باركزاي لـ«الشرق الأوسط»: «طالبان» بحثت عني

تحدثت السفيرة الأفغانية السابقة لدى النرويج والحقوقية والنائبة البرلمانية البشتونية، شكرية باركزاي، لـ«الشرق الأوسط»، عن ظروف مغادرتها كابل بعد سقوطها بيد «طالبان»، وقالت إن مقاتلي الحركة كانوا يبحثون عنها.

وأضافت في اتصال هاتفي من لندن، أنها كانت «على قائمة المكروهين لدى (طالبان)»، وكانوا يبحثون عنها بعد سقوط كابل، في أغسطس (آب) 2021، إلى أن تمكنت من مغادرة العاصمة الأفغانية بمساعدة البريطانيين. وتضيف: «(طالبان) ليست وحدها، التي كانت تهددني، بل أيضاً مافيا الفساد ورجال الأعمال الذين فضحتهم تحت قبة البرلمان من قبل، وكذلك قادة الجهاد الأفغاني أعضاء البرلمان الذين يريدون عودة المرأة مرة أخرى إلى كواليس المطبخ». وتابعت: «هم يكرهونني، وأنا أعرف ذلك مقدماً، لكنني لم أكن ألتفت كثيراً إلى انتقاداتهم».

عندما استولت «طالبان» على السلطة مجدداً، مكثت باركزاي في مطار كابل لعدة أيام خلال عمليات الإجلاء في أغسطس 2021، إلى أن تمكنت من الخروج على متن طائرة عسكرية إلى مطار برايز نورتون في بريطانيا. وقالت: «لم أكن شخصاً يمكنه إخفاء اسمه أو وجهه أو صوته، فقد كنت مألوفة للغاية للشعب الأفغاني، بما في ذلك أعضاء (طالبان)، وكان ذلك بمثابة تحدٍ كبير أمامي». وتضيف: «لحسن الحظ، بذلت المملكة المتحدة كثيراً من الجهد من أجلي داخل أفغانستان، وفي نهاية الأمر جرى إجلائي إلى لندن بجهود البريطانيين والأميركيين».

وعما إذا كانت ستقبل في المستقبل وظيفة لدى «طالبان»، توضح: «من جانبي، لا أحب أن أعمل يوماً مع (طالبان) إذا ظلوا على صورتهم الحالية، ذلك أنهم يعادون النوع الذي أنتمي إليه باعتباري امرأة. كما أنهم يعادون رأيي باعتباري امرأة مسلمة. وكذلك يعادون حقوقي باعتباري إنساناً، فكيف يمكنني العمل معهم؟».

شكرية باركزاي لـ«الشرق الأوسط»: كنت على قائمة المكروهين لدى «طالبان»

قالت السفيرة الأفغانية السابقة لدى النرويج والحقوقية والنائبة البرلمانية البشتونية العرق شكرية باركزاي لـ"الشرق الأوسط" إنها كانت على «قائمة المكروهين لدى (طالبان)، وكانوا يبحثون عني بعد سقوط كابل، في أغسطس (آب) 2021، إلى أن تمكنت من مغادرة العاصمة الأفغانية بفضل مساعدة البريطانيين».

كانت باركزاي قد تعرضت لتفجير انتحاري بسيارة مفخخة في عهد الرئيس السابق أشرف غني، الذي أدان العملية الإرهابية، وكانت ضمن وفد برلماني قرب مقر البرلمان بالعاصمة كابل، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2014.

أجرت «الشرق الأوسط» حواراً من قبل مع الحقوقية الأفغانية باركزاي مرتين؛ إحداهما تحت قبة البرلمان بمنطقة كارتي سيه، غرب العاصمة كابل، في عام 2009، بعد أن قدمني إليها الشيخ يونس قانوني رئيس البرلمان السابق، الذي يتحدث العربية بطلاقة، وكان يشغل منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية كرزاي، قالت وقتها لـ«الشرق الأوسط» إذا عادت «طالبان» إلى الحكم، فإنها ستغادر أفغانستان مع أطفالها بتذكرة ذهاب دون عودة، لأن هؤلاء يريدون من النساء العودة إلى الصفوف الخلفية. والنائبة السابقة باركزاي على العهد لم تتغير حتى بعد نجاتها وخروجها من كابل في انتقادها لـ«طالبان».

« نساء أفغانستان ... جرى محوهن من الحياة «العامة»... من العمل والتعليم والفضاء الاجتماعي والسياسة»

فشل الهجوم الذي وقع على مسافة أمتار من مقر البرلمان في كابل في تحقيق هدفه بقتل البرلمانية والصحافية الأفغانية، لكنه يأتي في إطار سلسلة من الهجمات تعرضت لها أفغانستان. وأدى الانفجار إلى مقتل 3 مدنيين وإصابة 22 آخرين، جلهم من الطلبة الجامعيين؛ وتسبب بتحطيم زجاج المكاتب والبيوت القريبة.

تقول باركزاي رداً على أسئلة «الشرق الأوسط»، من خلال رسائل صوتية عبر «واتساب» حيث توجد في مكان ما بالعاصمة لندن: «(طالبان) ليست وحدها التي كانت تهددني، بل أيضاً مافيا الفساد ورجال الأعمال الذين فضحتهم تحت قبة البرلمان من قبل، وكذلك قادة الجهاد الأفغاني أعضاء البرلمان الذين يريدون عودة المرأة مرة أخرى إلى كواليس المطبخ». وأوضحت: «هم يكرهونني، وأنا أعرف ذلك مقدماً، لكني لم أكن ألتفت كثيراً إلى انتقاداتهم».

السفيرة والنائبة الأفغانية السابقة شكرية باركزاي (خاص - الشرق الأوسط)

وعن تقييمها للأوضاع في أفغانستان اليوم، تقول باركزاي: «يعيش الناس في أفغانستان اليوم تحت حكم جماعة (طالبان)، وليس لدى هذه الجماعة أي نوع من التعريف لنمط الدولة الذي ينتهجونه، ونمط الحقوق والواجبات الذي يتمتع به المواطنون، وما يمكن لـ(طالبان) كحكومة فعلية أن تقدمه (للشعب). أضف إلى ذلك أن نظام (طالبان) لم ينل أي نوع من الاعتراف من المجتمع الدولي والدول المجاورة. أما نساء أفغانستان، فقد جرى محوهن من الحياة (العامة)، من العمل والتعليم والفضاء الاجتماعي والسياسة. ويكشف لنا التغيير الدراماتيكي في أفغانستان، للأسف، التحديات العميقة التي تجابهها أفغانستان».

السفيرة والنائبة الأفغانية السابقة شكرية باركزاي (خاص - الشرق الأوسط)

وعن وضع المرأة داخل أفغانستان في ظل حكم «طالبان» اليوم مقارنة بالحال من قبل، تقول باركزاي: «كنت في أفغانستان عندما استولت (طالبان) على السلطة. ومكثت هناك أياماً قليلة تحت حكم الحركة في مطار كابل خلال عمليات الإجلاء في أغسطس 2021، إلى أن تمكنت من الخروج عبر طائرة عسكرية إلى مطار برايز نورتون في بريطانيا. ولم أكن شخصاً يمكنه إخفاء اسمه أو وجهه أو صوته، فقد كنت مألوفة للغاية للشعب الأفغاني، بما في ذلك أعضاء (طالبان). وكان ذلك بمثابة تحدٍ كبير أمامي، وكان أعضاء (طالبان) يتعقبونني. وكنت على قائمتهم المقيتة، بل على رأس القائمة. وخلق ذلك رغبة داخلي في عدم الانسحاب من ساحة المعركة. إنها حرب. ولحسن الحظ، بذلت المملكة المتحدة كثيراً من الجهد من أجلي داخل أفغانستان، و(في نهاية الأمر) جرى إجلائي إلى لندن بجهود البريطانيين والأميركيين».

«إنهم يعادون رأيي باعتباري امرأة مسلمة. وكذلك يعادون حقوقي باعتباري إنساناً، فكيف يمكنني العمل معهم؟!»

وعن حياتها وأطفالها الذين قالت من قبل إنها أرسلتهم للتعليم في إحدى العواصم الأوروبية، توضح: «أنا أم لـ5 أطفال. وابنتي الكبرى متزوجة وتعمل في مجال الطب. أما ابنتي الثانية فتدرس في الجامعة، بينما تستعد ابنتي الثالثة للالتحاق بالجامعة. لحسن الحظ، لم يقرر أي من أبنائي العمل بالمجال السياسي، لأنهم ربما يدركون كيف ستكون حياة السياسي. ومع ذلك، فإنهم جميعاً نشطاء بمجالي حقوق المرأة وحقوق الإنسان. كما أنهم يبدون اهتماماً أكبر بالبيئة. لذلك، فإنهم يدركون ما يعنيه أن يكون المرء مواطناً مسؤولاً. وفيما يخص العمل مع وسائل الإعلام، مثل المكان الذي بدأت منه، ربما لا يكون هذا شيئاً يرغبون في اختياره. أما في ما يتعلق بأبنائي الذكور، فإن ابني البالغ 12 عاماً يبدي شغفاً كبيراً تجاه المحاماة».

وعن اليوم الذي تعرضت فيه لهجوم وإصابتها في كابل قبل أن تغادر أفغانستان لاحقاً، تقول: «أتذكر يوم 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، كان الوقت صباحاً، تحديداً الساعة العاشرة، وأتذكر كيف كان المرء يتكبد ثمناً باهظاً مقابل ارتفاع صوته ضد أمراء الحرب وأباطرة المخدرات و(طالبان)، أي ضد صور التطرف كافة. لم يكن هذا الهجوم الأول ضدي، لكنه جاء بمثابة جرس إنذار للنساء الأخريات داخل أفغانستان. اللافت أنه جرى تدبير هذا الهجوم الانتحاري بذكاء بالغ، ربما بالتعاون مع مجموعات مختلفة. وإذا عاينت صورة انهيار أفغانستان، يمكنك أن ترى التعاون الوثيق بين حلفاء (طالبان) داخل الحكومة. وكي أكون صادقة معك، حتى يومنا هذا لا أعد من بين الوجوه اللطيفة أو الودودة لدى (طالبان) أو المجاهدين السابقين أو مافيا المخدرات. الحقيقة أنني لا أروق لهم، ولا يروقون لي».

وحول تقييمها لـ«طالبان» بين قيادات المجاهدين الذين حكموا أفغانستان في السابق، أشارت بالقول: «إنهم جميعاً الأسوأ. لم يتحمل أي منهم النقد، لكن (طالبان) أشد تطرفاً بين ردود أفعالهم مقارنة بالمجاهدين، بسبب الضرب الذي تمارسه (طالبان) والتحرش الجنسي والتحرش العقلي ووضع النساء والرجال والصحافيين ونشطاء حقوق المرأة ونشطاء حقوق الإنسان في السجن دون أي هيكل قضائي.

كان المجاهدون وعصابات المخدرات متطرفين أيضاً، لكن على نحو خاص بهم، إلا أن القوة التي تبديها (طالبان) اليوم، تعود لسيطرة الجماعة على أراضي أفغانستان، ولم يسبق أن جرى استغلال مثل هذه السيطرة قط ضد إرادة الشعب كما تستغلها (طالبان)، اليوم. إنهم لا يحبون أي نوع من النقد، بل لا يحبون النصيحة».

وتضيف: «لديّ اقتناع بأن (طالبان) تجد من يدعمون الحركة تحت مسمى التعاون معها. بالطبع، انخرطوا في هذا التعاون قبل اتفاق الدوحة، لكن هذا النوع من التعاون الدبلوماسي ينقل الجماعة إلى وضع مختلف، ويبقي بلادهم والدول الغربية راضية عن سياساتهم. من جانبي، أشعر بالسوء باعتباري مواطنة أفغانية، لأن بلدي أصبح ملعباً لجميع القوى الكبرى خلال فترة العقود الأربعة ونصف العقد الماضية. على وجه الخصوص، تحاول الأطراف الفاعلة داخله استعراض قوتها وتدمير الشعب الأفغاني».

وحول إن كانت في المستقبل ستقبل وظيفة لدى «طالبان»، توضح: «من جانبي، لا أحب أن أعمل يوماً مع (طالبان) إذا ظلوا على صورتهم الحالية، ذلك أنهم يعادون النوع الذي أنتمي إليه باعتباري امرأة. كما أنهم يعادون رأيي باعتباري امرأة مسلمة. وكذلك يعادون حقوقي باعتباري إنساناً، فكيف يمكنني العمل معهم؟! حتى وجودي غير مقبول لديهم، إن نوعي هو سبب التمييز المنهجي في نظام الفصل بين الجنسين القائم بأفغانستان اليوم. لذا أجد من غير المقبول مجرد التفكير في الأمر».

وهل «طالبان» هي معركتها الأخيرة؟ تقول باركزاي: «لقد صدمت في الفترة الأخيرة عندما رأيت إحدى النسويات التي تعمل مع واحدة من المنظمات الدولية، تصف الوضع في أفغانستان بأن كل شيء على ما يرام، بما في ذلك حقوق المرأة. أعتقد أن أولئك الذين يمثلون (حقاً) شعب ونساء أفغانستان على أساس القيم سيقفون معي.

فوضى الانسحاب الأميركي من أفغانستان بعد سيطرة «طالبان» على كابل، أغسطس 2021 (متداولة)

هذه هي المعركة التي نرغب في مواصلتها، ونأمل أن نكون الجانب المنتصر، وليس الخاسر. هذه ليست المعركة الأولى التي أخوضها، ففي عهد المجاهدين، وفي عهد (طالبان)، وفي زمن كرزاي، وفي زمن أشرف غني، ظلت القضية هي نفسها. الحقيقة أن قبول المرأة في مجتمع يهيمن عليه الذكور مثل أفغانستان ليس بالمهمة السهلة، لكنني لن أستسلم أبداً. لن نتنازل، ليس أنا فقط، وإنما أتحدث عن نساء أفغانستان. وبالطبع، سيكون لدينا مزيد من النساء داخل البرلمان إذا أُجريت انتخابات نزيهة».

النائبة الأفغانية باركزاي لـ {الشرق الأوسط}: لن نستسلم لطالبان

هذه المرة التقيت النائبة البرلمانية الأفغانية البشتونية العرق شكرية باركزاي رئيسة لجنة الدفاع تحت قبة البرلمان بالصدفة البحتة، في مقر وكالة «أسوشييتد برس» بشارع 15 بمنطقة وزير أكبر خان أو «سركا بنزه وزير أكبر خان». ذهبت هناك للقاء صديق قديم، وهو أحد الصحافيين الأفغان من خريجي جامعة الإمام محمد بن سعود في السعودية، وهو يتحدث العربية بطلاقة، لترتيب لقاء لي مع المرشح الرئاسي الشيخ عبد الرب رسول سياف زعيم المجاهدين الأفغان إبان فترة الحرب ضد الروس, وكانت النائبة شكرية باركزاي في حالة حزن واضح، فقد جاءت إلى المحطة التلفزيونية لتعزية زملاء الصحافية الألمانية أنجا نيدرجوس التي لقيت حتفها في خوست شرق أفغانستان، وكانت تعمل لصالح «أسوشييتد برس».
وأصيبت أيضا المراسلة الإقليمية للوكالة الأميركية كاثي جانون في حادث لإطلاق النار، ارتكبه مسلح يرتدي زيا للشرطة بشرق أفغانستان, عشية الانتخابات الرئاسية, وقالت باركزاي لـ«الشرق الأوسط» إنها كانت تعرف الصحافية الألمانية التي غطت الشؤون الأفغانية من العاصمة لأكثر من 15 عاما عن قرب».
وباركزاي تعد أشهر نائبة تحت قبة البرلمان الأفغاني، على الرغم من وجود 68 عضوة أخرى, بسبب صوتها الذي يجلجل في الدفاع عن حقوق المرأة وتصديها لسطوة المجاهدين وعناصر طالبان في الجلسات البرلمانية.
وكانت «الشرق الأوسط» التقت باركزاي في انتخابات 2009 في أحد أجنحة البرلمان بعد لقاء خاص مع الشيخ يونس قانوني رئيس البرلمان السابق، الذي يشغل حاليا منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية، كانت وقتها تقول لـ«الشرق الأوسط» إذا عادت طالبان إلى الحكم، فإنها ستغادر أفغانستان مع أطفالها بتذكرة ذهاب دون عودة، لأن هؤلاء يريدون من النساء العودة إلى الصفوف الخلفية. ولكن هذه المرة كانت أكثر تحديا وتصميما وهي تقسم: «حتى لو عادت طالبان إلى الحكم فلن نغادر بلادنا، العمر واحد والرب واحد، وسيأتي الأجل عندما يأمر الله عز وجل». وكانت تنحدر الدموع من مقلتيها وهي تتحدث عن هؤلاء الذين خاصموا الحياة، يقتلون الأخضر واليابس في نفوس الشعب الأفغاني. وتحدثت عن مقتل الصحافي الأفغاني سردار أحمد مدير وكالة الصحافة الفرنسية في العاصمة كابل وزوجته وطفليه نهاية الشهر الماضي, وكذلك استهداف الصحافيين الأجانب عن عمد وترصد، مثل الصحافية الألمانية أنجا التي قتلت في خوست، لمجرد أنها ذهبت لأداء الواجب المهني لتغطية الانتخابات هناك.
وقالت باركزاي إنها نجحت من قبل في الوصول إلى قبة البرلمان في الدورة السابقة في مواجهة عتاة منافسين، بفضل أصوات أبناء دائرتها من الطلبة الجامعيين والسيدات وأصحاب الفكر الليبرالي، الذين يتخوفون مثلها على مستقبل أفغانستان من عودة طالبان إلى الحكم وسطوة الجهاديين الذين «يريدون عودة عقارب الساعة إلى الوراء».
وأشارت إلى أن طالبان ليسوا وحدهم الذين يهددونها، بل أيضا مافيا الفساد من رجال الأعمال الفاسدين الذين فضحتهم تحت قبة البرلمان من قبل، وكذلك قادة الجهاد الأفغاني أعضاء البرلمان الذين يريدون عودة المرأة مرة أخرى إلى كواليس المطبخ. وأوضحت: «هم يكرهونني، وأنا أعرف ذلك مقدما، ولكني لا ألتفت كثيرا إلى انتقاداتهم».
وسألتها «الشرق الأوسط» كيف جاءت إلى مقر «أسوشييتد برس»، فقالت إنها رفضت الحراسة الخاصة الممنوحة لأعضاء البرلمان، وتتنقل مع سائقها الخاص من منزلها إلى مقر البرلمان الأفغاني في منطقة كارتيه سي بغرب العاصمة كابل دون حراسة، وكذلك تذهب إلى الأسواق لشراء حاجيات منزلها لأطفالها الخمسة, وأكبرهم فاطمة في الـ18 من العمر، وهي على الدرب ستدرس العلوم السياسية، وكذلك هي لم تغير من نمط حياتها بعد تلقيها تحذيرا بخطاب رسمي من الداخلية الأفغانية، تقول إنها هدف للانتحاريين. وأعربت عن اعتقادها أن من يهدد حياتها قد يكون تجار المخدرات أو طالبان.
جاء الحوار مع النائبة البرلمانية باركزاي عشية التصويت على الانتخابات الرئاسية على النحو التالي:
* لمن ستعطين صوتك في الانتخابات الرئاسية.. وما الفرق بينها وانتخابات عامي 2004 و2009؟
- على الأرجح سأصوت للدكتور أشرف غني، فهو شخصية معروفة دوليا، وخدم من قبل في المنظمات الدولية. وكان عميدا لجامعة كابل ووزيرا للمالية ومستشارا لكرزاي, وهو رجل صلب يستطيع الدفاع عن الشأن الأفغاني في مواجهة سطوة المجاهدين، ويجعله هما يوميا من أجل إنقاذ البلاد بعودة الأمن والاستقرار إليها. وهو يستطيع التصدي لأمراء الحرب والمجاهدين، وكذلك يستطيع أن يجمع الشعب كله على كلمة سواء, وأيضا أشرف غني يعرف الحدي ثمن مستقبل البلاد التي تحارب منذ أكثر من 30 عاما، وكيفية تحقيق الأمن والاستقرار بعد رحيل القوات الأجنبية نهاية العام الحالي.
وهو رجل عندما تستمع إليه قادر على إقناع الطرف الآخر, وقد شاهدنا منذ أيام نائبه على قائمته الانتخابية أمير الحرب الأوزبكي عبد الرشيد دوستم يعتذر للشعب الأفغاني عن تجاوزاته السابقة، وهي خطوة إيجابية تحسب لأشرف غني الذي أقنعه بذلك.
أما الفرق هو أنه في انتخابات عامي 2004 و2009. كنا نعرف الفائز بسدة الرئاسة مقدما، بسبب توقع عمليات التزوير، أما انتخابات 2014، فالمنافسة قوية كانت بين 11 مرشحا، ثم ثمانية بعد انسحاب ثلاثة، وهناك تفاؤل عام بين المرشدين الرئيسين في عدم حدوث تجاوزات. والمنافسة الآن بين ثلاثة مرشحين هم زلماي رسول وأشرف غني وعبد الله عبد الله، بالإضافة إلى وجود خمسة مرشحين في الصفوف الخفية، وقد يكون هناك إعادة، ما لم يتحقق النصاب.
* هل اعتاد الأفغان على نمط العنف الذي يضرب بإرجاء الحياة من ضربات طالبان هنا وهناك في العاصمة، وفي مختلف الولايات الأفغانية الأخرى التي لم تسلم من تلك الهجمات؟
- الناس في حالة ضيق وقرف مما يحدث من قتل للأبرياء والصحافيين الأجانب، وحتى الأطفال لم يسلموا من تلك الهجمات، إحدى تلك الهجمات أبادت عائلة الصحافي الأفغاني سردار أحمد في كابل، عن بكرة أبيها، الزوج والزوجة وطفليه, ماذا ارتكب من ذنب؟ لقد ذهب إلى فندق سرينا للاحتفال بعيد النيروز مثل الجميع, ويمكن أن ترى شوارع العاصمة التي خلت من المارة عشية الانتخابات. وأنا أقول للأفغان لا تخافوا منهم، و«لكل أجل كتاب» و«يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة». والأفغان لا يعانون من طالبان فقط، ولكنهم يعانون من الفساد الذي يضرب أرجاء الحياة اليومية. ولهذا نحن في حاجة إلى رئيس جديد قادر على إحلال الأمن والسلام الأمن والسلام في بلادنا، وفي الوقت ذاته يستطيع أن يمد يد العون للفقراء والمهمشين يستطيع التصدي لطالبان الذي عاثوا في الأرض فسادا.
* كيف ترين مستقبل أفغانستان بعد انسحاب القوات الأجنبية نهاية العام الحالي؟
- سيغادرون بلادنا نهاية العام، وليس أمامنا سوى الاعتماد على قواتنا من الجيش والشرطة، والوضع الأمني في مجمله ليس بهذا السوء ويمكن ملاحظة عدد مراكز الاقتراع في الانتخابات، وقدرة قوات الأمن في 34 ولاية على تأمينها ضد هجمات طالبان الذين يسعون لضجة إعلامية تقول إنهم عرقلوا الانتخابات، بفرض كلمتهم على الشعب الذي خرج لاختيار رئيس جديد في تجربة ديمقراطية تمرّ بها البلاد. ولكن لن يحدث ذلك، وهم فشلوا في تعطيل الانتخابات. وسنعتمد على قواتنا الوطنية ليس في تأمين الانتخابات فقط، ولكن في الحياة اليومية أيضا، ونأخذ في الاعتبار أننا يجب أن نطهر قوات الأمن من الأشرار والمرتشين، ولكنني أعتقد أن قوات طالبان لن تعود كقوة حاكمة مرة أخرى، الزمن لن يعود إلى الوراء، يكفي أنهم حكموا أفغانستان من عام 1996 حتى عام 2001، وأنا واثقة من ذلك. وحتى بعد انسحاب القوات الأجنبية، فإننا نأمل في تقديم العون والخبرة للقوات الأفغانية، حتى تستطيع أن تأخذ بزمام الأمور كليا.
* أنت ناشطة حقوقية ونائبة برلمانية تتصدين بالقول لطالبان ومشايخ الجهاد الأفغاني جهارا.. ألا تخافين منهم؟
- كنت في أفغانستان عندما تولى طالبان الحكم وفرضوا سيطرتهم على كابل، رأيت معاناة الشعب الأفغاني فقد حرموا تعليم البنات ومنعوا الإذاعة والتلفاز، وكنا قبلها نعيش أتون الحرب الأهلية بين المجاهدين. كان خمسة من قادة الجهاد يتبادلون القصف بقذائف المدفعية للسيطرة على العاصمة كابل. ولذا رحب الأفغان بمجيء «الطلبة» أو طالبان، لإنهاء الحرب العرقية بين المجاهدين التي تركت جروحا لا تندمل. ولكن اليوم الأفغان يتمتعون بالديمقراطية وحرية الصحافة والإعلام والقنوات التلفزيونية الملوّنة التي حرمها طالبان، ومدارس تعليم البنات في كل مكان، والعيادات الصحية والمستشفيات الحكومية تقدم الرعاية الطبية؟ كل ذلك يحرم طالبان من فرصة التفكير في العودة إلى سدة الحكم مرة أرى، هم الآن خارج الزمن، ويريدون إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
أنا في العادة أرفع صوتي بالاحتجاج عند عرض مسودة مشاريع القوانين تحت قبة البرلمان، وإن لم يعجبني شيء يتعلق ببنات جنسي أصرخ ولا أتوقف، حتى لو صرخوا وطالبوني بالصمت. ويجب أن أعترف أن جزءا من التقاليد الأفغانية أن لا ترفع المرأة صوتها في حضرة الرجال، فهذا الأمر لا يعجب قدامى المجاهدين، ولأننا اليوم في عالم متغير، وتحت قبة برلمان واحد، وهناك مشكلات عاتية في الشارع الأفغاني منها تدهور الأمن، واستفحال زراعات المخدرات والعنف المنزلي الموجه ضد النساء، فلا بد أن يقف أحد ما ويضع النقاط على الحروف، ويقول بصوت عالٍ لرئيس البرلمان أو السادة النواب هذا خط أحمر.. أعطونا فرصة لنعبر عن الضرر الذي ستلحقونه بنساء أفغانستان. وخلال البرلمانات السابقة لم ترَ أمي أو جدتي من قبل في اعتراض النائبات بالاحتجاج أو تقديم الاستجواب ضد ما يحدث لبنات جنسهن من تهميش أو عنف أحيانا.
والنائبات الأفغانيات وعددهن 68 نائبة ضمن 249 من نواب البرلمان الأفغاني كسرن التقاليد أو «الممنوعات»، الذي كان مفروضا عليهن منذ سنوات «الجهاد»، أي قبل وصول طالبان إلى الحكم عام 1996، وبات صوت النساء اليوم عاليا تحت قبة البرلمان، وبالتالي فإن المجاهدين الذين يسيطرون على نحو 90 في المائة من مقاعد البرلمان يريدون إسكات أصواتنا إلى الأبد، لأنهم يعتقدون أن مكان المرأة الحقيقي هو في المنزل أو في المطبخ.
ولكن أتوقف مع نفسي أحيانا كثيرة، وأقول إننا مع عودة طالبان من خلال المشاركة السياسية في البرلمان أو الحكومة، أي بعيدا عن العنف، أي بعد أن يلقوا السلاح، ويتخلصوا من أوهام الانقلاب على الحكومة، والسيطرة عليها، وفرض قوانينهم من جديد التي جعلت النساء مواطنين من الدرجة الثانية.
* كيف وصلت اليوم من منزلك إلى مقر الوكالة.. وهل تلقيت تهديدات من طالبان من قبل؟
- جئت مع سائقي الخاص، واذهب معه إلى الأسواق لشراء حاجيات أطفالي الخمسة، وكذلك أغراض المنزل، ويذهب معي إلى جلسات البرلمان في منطقة كارتيه سي بغرب العاصمة كابل دون حراسة. وحتى وأنا في الطريق إلى هنا أوقفت الشرطة السيارة لتفتيشها، أما التهديدات فلا تتوقف، وربما تكون طالبان أو مافيا المخدرات. وعن فحوى التهديدات التي تلقيتها من قبل، وبداية تهديدي بالقتل، فقد جاءت بعد تقدمي بأكثر من استجواب عن سبب استفحال زراعة الخشخاش في أراضي أفغانستان، وضعف الحكومة على الأرض في مواجهة فلول عناصر طالبان. وتُعدّ المخدرات التي تعانيها أفغانستان في وادي نهر هلمند بإقليم هلمند في جنوب البلاد أزمة حقيقة للبلاد.
* هل هناك دور للمرأة في برامج انتخابات 2014؟
- التجمعات الانتخابية لسيدات الأفغان تزايدت من خمسة آلاف إلى عشرات الآلاف في جميع الولايات الأفغانية بحثا عن حقوق المرأة وتحسين ظروفها المعيشية، خاصة أن جرائم العنف ضد المرأة بأفغانستان سجلت مستويات قياسية وازدادت وحشية في عام 2013. حتى هؤلاء المرشحون الرئاسيون الذين لا يتحدثون كثيرا عن المرأة أعطوا وعودا بتحسين ظروف المرأة المعيشية. نريد أن نتقدم إلى الأمام من أجل حل مشكلات أفغانستان، وهناك كثير من نخب المجاهدين لا يقبلون أن تناقشهم المرأة بالحجة من أجل مصالح ملايين النسوة الذين حرموا سنوات طويلة من حقوقهن. والمجاهدون السابقون لا يريدون للمرأة أن يكون لها صوت في المعارضة والاستجواب، ويستكثرون عليها ذلك، وقيادات الجهاد الأفغاني لم يتعودوا المعارضة من النساء في الحياة العامة.. ولكن الزمن قد تغير، ولا بد من إيصال صوت النساء اللاتي عانين التهميش في عهد طالبان إلى مسؤولي الحكومة، ولذا فهم يكرهونني، ويسعون لإسقاطي، وقد فشلوا من قبل.
هناك الكثير من القضايا الملحة، مثل الأمن المتدهور في الشارع الأفغاني، والسؤال الملحّ الذي لا يتوقف أين تذهب المساعدات الأجنبية على أرض الواقع، فالشوارع كما هي منذ سقوط طالبان قبل 13 عاما، ومشكلات الاقتصاد والبطالة تتفاقم، وحالات الناس المادية تتدهور من سيئ إلى أسوأ. نحن نريد أن نرى الإنجازات على أرض الواقع في مجالات الأمن والصحة والتعليم والطرق وغيرها.