تسبب اندلاع حريق ضخم في سنترال رمسيس وسط القاهرة في إرباك واسع لحياة ملايين المصريين، مع تأثر الاتصالات الهاتفية وخدمات الانترنت، بل حركة الطيران، بعد تلف كابلات رئيسية تغذي الخدمة، وهو ما برزت معه الأهمية القصوى لهذا المقر الحيوي لخدمات الاتصالات بمصر، ليس في العاصمة فقط، بل في المحافظات الأخرى، وكذلك كافة شركات الاتصالات، بخلاف الشركة المصرية للاتصالات، وهي الشركة الحكومية المالكة للسنترال.

ويقع سنترال رمسيس، الذي يعدّ أحد أقدم وأهم سنترالات مصر، حيث افتُتِح في 25 مايو (أيار) 1927 على يد الملك فؤاد الأول، في شارع رمسيس بالقرب من وسط مدينة القاهرة، ويُعد مركز الاتصالات الرئيسي لشركة تيليكوم مصر، حيث يمر من خلاله كل من حركة الاتصالات المحلية، كما يعمل كنقطة الدخول الأساسية لدوائر الألياف البصرية البحرية الدولية (المسؤولة عن تقديم خدمات الإنترنت الرئيسية) ويمثل القلب المعلوماتي للشبكات الأرضية، حيث تربطه خطوط بين القاهرة والمحافظات، ويتعامل مع ما يزيد عن 40 في المائة من حركة الاتصالات المحلية والدولية.
ومنذ أمس شكا مصريون من توقف تطبيقات البنوك وتطبيق تحويل الأموال التابع للبنك المركزي «إنستا باي»، كما توقفت خدمات هواتف الطوارئ الحكومية ما اضطر العديد من المحافظات تخصيص أرقام محمول بديلة لخدمات الطوارئ والإسعاف لحين عودة الخدمات الأرضية.
وأعلنت وزارة الطيران المدني عن «تأخيرات محدودة» في مواعيد إقلاع بعض الرحلات، نتيجة عطل شبكات الاتصالات والإنترنت، قبل أن تعلن انتظام الخدمة لاحقاً.

ومع حالة الارتباك الواضحة التي سادت القاهرة ومحافظات عدة ساعات، تساءل مصريون عن وجود خطة يتم من خلالها تشغيل أجهزة بديلة في حالة وجود كارثة، سواء أكانت طبيعية كالزلازل، أو متعمدة كالإرهاب.
وهو ما أجاب عنه مدير أكاديمية التسويق الرقمي التابعة لوزارة الاتصالات المصرية، الدكتور محمد حنفي، مؤكداً أنه «بالفعل حتى وقت قريب كان سنترال رمسيس هو المتحكم في كل الاتصالات وخدمات الإنترنت بمصر، ولو استمر الوضع كذلك لكان هذا الحريق أدى بالفعل لانقطاع تام لكل هذه الخدمات عن كل البلاد، لكن ما رأيناه أن الخدمات انقطعت في مناطق، دون مناطق أخرى، وهذا بفضل ما تقوم به الدولة منذ عدة سنوات من تجهيز بدائل في أماكن أخرى مثل سنترال الروضة القريب، والعاصمة الإدارية وغيرهما».
ونوّه في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن حالة الارتباك التي حدثت نتيجة أن سنترال رمسيس بالطبع هو الأكبر وما زالت خدمات كبيرة موجودة به لأن السويتشات الأضخم فيه، لكن تتم عملية النقل تدريجياً وقد يسرع هذا الحادث بعمليات النقل لتكون هناك بدائل مماثلة له في كفاءته وضخامته».

وانتقد مصريون استمرار وجود السنترال في مكان مزدحم بوسط القاهرة وفي مبنى قديم متهالك وموقع يصعب فيه تجنب الكارثة أو سرعة معالجة تداعياتها، وعن ذلك يقول حنفي، إن هذا بالفعل ما أدركته الحكومة، لذلك عملت خلال السنوات الماضية على تجهيز بدائل، وهذه البدائل هي التي ستتولى توفير الخدمات لحين إصلاح التلفيات في السنترال، أما مسألة الأمن الصناعي فقد تكون فيها مشكلة فعلاً، لكن في الحرائق الضخمة يصعب أن تسيطر عليها إجراءات الأمن الصناعي الذاتية وتحتاج لقدرات الحماية المدنية للدولة.
المدير الإقليمي لجمعية الحاسبات التابعة لمعهد هندسة الكهرباء والإلكترونيات بالولايات المتحدة، الدكتور إسلام ثروت، تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية سنترال رمسيس، مؤكداً أنه يضم نقطة تبادل الإنترنت في القاهرة (CAIX)، التي توفّر وصلات مباشرة للربط بين مشغلي الاتصالات كـ«فودافون» و«أورانج» و«اتصالات».
وأشار إلى أن «المبنى احتضن سابقاً نقطة تبادل الإنترنت الإقليمية في القاهرة (CRIX)، التي كانت تُصنّف كأكبر نقطة تبادل إنترنت في شمال أفريقيا أو منطقة الشرق الأوسط، كما يتضمن سنترال رمسيس وحدات استضافة بيانات لخدمات التخزين والحوسبة السحابية للمؤسسات الحكومية والخاصة، ما يؤثر على العديد من الخدمات المقدمة من البنوك والمنصات الحكومية على شبكة الإنترنت».
ووفق وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمصر، عمرو طلعت، فإنه خلال 24 ساعة ستعود كافة خدمات الاتصالات بشكل تدريجي، موضحاً في بيان الثلاثاء، أنه تم نقل كافة الخدمات إلى أكثر من سنترال ليعملوا كشبكة بديلة، ونفى أن تكون مصر معتمدة على سنترال رمسيس فقط كمركز رئيسي لخدمات الاتصالات.
فيما أقرّ وزير الشؤون النيابية والقانونية المصري محمود فوزي خلال جلسة بمجلس النواب، الثلاثاء، بـ«وجود خطأ جسيم نتج عنه هذا الحادث».
ويشدد إسلام ثروت، وهو أستاذ علوم الحاسب في جامعة زويل البحثية بمصر، على أهمية أن يقوم مسؤولو تأمين الشبكات وتكنولوجيا المعلومات باتخاذ إجراءات فنية لتقديم الخدمات من مراكز تشغيل بديلة، منوهاً بالإعلان الحكومي عن إعادة توجيه معظم الخدمات إلى سنترال الروضة بالقاهرة.
«ويُعدّ سنترال رمسيس مركزاً حيوياً للبنية التحتية الرقمية في مصر، حيث يربط بين شبكات الإنترنت والمحمول المحلية والدولية، ويحتوي على خوادم وسويتشات رئيسية تُستخدم لتوزيع خدمات الإنترنت والهاتف على ملايين المستخدمين، ويستضيف معدات الكابلات البحرية الدولية التي تربط مصر بأوروبا وآسيا، ويُستخدم كمركز نسخ احتياطي (Backup) لبعض بيانات الدولة والشركات الكبرى»، وفق خبيرة الأمن السيبراني والمحاضرة بالأكاديمية العسكرية للدراسات العليا والاستراتيجية بمصر، الدكتورة رحاب الرحماوي.
وأوضحت الرحماوي لـ«الشرق الأوسط» أن «أي عطل في سنترال رمسيس يؤدي إلى تأثير واسع على مستوى مصر، لأنه في موقع استراتيجي، ويحتوي على معدات أساسية للشبكة القومية للاتصالات، مثل الخوادم، وأجهزة نقل البيانات، والكابلات البحرية، ما يجعله بمثابة «قلب الشبكة الرقمية».









