المناطق القبلية في باكستان قنبلة موقوتة

هل ينجح الجيش في ضبط الأمن قرب الحدود الأفغانية؟

المناطق القبلية في باكستان قنبلة موقوتة
TT

المناطق القبلية في باكستان قنبلة موقوتة

المناطق القبلية في باكستان قنبلة موقوتة

لو أننا تحدثنا بشكل عام، فإننا سنجد أن هناك 3 جماعات إرهابية نشطة في المناطق القبلية الباكستانية السابقة، وهذه الجماعات هي حركة «طالبان» أو «تحريك طالبان» الباكستانية التي تضم تحت لوائها ما بين 3 آلاف و4 آلاف مقاتل متمركزين في المدن الحدودية المتاخمة لأفغانستان، و«داعش - خراسان» التي تشن حالياً حملة مكثفة من الإرهاب الحضري في أفغانستان منذ الانسحاب الأميركي، وأخيراً وليس آخراً، تنظيم «القاعدة» الذي يحظى أيضاً بوجود كبير في المناطق القبلية الباكستانية، حتى بات الشريط القبلي أشبه بـ«قنبلة موقوتة».

إلى جانب هذه الجماعات، هناك جماعات مسلحة أخرى من البلدان المجاورة لأفغانستان التي فر أعضاؤها من بلدانهم الأصلية ويختبئون حالياً في أفغانستان والمناطق القبلية، وتتمتع هذه المناطق القبلية الباكستانية بوجود كبير للعرب الأفغان وذوي الجنسيات الإسلامية الأخرى، ولكن هؤلاء تزوجوا من السكان المحليين، مما جعلهم يعيشون الآن مواطنين محليين في هذه المناطق».

* أفغانستان دولة عازلة

وكانت هذه المناطق القبلية الباكستانية قد ظهرت بعد أن ساعدت الإمبراطورية البريطانية بالهند في تأسيس أفغانستان كدولة عازلة بين الهند البريطانية والإمبراطورية الروسية في آسيا الوسطى. وبهذه الطريقة، كانت المناطق القبلية بمثابة حاجز بين أفغانستان التي لا تهدأ، وهدوء وصفاء الإمبراطورية البريطانية في الهند.

عناصر الأمن يعملون في موقع هجوم انتحاري داخل مسجد الشرطة على جانب الطريق في منطقة خيبر بإقليم خيبر بختونخوا (بيشاور) 25 يوليو 2023 (د.ب.أ)

لكن لم ينجح البريطانيون في تهدئة الاضطرابات بالمنطقة بشكل كامل، إلا أنهم كانوا بمثابة حاجز يقي من الاضطرابات في كابل، وقد حاولت الحكومة الاستعمارية البريطانية فرض السيطرة على سكان المناطق القبلية التي جرى ضمها من خلال ما يعرف بـ«لوائح جرائم الحدود» الذي منح قدراً كبيراً من السلطة للقادة المحليين على طول الحدود الشمالية الغربية في إطار عملية الحكم غير المباشر.

موقع انفجار مسجد الشرطة في بيشاور (رويترز)

وبعد تأسيس باكستان في عام 1947، واصلت الحكومة الباكستانية تبني السياسة البريطانية نفسها تجاه المناطق القبلية بشكل أو بآخر، وفي الثمانينات، استخدمت الحكومة العسكرية للجنرال محمد ضياء الحق المناطق القبلية قاعدة لدعم الجهاد الأفغاني ضد الاحتلال السوفياتي، وهو ما أدى إلى تطرف السكان المحليين.

* قانون لدمج المناطق القبلية

ومن الناحية الاقتصادية، فإن هذه المنطقة تعد منطقة متخلفة وفقيرة من باكستان، وفي عام 2018، أقر البرلمان الباكستاني قانوناً لدمج المناطق القبلية مع مقاطعة خيبر بختونخوا التي كانت تحكمها الحكومة الفيدرالية في إسلام آباد قبل ذلك.

فيما ظهرت الدولة الأفغانية الحديثة نفسها عندما أصبحت المواجهة العسكرية المباشرة بين الإمبراطورية الروسية المتوسعة والهند البريطانية حتمية في القرن الثامن عشر، حيث قامت 3 قوى كبرى؛ هي روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة، بتمويل الدولة الأفغانية، لتجنب حدوث مشكلات من أي نوع، وكان هذا الامتداد الخارج عن القانون المتمثل في أفغانستان مصدراً للمتاعب للقوى الكبرى، وعلى حد تعبير كثير من المؤرخين الموثوق بهم، كان هذا السبب الرئيسي لإنشاء الدولة الأفغانية الحديثة. وظهرت المناطق القبلية الباكستانية حاجزاً بين الهند البريطانية ودولة أفغانستان المنعزلة، التي كان من المفترض أن تكون بمثابة منطقة عازلة بين الإمبراطورية الروسية في آسيا الوسطى والهند البريطانية.

وأراد البريطانيون إعطاء مظهر من مظاهر الاستقرار لهذا الامتداد الذي ينعدم فيه القانون وجعله بمثابة حاجز بين أراضيها الاستعمارية في الهند والإمبراطورية الروسية الشاسعة التي كانت تتوسع في آسيا الوسطى بالقرن الثامن عشر.

وخلال الحرب الباردة، كانت أهمية أفغانستان بالنسبة للاتحاد السوفياتي السابق وبالنسبة للقوة المنافسة له؛ الولايات المتحدة الأميركية، بمنأى عن أي شك.

* «طالبان» سعت إلى محو الحدود الدولية

ولا يزال هناك بعض المؤرخين والمعلقين الذين يزعمون أن القيادة السوفياتية قررت التدخل عسكرياً في أفغانستان في ديسمبر (كانون الأول) 1979، بعد أن تلقت تقارير تفيد بأن بعض فصائل الحزب الشيوعي الأفغاني، (حزب الشعب الديمقراطي الأفغاني) سيئ السمعة، كانت تتعامل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، وأن هذا الوضع قد يؤدي إلى دخول الأميركيين أفغانستان.

وكان الروس يخشون أن يؤدي ذلك إلى تفكك الثورة الشيوعية في أفغانستان، وبين عامي 2001 و2021، أنفقت واشنطن تريليونات الدولارات لإنشاء دولة أفغانية قابلة للحياة، ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في تحقيق ذلك، إذ إنه بدا أن الأفغان لم يقبلوا السلطة السياسية المركزية لأسباب ثقافية، ولذلك، عندما غادر الأميركيون استولت قوة متمردة على آلة الدولة التي كانت الولايات المتحدة قد قامت بإنشائها، ما دفعها لحالة من الفوضى عند الانسحاب الأميركي.

أشخاص يعاينون موقع هجوم انتحاري داخل مسجد على جانب طريق بمنطقة خيبر في إقليم خيبر بختونخوا (بيشاور) (د.ب.أ)

ولن يكون من قبيل المبالغة القول إن حركتي «طالبان الأفغانية» و«طالبان الباكستانية» كانتا في الواقع تحاولان محو الحدود الدولية التي خلقتها الإمبراطوريات الكبرى في القرن العشرين، وعملت على تقسيم قبائل البشتون التي تعيش في هذه المنطقة.

مسؤولون أمنيون باكستانيون يتفقدون موقع انفجار في كويتا عاصمة إقليم بلوشستان (إ.ب.أ)

وهناك العشرات من القبائل التي انقسمت بسبب المحاولة البريطانية لترسيم الحدود الدولية بين أفغانستان والهند البريطانية، والآن تسعى حركة «طالبان» بكل نشاطها الواسع عبر الحدود لمحو تلك الحدود الدولية، بحسب الخبراء.

* وزيرستان الشمالية مركز ثقل للإرهاب

وتعد وزيرستان الشمالية، التي تعد مركزاً للإرهاب، ثاني أكبر وكالة من حيث المساحة، إذ تستضيف نحو 375 ألف شخص، وغالبيتهم ينتمون إلى قبيلتي «وزير» و«دوار».

وبحسب الخبير الأمني الباكستاني المقيم في واشنطن حسن عباس، فإنه «لطالما كانت منطقة وزيرستان سبباً للصداع المزمن للبريطانيين، فحتى بعد إنشاء باكستان، يواصل سكان أفراد قبيلة وزير لفت الانتباه بانتظام إلى باكستان من خلال دعمهم لباختونستان/ باشتونستان (انضمام جميع مناطق البشتون لإنشاء دولة جديدة)، وبالتالي حافظوا على علاقات جيدة مع أفغانستان».

ويضيف: «ومع ذلك، فإنه منذ عام 1970، انضم أفراد قبيلة وزير إلى صفوف القوات المسلحة الباكستانية بأعداد كبيرة مقارنة بأفراد القبائل الأخرى، كما أن جنوب وزيرستان هي أكبر منطقة من حيث الحجم، فهي موطن لنحو 425 ألف من رجال القبائل من قبيلتي محسود ووزير، وهي قبائل يفخر أفرادها بأن لهم سُمعة جيدة كمحاربين، كما أنهم معروفون بالنزاعات الدموية المتكررة».

* تنوع قبلي أغلبه من «البشتون»

ويسكن المنطقة الحدودية الباكستانية - الأفغانية مجموعة كبيرة ومتنوعة من القبائل الكبيرة والصغيرة والعشائر، ولكل منها شبكتها الخاصة من العلاقات، ولكنها موحدة من قبل مجموعة تسمى «باثان» أو البشتون، التي تتمتع بالقوة، والشجاعة.

وبحسب كتيب صدر عن حكومة خيبر بختونخوا، فإنه «على مر السنين، باتت المدن الكبرى بمثابة مزيج من أشخاص آخرين مختلفين عن بقية باكستان، مثلما هاجر كثير من البشتون إلى المدن الكبرى في البنجاب والسند وبلوشستان، أو عملوا فيها، وينقسم السكان إلى عدة أقسام عرقية يمثلون طوائف شكلتها تيارات مختلفة من خلال الهجرة أو الغزو، أما الشريحة الأكثر عدداً وأهمية فهي البشتون (بوختانا)، وهم غالبية السكان الزراعيين في بيشاور، وكوهات، وبانو».

وتتأثر القبائل على الجانب الباكستاني من الحدود بشكل كبير بثقافة الازدهار وحياة الطبقة الوسطى التي صورتها القنوات التلفزيونية الباكستانية المنشأة حديثاً».

ويمكن الآن رؤية رجال القبائل في قاعات البرلمان الباكستاني بين المشرعين يطالبون بتمويل بناء المدارس والكليات في مناطقهم، وتشير التقارير في وسائل الإعلام الباكستانية إلى أن حركة «طالبان الباكستانية» فقدت كثيراً من شعبيتها بين القبائل الباكستانية، وتخشى القبائل على الجانب الباكستاني من الحدود من أن تؤدي عودة «طالبان» إلى زيادة الصعوبات التي تواجهها. وقد حث شركاؤها الدوليون الحكومة الباكستانية على زيادة تمويل التنمية للمناطق القبلية، لأن ذلك يضمن عدم حصول حركة «طالبان» الباكستانية على موطئ قدم في هذه المنطقة.

وتخشى الحكومة الباكستانية من أنه في حال نجاح حركة «طالبان» الباكستانية في جعل المناطق القبلية قاعدة لها، فقد توسع منطقة عملياتها لتشمل المراكز الحضرية الرئيسية أيضاً.

وبعد عام 2014، بدأ الجيش الباكستاني في نشر عدد كبير من القوات في المناطق القبلية لدرء خطر الإرهاب والتشدد، وعلى حد تعبير الخبراء، فإن وجود الجيش الباكستاني بالمناطق القبلية يضمن عدم قيام حركة «طالبان» الباكستانية أو أي جماعة إرهابية أخرى بإيجاد موطئ قدم في أي جزء من المناطق القبلية.

وقد فشلت باكستان كمجتمع ودولة، في فهم ومراعاة الآثار الأمنية المترتبة على الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

* تغييرات بعد الانسحاب الأميركي

من الواضح أن هناك تطورين حدثا بأفغانستان عقب الانسحاب الأميركي من البلاد، أولهما أن حركة «طالبان» الباكستانية بدأت عودتها في أفغانستان، وبدأ كادرها تتبع سبل العودة إلى المناطق القبلية الباكستانية بعد الانسحاب الأميركي.

والتطور ذو الصلة بالأمر أن الجماعات المتمردة البلوشية حولت معسكراتها من أفغانستان إلى الأراضي الإيرانية، حيث تشن الآن هجمات على القوات الباكستانية.

وثانياً، أعاد تنظيم «داعش - خراسان» إحياء نفسه بشكل كبير في المناطق القبلية الباكستانية وأفغانستان، ويركز التنظيم بشكل صارم على استهداف قادة «طالبان الأفغانية» بأفغانستان، وقد تخلى عن أي خطط للسيطرة على الأراضي بعد أن فقد السيطرة على أجزاء من شرق أفغانستان نتيجة القصف الجوي الأميركي بين عامي 2016 و2019.

* «داعش - خراسان» يركز على حرب المدن

وقال خبير أمني باكستاني إن «أنشطة داعش - خراسان تركز الآن بشكل صارم على الانخراط في حرب المدن والإرهاب الحضري».

ولم يكن القدر عادلاً مع الدولة والمجتمع الباكستانيين، إذ إن قوى الإرهاب الدولي الموجودة الآن في أفغانستان والمناطق القبلية ليست كلها من صنع الدولة الباكستانية، وذلك على الرغم من أننا أسهمنا بشكل كبير في تشكيلها.

وقد لعبت وكالات الاستخبارات التابعة للقوة الغربية وتدخلاتها العسكرية دوراً رئيسياً في جعل أفغانستان والمناطق القبلية تبدو على ما هي عليه اليوم، «ومع ذلك، فقد تُركنا وحدنا للتعامل مع تداعيات ذلك. وإذا أُجبرنا في المستقبل على التعامل مع الثقل الكامل لقوى الإرهاب الدولي التي تطل برأسها في أفغانستان والمناطق القبلية، فسنكون في ورطة حقيقية، لأننا لا نملك الموارد المالية اللازمة للدخول في معركة طويلة على حدودنا الغربية، ومن المفارقات أننا لم ندرك بعد أن الصراع على السلطة الذي يحدث في إسلام آباد قد جعلنا غافلين تماماً عما يستجد على حدودنا الغربية».


مقالات ذات صلة

بهشلي جدد دعوة أوجلان للبرلمان وأكد عدم وجود خلاف مع إردوغان

شؤون إقليمية يسود جدل واسع في تركيا حول خلافات غير معلنة بين إردوغان وحليفه دولت بهشلي (الرئاسة التركية)

بهشلي جدد دعوة أوجلان للبرلمان وأكد عدم وجود خلاف مع إردوغان

جدد رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي تمسكه بدعوته لحضور زعيم حزب العمال الكردستاني السجين للحديث أمام البرلمان مشدداً على عدم وجود خلاف مع إردوغان.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أوروبا استنفار أمني ألماني في شوارع برلين (أرشيفية - د.ب.أ)

توقيف فتى بألمانيا بتهمة التخطيط لتنفيذ هجوم في فترة الأعياد

تفيد السلطات الألمانية بأنها أحبطت هجمات عدة، لكن 3 أشخاص قُتلوا، وجُرح 8 في عملية طعن أثناء مهرجان في أحد شوارع مدينة زولينغن في أغسطس (آب) الماضي.

«الشرق الأوسط» (برلين)
شؤون إقليمية مواجهات بين الشرطة ومحتجّين على عزل رؤساء بلديات جنوب شرقي تركيا (إعلام تركي)

إردوغان: لن نسمح باستغلال إرادة الأمة وموارد السلطة المحلية لدعم الإرهاب

أكّد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أنه لن يتم السماح بالسياسة المدعومة بالإرهاب، بينما اعتقل العشرات في احتجاجات على عزل رؤساء بلديات بجنوب شرقي البلاد.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية قوات الشرطة تمنع نائب حزب الشعب الجمهوري المعارض دنيز ياووز يلماظ من دخول مبنى بلدية إسنيورت في إسطنبول الجمعة (إعلام تركي)

حرب شوارع في جنوب شرقي تركيا احتجاجاً على عزل رؤساء بلديات

اندلعت أعمال عنف وشغب تخللتها أعمال حرق ونهب لمحال تجارية في جنوب شرقي تركيا احتجاجاً على عزل 3 رؤساء بلديات منتخبين.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا اجتماع مجلس الأمن القومي يبحث ملفات التهريب والجريمة المنظمة والمهاجرين غير النظاميين (موقع الرئاسة التونسية)

تونس: «عملية بيضاء» ضد الهجمات الإرهابية والتهريب على حدود ليبيا

كشفت المواقع الرسمية للداخلية التونسية أن وزير الدولة للأمن وعدداً من كبار المسؤولين أشرفوا في المنطقة الحدودية التونسية - الليبية على «عملية أمنية».

كمال بن يونس (تونس)

ضمن أكبر معرض جوي... الصين تكشف عن مقاتلات شبح جديدة (صور)

فريق صيني للاستعراضات الجوية يحلّق في السماء ضمن معرض الصين الدولي الـ15 للطيران والفضاء (أ.ب)
فريق صيني للاستعراضات الجوية يحلّق في السماء ضمن معرض الصين الدولي الـ15 للطيران والفضاء (أ.ب)
TT

ضمن أكبر معرض جوي... الصين تكشف عن مقاتلات شبح جديدة (صور)

فريق صيني للاستعراضات الجوية يحلّق في السماء ضمن معرض الصين الدولي الـ15 للطيران والفضاء (أ.ب)
فريق صيني للاستعراضات الجوية يحلّق في السماء ضمن معرض الصين الدولي الـ15 للطيران والفضاء (أ.ب)

كشفت الصين، الثلاثاء، النقاب عن طائرات مقاتلة لا يرصدها الرادار في معرض جوي كبير، حيث تسلّط الأضواء أيضاً على طائرات من دون طيار، وهي فرصة لعرض قوتها العسكرية المتنامية أمام العملاء والمنافسين المحتملين، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

على مدى عقود عدة، كان العملاق الآسيوي يعمل على تعزيز قدراته الدفاعية الجوية، خصوصاً للتعامل مع الوجود العسكري الأميركي في بحر الصين الجنوبي أو حول تايوان.

وأرسلت الصين في السنوات الماضية طائرات عسكرية بشكل شبه يومي للقيام بدوريات في جزيرة تايوان التي تطالب بها؛ احتجاجاً على السياسة «الانفصالية» التي تنتهجها سلطات الجزيرة.

ويقام معرض جوهاي الجوي جنوب الصين، بالقرب من ماكاو، كل عامين. ويعدّ فرصة للصين لعرض أحدث التطورات في مجال الطيران المدني والعسكري.

طائرة «سوخوي سو - 57» روسية تهبط خلال معرض الصين الجوي (إ.ب.أ)

وتم خلال افتتاح المعرض، الثلاثاء، عرض الطائرة «جيه - 35 إيه»، نسخة 2024، وهي الطائرة المقاتلة الشبح الصينية الجديدة التي توصف بأنها «مقاتلة متعددة الأغراض متوسطة الحجم» وتبدو مشابهة في التصميم لطائرة «إف - 35» الأميركية، لكن التفاصيل المتوفرة حولها قليلة.

ويظهر مقطع فيديو بثته وسائل الإعلام الرسمية الطائرة وهي ترتفع في الهواء، ويزأر محركها، قبل أن تستدير وتبتعد بسرعة عالية، وسط تصفيق حماسي من المتفرجين.

وبحسب المحللين، فإنه في حال تشغيلها، ستصبح الصين الدولة الوحيدة الأخرى المعروفة في العالم التي لديها مقاتلتا شبح في الخدمة بعد الولايات المتحدة.

طائرة مقاتلة صينية من طراز «J - 15» تظهر في معرض الصين الدولي الـ15 للطيران والفضاء (أ.ب)

طائرات مسيَّرة هجومية

تتميز طائرات «جيه -35 إيه» بأنها أصغر حجماً وأخف وزناً من الطائرة المقاتلة الشبح الصينية «جيه - 20» الموجودة بالفعل في الخدمة، وهي تتميز أيضاً بتصميمها المشابه للطائرة «إف - 35».

كما قامت طائرات عدة من طراز «جيه - 20» بطلعات جوية تجريبية صباح الثلاثاء.

وقالت وكالة الأنباء الصينية الجديدة إن توفر هذين النموذجين من الطائرات المقاتلة سيحسّن بشكل كبير «قدرة (الجيش الصيني) على تنفيذ عمليات هجومية في بيئات خطيرة للغاية ومتنازع عليها».

وجرى خلال المعرض أيضاً إنزال الجنود من المروحيات باستخدام الحبال.

طائرة روسية من طراز «Su - 57» تحلّق في السماء في معرض الصين الدولي الـ15 للطيران والفضاء (أ.ب)

ولأول مرة، يضم المعرض منطقة مخصصة للطائرات من دون طيار، والتي يتم استخدامها بشكل متزايد في مناطق الحروب حول العالم.

وتُعرض أيضاً مسيّرة «إس إس SS - UAV» الضخمة والتي يمكنها إطلاق أسراب من الطائرات المسيّرة الأصغر حجماً بسرعة لجمع المعلومات الاستخباراتية، فضلاً عن تنفيذ ضربات، بحسب ما أوردت صحيفة «ساوث تشاينا مورنينغ بوست».

والشهر الماضي، أعلنت الولايات المتحدة عن عقوبات تستهدف الشركات التي تتخذ من الصين مقراً لها والمرتبطة بإنتاج طائرات مسيّرة استخدمتها موسكو في ضرب أوكرانيا.

وتدعو الصين إلى احترام سلامة أراضي الدول كافة، بما في ذلك أوكرانيا، لكنها لم توجّه إدانة علنية لروسيا مطلقاً.

طائرات تحلّق ضمن معرض الصين الدولي الـ15 للطيران والفضاء جنوب الصين (أ.ب)

مكوك فضاء

عززت موسكو منذ غزوها أوكرانيا علاقاتها العسكرية والدفاعية مع بكين.

ويحضر سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو المعرض، حيث قامت المقاتلة الشبح «سو - 57»، الأكثر تقدماً في بلاده، بالتحليق في أجواء جوهاي. و«سو - 57» هي مقاتلة شبح روسية من «الجيل الخامس»، ذات تصميمات رمادية وبيضاء.

وتركز نسخة المعرض هذا العام بشكل أساسي على القطاع العسكري، حيث تتزامن مع الذكرى الـ75 لتأسيس القوات الجوية لجمهورية الصين الشعبية.

لكن صناعة الفضاء المزدهرة في الصين ستعرض أيضاً بعضاً من أحدث التطورات، حيث يتضمن المعرض نموذج مكوك فضائي صيني الصنع قابلاً لإعادة الاستخدام، وفقاً لما ذكرته وكالة أنباء الصين الجديدة.

فريق الاستعراضات الجوية الروسي يحلّق في السماء ضمن معرض الصين الدولي الـ15 للطيران والفضاء (أ.ب)

ويُطلق على المكوك اسم «هاولوونغ»، وهو مصمم ليتم إطلاقه بواسطة صاروخ تجاري، ومن ثم الالتحام بمحطة الفضاء الصينية «تيانغونغ» (القصر السماوي).

وبحسب وكالة أنباء الصين الجديدة، فإن «بإمكان المكوك الدخول مرة أخرى إلى الغلاف الجوي، والتحليق والهبوط أفقياً»؛ مما يسمح «باستعادته وإعادة استخدامه».

منذ عقود عدة خصصت الصين موارد هائلة لبرنامجها الفضائي من أجل اللحاق بالقوى الكبرى في هذا القطاع، خصوصاً الولايات المتحدة وروسيا.