انكشاف قادة حوثيين يهرّبون الأدوية الفاسدة والمزوّرة

العقارات الطبية وسيلة إيرانية لتوسيع النفوذ في اليمن

مبنى الهيئة العليا للأدوية في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين (فيسبوك)
مبنى الهيئة العليا للأدوية في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين (فيسبوك)
TT

انكشاف قادة حوثيين يهرّبون الأدوية الفاسدة والمزوّرة

مبنى الهيئة العليا للأدوية في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين (فيسبوك)
مبنى الهيئة العليا للأدوية في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين (فيسبوك)

بعد أيام من اتهام منصة يمنية لإيران باستخدام تجارة الأدوية لإدارة الصراع في اليمن، اعتقلت أجهزة الأمن الحوثية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء عصابة لتهريب أدوية فاسدة ومزوّرة بزعامة قيادي في الجماعة يتولّى رئاسة الهيئة العليا للأدوية، بالتزامن مع تواتر أنباء عن انتشار وباء غامض تسبّب في عشرات الوفيات خلال الفترة الماضية.

وتوقعت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن يكون القبض على العصابة المسؤولة عن تهريب الأدوية وفضح القيادات المتورطة فيها يأتي في سياق صراع الأجنحة الحوثية والاتهامات المتبادلة فيما بينها بالخيانة والتواطؤ مع الخارج، ضمن تنافسها على الموارد والنفوذ، خصوصاً في ظل تصاعد المخاوف من ملاقاة مصير نظام الأسد نفسه في دمشق.

وأشارت المصادر إلى أن واقعة القبض على العصابة التي يتزعمها القيادي الحوثي علي عباس شرف الدين، المُعيّن من قِبل الجماعة رئيساً للهيئة العليا للأدوية، حدثت بعد خلافات كبيرة داخل المستويات القيادية العليا حول موارد الهيئة التي تحولت خلال السنوات الماضية إلى إدارة لجمع الأموال من خلال الجبايات والممارسات المخالفة للقانون.

وبيّنت المصادر أن الإدارة المالية في الهيئة تحولت إلى أهم الإدارات، وأصبح كل موظفيها ذوي سلطة عليا يشرفون على كل العمليات، ويديرون باقي الإدارات، ويتدخلون في إصدار تراخيص الاستيراد، ويمنحونها حسب رغباتهم دون اعتبار للإجراءات القانونية وشروط سلامة الأدوية، ويقررون الرسوم والغرامات.

موظفو هيئة الأدوية الخاضعون للحوثيين يتلقون تدريبات عسكرية (إعلام حوثي)

وكشف الناشط الحوثي أبو محمد الرزامي عن أن أجهزة أمن الجماعة ألقت القبض على عصابة كانت تستخدم سلطاتها الممنوحة من الجماعة الحوثية في إدخال وتهريب الأدوية الفاسدة والمزورة وغير المطابقة للمواصفات.

وأكد الرزامي أن القيادي الحوثي علي عباس شرف الدين أشرف مباشرة على عصابة التهريب التي أدخلت عشرات الأطنان من الأدوية الفاسدة والمزيفة وغير المطابقة للمواصفات، وباعتها في السوق الدوائية اليمنية، باستخدام وثائق جمركية مزورة.

واستخدمت عصابة تهريب وتزوير الأدوية الحوثية مخزناً وهمياً وغير قانوني في فناء مبنى الهيئة تحت اسم مخزن إدارة الرقابة، بوصفه نقطة توزيع.

وكانت العصابة تتدخل عند احتجاز أدوية مزيّفة في المنافذ الجمركية، لإخراجها بشكل رسمي؛ بحجة نقلها إلى إدارة الرقابة لتحريزها تمهيداً لإتلافها، قبل أن يجري نقلها إلى مخازن تابعة للشركات الدوائية والتجار المتواطئين مع العصابة.

استغلال الأدوية سلاحاً إيرانياً

تعمل عصابة تجارة الأدوية المهرّبة الحوثية على شرعنة دخول أدوية مهرّبة وفاسدة لتجار أدوية متواطئين معها، مقابل مبالغ مالية تصل إلى 3 آلاف دولار، من خلال استصدار مستندات تحت اسم «غرامة فك تحريز أصناف مرفوضة، من الإدارات المختصة في الهيئة العليا للأدوية».

مزاعم حوثية بإتلاف أطنان من الأدوية في حين تُغرق السوق اليمنية بالأدوية المهرّبة (إعلام حوثي)

وعلى الرغم من أنه سبق الكشف عن ممارسات هذه العصابة، وفقاً للرزامي، فإن جهات أمنية ورقابية تابعة للجماعة الحوثية تغاضت عن ذلك مقابل تبادل المنافع.

وسبق لـ«الشرق الأوسط» خلال منتصف العام قبل الماضي الكشف عن تزوير الجماعة الحوثية عمليات إتلاف الأدوية.

ومنذ أيام كشف تقرير جديد أصدرته منصة «تعقب الجرائم المنظمة وغسل الأموال في اليمن» عن استخدام إيران تجارة الأدوية سلاحاً في الصراع الدائر باليمن، وتحويل تصدير الأدوية إلى مناطق سيطرة الجماعة الحوثية إلى آلية سرية لتمويل الحرب وتعزيز السيطرة وإدامة الفوضى.

ويوضح التقرير دور الأدوية الإيرانية في اقتصاد الصراع في اليمن، من خلال ما سمّاه الشبكة المعقّدة لاستراتيجية التمويل الإيرانية، التي تستبدل الأدوية ذات التصنيع الجيّد والمأمون بشكل ممنهج ببدائل إيرانية، بمنح حقوق الوكالات الحصرية للشركات التابعة للجماعة الحوثية.

علي عباس شرف الدين القيادي الحوثي المُعيّن رئيساً لهيئة الأدوية (إعلام حوثي)

وتسعى إيران إلى تعزيز الموقف الاقتصادي للجماعة الحوثية الموالية لها بتوفير تدفّق مالي مستقر وسري من خلال تصدير الأدوية الإيرانية، وإحلالها محل الأدوية الموثوقة؛ مما يولّد هوامش ربح أعلى، لتمويل توسيع العمليات العسكرية باتجاه المناطق المحرّرة، وبسط نفوذها التام على المناطق الخاضعة لسيطرتها.

ونبه التقرير إلى خطورة الاعتماد على المنتجات الصيدلانية الإيرانية داخل نظام الرعاية الصحية في اليمن على المدى الطويل، وضمان سوق طويلة الأجل للأدوية الإيرانية مع الحد من وجود شركات الأدوية المستوردة والمصنّعة محلياً، ما يعزّز من نفوذ طهران، واحتكار سوق الأدوية في اليمن.

شبكة تمويل واسعة

تعزّز إيران استراتيجيتها بدمج الشركات اليمنية والكيانات التابعة للجماعة الحوثية في شبكة أوسع من المنظمات المتحالفة معها، لفرض المزيد من السيطرة عبر شبه الجزيرة العربية والطرق البحرية الاستراتيجية مثل مضيق باب المندب، باستخدام اليمن ساحة معركة بالوكالة لتوسيع نفوذها الإقليمي.

يمنيات يدخلن أطفالهن أحد مشافي صنعاء التي تعاني شحاً في الأدوية والمعدات (إ.ب.أ)

وحذّر التقرير من المخاطر المترتّبة على استراتيجية تمويل الحوثيين من خلال الصادرات الدوائية، والمتمثّلة في تفاقم الأزمة الإنسانية، وعدم الاستقرار الإقليمي، والانهيار الاقتصادي، والتهديد الأمني العالمي. ولفت التقرير إلى أن إيران تهدف إلى توجيه عائدات تجارة الأدوية لتمويل حرب الجماعة الحوثية، بما في ذلك شراء الأسلحة والخدمات اللوجستية والتجنيد، بصفتها جزءاً من استراتيجيتها الإقليمية الأوسع لزعزعة استقرار الخصوم والحفاظ على النفوذ في اليمن.

وأورد التقرير أسماء عدد من الشخصيات والشركات التي تعمل ضمن الشبكة الإيرانية الحوثية؛ مثل: إبراهيم الوزير مدير شركة «النجم الأخضر لتجارة الأدوية والمستلزمات الطبية»، ومحمد مهدي الشاعر مالك ومدير شركة «روناك»، وحمود الخرباش وعبد الخالق الحمزي مالكي شركة «تراضي» للتجارة والتوكيلات المحدودة.

في غضون ذلك يتناقل الأهالي في العاصمة صنعاء الواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية أحاديث عن انتشار مرض غامض أودى بحياة عشرات من السكان خلال الأسابيع الماضية، في ظل صمت تام من قِبل سلطات الجماعة الحوثية حول ذلك.

مرضى يمنيون أمام مستشفى «الثورة» في صنعاء (رويترز)

وتربط تلك الأحاديث هذا المرض بانتشار الأدوية المزيفة، واحتمالية أن يكون أحد الأصناف التي يجري إدخالها إلى البلد بشكل مخالف للإجراءات والمعايير الطبية المتبعة، سبباً في تلك الوفيات، خصوصاً أن غالبيتها حدثت لمرضى دخلوا المستشفيات خلال الفترة الماضية لتلقي العلاج من أمراض مرتبطة بالشتاء والطقس البارد.

ويرفض الأطباء الذين تواصلت معهم «الشرق الأوسط»، الحديث حول الأمر وإبداء آرائهم فيه؛ كونهم لا يملكون أي معلومات أو بيانات يمكن تفسيرها بهذا الشأن، مرجحين أن يكون أحد الأصناف المزورة التي يجري تداولها له علاقة بالأعراض التي لُوحظت على المرضى قبل وفاتهم.

وتتمثّل أعراض المرض الغريب بارتفاع متسارع في درجة حرارة الجسم وضيق في التنفس، قبل أن يتطوّر إلى فشل كلوي وتعطيل وظائف الكبد، ما يؤدي إلى الوفاة في كثير من الحالات.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يعلنون مقتل 4 في قصف أميركي شرق صنعاء

العالم العربي أشخاص يتجمعون على أنقاض منزل تعرض لغارة أميركية في صعدة باليمن (رويترز)

الحوثيون يعلنون مقتل 4 في قصف أميركي شرق صنعاء

أعلنت جماعة الحوثي، في وقت مبكر اليوم الخميس، سقوط أربعة قتلى وجرحى جراء قصف أميركي على محافظة صنعاء.

«الشرق الأوسط» (عدن)
الولايات المتحدة​ النائب الأميركي راجا كريشنامورثي يشير إلى رسائل نصية لوزير الدفاع بيت هيغسيث خلال جلسة استماع سنوية لتقييم التهديدات العالمية في مبنى مكتب لونغورث هاوس بعد تسريب «محادثات سيغنال» (أ.ف.ب)

روبيو: واقعة «سيغنال» خطأ فادح لكن لم يهدد حياة جنودنا

أكّد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، اليوم (الأربعاء)، أن المعلومات الواردة عبر محادثة «سيغنال» بشأن الهجمات على اليمن لم تكن سرية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي والتز يتحمل مسؤولية «واقعة سيغنال» play-circle

البيت الأبيض: مستشار الأمن القومي والتز يتحمل مسؤولية «واقعة سيغنال»

حمّل البيت الأبيض اليوم (الأربعاء)، مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز المسؤولية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شوائب غريبة تكشف غش الوقود المنتشر في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية (إكس)

الحوثيون يسوقون وقوداً مغشوشاً وسط تحذيرات من أزمة جديدة

تسبب وقود مغشوش يباع بمناطق سيطرة الحوثيين بأعطال وتلف السيارات في حين تنصلت الجماعة الحوثية من المسؤولية ولم تقدم تفسيرات للسكان

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي اتهامات للجماعة الحوثية باستخدام المساعدات في استقطاب المقاتلين خصوصاً من الأطفال (رويترز)

تعسف الانقلابيين يضرب التكافل الاجتماعي في اليمن

تتسبب ممارسات الجماعة الحوثية في تراجع التكافل الاجتماعي بين اليمنيين، بالتزامن مع مساعيها لحرمان السكان من المساعدات المقدمة من فاعلي الخير وتجييرها لصالحها

وضاح الجليل (عدن)

الحوثيون يعلنون مقتل 4 في قصف أميركي شرق صنعاء

أشخاص يتجمعون على أنقاض منزل تعرض لغارة أميركية في صعدة باليمن (رويترز)
أشخاص يتجمعون على أنقاض منزل تعرض لغارة أميركية في صعدة باليمن (رويترز)
TT

الحوثيون يعلنون مقتل 4 في قصف أميركي شرق صنعاء

أشخاص يتجمعون على أنقاض منزل تعرض لغارة أميركية في صعدة باليمن (رويترز)
أشخاص يتجمعون على أنقاض منزل تعرض لغارة أميركية في صعدة باليمن (رويترز)

أعلنت جماعة الحوثي، في وقت مبكر اليوم الخميس، سقوط أربعة قتلى وجرحى جراء قصف أميركي على محافظة صنعاء.

وقالت قناة المسيرة الناطقة باسم الجماعة، إن شخصين قتلا وأصيب آخران «إثر العدوان الأميركي على مقطع للأحجار في منطقة العرقوب بمديرية خولان»، شرقي العاصمة صنعاء. وأشارت إلى أن «العدوان الأميركي» استهدف بأربع غارات تلك المنطقة.

وفي وقت سابق، أفادت وسائل إعلام تابعة للحوثيين بوقوع 17 غارة على الأقل على محافظة صعدة في شمال غرب اليمن نسبتها للولايات المتحدة، فيما أعلن الحوثيون في وقت لاحق شن هجوم جديد على حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر. وقالت وسائل إعلام تابعة للحوثيين إن «17 غارة شنها العدوان الأميركي على محافظة صعدة» ليل الثلاثاء إلى الأربعاء.

وبدأت الولايات المتحدة عملية عسكرية موسعة الأسبوع الماضي ضد الحوثيين، وقالت وسائل إعلام تابعة للجماعة اليمنية إنها أسفرت عن مقتل العشرات. ويشن الحوثيون هجمات على السفن في البحر الأحمر منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 دعما للفلسطينيين في غزة. وتسببت هجمات الحوثيين في تعطيل التجارة العالمية ودفعت الولايات المتحدة إلى مهاجمة أهداف مرتبطة بالجماعة اليمنية.

وأوقف الحوثيون الهجمات عندما اتفقت إسرائيل وحركة «حماس» على وقف إطلاق النار في غزة في يناير (كانون الثاني)، لكنها أعلنت في وقت سابق من الشهر الحالي أنها ستستأنف مهاجمة السفن الإسرائيلية حتى توافق إسرائيل على إدخال المساعدات إلى غزة.