مصر وإريتريا ترفضان مشاركة دول غير مشاطئة في تأمين وحوكمة البحر الأحمر

السيسي ناقش مع وزير خارجية أسمرة «سبل الحماية»

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي وزير خارجية إريتريا (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي وزير خارجية إريتريا (الرئاسة المصرية)
TT

مصر وإريتريا ترفضان مشاركة دول غير مشاطئة في تأمين وحوكمة البحر الأحمر

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي وزير خارجية إريتريا (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلتقي وزير خارجية إريتريا (الرئاسة المصرية)

بحث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، مع وزير خارجية إريتريا عثمان صالح، في القاهرة، الأحد، سبل حماية البحر الأحمر وتعزيز جهود الدول المشاطئة في حوكمته وتأمينه، مجددين رفضهما «اضطلاع أي دول غير مشاطئة بدور في هذا الإطار».

وتأتي رسالة القاهرة وأسمرة، بعد تصريحات لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الخميس، أكد فيها أن «الوصول إلى البحر الأحمر مطلب وجودي» بالنسبة لبلاده. وقال، في كلمته أمام البرلمان الإثيوبي، إن «بلاده لا تريد تحقيق ذلك عبر الحرب، بل بالحوار والسلم، مع إريتريا والصومال».

وناقشت محادثات السيسي، ووزير خارجية إريتريا، «الأوضاع في القرن الأفريقي، وسبل تعزيز الاستقرار في المنطقة، من خلال الجهود المشتركة، أو آلية التنسيق الثلاثي مع الصومال»، وفق بيان الرئاسة المصرية.

ودشّنت مصر وإريتريا والصومال «آلية للتنسيق الثلاثي»، خلال قمة جمعت رؤساء الدول الثلاث، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بهدف «تعزيز التعاون الإقليمي ودعم الأمن والاستقرار بالقرن الأفريقي»، وناقش اجتماع وزاري عُقد في القاهرة، في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، آليات تفعيل التنسيق بين الدول الثلاث.

وأكدت القاهرة وأسمرة «الالتزام بالعمل على دعم مقديشو، في مكافحة الإرهاب، والحفاظ على وحدة وسلامة الأراضي الصومالية». كما تناول اللقاء «سبل استعادة السلم والاستقرار في السودان».

يأتي ذلك في وقت، حذّر فيه وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، من استمرار التوتر في منطقة البحر الأحمر. وقال في مؤتمر صحافي مع الممثلة العليا للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، بالقاهرة، الأحد، إن «العسكرة والتصعيد لا يخدمان أي طرف».

وشدّد عبد العاطي على «ضرورة الوقف الكامل للاعتداءات على السفن بالبحر الأحمر»، وقال: «لا يوجد مبرر للتصعيد واستهداف السفن، ويجب الحفاظ على حرية الملاحة البحرية».

وعادت جماعة «الحوثيين» اليمنية لاستهداف الملاحة الدولية في جنوب البحر الأحمر، بعد أن استأنفت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة، مع نهاية المرحلة الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار، منتصف شهر مارس (آذار) الحالي.

وأمر الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الأسبوع الماضي، بإطلاق حملة عسكرية ضد «الحوثيين»، لإرغامهم على وقف تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر.

ويأتي التنسيق المصري - الإريتري في توقيت هام، يشهد توترات متسارعة في منطقة القرن الأفريقي، وفق تقدير مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون الأفريقية السابق، السفير محمد حجازي. وأشار إلى أن «القاهرة وأسمرة ترفضان إقحام أي أطراف أو استراتيجيات من خارج البحر الأحمر على ساحله، حفاظاً على سيادة الدول المشاطئة».

ويعتقد حجازي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «التشاور المصري - الإريتري ضروري، لوقف التصعيد والهجمات المسلحة في مضيق باب المندب، إلى جانب احتواء أي نزاع قد يتصاعد في المنطقة، كما فعلت القاهرة وأسمرة في دعم موقف الصومال، والحفاظ على سيادته، في مواجهة تحركات إثيوبية، للحصول على منفذ بحري، عبر اتفاق مع إقليم (أرض الصومال) الانفصالي، العام الماضي».

ورفضت القاهرة وأسمرة الاتفاق المبدئي الذي وقّعته أديس أبابا مع إقليم «أرض الصومال» العام الماضي، الذي يتيح لها استخدام سواحل المنطقة على البحر الأحمر لأغراض تجارية وعسكرية.

وتتصدر قضية أمن البحر الأحمر أولويات التنسيق المصري - الإريتري في هذه المرحلة، وفق تقدير مديرة البرنامج الأفريقي، بمركز الأهرام للدراسات السياسية، أماني الطويل، وقالت: «التحركات الإثيوبية للحصول على منفذ بحري تشكل تهديداً وجودياً بالنسبة لإريتريا، من منطلق تاريخ النزاع المستمر بين أديس أبابا وأسمرة».

وفقدت إثيوبيا سواحلها على البحر الأحمر مع استقلال إريتريا عام 1993.

وتتجه القاهرة إلى التفاعل مع الأطراف المؤثرة كافة في أمن البحر الأحمر، لاستعادة الهدوء في المنطقة، وتأمين الملاحة في قناة السويس، وفق الطويل. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «تراجع إيرادات قناة السويس، بسبب توترات البحر الأحمر، يشكل تحدياً كبيراً للمصالح الاقتصادية المصرية. وتسعى الحكومة المصرية إلى حشد دولي لوقف التصعيد بالمنطقة».

وتشكو مصر من خسائر اقتصادية كبيرة، نتيجة إيقاف شركات الشحن العالمية عملياتها الملاحية في قناة السويس بسبب التوترات في البحر الأحمر، التي أدّت إلى تراجع إيرادات القناة إلى ما يزيد على 60 بالمائة، حسب تقديرات رسمية.


مقالات ذات صلة

«ميرسك» تُكمل أول رحلة لها في البحر الأحمر منذ عامين تقريباً

الاقتصاد سفينة الحاويات «ميرسك هانغتشو» تبحر في قناة وييلينغن بويسترسشيلد (رويترز)

«ميرسك» تُكمل أول رحلة لها في البحر الأحمر منذ عامين تقريباً

أعلنت شركة الشحن الدنماركية «ميرسك» يوم الجمعة أن إحدى سفنها نجحت في عبور البحر الأحمر ومضيق باب المندب لأول مرة منذ نحو عامين.

«الشرق الأوسط» (كوبنهاغن )
تحليل إخباري صدرت بيانات منسوبة للحوثيين تهدد بضرب كابلات الإنترنت في البحر الأحمر (رويترز)

تحليل إخباري هل تضررت مصر بوصفها ممراً دولياً للإنترنت من هجمات الحوثيين؟

تسببت الأحداث التي شهدتها المنطقة خصوصاً بالبحر الأحمر خلال العامين الماضيين وحدوث انقطاعات في كابلات الإنترنت التي تمر عبر مصر، في أضرار دفعت للتفكير في بدائل

هشام المياني (القاهرة)
يوميات الشرق السجادة الحمراء في الدورة الخامسة لمهرجان البحر الأحمر - جدة 2025 (أ.ف.ب)

جوائز «البحر الأحمر السينمائي» ذهبت لمن استحق

جوائز مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» الخامسة وزعت على أفلام «أرض مفقودة» و«اللي باقي منك» و«هجرة»، مع تكريم أعمال عربية أخرى مميزة.

محمد رُضا (جدّة)
يوميات الشرق تكريم الأسطورة أنتوني هوبكنز (المهرجان)

«البحر الأحمر»... ليلة تتويج ترسّخ مكانته عالمياً

اختُتمت في جدة مساء الخميس الدورة الخامسة لمهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» في ليلة تتويج عكست اتّساع تأثيره العالمي، وأبرزت الحضور المتنامي للسينما.

إيمان الخطاف (جدة)
يوميات الشرق المخرجة السعودية شهد أمين تتسلَّم جائزة فيلم «هجرة» (المهرجان)

«البحر الأحمر»... ليلة تتويج تؤكد مكانته جسراً عالمياً للسينما

تميَّزت الدورة الخامسة بارتفاع مستوى الاختيارات الفنّية، واتّساع رقعة المشاركة الدولية، وازدياد حضور السينما السعودية في قلب المشهد...

إيمان الخطاف (جدة)

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
TT

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)

مع مرور عام على تولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقاليد السلطة، تتآكل الآمال العريضة باختراق أميركي في الملف الليبي المعقّد، إذ اتسم نهج إدارته بـ«الحذر، والانتقائية»، مع إعادة تموضع محدودة، دون استراتيجية شاملة لمعالجة الانقسام الليبي.

وينظر مراقبون إلى أداء إدارة ترمب في الملف الليبي خلال العام الماضي على أنه انتهج مقاربة تقوم على «تسويات على نار هادئة»، تعتمد تفاهمات سياسية وعسكرية محدودة، و«مصافحات شكلية»، تزامناً مع تصاعد أولوية «الصفقات الاقتصادية»، ولا سيما في قطاع النفط.

في المقابل غابت المقاربة المتكاملة التي تمزج الدبلوماسية بالأمن، وبناء المؤسسات، فاعتمدت واشنطن أدوات سياسية واقتصادية مرنة، وزادت من الحضور الدبلوماسي، مع التركيز على اتصالات مباشرة عبر مسعد بولس مستشار ترمب، وصهره المخوّل بملف الشؤون الأفريقية.

الدبيبة مع قائد قوات «أفريكوم» في لقاء بطرابلس (حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة)

مؤشرات تعيين بولس

في مطلع ولاية إدارة ترمب، أثار تكليف بولس بمتابعة الملف الليبي آمالاً باختراق محتمل، باعتباره مؤشراً على اقتراب ليبيا من دائرة اهتمامه، غير أن حالة من الحذر ظلت قائمة، وهو ما أكدت عليه تطورات العام لاحقاً.

ويعتبر هاني شنيب، رئيس المجلس الوطني للعلاقات الأميركية-الليبية، أن «تعيين بولس شكّل مؤشراً مبكراً على محدودية الزخم الأميركي تجاه هذا الملف»، لافتاً إلى أن «مقاربة واشنطن لقضايا شمال وجنوب الصحراء ما زالت تتعامل معها بوصفها ملفات شديدة التعقيد، لكنها ليست في صدارة الأولويات».

ومع ذلك، أولى مراقبون اهتماماً بزيارة بولس إلى طرابلس وبنغازي، ولقاءاته مع قادة عسكريين في شرق ليبيا، وغربها، في يوليو (تموز) 2025، حين ناقش معهم «دعم الشراكة الأميركية–الليبية، والتعاون الاقتصادي، خصوصاً في قطاع الطاقة، وتعزيز توحيد المؤسسات الليبية، والمصالحة الوطنية».

ما ذهب إليه شنيب أكد عليه العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، بن فيشمان، وعزا ذلك جزئياً –في حديثه لـ«الشرق الأوسط»– إلى «انشغال مستشار ترمب على نحو أكبر بملفات أخرى، مثل الحرب الأهلية في السودان».

ويلحظ شنيب أن تركيز الإدارة انصب أيضاً على الأزمة الأوكرانية، ما جعل السياسة الأميركية في ليبيا «تنضج على نار هادئة» بانتظار إنجاز ملفات أكثر أولوية من وجهة نظر واشنطن.

جانب من جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الأزمة السياسية في ليبيا (المجلس)

برغماتية على نار هادئة

وفق هذا التقدير، تعاملت الإدارة الأميركية مع الأفرقاء الليبيين شرقاً وغرباً ببرغماتية، وعلى «نار هادئة» وفق متابعين من دون انحياز معلن، مع تركيز واضح على «إدارة التوازن» بين القوى القائمة، أكثر من السعي إلى إحداث تغيير جذري في بنية السلطة.

كان المثال العملي على هذه المقاربة هو رعاية بولس للقاء مستشار رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة لشؤون الأمن القومي إبراهيم الدبيبة، ونائب قائد «الجيش الوطني» صدام حفتر، في روما، في سبتمبر (أيلول) 2025، إذ اقتصر على رعاية «مصافحات»، ومناقشة ملفات أمنية، وسياسية، وعسكرية، وطاقية، بما في ذلك مساعي تشكيل حكومة موحدة، من دون ترجمة ذلك إلى مسار سياسي فعّال.

وبحسب فيشمان، فإن «نهج ترمب في صنع السلام يقوم على المصافحة أكثر من الجوهر»، وهو –من وجهة نظره– «نمط يتكرر في أكثر من ساحة دولية، ويتوقع أن يستمر في ليبيا».

هذا «النهج البرغماتي» الأميركي، ومن منظور الباحثة الفرنسية فيرجيني كولومبييه لـ«الشرق الأوسط»: «يدفع الصراع من دون حسم، ويعزز النفوذ داخل الكتلتين المتنافستين شرقاً وغرباً، بما يفاقم توترات التحالفات المحلية، خصوصاً غرب ليبيا»، فعادة أن «أي تسوية مستدامة تتطلب مقاربة شاملة، وضمانات موثوقة، لا صفقات ضيقة بين الزعماء».

وامتدت التحركات الأميركية الحذرة إلى الملف العسكري في ليبيا، حيث تتنازع السلطة حكومتان: إحداهما في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى تسيطر على الشرق والجنوب بقيادة أسامة حماد، وبدعم من «الجيش الوطني» تحت قيادة المشير خليفة حفتر.

وشملت الجهود الأميركية تعزيز التنسيق الأمني عبر زيارات «أفريكوم» بقيادة داغفين أندرسون ونائبه جون برينان، ودعم مساعي توحيد المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى التحضير لمناورة مشتركة في سرت.

ويشير بن فيشمان إلى أن «زيارات قادة (أفريكوم) هي امتداد لجهود إدارة بايدن السابقة»، مضيفاً أن «استضافة ليبيا تمريناً أمنياً إقليمياً برعاية أميركية في سرت تعزز هذا المسار العسكري»، لكنه قال: «جوهرياً، لا توجد فوائد سياسية كبيرة من جمع الفصيلين العسكريين معاً».

اجتماع «لجنة المتابعة الدولية» بشأن ليبيا المنبثقة عن مسار برلين في طرابلس (البعثة الأممية في ليبيا)

البعد الاقتصادي

اقتصادياً، بدّلت «النار الهادئة» مسارها لا شدتها، إذ برز اهتمام أكبر بقطاع الطاقة، وشجّعت إدارة ترمب عودة الشركات الأميركية إلى السوق الليبية عبر مذكرات تفاهم، واتفاقيات لتطوير الحقول، وزيادة الإنتاج، وسط تحذيرات خبراء من هشاشة هذا المسار في ظل الانقسام المالي، وغياب إطار قانوني موحد.

تشير كلوديا غازيني، كبيرة المحللين في مجموعة «الأزمات الدولية»، لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إدارة ترمب زادت انخراطها في ليبيا عبر وساطة مالية، واقتصادية، خاصة في ملفي الميزانية، والنفط، ما يعزز بقاء القوى الحاكمة شرقاً وغرباً. بالمقابل، تحذر كولومبييه من أن الانخراط الانتقائي المبني على مصالح تجارية «لن يحقق استقراراً دائماً، أو سلاماً مستداماً».

أما دبلوماسياً، فتجلّت سياسة «النار الهادئة» بوضوح مع استمرار الغموض في الموقف الأميركي، إذ اكتفت واشنطن بالقائم بالأعمال جيريمي برنت، من دون تعيين سفير جديد، مكرّسة إخفاق الإدارة السابقة في تثبيت جينيفير جافيتو، بما يعكس إدارة حذرة تُبقي الحضور قائماً من دون رفع مستوى الانخراط الرسمي.

النفوذ الروسي

دولياً، حضرت السياسة نفسها في تعاطي واشنطن مع النفوذ الروسي المتزايد في ليبيا، والذي تطور من وجود عناصر شركة «فاغنر» إلى «فيلق أفريقيا»، والحضور بشكل دائم في قواعد عسكرية ليبية.

وفي هذا السياق، فضّل البيت الأبيض –وفق مراقبين– انتهاج «سياسة احتواء ناعم» لحليف موسكو، خليفة حفتر، عبر تعزيز التعاون العسكري، وزيارات القادة الأميركيين إلى بنغازي، وسرت، بحسب رؤية الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف.

وسط هذه المسارات الأميركية، تتنامى تساؤلات الليبيين حول أهداف تحركات إدارة ترمب، بين دعم الانتخابات، أو الاكتفاء بصفقات مؤقتة. وينقل الباحث السياسي محمد محفوظ مخاوف من أن «تجاهل أميركا للمسار الانتخابي قد يطيل الأزمة»، مكرراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التحذير من «تكلفة باهظة لصفقات أمنية واقتصادية سابقة على حياة الليبيين».


«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
TT

«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)

أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على مناطق حدودية مع تشاد، بينها أم قمرة وأم برو، ونشرت مقاطع مصورة تُظهر انتشار قواتها هناك، في وقت لم يصدر فيه تعليق رسمي من الجيش السوداني.

وقالت «الدعم السريع» إن العملية هدفت إلى إنهاء وجود ما وصفتها بالجيوب المسلحة، ووقف أعمال انتقام وفوضى تتهم الجيش السوداني و«القوة المشتركة» المتحالفة معه بتنفيذها ضد قيادات الإدارة الأهلية ومدنيين. وأكدت نشر قوات لتأمين المدنيين والطرقات والمرافق العامة في تلك المناطق لإعادة الاستقرار.

وفي تطور آخر، تأكد مقتل قائد «الفرقة 22 مشاة» التابعة للجيش السوداني في مدينة بابنوسة، اللواء معاوية حمد عبد الله، خلال هجوم شنته «الدعم السريع» على المدينة مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ورغم عدم صدور بيان من الجيش بشأن مقتل قائده، أفاد موقع رسمي تابع لحكومة الولاية الشمالية بأن حاكمها العسكري، عبد الرحمن إبراهيم، قدّم واجب العزاء في الفقيد بمنطقة أنقري التابعة لمحلية البرقيق.


مقديشو تشهد أول انتخابات محلية مباشرة منذ عقود

مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

مقديشو تشهد أول انتخابات محلية مباشرة منذ عقود

مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)
مواطنة صومالية ترفع بطاقتها الانتخابية خلال تجمع لدعم إجراء الانتخابات المحلية (وكالة الأنباء الصومالية)

يشهد الصومال حالة من الزخم والترتيبات الواسعة استعداداً لأول انتخابات مباشرة منذ نحو ستة عقود، مع الاقتراع على أعضاء المجالس المحلية لإقليم بنادر الذي يضم العاصمة مقديشو، الخميس.

تلك الترتيبات والمساعي المكثفة حكومياً يُنظر لها، بحسب خبير في الشؤون الصومالية تحدث لـ«الشرق الأوسط»، على أنها توجُّه من الحكومة لدعم أكبر مشاركة تُحقق صحة موقفها من الانتخابات المباشرة، خاصة أن الاقتراع يُعد اختباراً جديداً لإمكانية عقد الانتخابات الرئاسية الصومالية عام 2026، في ظل تحفظات المعارضة.

وكان نظام التصويت المباشر قد أُلغي في الصومال بعد تولي الرئيس محمد سياد بري السلطة عام 1969. ومنذ سقوط حكومته في 1991، يقوم النظام السياسي في البلاد على هيكل قبلي.

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

وقد تأجلت الانتخابات التي ستُجرى، الخميس، بنظام «شخص واحد صوت واحد» ثلاث مرات هذا العام. ومن المتوقع تنظيم انتخابات رئاسية العام المقبل، مع انتهاء ولاية الرئيس حسن شيخ محمود.

ولفتت وكالة الأنباء الصومالية (صونا)، الأربعاء، إلى أن انتخابات الخميس ستُجرى في المديريات الست عشرة بمحافظة بنادر، حيث يتوجه المواطنون إلى مراكز الاقتراع لاختيار من يمثلهم في المجالس المحلية لأول مرة منذ 1969.

«محطة مفصلية»

وأعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عن تسجيل مليون ناخب و20 من التنظيمات السياسية، لافتة إلى أن 1604 مرشحين يتنافسون في انتخابات المجالس المحلية.

وأوضح متحدث اللجنة عبد الفتاح فيصل حسين، الأربعاء، أن التصويت سيجري في 16 دائرة انتخابية موزعة على 213 مركز اقتراع و523 موقع تصويت.

وأعلنت هيئة الطيران المدني، الأربعاء، أن جميع الرحلات الجوية من مقديشو وإليها ستُعلّق الخميس خلال فترة الانتخابات، تزامناً مع تنفيذ خطة واسعة أعلنتها الأجهزة الأمنية الصومالية، تقضي بنشر نحو عشرة آلاف من عناصر الشرطة لتأمين الاقتراع، وفق ما أعلنه وزير الأمن الداخلي عبد الله شيخ إسماعيل، الأحد.

تجمع جماهيري يقوده رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري في مديرية كاران بمحافظة بنادر دعماً لإجراء الانتخابات المحلية المباشرة (وكالة الأنباء الصومالية)

وأعلن رئيس اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عبد الكريم حسن، الثلاثاء، أن اللجنة ستنشر نحو خمسة آلاف موظف في مراكز التصويت بالعاصمة للإشراف على الانتخابات التي وصفها بأنها «محطة مفصلية في مسار التحول الديمقراطي في الصومال».

وقاد رئيس الوزراء حمزة عبدي بري تجمعاً جماهيرياً، الاثنين، في مديرية كاران بمحافظة بنادر، دعماً لإجراء الانتخابات المحلية المباشرة، مشدداً على أهمية المشاركة الشعبية في تقرير المصير السياسي.

وكان قد تقرر تأجيل الانتخابات المحلية في مقديشو عن الموعد المقرر سابقاً في 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، لتوفير «وقت إضافي لإعداد مرشحيها، واستكمال الترتيبات اللوجستية» قبل التصويت لضمان مشاركة أكبر، وفق ما أعلنه وقتها عبد الكريم حسن.

موقف المعارضة

ويرى الخبير في الشؤون الصومالية، عبد الولي جامع بري، أن ترتيبات الحكومة بشأن الانتخابات لها تأثيرات مهمة على الحشد الشعبي والمشاركة بعد عقود من الغياب الديمقراطي، خاصة أنها تأتي وسط تحفظات المعارضة التي قررت عدم المشاركة فيها.

وأعلن «مجلس مستقبل الصومال»، الذي يضم قوى سياسية معارضة، في ختام اجتماع عقده المجلس بمدينة كيسمايو الأسبوع الماضي رفضه الانتخابات المحلية، قائلاً إنها عملية «أحادية الاتجاه» تفتقر إلى التوافق الوطني. ومنح المجلس الرئيس حسن شيخ محمود مهلة لمدة شهر واحد لعقد حوار شامل لتجنب «فراغ دستوري محتمل وصراعات سياسية قد تهدد الاستقرار».

موظفون حكوميون بالصومال خلال توزيع بطاقات الاقتراع (وكالة الأنباء الصومالية)

وعقَّب الرئيس الصومالي، الثلاثاء، في فعالية انتخابية لحزب «العدالة والتضامن» الحاكم في مقديشو، قائلاً: «لقد استخلصنا نقطة واحدة من نتائج مؤتمر كيسمايو، وهي فتح باب الحوار والحوار مفتوح، وقد استجابت الحكومة رسمياً لهذا الطلب»، محذراً من مخاطر تحويل الخلافات السياسية إلى مواجهات مسلحة.

«اختبار حقيقي»

يتصاعد الجدل داخل الصومال بشأن الانتخابات المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع، والذي أُجري عام 1968، والتي تأتي بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي كانت تعتمد في الأساس على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، والتي جرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة أربع عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية بقوة، وكانت العودة لاستكمال دستور 2012 المؤقت هي الشرارة الأبرز التي فاقمت الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وجوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر.

واشتدت الخلافات بين الرئيس الصومالي والمعارضة بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو (أيار) الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

ويرى خبير الشأن الصومالي جامع بري أن الانتخابات الحالية قد تفتح الطريق لتفاهمات حول الرئيس في المستقبل، لكن الواقع لا يزال معقداً، خاصة والمعارضة لديها تحفظات حقيقية.

وقال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «المعارضة ترى في المسار الحالي انتخابات غير متوازنة، وربما غير دستورية أو غير شاملة كلياً، مما قد يحدّ من مشاركة شرائح واسعة من المواطنين إذا شعرت بأن العملية ليست عادلة أو أنها تمثيلية».

وهو يعتقد أن النظام يراهن على تحول سياسي حقيقي نحو الديمقراطية عبر الانتخابات المباشرة التي تعد اختباراً حقيقياً لرئاسيات 2026، لكن المعارضة ستبقى لديها تحفظات عميقة على طريقة تنظيم الانتخابات ومسارها، وتبقى نتائج الحوار المنتظر هي الفيصل في تحديد المستقبل.