طهران تخسر جولات في العراق... ولم تخسر الحرب بعد

أثر دومينو «7 أكتوبر» لم يطل بغداد مثل دمشق وبيروت

جواد حسن نصر الله في ذكرى اغتيال والده الأمين العام السابق لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله في بغداد في 3 أكتوبر 2025 (رويترز)
جواد حسن نصر الله في ذكرى اغتيال والده الأمين العام السابق لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله في بغداد في 3 أكتوبر 2025 (رويترز)
TT

طهران تخسر جولات في العراق... ولم تخسر الحرب بعد

جواد حسن نصر الله في ذكرى اغتيال والده الأمين العام السابق لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله في بغداد في 3 أكتوبر 2025 (رويترز)
جواد حسن نصر الله في ذكرى اغتيال والده الأمين العام السابق لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله في بغداد في 3 أكتوبر 2025 (رويترز)

قبل عامين كانت الفصائل العراقية متحمسة لتسجيل حضورها في مشاهد «طوفان الأقصى». الحماسة هدأت في الأشهر اللاحقة لأكتوبر (تشرين الأول) 2023، مع ما قيل إنها مفاوضات شديدة التعقيد بين الحكومة وتلك الجماعات، لتحييد العراق عن الحرب.

لم يظهر دليل واحد على أن إيران خسرت العراق بأكمله كما هو الحال في سوريا، لكنها بدأت تخسر جولة تلو الأخرى أمام الأميركيين في حلبة بغداد، كما أن وكلاءها بدأوا يعتادون على الحياة بسلام مع «أخطر رجلين في العالم هذه الأيام، دونالد ترمب، وبنيامين نتنياهو»، كما يصفهما وزير عراقي سابق.

يستدل سياسيون في بغداد على «جولات الملاكمة» التي ربحها الأميركيون على الإيرانيين بثلاث وقائع: تحرير الإسرائيلية إليزابيث تسوركوف من «كتائب حزب الله» من دون صفقة، وسحب قانون «الحشد الشعبي» بينما كان جاهزاً للتصويت عليه في البرلمان، وقبل ذلك هدنة طويلة مع القوات الأميركية حتى خلال الهجمات الإسرائيلية الأميركية على إيران التي دامت 12 يوماً.

بعد عامين من «وحدة الساحات»، وفي أعقاب عملية 7 أكتوبر التي نفذتها حركة «حماس»، لم تظهر الفصائل العراقية في اللقطة الختامية لـ«الطوفان»، حتى بين الصفوف الخلفية. بالنسبة لكثيرين، هذا خبر جيد حتى الآن.

فصائل عراقية تشيع رمزياً حسن نصر الله في ذكرى مقتله في ساحة التحرير وسط بغداد (إعلام الفصائل)

البحث عن الخطة «ب»

كان سياسي شيعي زار طهران أخيراً وعاد إلى بغداد بتصورات ملتبسة قبل انطلاق الحملات الحزبية المؤهّلة لانتخابات البرلمان في نوفمبر (تشرين الثاني) 2025.

يقول هذا السياسي، الذي بدأ منذ 3 أكتوبر 2025 حملته الرسمية لحصد مقعد في البرلمان المقبل، إن «طهران تبحث عن (الخطة ب) حتى لا تسقط بالضربة القاضية»، ومن وجهة نظره فإنها «قد تفاجئ كثيرين بما لديها، وقد تعوّض سوريا من مكان آخر».

من العادات التي يواظب عليها سياسيون شيعة في بغداد أن «يقرأوا كتاب الانتخابات بلغة يفهمها الإيرانيون»، على حد تعبير السياسي.

كيف يمكن أن يكون هذا التنبؤ صحيحاً؟ يفتقر مقياس النفوذ الإيراني في العراق إلى أداة فحص حاسمة. ثمة انقسام حول درجة النفوذ، وما إذا كان تضاءل إلى حد يسمح بالقول إن قطعة الدومينو التي سقطت في سوريا سقط معها، بالتوالي، وكلاء وحلفاء في العراق!

الحال، دائماً، أن الرأي العام العراقي، وأدواته الحزبية التي تخوض في هذا المقياس، يخضع لسرديات مصنوعة أو مبتكرة، وأحياناً حمّالة أوجه ورسائل.

عناصر من «الحشد الشعبي» خلال دورية استطلاع في موقع شمال بغداد (إعلام الهيئة)

فصائل تسأل... وإيران لا تجيب

ضغطت أنباء عن حرب محتملة ضد إيران على الفصائل في بغداد. وبحسب مصادر، فإن قادة في تلك الجماعات عقدوا اجتماعاً أواخر سبتمبر (أيلول) 2025، وقرروا إرسال طلب استشارة من «الحرس الثوري» بشأن ما سيكون الوضع عليه لو اندلعت الحرب فعلاً. قال قيادي شيعي في فصيل انضم أخيراً إلى «قائمة أميركية للمنظمات الإرهابية»، إن طهران لم ترد حتى الآن.

بالتزامن، كانت مجموعة من «الحرس الثوري» معنيّة بهندسة التحالفات الانتخابية للقوى الشيعية في العراق تعقد اجتماعات مختلفة مع فاعلين في تحالف «الإطار التنسيقي». تقول مصادر متقاطعة إنه «بالإمكان اعتبار هذه المجموعة لجنة انتخابات إيرانية تشرف على توزيع القوى الشيعية بين القوائم المتنافسة، وقد هندست من قبل تحالفات وازنة في برلمانات سابقة».

لقد فشلت هذه اللجنة «الخبيرة» في إقناع قادة أحزاب شيعية بتنفيذ خريطة معينة لدمج قوائم، أو إعادة توزيع مرشّحين، لضمان هندسة نتائج معيّنة في دوائر انتخابية وسط البلاد، وجنوبها.

من بين الفاعلين الشيعة الذين يُزعم أنهم خالفوا تعليمات إيرانية بشأن الانتخابات أعضاء في فصائل مقاومة انخرطت لفترة مع «طوفان الأقصى»، ثم تراجعت إلى «حديقة خلفية»، بحثاً عن مصادر نفوذ متنوّعة.

لافتات انتخابية بدا في إحداها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي في أحد شوارع بغداد المؤدية إلى ساحة الفردوس (أ ف ب)

مساحات شبه خالية

في المدن المحرّرة من «داعش» تنشط أحزاب سنّية في حملة انتخابية شبه مستقرة. ثمة شعور بأن ارتخاء القبضة الإيرانية ساعدهم على الحركة بحرّية، لكنهم يترددون في التعبير عن ذلك، ثمة محاولات لضبط النفس، وعدم استفزاز «محور المقاومة».

يُعتقد على نطاق واسع أن رئيس البرلمان السابق محمد الحلبوسي، الذي أقصاه عام 2023 تحالف موالٍ لإيران من المشهد، يعود الآن بقوة. يرجع مقرّبون منه ذلك إلى ما يوصف بـ«مهارات شخصية، وحسابات دقيقة»، لكن الأمر لا يخلو من استغلال مساحات شبه خالية من النفوذ الإيراني، سواء تُركت عمداً، أو بسبب الضغط الأميركي.

في المقابل، لا يزال زعماء سنة ينافسون الحلبوسي بحاجة إلى تحالفات مع فاعلين شيعة تضمن لهم أحصنة للمراهنة. ثمة فاعلون في نينوى وصلاح الدين وكركوك يهندسون مرشّحيهم مع قوائم تابعة لفصائل موالية للمرشد الإيراني علي خامنئي.

لذا قد تبدو المساحات الخالية كلياً من إيران مجرد سراب. ينقل السياسي الشيعي أن فصائل متنفذة تلقت أخيراً طلبات من طهران بمساعدة جماعات موالية في بلدان «مقاومة» في نقل أنشطتها إلى بغداد، وحدث ذلك بالفعل.

وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر مختلفة أن علي لاريجاني، الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني «يشرف على ترتيبات تتعلق بمساعدة الوكلاء المتضررين من الحرب». كان الرجل أخيراً في بيروت وغادرها قائلاً: «(حزب الله) يستعيد قوته سريعاً، وسيقلب الموازين».

«مصير بن لادن ليس حتمياً»

انضمّت أخيراً 4 فصائل إلى قوائم وزارة الخارجية الأميركية للمنظمات الإرهابية، وهي «النجباء» و«كتائب الإمام علي»، و«أنصار الله الأوفياء»، و«كتائب سيد الشهداء»، لترتفع حصة العراق إلى 6 فصائل في هذه القائمة التي كانت تضم قبل سنوات أسامة بن لادن، زعيم تنظيم «القاعدة».

كانت «حركة عصائب أهل الحق» التحقت بالقائمة، عام 2020، و«كتائب حزب الله» منذ عام 2009، وكل منهما تحتفظ بمقاعد ووزراء في البرلمان والحكومة.

«ليس بالضرورة أن يكون مصيرك سيئاً مثل بن لادن حتى لو دخلت هذه القائمة»، يقول وزير عراقي سابق، عمل في حكومة عادل عبد المهدي (2018-2019)، إن «الجماعات الموالية لإيران تتكيّف الآن مع أخطر رجلين في العالم، دونالد ترمب، وبنيامين نتنياهو».

لقد سُمعت في بغداد أصوات داخل الأحزاب الشيعية تتساءل إن كان الرئيس الأميركي يؤخّر ضربات إسرائيلية في العراق، ويكسب في المقابل من الضغط الأميركي على الحكومة وصنّاع القرار، لقطع حبال الوصل مع الإيرانيين.

رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني وقادة في «الإطار التنسيقي» (إعلام حكومي)

هل يحمينا ترمب من نتنياهو؟

يقول الوزير السابق، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إن واشنطن ربحت معارك في طهران، لأن العراقيين استجابوا للضغط في لحظة ارتباك إيرانية. كما أن فصائل شيعية ظلّت تسأل طوال الأشهر الماضية: «هل يحمينا ترمب بالفعل من نتنياهو؟». يبدو الأمر كذلك.

يرصد الوزير هذه الأيام ملامح «الخطة ب» التي تعمل عليها إيران. يقول: «هناك لاعبون جدد من أحزاب شيعية لم تتورّط في تداعيات (طوفان الأقصى) يحاولون اليوم تحديث نسختهم الراديكالية، ولبس رداء مدني يساعدهم على إنقاذ أنفسهم من دائرة الخطر».

إلى حد ما، يشبه الأمر رجلاً في مرمى قنّاص محترف، وعلى صدره نقطة ليزر. يعجز عن الحركة يميناً ويساراً، لأن أقل حركة ستُرديه في الحال. لا يشعر القنّاص بالملل من تسليط الليزر ما دامت الضحية متجمّدة.

وماذا لو غيّر الهدف وجهه واسمه وسلوكه؟ يقول الوزير السابق إن «قادة فصائل مسلّحة تستهويهم الآن فكرة إعادة السلاح إلى المخازن، وحلق اللحى، فيكونون مفيدين جداً لواشنطن وطهران».

إن قائد فصيل مسلّح «يفكر بهذه الطريقة المتقدّمة سيكون مفيداً لإيران حين تهدأ العاصفة»، يقول السياسي الشيعي الذي يعتقد أن 4 سنوات مع ترمب طويلة، وهي أطول بكثير مع نتنياهو، وتتطلّب التغيير.

بدأت ليالي الخريف في بغداد في عز صيف انتخابي لاهب. حتى مع تدفّق الأخبار عن احتمالات تجدّد الحرب بين إيران وإسرائيل، بات قادة فصائل افترشوا قبل عامين خرائط تل أبيب لقصفها يفتحون اليوم مكاتبهم لنخب ليبرالية وعلمانية للخوض في نقاشات طويلة عن انتخابات تبدأ إثارتها من الآن.


مقالات ذات صلة

«لنُخرج صوراً مرعبة»... إسرائيل تنشر رسالة منسوبة للسنوار عن تحضيرات 7 أكتوبر

شؤون إقليمية صورة مجمعة لرسالة منسوبة لقائد «حماس» الراحل يحيى السنوار نشرها مركز تراث الاستخبارات الإسرائيلي

«لنُخرج صوراً مرعبة»... إسرائيل تنشر رسالة منسوبة للسنوار عن تحضيرات 7 أكتوبر

نشر مركز تراث الاستخبارات ومكافحة الإرهاب في تل أبيب، الاثنين، رسالة ادعى أنها كُتبت بخط قائد «حماس» الراحل، يحيى السنوار.

نظير مجلي (تل أبيب)
خاص لافتة على طريق «مطار بيروت الدولي» تروج للسياحة في لبنان (أ.ب)

خاص لبنان بعد 7 أكتوبر... موازين قوى جديدة لترميم العلاقة مع العالم

يكاد يُجمع الدبلوماسيون الدوليون في لبنان على أن تغييراً كبيراً حصل فيه منذ 7 أكتوبر 2023.

نذير رضا (بيروت)
خاص لوحة دعائية مستوحاة من الأساطير الفارسية تُصوّر رجلاً يصارع تنيناً بألوان العَلم الأميركي وقد كُتب عليها «أنشد اسم إيران التي تقتل الأعداء» وذلك في ساحة انقلاب (الثورة) وسط طهران (إ.ب.أ) play-circle 03:39

خاص هجوم 7 أكتوبر: الشرارة التي هزَّت معادلات الردع الإيرانية

مثّل هجوم السابع من أكتوبر نقطة تحول فارقة في مشهد الأمن الإقليمي فلم تقتصر تداعياته على الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي بل امتدت لتطال جوهر معادلات الردع الإيراني.

عادل السالمي (لندن)
خاص عناصر من سلاح الجو الأردني يسقطون رزم المساعدات من طائرة نقل فوق غزة (رويترز)

خاص بين الإغاثة والدبلوماسية... الأردن يطوي عامين من القفز فوق الجمر

منذ بداية الحرب، سعى الأردن لتقديم جهود الإغاثة الإنسانية العاجلة والضرورية للمدنيين في غزة، وصعَّد لهجته الدبلوماسية، محذراً من المساس بالوضع في الضفة والقدس.

محمد الرواشدة (عمَّان)
خاص شخص يحمل العلمين المصري والفلسطيني على شاحنة تحمل مساعدات إنسانية بالقرب من معبر رفح (رويترز)

خاص مصر و«حرب غزة»… موازنة تعقيدات الداخل والخارج

بينما تعيش غزة على وقع القصف، واصلت القاهرة تحركاتها السياسية والدبلوماسية لمنع ما تعتبره «خطراً وجودياً»، وهو تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وتصفية القضية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.


تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».


جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
TT

جناح «المؤتمر» في صنعاء يرضخ جزئياً لضغوط الحوثيين

الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)
الراعي يقلد رئيس مجلس حكم الحوثيين رتبة مشير (إعلام محلي)

في خطوة تعكس اشتداد القبضة الحوثية على الحليف الشكلي لها داخل صنعاء، بدأت الجماعة خلال الأيام الماضية الترويج لقيادي في جناح حزب «المؤتمر الشعبي العام» لترؤس حكومتها المقبلة، في وقت أبدت فيه قيادة ذلك الجناح رضوخاً جزئياً لشروط الحوثيين، وعلى رأسها إقالة أمينه العام غازي الأحول من منصبه، بعد اعتقاله واتهامه بالتواصل مع قيادة الحزب المقيمة خارج اليمن.

وكانت أجهزة الأمن الحوثية قد اعترضت في 20 من أغسطس (آب) الماضي سيارة الأمين العام لفرع «المؤتمر» في مناطق سيطرتها، واقتادته إلى المعتقل ومرافقيه مع عدد من القيادات الوسطية، متهمةً إياهم بالتواصل المباشر مع قيادة الحزب في الخارج والتخطيط لإثارة الفوضى داخل تلك المناطق.

وبعد أيام من الاحتجاز، اشترط الحوثيون لعقد أي تسوية عزل الأحول وتعيين القيادي الموالي لهم حسين حازب بديلاً عنه، وهو اسم يلقى معارضة واسعة داخل قواعد الحزب، ويتهمه الكثيرون بالتنكر لمبادئ الحزب ومؤسسه الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، خصوصاً بعد مقتله برصاص الحوثيين نهاية عام 2017.

الحوثيون اشترطوا عزل الأحول من موقعه بصفته أميناً عاماً لجناح حزب «المؤتمر» (إعلام محلي)

وقد سمح الحوثيون لأسرة الأحول بزيارته لأول مرة قبل أيام، غير أنهم تجاهلوا تماماً مطالب الجناح المحسوب على «المؤتمر» بالإفراج عنه أو وقف ملاحقة قياداته. ويشارك هذا الجناح فيما يسمى «المجلس السياسي الأعلى» بثلاثة ممثلين، إلا أن دوره ظل شكلياً، بينما تحرص الجماعة على اختيار رؤساء الحكومات المتعاقبين من شخصيات تنتمي إلى هذا الجناح لكنها تدين لها بولاء كامل.

ومع استمرار ضغوط الحوثيين، أصدر رئيس فرع «المؤتمر» في صنعاء صادق أبو رأس قراراً بتكليف يحيى الراعي أميناً عاماً للحزب إلى جانب موقعه نائب رئيس الحزب، في خطوة عُدت استجابة جزئية لمطالب الجماعة. إلا أن الحوثيين ردوا على هذه الخطوة بفرض حصار محكم على منزل أبو رأس في صنعاء، ما زال مستمراً منذ خمسة أيام، وفق مصادر محلية تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

وتشير مصادر سياسية في صنعاء إلى أن الجناح «المؤتمري» رضخ لهذه الخطوة أملاً في إطلاق سراح الأحول ومرافقيه، إلا أن الجماعة لم تُظهر أي تجاوب، بل صعّدت من قيودها على قيادة الحزب بهدف استكمال السيطرة على هذا الجناح الذي قدّم تنازلات كبيرة ومتتالية منذ مقتل صالح.

تصعيد وضغوط متواصلة

اللجنة العامة، وهي بمثابة المكتب السياسي للحزب في جناحه الخاضع للحوثيين، عقدت اجتماعاً برئاسة الراعي، خُصص لمناقشة الأوضاع الداخلية وتطورات المشهد السياسي. وخلاله جدد الراعي التزام الجناح بوحدة الجبهة الداخلية وتماسكها مع الحوثيين لمواجهة «المؤامرات التي تستهدف استقرار البلاد»، حسب ما أورده الموقع الرسمي للحزب.

وأيدت اللجنة العامة بالإجماع قرار تعيين الراعي أميناً عاماً، مؤكدة تمسكها بوحدة الحزب وضرورة الالتفاف خلف قيادته التنظيمية والسياسية. غير أن اللافت كان غياب رئيس الحزب أبو رأس عن الاجتماع، في ظل استمرار فرض طوق أمني حول منزله، ما يعكس حجم الضغط الذي تمارسه الجماعة لإجبار الجناح على قبول بقية شروطها.

وتشير المصادر إلى أن قيادة «المؤتمر» لا تزال تراهن على إقناع الحوثيين بالاكتفاء بإقالة الأحول، وعدم فرض تغيير كامل في تركيبة القيادة، رغم أن الجماعة لم تُبد أي مرونة حتى الآن، وتواصل استغلال الانقسام الداخلي للحزب لإعادة تشكيله وفق متطلبات مشروعها السياسي.

إعادة إبراز لبوزة

تزامنت هذه التطورات مع تحركات حوثية متسارعة لتسمية رئيس جديد لحكومتهم غير المعترف بها، بعد مقتل رئيس الحكومة السابق أحمد الرهوي وتسعة من وزرائه في غارة إسرائيلية استهدفت اجتماعاً لهم قبل أسابيع.

ولاحظ مراقبون قيام الجماعة بإعادة إظهار القيادي المؤتمري قاسم لبوزة، الذي يشغل موقع «نائب رئيس المجلس السياسي» بصفة رمزية، بعد تغييب إعلامي دام عاماً ونصف العام.

وخلال الأيام الماضية، كثّف لبوزة من زياراته للوزراء الناجين من الغارة، بينما نشطت حسابات حوثية في الإشادة بـ«قدراته ومواقفه»، في خطوة يرى فيها البعض تمهيداً لتسميته رئيساً للحكومة الجديدة.

الحوثيون أعادوا إظهار لبوزة وتغطية تحركاته بعد عام ونصف العام من التجاهل (إعلام محلي)

وتقول مصادر سياسية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» إن عودة ظهور لبوزة ليست مصادفة، بل هي مؤشر واضح على اختياره من قبل قيادة الجماعة لتولي رئاسة الحكومة، خصوصاً أنه كان أحد أبرز المرشحين للمنصب ذاته قبل تشكيل الحكومة السابقة.

كما أن الجماعة تحرص على استقطاب قيادات جنوبية ضمن جناح «المؤتمر» لتغطية طبيعة الحكومة المقبلة والظهور بمظهر التنوع المناطقي، رغم أن السلطة الفعلية تبقى في يد الجماعة حصراً.

ويرى المراقبون أن إعادة تدوير القيادات الموالية للجماعة داخل «المؤتمر»، ومنحها واجهات سياسية جديدة، يعكس أن الحوثيين ماضون في إحكام السيطرة على ما تبقى من الحزب، وتحويله إلى واجهة شكلية تبرر خياراتهم السياسية والعسكرية، خصوصاً مع ازدياد عزلة سلطة الجماعة داخلياً وخارجياً.