تزامن إعلان الحوثيين في اليمن عن إتلاف كمية كبيرة من الأدوية المهربة والمزورة غير المطابقة للمواصفات والمعايير الأسبوع الماضي في صنعاء؛ مع رفضهم سداد التعويضات التي أقرها البرلمان التابع لهم لأهالي الأطفال الضحايا الذين تم حقنهم بأدوية منتهية الصلاحية.
وفي حين يتهم تجار الأدوية الانقلابيين بابتزازهم ومصادرة بضائعهم ودفعهم إلى الإفلاس، زعم قادة الجماعة أنهم أتلفوا عبر الهيئة العليا للأدوية والمستلزمات الطبية التي يسيطرون عليها منذ الانقلاب، 60 طناً من الأدوية المهربة وغير المطابقة للمواصفات والمعايير والمزورة.
وتعدّ عملية الإتلاف الأخيرة هي السادسة، والكبرى، من حيث الكمية منذ مطلع العام الحالي، وبحسب ما رصدته «الشرق الأوسط»؛ يبلغ حجم ما أعلن الانقلابيون الحوثيون عن إتلافه 151 طنا ونصف الطن، خلال تلك الفترة.
اقرأ أيضاً
وتشكك عدة مصادر بإتلاف الانقلابيين الحوثيين تلك الكميات من الأدوية، خصوصا مع اتهامهم بالتورط في هذه الأنشطة والإثراء منها، بينما ما يزال ملف قضية الأطفال الذين فارقوا الحياة بسبب حقنهم بأدوية فاسدة خاصة بالسرطان في مستشفى الكويت في صنعاء في سبتمبر (أيلول) الماضي، يُنظر أمام القضاء دون إحراز أي تقدم لصالح أهالي الأطفال الضحايا.
وعقب الواقعة التي عُرفت بـ"جرعة الموت"؛ كشف تقرير للمنظمة اليمنية لمكافحة الاتجار بالبشر عن أسماء 71 قيادي حوثي تتاجر بالأدوية المهربة والمزورة ومنتهية الصلاحية، في نفس الوقت الذي نشرت فيه وكالة "أسوشيتيد برس"، تقريراً عن شراكة قيادات حوثية مع مهربي الأدوية بما فيها المنتهية الصلاحية، وتوريدها إلى عيادات خاصة ومخازن منتشرة في جميع أنحاء البلاد.
تحقيقات سرية
وبرغم اعتراف الميليشيات الحوثية بحقن الأطفال بـ"أدوية فاسدة"، إلا أنها ألقت بالمسؤولية على عدد من العاملين في المستشفى، وأحالتهم إلى التحقيق القضائي بسرية مطلقة، حيث لا يسمح بحضور جلسات التحقيق إلا لممثلين عن الميليشيات من العناصر التي تدير قطاع الصحة، وذوي الضحايا المتوفين أو من تعرضوا منهم لمضاعفات تسببت بها الأدوية المزورة.
وبحسب مصادر صحية في العاصمة صنعاء؛ فإن ذوي الضحايا المتوفين أو المصابين بمضاعفات تعرضوا لضغوط من مستويات قيادية عليا للميليشيات، وتلقوا تهديدات واضحة وصريحة بعواقب وخيمة في حالة إفصاحهم عما يجري في جلسات التحقيق، حتى وإن كان هذا الإفصاح لمحاميهم أو أقاربهم، كما منعت الميليشيات نشر أسماء المتهمين بتورطهم في تجارة الأدوية المزورة.
وتؤكد المصادر أن عائلات الأطفال الضحايا طالبت قيادات حوثية تدير قطاع الصحة، بمن فيهم طه المتوكل، بالكشف عن المتسبب الأول والحقيقي في وفاة أطفالهم، واختصار الطريق عليهم بشكل واضح، بدلا عن مضاعفة معاناتهم وابتزازهم نفسيا ومعنويا من خلال إغرائهم بإمكانية توصل القضاء إلى المتهم الحقيقي في القضية.
وبحسب المصادر؛ أبدت عائلات الأطفال الضحايا امتعاضها من المماطلة والسرية في التحقيق مع المتهمين، وإجبارها على الصمت حول ما يدور في تلك الجلسات، كون ذلك لا يخدم القضية بأي شكل، وأعلنت رغبتها في أن تكون الإجراءات القضائية علنية كون القضية تمس الرأي العام وحياة أفراد المجتمع.
كما تمسكت العائلات بحقها في الحصول على تعويضات عمّا لحقها من أضرار وخسائر، ومنها المبلغ الذي أقره البرلمان الذي تسيطر عليه الميليشيات.
إلا القيادات الحوثية ردت على جميع تلك المطالب بالرفض التام، ودعت الأهالي إلى التأني والصبر حتى تنتهي كامل الإجراءات، ووعدت عائلات الضحايا بالحصول على إنصاف كامل، وهو ما لم تقتنع به العائلات، إلا أنها لا تملك خيارات أخرى للتصعيد من أجل مطالبها.
إتلاف مزور
يعتزم العديد من تجار الأدوية في العاصمة صنعاء إغلاق شركاتهم والانتقال إلى المناطق المحررة هرباً من الابتزاز الذي تمارسه الميليشيات الحوثية ضدهم، والإتاوات الباهظة التي يجري تحصيلها منهم، وإلزامهم بالمشاركة في دعم الاحتفالات بالمناسبات الطائفية، وتقديم أدوية مجانية للمستشفيات التابعة للميليشيات والمساهمة في علاج جرحى المعارك.
ويقول تجار الأدوية إن الميليشيات الحوثية تبتزهم من خلال اتهامهم ببيع أدوية مهربة أو منتهية في حال رفضهم سداد الإتاوات المفروضة عليهم، وفي بعض الأحيان تقتحم الميليشيات مقار شركاتهم ومخازنهم وتصادر كميات من الأدوية بحجة أنها منتهية أو مزورة دون وجود خبراء مختصين بذلك، ودون أوامر قضائية.
ويستغرب التجار من أن الميليشيات الحوثية تقدم على هذه الممارسات بهذا الشكل الذي يصفونه بالبلطجة، برغم أنها تستطيع تلفيق الاتهامات بشكل مختلف طالما وهي تسيطر على المؤسسات الصحية والدوائية وأجهزة الأمن والقضاء، ويشيرون إلى أن القيادي طه المتوكل بنفسه ينزل بنفسه لمصادرة ونهب الأدوية من مخازنهم.
ويرجح هؤلاء التجار أن الميليشيات تعمل على إتلاف كميات بسيطة من الأدوية التي تصادرها منهم من أجل إضفاء المصداقية على ادعاءاتها بمكافحة تهريب وتزوير الأدوية.
ويستدلون على ذلك بأن الصور التي ينشرها الإعلام الحوثي عن عمليات الإتلاف، تظهر كميات محدودة جدا لا تتعدى عشرات الكيلوجرامات، في حين يكون الإعلان عن إتلاف عشرات الأطنان، إضافة إلى أنهم لا يجدون بضائعهم في الصور ومقاطع الفيديو التي ينشرها الإعلام الحوثي عن عمليات الإتلاف.