أعداد كبيرة من اللاجئين من السودان المجاور الذي يعيش حرباً.

وتوقع أحدث تقرير أصدرته الأمم المتحدة ويستند إلى مؤشر «آي بي سي» (الإطار المتكامل لتصنيف الأمن الغذائي) الذي يتضمن خمسة مستويات لعتبة الجوع، زيادة في عدد الأشخاص المعرضين لخطر انعدام الأمن الغذائي الحاد، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويقدّر آخر تقييم للوضع أن 7.69 مليون شخص، من ضمنهم 2.1 مليون طفل، سيواجهون في أبريل (نيسان) خطر «عدم التمكن من استهلاك كمية كافية من الغذاء، يعرض حياتهم أو سبل عيشهم لخطر فوري» (أي في المستوى الثالث أو أكثر)، مقابل 7.1 مليون هذا العام.

وسيجد من بينهم 63 ألفاً أنفسهم في وضع «كارثة» غذائية (المرحلة 5) التي تسبق المجاعة.

وتقول ماري إلين ماكغروارتي، مديرة برنامج الأغذية العالمي في جنوب السودان في بيان: «عاماً بعد عام، نلاحظ أن الجوع يبلغ أعلى مستوياته في جنوب السودان».

وأوضحت: «عندما نعاين المناطق التي تشهد أعلى مستوى من انعدام الأمن الغذائي، فمن الواضح أن مزيجاً من اليأس والنزاع والأزمة المناخية هو السبب الرئيسي».

ويواجه جنوب السودان المعرّض للكوارث المناخية، أسوأ فيضانات منذ عشرات السنين أدت إلى نزوح 380 ألف شخص وتضرر 4.1 مليون، بحسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية (أوتشا).

كما ينبغي أن يتعامل مع وصول 810 آلاف شخص فروا من الحرب التي اندلعت في أبريل 2023 في السودان المجاور، بحسب بيانات الأمم المتحدة.

وعلى الصعيد السياسي، تعاني البلاد من الشلل وينخرها الفساد والخلافات الناجمة عن الحرب الأهلية التي أدت إلى مقتل 400 ألف شخص ونزوح الملايين بين عامَي 2013 و2018.

كما أعلنت الحكومة في سبتمبر (أيلول) إرجاء أول انتخابات في تاريخ البلد كانت مقررة في ديسمبر (كانون الأول) لعامين.

وتعرّض اقتصاد جنوب السودان إلى ضربة كبيرة حرمته من مصدر عائداته الرئيسي عندما انفجر أنبوب رئيسي للنفط في السودان في فبراير (شباط)؛ ما أدى إلى تدهور العملة المحلية وارتفاع أسعار السلع الأساسية.