قوات الأمن الباكستانية تحول تركيز مكافحة الإرهاب نحو بلوشستان

المقاطعة الأكبر ويحدّ أراضيها كل من إيران وأفغانستان

جنود باكستانيون في حالة استنفار بالقرب من موقع تفجير إرهابي خارج مسجد الشرطة في بيشاور (إ.ب.أ)
جنود باكستانيون في حالة استنفار بالقرب من موقع تفجير إرهابي خارج مسجد الشرطة في بيشاور (إ.ب.أ)
TT

قوات الأمن الباكستانية تحول تركيز مكافحة الإرهاب نحو بلوشستان

جنود باكستانيون في حالة استنفار بالقرب من موقع تفجير إرهابي خارج مسجد الشرطة في بيشاور (إ.ب.أ)
جنود باكستانيون في حالة استنفار بالقرب من موقع تفجير إرهابي خارج مسجد الشرطة في بيشاور (إ.ب.أ)

تحول تركيز جهود مكافحة الإرهاب التي يبذلها الجيش الباكستاني خلال الشهرين الماضيين نحو بلوشستان، وذلك بعيداً عن منطقة الحدود الباكستانية – الأفغانية، والتي نفذ المسلحون آخر هجوم إرهابي كبير فيها استهدف الجيش في 5 يوليو (تموز) 2023.

سيارة شرطة باكستانية خارج فندق ماريوت في العاصمة إسلام آباد بعد إنذار أمني بتهديد إرهابي (إ.ب.أ)

وفي الشهرين الماضيين، نفذ الجيش عدة عمليات كبرى في مناطق مختلفة من بلوشستان قُتل فيها عشرات المسلحين والإرهابيين، بعدما نفذ مسلحون هجومين إرهابيين كبيرين، على الأقل، على قوات الأمن في بلوشستان.

ويختلف التمرد في بلوشستان بطبيعته عن التمرد في المناطق الحدودية الباكستانية - الأفغانية، أو ما يُشار إليها شعبياً بالمناطق القبلية، ففي بلوشستان يقود التمرد العلمانيون الانفصاليون من البلوش الذين يقاتلون الحكومة الباكستانية منذ الخمسينات. ويميل هؤلاء البلوش، آيديولوجياً، نحو الماركسية أو غيرها من الآيديولوجيات الدنيوية العلمانية، في حين أن حركات التمرد في المناطق القبلية تقودها جماعات مسلحة تستمد عقيدتها من الدين بما في ذلك حركة «طالبان».

موقع هجوم إرهابي في بيشاور (أرشيفية)

وجغرافياً، تعد بلوشستان المقاطعة الأكبر في باكستان، وتحد أراضيها كل من إيران وأفغانستان، ولدى الجماعات الانفصالية البلوشية شكاوى ضد الحكومة الباكستانية لاستخدامها موارد مقاطعتهما الطبيعية في تحقيق التنمية الاقتصادية في أجزاء أخرى من باكستان.

ومنذ عام 2006، عندما قُتل زعيم مسن لإحدى قبائل البلوش في عملية عسكرية، شنت العديد من الجماعات البلوشية المسلحة عمليات تمرد ضد الحكومة المركزية الباكستانية، كما تستهدف مجموعات البلوش المنشآت الحكومية والكهرباء وخطوط سكك الحديد في عمليات من الكر والفر، ولجأت في الآونة الأخيرة للهجمات الانتحارية ضد المواطنين الصينيين والجيش الباكستاني».

دعم المتمردين البلوش

تتهم الحكومة الباكستانية الهند بدعم المتمردين البلوش بالأسلحة والتدريب والمال، ومع ذلك، فقد كانت الجماعات البلوشية بعيدة عن تبني أعمال القتل في هجماتها للدرجة التي يمكن أن تشكل تهديداً أمنياً كبيراً للحكومة الباكستانية.

ومع ذلك، فإن الاتجاه الأخير لمتمردي البلوش المتمثل في مهاجمة المواطنين الصينيين، وكذلك عن طريق شن التفجيرات الانتحارية يمكن أن يصبح كابوساً أمنياً لباكستان.

مركبات الشرطة تقوم بدوريات بالقرب من كنيسة محترقة في جارانوالا على مشارف فيصل آباد في 17 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

وهناك نوع آخر من الهجمات الإرهابية التي تنفذها الجماعات البلوشية، وهو الهجوم على العديد من الحاميات العسكرية الموجودة في بلوشستان».

ففي الساعات الأولى من صباح يوم 12 يوليو الماضي، شنت مجموعة من الإرهابيين هجوماً غادراً على حامية «زوب» الواقعة في شمال بلوشستان، وتمكن حينها الجنود المناوبون من إجهاض محاولة في بدايتها، نفذها إرهابيون حاولوا التسلل إلى المنشأة، بحسب بيان صحافي صدر عقب هجوم كبير على الحامية العسكرية، مشيراً إلى أنه تم الانتهاء من عملية التطهير الجارية هناك، والتي أسفرت عن مقتل 5 إرهابيين.

ودفع هذا الهجوم الكبير على حامية «زوب» الجيش الباكستاني إلى تنفيذ عدة غارات على مخابئ المسلحين في المنطقة، واستمرت العمليات من هذا النوع خلال شهري يوليو الماضي وأغسطس (آب) الحالي، مما أدى إلى تحويل تركيز الجيش بعيداً عن المناطق القبلية.

مركبات الشرطة تقوم بدوريات بالقرب من كنيسة محترقة في جارانوالا على مشارف فيصل آباد في 17 أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

وكان قد بات هناك شعور بوجود حالة طوارئ حينما حدث تبادل لإطلاق النار في اليوم نفسه، 12 يوليو الماضي، خلال عملية ما زالت مستمرة في حي «سوي» بين قوات الأمن والإرهابيين المدججين بالسلاح.

وبحسب بيان صحافي عسكري، فقد قُتل 3 جنود بعد أن قاتلوا بشجاعة، وقُتل اثنان من الإرهابيين خلال عملية تبادل إطلاق النار هذه.

وفي اليوم التالي، نفذت مجموعات البلوش هجوماً آخر على قافلة عسكرية في منطقة «جوادر»؛ إذ يقول بيان صحافي إنه «في 13 أغسطس الحالي، هاجم إرهابيون قافلة عسكرية في منطقة جوادر، واستخدم الإرهابيون أسلحة صغيرة وقنابل يدوية خلال الهجوم، ولكن بسبب الاستجابة الفعالة والسريعة، لقي الإرهابيان حتفهما دون إلحاق أي ضرر بأي شخص عسكري أو مدني».

متدرب في سلاح الجو يقف في حراسة ضريح مؤسس باكستان محمد علي جناح في كراتشي أول من أمس (إ.ب.أ)

ويشير الخبراء إلى أن عدم تنفيذ أي عمليات عسكرية كبيرة في المناطق القبلية خلال هذه الفترة يمكن تفسيره، بشكل معقول، من خلال تركيز القيادة العسكرية على بلوشستان.


مقالات ذات صلة

هجوم إرهابي يودي بحياة 7 جنود جنوب غربي باكستان

آسيا آثار التفجير الانتحاري الذي استهدف قوات من الجيش الباكستاني في محطة للسكك الحديدية (إ.ب.أ)

هجوم إرهابي يودي بحياة 7 جنود جنوب غربي باكستان

قُتل 7 جنود في هجوم انتحاري نفذه انفصاليون من البلوش في جنوب غربي باكستان، وفق ما نقل مسؤولون محليون، في أحدث حلقة من سلسلة الهجمات التي يشنها إرهابيون.

«الشرق الأوسط» (كويتا)
شمال افريقيا وزير خارجية الجزائر في مؤتمر أفريقي حول الأمن ومحاربة الإرهاب في 2023 (الخارجية الجزائرية)

الجزائر تطالب بـ«كثير من الشراكة» لمحاربة الإرهاب

اقترحت الجزائر على خبراء الأمم المتحدة، العاملين في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، تنظيم زيارات إلى مناطق معينة في أفريقيا، تواجه خطر الإرهاب.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شؤون إقليمية وزيرا الخارجية التركي هاكان فيدان والروسي سيرغي لافروف خلال لقائهما في أنطاليا جنوب تركيا مارس الماضي (الخارجية التركية)

موسكو تُحمّل أنقرة مسؤولية تعثر التطبيع مع دمشق: تتصرف كدولة محتلة

بحث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، ملف الأزمة السورية والجهود التي تقودها روسيا لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان وبهشلي خلال الاحتفال بذكرى تأسيس الجمهورية التركية في 29 أكتوبر الماضي (الرئاسة التركية)

تركيا: انقسام حول المشكلة الكردية... وإردوغان قد يختار الانتخابات المبكرة

تعمق الجدل والانقسام حول احتمالات انطلاق عملية جديدة لحل المشكلة الكردية في تركيا... وذهبت المعارضة إلى وجود أزمة داخل «تحالف الشعب» الحاكم

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية أحد لقاءات الأسد وإردوغان في عام 2010 (أرشيفية - الرئاسة التركية)

​إردوغان يُبقي على آماله بلقاء الأسد واحتمال شنّ عملية عسكرية شمال سوريا

جدّدت تركيا رغبتها في تطبيع العلاقات مع سوريا من دون تحقيق شرط الانسحاب العسكري لقواتها الموجودة في مناطق الشمال السوري.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

هجمات منتظمة للانفصاليين في الشطر الهندي من كشمير

أحد عناصر الأمن يظهر من داخل آلية مدرعة في موقع إطلاق نار بين مسلحين وقوات الأمن الهندية في سريناغار (أ.ف.ب)
أحد عناصر الأمن يظهر من داخل آلية مدرعة في موقع إطلاق نار بين مسلحين وقوات الأمن الهندية في سريناغار (أ.ف.ب)
TT

هجمات منتظمة للانفصاليين في الشطر الهندي من كشمير

أحد عناصر الأمن يظهر من داخل آلية مدرعة في موقع إطلاق نار بين مسلحين وقوات الأمن الهندية في سريناغار (أ.ف.ب)
أحد عناصر الأمن يظهر من داخل آلية مدرعة في موقع إطلاق نار بين مسلحين وقوات الأمن الهندية في سريناغار (أ.ف.ب)

تتزايد الهجمات المسلحة في الشطر الهندي من كشمير المتنازع عليه، من نصب كمائن إلى عمليات إطلاق نار مروراً بإلقاء قنابل على سوق، في تناقض لتأكيدات الحكومة المركزية في نيودلهي المتكررة بإعادة الهدوء والنظام إلى المنطقة.

وما زالت كشمير ذات الغالبية المسلمة منقسمة بين الهند وباكستان منذ استقلتا عن الحكم البريطاني عام 1947، وتشهد تمرّداً متواصلاً منذ مدة طويلة. وتطالب كل من نيودلهي وإسلام آباد بالسيطرة على المنطقة برمتها.

وينتشر 500 ألف جندي هندي في كشمير حيث يكافحون تمرّداً أودى بعشرات آلاف المدنيين والجنود والمتمرّدين منذ عام 1989.

وفي الأسابيع الأخيرة، ارتفعت حدة العنف بشكل ملحوظ. فإلى جانب الهجمات المعتادة، استهدف الانفصاليون وسط مدينة سريناغار الرئيسة، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

واعتبر الجنرال ديبندرا سينغ هودا، القائد السابق لقيادة الشمال في الجيش الهندي، أن «هذه الهجمات لا تهدف إلى القتل فحسب، بل إلى معارضة الرواية الهندية التي تفيد بأن كل شيء على ما يرام كذلك».

وألغت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الحكم الذاتي المحدود لكشمير في عام 2019، ووضعتها تحت وصاية مباشرة أكثر لنيودلهي.

وترافق ذلك مع اعتقالات جماعية وانقطاع الاتصالات لمدة أشهر. وتقول إدارة مودي إن القرار سمح لها بوقف التمرد، لكنّ المنتقدين اتهموها بقمع الحريات السياسية.

ومنذ ذلك الحين تتباهى نيودلهي بأن قرارها الذي طلبت الجمعية المحلية الفائزة في انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) إلغاءه، جلب «السلام والتنمية والرخاء».

وهو تأكيد يحاول الانفصاليون الذين يطالبون باستقلال كشمير أو بضم شطرها الهندي إلى باكستان، مناقضته من خلال زيادة هجماتهم.

وأكد هودا أن «رسالتهم الأساسية تكمن في أن كشمير لا تزال تمثل معضلة».

«الدعم النشط»

وتتهم الهند باكستان بدعم الانفصاليين وتسليحهم، وهو ما تنفيه إسلام آباد.

وأشار الجنرال إلى أن «تزايد» التحركات الملحوظة على جانبَي الحدود بين البلدين في عام 2024 «لم يكن ممكناً لولا الدعم النشط من الجيش الباكستاني».

وفي هذه الأجواء المتوترة، ينتشر الجيش في أنحاء المدن وعلى الطرق. وتم تعبئة الميليشيات التي جرى تسليحها لضمان حماية القرى النائية.

وأصبح هؤلاء المسلحون جزءاً أساسياً من المشهد بالنسبة إلى العديد من السكان الذين تعلموا التأقلم مع العنف.

ففي 3 أكتوبر، بعد هجوم بقنبلة على سوق في سريناغار أودى بحياة شخص وإصابة 11 آخرين، أعاد التجار فتح محلاتهم بعد ساعتين فقط من الحادث.

ومع ذلك، ظلت حصيلة هذه الهجمات مستقرة، مع مقتل 120 شخصاً هذا العام مقارنة بـ130 في 2023، وفق الموقع الإلكتروني المتخصص «ساوث إيجا تيروريسم بورتال».

وتوقع فرد من قوات الأمن، فضّل عدم الكشف عن هويته، أن «يستمر النزاع على هذا النحو بوتيرة بطيئة ما دامت كشمير مقسمة إلى شطرين». وأضاف: «نحن نسيطر على الوضع هنا، وهم (في باكستان) يقومون بإثارته».

وأكد الجيش أنه أردى 720 انفصالياً خلال السنوات الخمس الماضية.

وفي أكتوبر، قدر المسؤول العسكري الإقليمي إم في سوشيندرا عدد الانفصاليين النشطين بنحو 130.

ويضم هذا العدد الكبير أولئك الذين يوصفون بأنهم «مدربون ومسلحون بشكل جيد» من قبل باكستان، بحسب مصدر أمني محلي.

وأكد المصدر أن «هجماتهم المباغتة تسبب أضراراً، لكن الوضع تحت السيطرة».

ورغم أن عدد الانفصاليين محدود، لا يتوقّع هودا عودة الهدوء على المدى القصير. وأوضح: «لطالما اعتبرت باكستان أن التصعيد يسمح بإبقاء كشمير في واجهة الأحداث».