زيارة آبي أحمد إلى مقديشو... تذويب للخلافات ودعم لـ«إعلان أنقرة»

تعد الأولى لرئيس وزراء إثيوبيا منذ أزمة ميناء «أرض الصومال»

الرئيس الصومالي يستقبل رئيس وزراء إثيوبيا في مقديشو (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي يستقبل رئيس وزراء إثيوبيا في مقديشو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

زيارة آبي أحمد إلى مقديشو... تذويب للخلافات ودعم لـ«إعلان أنقرة»

الرئيس الصومالي يستقبل رئيس وزراء إثيوبيا في مقديشو (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي يستقبل رئيس وزراء إثيوبيا في مقديشو (وكالة الأنباء الصومالية)

زيارة لافتة لرئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، إلى مقديشو، هي الأولى من نوعها منذ اندلاع أزمة ميناء «أرض الصومال» مطلع العام الماضي، تأتي وسط مفاوضات تستضيفها أنقرة لإنهاء الخلافات التي استدعت مواقف عربية ومصرية متباينة مع رؤية أديس أبابا.

وحسب خبراء في الشأن الصومالي والأفريقي، فإن زيارة آبي أحمد ستُسهم في «تذويب جبل جليد الخلافات» بين البلدين، وتأكيد «صمود إعلان أنقرة بشأن حل أزمة ميناء أرض الصومال وأهمية البناء عليه، مقابل تخوفات من أن تصر إثيوبيا على التمسك بوجود بحري، وتُفسد كل المساعي».

وقبل نحو شهر، زار الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، أديس أبابا، تلبية لدعوة من آبي أحمد بهدف «تعزيز التعاون»، في ضوء «إعلان أنقرة»، الذي رعته تركيا في 11 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وتعهد بعد شهور من الوساطة بين الصومال وإثيوبيا، بالذهاب لمحادثات في فبراير (شباط) الحالي، بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي في غضون 4 أشهر، بمساعدة تركية.

وتأتي الوساطة التركية في ظل رفض مقديشو، بدعم مصري - عربي، توقيع الحكومة الإثيوبية في يناير (كانون الثاني) 2024 اتفاقاً مبدئياً مع إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تحصل بموجبه أديس أبابا على مَنفذ بحري، يتضمن ميناءً تجارياً وقاعدة عسكرية في منطقة بربرة لمدة 50 عاماً، مقابل اعتراف إثيوبيا بـ«أرض الصومال» دولة مستقلة.

واستقبل شيخ محمود، الخميس، آبي أحمد لدى وصوله مقديشو، في زيارة تهدف إلى «تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، وفتح صفحة جديدة تقوم على التعاون والاحترام المتبادل، في أعقاب فترة من التوترات الدبلوماسية»، وفق «وكالة الأنباء الصومالية» الرسمية.

وتأتي الزيارة وفق المصدر ذاته، «بعد إعلان إثيوبيا، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، التراجع عن اتفاق أثار خلافات بين البلدين، وذلك عقب اجتماع الرئيس حسن شيخ محمود ورئيس وزراء إثيوبيا في العاصمة التركية»، فيما اكتفت «وكالة الأنباء الإثيوبية»، بالإشارة إلى إجراء الجانبين محادثات، وتأكيد التزامها تعزيز التعاون من أجل المنفعة المتبادلة.

وعقب لقاء شيخ محمود وآبي أحمد، أصدرت حكومتا البلدين بياناً مشتركاً أكدتا خلاله أن «الزيارة تأتي في إطار الجهود المتواصلة لتطبيع العلاقات الثنائية»، وسط ترحيب زعيمي الصومال وإثيوبيا بـ«انطلاق المحادثات الفنية في أنقرة، مؤكدين التزامهما بالحوار البنَّاء والتعاون المشترك».

الخبير في الشأن الأفريقي، محمد تورشين، يعتقد أن «الزيارة الأولى لآبي أحمد منذ أزمة أرض الصومال، تعني دعماً إضافياً لإعلان أنقرة، واستعادة لعلاقات البلدين التي شهدت توترات منذ الأزمة، وتذويباً لجبل الجليد الذي كان يُسيطر عليها».

ويتوقع تورشين أن تعود علاقات الصومال وإثيوبيا إلى مسارها الطبيعي في ضوء تلك الزيارات، خصوصاً أن البلدين ليس من مصلحتهما استعداء كل منهما للآخر.

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، الدكتور عبد الله أحمد إبراهيم، أن البلدين يحاولان إنهاء الصعوبات السياسية طويلة الأمد بين إثيوبيا والصومال، مع تحسين العلاقات بين البلدين بشكل كبير.

ويعتقد أن «تطوير العلاقات بشكل أكبر يعتمد على نيات إثيوبيا التي قد تواجه خطر مزيد من تدهور العلاقات مع حكومة الصومال إذا واصلت رؤيتها للوصول إلى البحر عبر أرض الصومال»، مرجحاً «احتمال أن ينتهي إعلان أنقرة، الذي يهدف إلى تحسين العلاقات الثنائية، إلى كونه جبهة دبلوماسية أكثر من كونه جهد سلام حقيقي».

وكانت محادثات فنية قد انطلقت قبل 10 أيام بين مسؤولين صوماليين وإثيوبيين، بتركيا «بهدف تنفيذ بنود إعلان أنقرة ومناقشة طلب إثيوبيا للوصول إلى ممر بحري عبر الأراضي الصومالية»، حسب ما أورده الموقع الإخباري «الصومال الجديد»، آنذاك.

وفقدت إثيوبيا موانيها على البحر الأحمر أوائل التسعينات من القرن الماضي، مع استقلال إريتريا عام 1991، في حين ترفض مصر أي وجود لدولة غير مشاطئة على البحر الأحمر، كما صرح وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي أكثر من مرة مؤخراً، بخلاف دعم مصري لمقديشو، لا سيما منذ أغسطس (آب) الماضي عقب اتفاقية دفاعية عسكرية بينهما وتقديم القاهرة أسلحة لدعم الجيش الصومالي.

ووفق تورشين، فإن زيارة آبي أحمد قد تُعزز صمود ونجاح إعلان أنقرة الذي يمكن أن يتحول لإطار داعم لمسار العلاقات بشكل كبير الفترة المقبلة، ويمكن التوصل لتفاهمات لأبرز الخلافات.


مقالات ذات صلة

الصومال يعرض على أميركا سيطرة حصرية على قواعد جوية وموانٍ

أفريقيا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود (رويترز)

الصومال يعرض على أميركا سيطرة حصرية على قواعد جوية وموانٍ

قال الرئيس الصومالي، في رسالة إلى نظيره الأميركي، إن الصومال مستعد لعرض السيطرة الحصرية للولايات المتحدة على قواعد جوية وموانٍ استراتيجية.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي وزير خارجية إريتريا (الرئاسة المصرية)

مصر وإريتريا ترفضان مشاركة دول غير مشاطئة في تأمين وحوكمة البحر الأحمر

بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مع وزير خارجية إريتريا عثمان صالح، في القاهرة، الأحد، سبل حماية البحر الأحمر وتعزيز جهود الدول المشاطئة في حوكمته وتأمينه.

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا عمليات عسكرية للجيش الصومالي بإقليم شبيلي الوسطى ضمن ولاية هيرشبيلي الإقليمية (وكالة الأنباء الصومالية)

«معارك شبيلي»... الصومال يُضيق الخناق على حركة «الشباب»

دخلت وتيرة المعارك بين الجيش الصومالي وحركة «الشباب» الإرهابية في إقليم شبيلي الوسطى مرحلة جديدة، مع زيادة العمليات ضد «الإرهابيين».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا شاب يحمل علم «أرض الصومال» أمام النصب التذكاري لـ«حرب هرجيسا» (أ.ف.ب)

«مقترح» قاعدة أميركية بـ«أرض الصومال» يعيد الجدل حول الإقليم الانفصالي

جدل جديد يحيط «أرض الصومال» للعام الثاني على التوالي، عقب تجديد مقترح إنشاء قاعدة عسكرية أميركية حول مدينة بربرة الساحلية الاستراتيجية الرئيسية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا مقر تابع لوزارة الخارجية المصرية في القاهرة (الشرق الأوسط)

مصر تُعمّق حضورها الأفريقي بتعزيز التعاون مع كينيا

ضمن مساعٍ مصرية لتعميق الحضور في القارة الأفريقية، تعزز مصر تعاونها مع كينيا عبر مشروعات في الطاقة والزراعة والصحة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

تبعات التصعيد الحوثي تحرم سكان صنعاء من البهجة بالعيد

طفلة يمنية تشتري دمية من متجر ألعاب أطفال قبيل عيد الفطر (رويترز)
طفلة يمنية تشتري دمية من متجر ألعاب أطفال قبيل عيد الفطر (رويترز)
TT
20

تبعات التصعيد الحوثي تحرم سكان صنعاء من البهجة بالعيد

طفلة يمنية تشتري دمية من متجر ألعاب أطفال قبيل عيد الفطر (رويترز)
طفلة يمنية تشتري دمية من متجر ألعاب أطفال قبيل عيد الفطر (رويترز)

استقبل سكان العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء عيد الفطر هذا العام، وسط أوضاع سيئة جعلت الأغلبية منهم يفضلون البقاء مع عائلاتهم في المنازل، وعدم السفر إلى قراهم، ولا حتى الخروج إلى المتنفسات والحدائق العامة كما كانوا يعهدون ذلك خلال فترات ما قبل الانقلاب والحرب.

ومع استمرار أزيز المقاتلات الأميركية وقصفها المُكثف على مناطق متفرقة بصنعاء وريفها، يتحدث لـ«الشرق الأوسط» سكان قريبون من مواقع حوثية تعرضت أخيراً للقصف، عن أنهم عاشوا الجحيم ذاتها خلال الليالي القليلة الفائتة، بسبب دوي الغارات وخوفهم على ذويهم.

ويقول السكان إن سماء مدينتهم وريفها لم تعد تضيء في أثناء الليل بالألعاب النارية التي يطلقها أطفالهم ابتهاجاً بالعيد؛ بل تشتعل بالقذائف شديدة الانفجار التي تستهدف مواقع الحوثيين.

ويتحدث ماهر -وهو أحد السكان في ريف صنعاء- عن أن الجماعة الحوثية اعتادت طيلة فترة ما بعد الانقلاب أن تترك لهم قُبيل كل عيد أو أي مناسبة أخرى منغصات بالجملة، لتُفسِد عليهم مظاهر الفرحة.

من آثار قصف أميركي على موقع خاضع للحوثيين في صنعاء (أ.ب)
من آثار قصف أميركي على موقع خاضع للحوثيين في صنعاء (أ.ب)

ويتهم ماهر (25 عاماً) في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، الانقلابيين المدعومين من إيران، باستدعاء الضربات الأميركية الجديدة على صنعاء وبقية المدن، والاستمرار في تصعيدهم العسكري، بالتزامن مع التعسف وفرض الجبايات.

وتشير التقديرات إلى أن نحو 70 في المائة من سكان صنعاء كانوا خلال فترة ما قبل الحرب يفضلون قضاء أيام العيد خارج العاصمة، إما في الأرياف والمدن التي ينحدرون منها، وإما في مناطق ساحلية، منها الحديدة والعاصمة المؤقتة عدن.

تكيف مع الصراع

أجبر الصراع المستمر والمنغصات الحوثية وما رافقها من أوضاع متدهورة كثيراً من السكان في صنعاء وريفها على البقاء خلال أيام العيد بالمنازل، وعدم السفر إلى أي أماكن أخرى، خوفاً على حياتهم من الغارات المستمرة.

ومع استمرار الضغوط التي يُمارسها الأطفال والعائلات ضد أرباب الأسر لإجبارهم على مغادرة صنعاء صوب قراهم ومدنهم، أو حتى الخروج إلى الحدائق فيما تبقى من أيام العيد، لجأ كثير من الآباء إلى ابتكار ألعاب متواضعة بالقرب من منازلهم، حتى يتمكن أطفالهم من اللعب فيها، وتناسي فكرة ترك المنازل؛ خصوصاً في هذه الأيام التي تستقبل فيها صنعاء ومدن أخرى مزيداً من الضربات الأميركية.

آباء في صنعاء يصنعون لأبنائهم أراجيح قرب المنازل (الشرق الأوسط)
آباء في صنعاء يصنعون لأبنائهم أراجيح قرب المنازل (الشرق الأوسط)

ويبدي عصام -وهو موظف حكومي في صنعاء- شعوره بالحزن نتيجة عدم تمكنه هذا العيد، وللعام الخامس على التوالي، من السفر مع زوجته وأبنائه إلى قريته الكائنة في ضواحي مدينة إب، لقضاء إجازة العيد بين أهله وأصدقائه. ويرجع ذلك إلى تردي وضعه المادي والمعيشي نتيجة الحرب، وما خلَّفته من انقطاع الرواتب وانحسار فرص العمل وغياب أبسط الخدمات.

وذكر الموظف الحكومي والألم يعتصر قلبه أن والدته الثمانينية كانت دائماً تنتظره بفارغ الصبر قبيل كل عيد، حتى يصل إليها لقضاء إجازة العيد سوياً، ولكن ظروفه المستمرة في التدهور وقفت حجر عثرة بينه وبين ما يتمناه.

موجة غلاء

يكابد السكان في صنعاء ومدن يمنية أخرى خاضعة للحوثيين وضعاً معيشياً وإنسانياً صعباً، وموجة غلاء غير مسبوقة في أسعار الملابس، بما فيها تلك المستعملة والمكسرات والحلوى، وغيرها من متطلبات العيد، يرافقها أيضاً غياب لأي مظاهر البهجة بالعيد.

واعتاد اليمنيون شراء كميات كبيرة من الحلوى والمكسرات في الأعياد، والتي تعرف بـ«جعالة العيد» لتقديمها للضيوف خلال الزيارات المتبادلة في هذه المناسبات، أو تبادلها مع الأقارب والأصدقاء، ولكن لم يعد يقوم بالشراء في السنوات الأخيرة إلا المقتدرون منهم.

وفي موازاة المعاناة المعيشية وتوقف معظم السكان في صنعاء عن الاحتفال بالعيد، اتخذ الانقلابيون الحوثيون العيد فرصة لمواصلة تصعيدهم العسكري المحلي والإقليمي، وتكثيف إقامة الفعاليات الاحتفالية لأتباعهم ومقاتليهم في الجبهات؛ حيث ينفقون الأموال الطائلة.