متجاهلين التحذيرات... تدفق أعداد متنامية من السائحين على أفغانستان

رغم مخاوف الإرهاب وخطر الاحتجاز والاختطاف والجريمة

مارينو ساكاتا سائحة يابانية في ضريح ساكي شاه مردان في كابل كانت ترتدي تشادوراً أعارها إياه أحد الموظفين في الضريح (نيويورك تايمز)
مارينو ساكاتا سائحة يابانية في ضريح ساكي شاه مردان في كابل كانت ترتدي تشادوراً أعارها إياه أحد الموظفين في الضريح (نيويورك تايمز)
TT

متجاهلين التحذيرات... تدفق أعداد متنامية من السائحين على أفغانستان

مارينو ساكاتا سائحة يابانية في ضريح ساكي شاه مردان في كابل كانت ترتدي تشادوراً أعارها إياه أحد الموظفين في الضريح (نيويورك تايمز)
مارينو ساكاتا سائحة يابانية في ضريح ساكي شاه مردان في كابل كانت ترتدي تشادوراً أعارها إياه أحد الموظفين في الضريح (نيويورك تايمز)

يتفاخر يي بين لين، الأستاذ المشارك بجامعة تافتس، بأنه قضى إجازات في 120 دولة على مدار العقد الماضي. ومع ذلك، هناك دولة واحدة لطالما حلم بزيارتها؛ لكنه شعر بالخوف من زيارتها، جراء عقود من الحرب والاختطاف والإرهاب في أفغانستان.

داخل صحن مسجد هراة الكبير (نيويورك تايمز)

حكام «طالبان»

مع نهاية الحرب الأفغانية عام 2021، بدأ الحكام الجدد للبلاد من جماعة «طالبان» في تشجيع السياح على الزيارة. وعليه، حزم لين حقائبه، الشهر الماضي، ودفع 130 دولاراً للحصول على تأشيرة، وصعد على متن طائرة متجهة إلى العاصمة الأفغانية، كابل.

مولوي أحمد الله متقي مدير الإعلام والثقافة في ولاية هرات (نيويورك تايمز)

وعن ذلك، قال لين: «عندما أخبرت أصدقائي بوجهتي، ظنوا جميعاً أنني مجنون، وحذروني من أن الأمر خطير للغاية».

ويعد لين (43 عاماً) جزءاً من طليعة صغيرة -لكنها متنامية- من السياح المغامرين الذين يشقون طريقهم إلى أفغانستان، متجاهلين التحذيرات الشديدة التي أصدرتها حكوماتهم. على سبيل المثال: تنصح وزارة الخارجية الأميركية الأميركيين بعدم السفر إلى أفغانستان: «بسبب الإرهاب، وخطر الاحتجاز غير القانوني، والاضطرابات المدنية، والاختطاف، والجريمة».

مارينو ساكاتا سائحة يابانية في ضريح ساكي شاه مردان في كابل كانت ترتدي تشادوراً أعارها إياه أحد الموظفين في الضريح (نيويورك تايمز)

14500 سائح

من جانبهم، أفاد مسؤولو «طالبان» بأنه على مدى السنوات الثلاث الماضية، زار 14500 سائح أجنبي الدولة المعزولة التي تعاني من الفقر. وقد وصلوا حاملين العملة الصعبة التي تحتاج إليها البلاد بشدة.

سائح صيني يلتقط بعض الصور في باميان بينما جندي مسلح من «طالبان» يحرس الموقع (نيويورك تايمز)

من جهتهم، اختبر كثير من السياح الضيافة التقليدية في البلاد، في أثناء زيارة مساجدها الشهيرة، وسلاسلها الجبلية الشاهقة، وصحاريها الخلابة، وبقايا تماثيل بوذا الشهيرة في باميان.

وتكونت في أذهان كثيرين من شتى بقاع العالم صورة أخرى لأفغانستان، منذ استيلاء «طالبان» على السلطة: مكان أشبه بالسجن. وساءت سمعة البلاد، بسبب القيود الخانقة على النساء، التي أدت إلى محو وجودهن من الحياة العامة.

السيدة ساكاتا عائدة إلى بيت الضيافة الذي تقيم به بعد تناول وجبة العشاء في حي شهر ناو بوسط كابل (نيويورك تايمز)

ومع ذلك، حمل صعود «طالبان» إلى السلطة هدوءاً نسبياً إلى البلاد، مع نهاية الحرب التي استمرت 20 عاماً.

يأتي ذلك رغم أن الهجمات الإرهابية لا تزال تشكل تحدياً أمام إدارة «طالبان»، بما في ذلك هجوم شنته هذا الشهر جماعة «داعش» في أفغانستان، وأسفر عن مقتل مسؤول رفيع المستوى.

زائر صيني من مجموعة سياحية أمام بقايا تماثيل بوذا التي يعود تاريخها إلى 1600 عام والتي دمرتها «طالبان» عام 2001 في باميان (نيويورك تايمز)

إلا أن التفجيرات الانتحارية والانفجارات على جانب الطريق التي تسببت في موت كثيرين في أثناء الحرب -والتي جاءت معظمها على يد «طالبان»- توقفت تماماً.

من ناحيتها، أكدت الحكومة للسياح أن أفغانستان آمنة، وتتميز بطبيعة خلابة وبيئة مرحبة بالزوار.

في هذا، قال خبيب غفران، المتحدث باسم وزارة الإعلام والثقافة في كابل: «إن 95 في المائة من السياح لديهم فكرة سلبية عن أفغانستان، بسبب المعلومات الإعلامية والدعايات المغلوطة بجميع أنحاء العالم».

وأضاف أنه عندما يزور السياح البلاد: «يجدون أنها طبيعية تماماً. وعندما يعودون إلى بلادهم، يتشاركون الصور والمعلومات الإيجابية التي وجدوها في أفغانستان».

وذكر مسؤولون من «طالبان» أنهم يعتمدون على السياح؛ خصوصاً المدونين وأصحاب القنوات على «يوتيوب»، للترويج لمزايا زيارة أفغانستان. وقالوا إن الحكومة تروج للسياحة عبر مواقعها الرسمية ووسائل التواصل الاجتماعي، كما تنشر وكالات السياحة الأفغانية البالغ عددها 3 آلاف وكالة بالخارج، إعلانات للسياحة.

ورغم الذكريات المؤلمة التي لا تزال حية في أذهان الأفغان، عن القصف الجوي والغارات الليلية الأميركية، فإن السياح الأميركيين مرحب بهم مثل أي شخص آخر، حسبما أكد غفران.

وأضاف أنه جرى توفير حراس للسياح الذين طلبوا الأمن؛ لكن الزوار لم يُطلب منهم أن يكونوا برفقة مرافقين حكوميين، مثلما الحال في كوريا الشمالية.

ومع ذلك، يخضع رجال الأعمال والصحافيون الأجانب -وكثير من الأفغان- للمراقبة الروتينية من قبل عملاء المديرية العامة للاستخبارات.

وقال مسؤولون بمجال السياحة، إن نسبة ضئيلة من الزوار الأجانب من النساء. وأكد كل من غفران ومولوي أحمد الله متقي، مدير شؤون المعلومات والثقافة في ولاية هرات، أنه لا توجد قيود مكتوبة تحكم كيفية ارتداء السائحات ملابسهن، وسلوكهن في الأماكن العامة.

وقال متقي وغفران: «إنهم يستطيعون أن يروا بأنفسهم ثقافتنا هنا. أما فيما يخص الزائرات من الإناث، فيجب أن يحترمن ثقافتنا من خلال ارتداء ملابس طويلة وتغطية رؤوسهن. ولا يُطلب منهن ارتداء البرقع أو تغطية وجوههن».

وفي بعض الأحيان، يبدو التمييز بين النساء الأفغانيات والسائحات الإناث، هائلاً.

في هذا الصدد، قالت مارينو ساكاتا (23 عاماً) وهي سائحة من اليابان كانت بمفردها في كابل، إنها تخطط لإعادة الزيارة العام المقبل: «أعلم أن النساء يعاملن بشكل سيئ في أفغانستان؛ لكن بصفتي امرأة، أرى أن الجميع يتصرفون معي بلطف شديد».

وكانت ساكاتا ترتدي بنطالاً فضفاضاً، وحذاءً رياضياً أصفر، ومعطفاً أسود يغطي رأسه شعرها وجزءاً من وجهها. اختيارها للأزياء لفت نظر بعض الأفغان في شوارع العاصمة. وقالت إنها تفكر في شراء غطاء للرأس للالتزام بشكل أفضل بالعادات الأفغانية.

بعد ذلك، توقفت في أثناء الحديث، ورفعت هاتفها الذكي لإظهار عبارة عبر تطبيق «غوغل للترجمة» تقول: «بصفتي أجنبية، أجد صعوبة في أن يحدق الناس بي».

ومن المتوقع كذلك أن يرتدي السائحون الذكور ملابس محتشمة؛ لكنهم لا يواجهون التدقيق الشديد نفسه الذي تواجهه النساء.

ألين روبل سائح ذو 63 عاماً من ولاية ويسكونسن الأميركية يلتقط صورة تحت علم «طالبان» في ضواحي كابل (نيويورك تايمز)

في هذا الإطار، قال غريغ إيرنست (67 عاماً) وهو مستشار بريطاني متقاعد زار أفغانستان لمدة 9 أيام الشهر الماضي، إن الدليل الأفغاني الذي استعان به طلب منه ارتداء «شالوار قميص» وهو الملبس التقليدي الذي يرتديه الرجال الأفغان.

واعترف إيرنست الذي قال إنه زار كل بلدان العالم باستثناء أفغانستان قبل وصوله إلى كابل، بأنه كان قلقاً بشأن سلامته عندما وصل.

وقال: «كنت قلقاً بعض الشيء باعتباري بريطانياً»؛ مشيراً إلى الدور العسكري البارز الذي لعبته بريطانيا في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. واستطرد بقوله: «لكنني فوجئت بمدى حسن الاستقبال الذي لقيته. كان الناس مضيافين للغاية».

من جهتهم، قال مسؤولون بمجال السياحة، إن سائحين وفدوا إلى أفغانستان من الصين وروسيا وآيرلندا وبولندا وكندا وتايوان وألمانيا وفرنسا وباكستان وإستونيا والسويد، وأماكن أخرى. وعادة ما يحصل المسافرون على تأشيراتهم في طريقهم إلى أفغانستان، وغالباً داخل القنصليات التي تديرها «طالبان» في دبي، أو بيشاور في باكستان.

ويحرص كثير من السياح على زيارة إقليم باميان، غربي كابل، لرؤية بقايا تماثيل بوذا. ويتجول معظم السياح في المنطقة دون مشكلات تذكر، إلا أنه في مايو (أيار) قُتل 3 سياح إسبان وأفغاني واحد في الإقليم، في أول هجوم مميت ضد سياح أجانب منذ استعادة «طالبان» للسلطة.

جدير بالذكر أنه حتى يومنا هذا، تظل تماثيل بوذا موضوعاً محرجاً لحكومة «طالبان». وعندما سئل عن تماثيل بوذا، أجاب حرمة الله فضلي، القائم بأعمال مدير السياحة في باميان: «السؤال التالي، من فضلك».

* «نيويورك تايمز».


مقالات ذات صلة

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

المشرق العربي عناصر من الفصائل الموالية لتركية تشارك في الاشتباكات مع «قسد» بشرق حلب (أ.ف.ب)

تركيا متمسكة بالتحرك ضد «قسد»... ومحاولات أميركية لمنعها

اتهمت تركيا «قسد» باستخدام المدنيين دروعاً بشرية في «قسد» وأكدت تمسكها بعملية عسكرية في شمال سوريا وسط مساعٍ أميركية لمنعها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان ملوحاً بالتحية لمواطنين في أثناء استقبال بهشلي له أمام منزله في أنقرة الخميس (الرئاسة التركية)

تركيا: لقاء بين إردوغان وبهشلي وسط جدل حول الحوار مع أوجلان

تشهد تركيا حراكاً مكثفاً حول عملية لحل المشكلة الكردية عبر الحوار مع زعيم حزب «العمال الكردستاني» السجين عبد الله أوجلان، وانقساماً حول مسألة العفو عنه.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا محمد ديبي ورث حكم تشاد من والده وتمت ترقيته مؤخراً إلى رتبة ماريشال (صحافة محلية)

تحت تأثير الكحول والمخدرات... 24 شخصاً هاجموا القصر الرئاسي في تشاد

استبعدت تشاد أن يكون الهجوم على القصر الرئاسي ليل الأربعاء/الخميس، له أي طابع «إرهابي»، مشيرة إلى أن من نفذوه كانوا مجموعة من الأشخاص في حالة سكر ومسلحين.

الشيخ محمد (نواكشوط )
أوروبا جنود بريطانيون عائدون من أفغانستان خلال احتفال في اسكوتلندا عام 2013 (غيتي)

تحقيقات: القوات الخاصة البريطانية سُمح لها بـ«التملص من القتل» في أفغانستان

الأدلة التي نشرتها لجنة تحقيق رسمية في جرائم الحرب المزعومة ترسم صورة مزعجة لقوة قتالية نخبوية اعتادت ثقافة الإفلات من العقاب في أفغانستان.

«الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن ) «الشرق الأوسط» (لندن - واشنطن )
آسيا أفراد من الجيش الباكستاني (أرشيفية)

مقتل 3 جنود و19 إرهابياً بعملية أمنية شمال غربي باكستان

قُتل 3 جنود من رجال الأمن الباكستاني، كما قُضي على 19 مسلحاً من العناصر الإرهابية خلال عمليات أمنية واشتباكات وقعت في المناطق الشمالية من باكستان.

«الشرق الأوسط» ( إسلام آباد)

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)
طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)
TT

«الصحة العالمية»: فيروس «إتش إم بي في» في الصين شائع ولا يشكل تهديداً

طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)
طفل يضع كمامة وينتظر دوره مع أسرته داخل مستشفى في شرق الصين (أ.ف.ب)

قدمت منظمة الصحة العالمية، اليوم (الثلاثاء)، تطمينات بشأن فيروس «إتش إم بي في»، وهو عدوى تنفسية تنتشر في الصين، مؤكدةً أن الفيروس ليس جديداً أو خطيراً بشكل خاص.

وقالت متحدثة باسم منظمة الصحة العالمية إن المنظمة على اتصال بالمركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها. وأشارت إلى أنه تم إبلاغ منظمة الصحة العالمية بأن العديد من التهابات الجهاز التنفسي تنتشر في الصين، كما هو معتاد في فصل الشتاء، بما في ذلك «الإنفلونزا و(آر إس في) و(كوفيد - 19) و(إتش إم بي في)».

وبدأت وسائل الإعلام الصينية في أوائل ديسمبر (كانون الأول) تتناول ارتفاع حالات الإصابة بفيروس الالتهاب الرئوي البشري «إتش إم بي في»، وهو ما أثار مخاوف صحية عالمية بعد 5 أعوام على اندلاع جائحة «كوفيد - 19» في الصين.

إلا أن بكين ومنظمة الصحة العالمية كانتا تحاولان تهدئة المخاوف في الأيام الأخيرة.

وقالت مارغريت هاريس، المتحدثة باسم منظمة الصحة العالمية في جنيف، إن فيروس «إتش إم بي في» يجذب الكثير من الاهتمام لأنه ليس اسماً مألوفاً، ولكن تم اكتشافه في عام 2001.

وأوضحت أن «إتش إم بي في» هو فيروس شائع ينتشر في الشتاء والربيع.

وأضافت هاريس أن «مستويات التهابات الجهاز التنفسي التي تم الإبلاغ عنها في الصين تقع ضمن المستوى المعتاد لموسم الشتاء... وأفادت السلطات بأن استخدام المستشفيات أقل حالياً مما كان عليه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، ولم تكن هناك إعلانات أو استجابات طارئة».