ما خيارات مصر للرد على مساعي إثيوبيا لإنشاء مفوضية «حوض النيل»؟

أديس أبابا تقدمت بطلب للاتحاد الأفريقي

منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا 15 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا 15 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
TT

ما خيارات مصر للرد على مساعي إثيوبيا لإنشاء مفوضية «حوض النيل»؟

منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا 15 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
منظر عام لمقر الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا 15 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

خطوة تصعيدية جديدة لإثيوبيا ترفع منسوب التوتر مع القاهرة عبر طلب للاتحاد الأفريقي بإنشاء مفوضية لدول حوض النيل تأسيساً على اتفاقية عرفت باسم «عنتيبي» ترفضها دولتا المصب مصر والسودان، باعتبارها تمس حصتهما المائية التاريخية.

التحرك الإثيوبي، الذي يأتي في ظل أزمة قائمة بين البلدين تعود لنحو عقد بسبب خلافات ملف سد النهضة الإثيوبي على النيل الأزرق، اعتبره خبراء لـ«الشرق الأوسط» بمثابة «استفزاز» من أديس أبابا، فيما أشاروا إلى عدة خيارات للقاهرة للرد أدناها قائم على تحركات أفريقية دولية ستشكك في صحة النصاب القانوني وتوضيح الموقف والتداعيات.

وباعتقاد الخبراء فإن الخطوة الإثيوبية «مقصودة» في ظل التصعيد مع القاهرة منذ وصول قوات مصرية للصومال أواخر الشهر الماضي، بعد توقيع اتفاق تعاون دفاعي مصري صومالي في أعقاب عقد إثيوبيا اتفاقاً بداية العام مع إقليم انفصالي عن مقديشو على البحر الأحمر يهدد سيادة ومصالح البلدين، وسط رفض مصري عربي.

وكشفت إثيوبيا، الاثنين، عن خطاب وجهته لمجلس الأمن الدولي، رداً على رسالة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مطلع الشهر الحالي، يتضمن إيداع اتفاقية «عنتيبي» المائية أمام مفوضية الاتحاد الأفريقي بهدف دخولها حيز التنفيذ، ودعوة القاهرة للتصديق عليها، مؤكداً استعداد بلاده مواصلة المفاوضات المجمَّدة منذ ديسمبر (كانون الأول) 2023، بشأن سد النهضة.

وتضم دول حوض نهر النيل 11 دولة أفريقية بين دول المنبع (منبع النهر): بوروندي، والكونغو، وإثيوبيا، وكينيا، ورواندا، والسودان، وتنزانيا، وأوغندا، وإريتريا، فضلاً عن دولتي المصب مصر والسودان، وسط تجاذبات تقودها أديس أبابا تجاه اتفاقيات المياه التاريخية، وظهر ذلك بصورة جلية بعد بناء سد النهضة، قبل نحو عقد، والحديث عن اتفاقيات ما تسميها «الحقب الاستعمارية» والدعوة لتعديلها.

وتعارض القاهرة والخرطوم الاتفاقية، وتتمسكان باتفاقيات 1902 و1929 و1959 التي ترفض الإضرار بدول المصب، كما تقر نسبة 55.5 مليار متر مكعب من مياه النيل لمصر، ونسبة 18.5 مليار متر مكعب للسودان وترفض أي مشروع مائي بمجرى النيل يلحق أضراراً بالأمن المائي.

وحسب تقرير سابق لهيئة الاستعلامات المصرية، «هناك خلاف بين دول المنابع ودولتي المصب، بعد توقيع دول بينها إثيوبيا على الاتفاق الإطاري لمبادرة دول حوض النيل للتعاون التي انطلقت عام 1999 تحت إشراف مجلس وزراء الموارد المائية لدول وادي النيل، وتحفّظت (دولتا المصب) على هذا التوقيع خاصة (مصر) التي كانت لها ملاحظات حول المادة (14) من الاتفاق، والمتمثلة بالأمن المائي من خلال ما يعرف بالاستخدام المنصف».

وتطالب مصر بحصتها الكاملة من المياه كدولة مصب وتعارض إنشاء أي مشروع على مجرى النهر إلا بموافقتها، كما ترى أنه يحق لها الإشراف والرقابة المستمرة على تدفق المياه من المنابع حتى المصب استناداً إلى اتفاقيات سابقة، وسط نقاشات لاقت تحرك بعض دول المنبع للاتفاق على اتفاق إطار في مدينة عنتيبي في أوغندا في 14 مايو (أيار) 2010، وفق التقرير ذاته.

ولم تُعلّق مصر على خطوة إيداع اتفاقية «عنتيبي» وواصلت، الثلاثاء، مشاورات بشأن ملف نهر النيل وقضايا القرن الأفريقي، خلال محادثات بين وزير الخارجية المصري، الدكتور بدر عبد العاطي ونظيره المغربي ناصر بوريطة، وفق إفادة للخارجية المصرية.

وتنتظر مصر والسودان، قراراً من الجامعة، بدعمهما في حفظ حقوقهما المائية ورفض المساس بحصصهما التاريخية، عقب اجتماع وزراء الخارجية العرب، الثلاثاء، ومطلع سبتمبر (أيلول) أودعت مصر مذكرة في مجلس الأمن الدولي، تشير إلى أن «أديس أبابا ترغب فقط في استمرار وجود غطاء تفاوضي لأمد غير منظور بغرض تكريس الأمر الواقع».

ونوّهت مذكرة مصر أمام مجلس الأمن الدولي بأن اللجنة العُليا لمياه النيل اجتمعت برئاسة رئيس مجلس الوزراء، مصطفى مدبولي، في أغسطس (آب) 2024، و«أكّدت حق مصر في الدفاع عن أمنها المائي، واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق ذلك على مختلف الأصعدة».

مدير مركز دراسات شرق أفريقيا في نيروبي، عبد الله أحمد إبراهيم، يرى أن «إثيوبيا تريد كسب الوقت» وعدم عرقلة برنامجها تجاه السد، فتقدمت بطلب للاتحاد الأفريقي، في «سيناريو مماثل لمفاوضات برنامج النووي الإيراني» مع الغرب وإيران لا تزال تطور مشروعها، لافتاً إلى أن «خيارات مصر إما أن تجلس مع إثيوبيا للحوار أو تأخذ خياراً آخر عسكرياً لوقف مثل هذه المشاريع».

ويعتقد أن «الاتحاد الأفريقي مقره أديس أبابا وإثيوبيا لها نفوذ عليه، ولا أشك أن الاتحاد سيقبل رغم الرفض المصري».

المحلل السوداني المتخصص بالشؤون الأفريقية، محمد تورشين، يرى أن إثيوبيا تقدمت بطلب إنشاء المفوضية «بعد وصول النصاب القانوني إلى 6 دول بعد انضمام جنوب السودان قبل شهرين ليس من بينهما دولتا المصب»، مشيراً إلى أنها تريد أن «تجعل تلك المفوضية مرجعية لمواجهات أي اتفاقيات مائية سابقة (تتمسك بها مصر)».

وحسب تورشين فإن إثيوبيا قد تستخدم نفوذها بالاتحاد لقبول تأسيس تلك المفوضية، لافتاً إلى أن خيارات مصر، وهي دولة ذات ثقل أفريقي، القيام بتحركات دبلوماسية داخل أروقة الاتحاد لعدم تنفيذ ذلك.

في المقابل، ترى مساعدة وزير الخارجية المصري الأسبق، السفيرة منى عمر، أن النصاب القانوني لإنشاء المفوضية يتحقق بالثلثين وهو 7 دول وليس 6 دول عقب انضمام جنوب السودان، وبالتالي لا أساس قانوني ستقوم عليه هذه المفوضية التي يجب أن تنضم لها مصر لاعتبارات كثيرة وهذا يحتاج إلى تفهم حقوق مصر قبل أي شيء وحوار حقيقي وتعاون بناء وليست محاولات إثيوبية «استفزازية».

وستتحرك القاهرة، وفق السفيرة منى عمر، ضمن خيارات بينها خطوة استباقية لعرض الموقف المصري بشأن المفوضية ومخالفتها لقواعد القانون الدولي والحق المائي، وعدم اكتمال النصاب القانوني، وأهمية التعاون لا النزاع.

وتعتبر منى عمر أن إثيوبيا مَنْ تصعد مع مصر، وليس العكس، مؤكدة أن موقف مصر منحاز للقانون ويجب الالتزام به والتجاوب معه، لافتة إلى أن المسار الإثيوبي في سد النهضة غير مبشر، لكن مصر قادرة على حماية حقوقها وحفظ أمنها المائي.


مقالات ذات صلة

كينيا تعلن عن خطة لمكافحة العنف ضد النساء بعد قتل 100 امرأة

أفريقيا نساء كينيات في مقاطعة سامبورو الشمالية (رويترز)

كينيا تعلن عن خطة لمكافحة العنف ضد النساء بعد قتل 100 امرأة

أعلنت كينيا، الخميس، أن «العنف القائم على النوع» هو التهديد الأمني الأكثر إلحاحاً الذي تتعرض له البلاد، حيث قُتلت 100 امرأة في الأشهر الأربعة الماضية.

«الشرق الأوسط» (نيروبي)
أفريقيا مواطنون ماليون يحتفلون بعودة جنود من الجيش من معارك ضد الإرهاب (الجيش المالي)

جيش مالي يعتقل قيادياً في «داعش» ويقتل بعض معاونيه

نفذ الجيش المالي عملية عسكرية «خاصة» على الحدود مع النيجر، أسفرت عن اعتقال قيادي بارز في «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».

الشيخ محمد (نواكشوط)
أفريقيا رئيس مفوضية «إيكواس» أليو عمر توري خلال اجتماع في مقر المنظمة بأبوجا 11 ديسمبر (د.ب.أ)

قادة غرب أفريقيا يعقدون قمة «عادية» لنقاش ملفات «استثنائية»

يسعى قادة «إيكواس»، التي ترفع شعار الاندماج الاقتصادي، لإقناع مالي وبوركينا فاسو والنيجر بالبقاء في المنظمة.

الشيخ محمد (نواكشوط)
العالم العربي الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان (الأحد)، إن الوزير بدر عبد العاطي تلقَّى اتصالاً هاتفياً من نظيره الصومالي أحمد معلم فقي؛ لإطلاعه على نتائج القمة الثلاثية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا خوري والسفراء والممثلون الأفارقة لدى ليبيا في اجتماع بمقر البعثة الأممية (البعثة)

خوري تُطلع السفراء الأفارقة في ليبيا على تطورات العملية السياسية

في لقاء مع سفراء وممثلين أفارقة في ليبيا بحثت البعثة الأممية «العناصر الرئيسية للعملية السياسية التي تيسرها الأمم المتحدة في ليبيا والتي تهدف إلى إنهاء الجمود».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

الجيش الأميركي ينفذ غارات جوية دقيقة على منشأتين للحوثيين في صنعاء

دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)
TT

الجيش الأميركي ينفذ غارات جوية دقيقة على منشأتين للحوثيين في صنعاء

دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)
دخان يتصاعد من موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت محطة كهرباء في صنعاء الخاضعة للحوثيين (أ.ف.ب)

قال الجيش الأميركي إنه نفذ غارات جوية دقيقة على مستودع لتخزين الصواريخ ومنشأة للقيادة والسيطرة تديرهما جماعة الحوثي المدعومة من إيران في العاصمة اليمنية صنعاء، بُعيد تبني الحوثيين إطلاق صاروخ على وسط إسرائيل أسفر عن سقوط جرحى.

وقالت القيادة الوسطى الأميركية «سنتكوم»، في بيان، إن القوات الأميركية أسقطت أيضاً خلال العملية طائرات مسيّرة عدة للحوثيين فوق البحر الأحمر إضافة إلى صاروخ مضاد للسفن.

وذكرت القيادة المركزية للجيش الأميركي في بيان أن الضربات تهدف إلى «تعطيل وإضعاف عمليات الحوثيين، ومنها الهجمات على السفن الحربية الأميركية والسفن التجارية في جنوب البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن».

وهزت انفجارات عنيفة العاصمة اليمنية صنعاء، مساء السبت، إثر غارات جوية لمقاتلات التحالف الأمريكي البريطاني. وقال سكان محليون لـ«وكالة الأنباء الألمانية»: «إن الغارات استهدفت مواقع عسكرية في جبلي عطان ونقم جنوب وشرق العاصمة صنعاء».

وأكد السكان، تصاعد أعمدة الدخان وألسنة اللهب من المواقع المستهدفة، دون أن يتضح حجم الخسائر.

ولم يتطرق الحوثيون إلى تفاصيل القصف حتى الآن.

وبدأت الغارات الأمريكية البريطانية في اليمن في 12 يناير (كانون الثاني) 2024، رداً على هجمات الحوثيين في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، التي يقولون إنها تستهدف السفن الإسرائيلية والمرتبطة بإسرائيل نصرة لغزة، قبل أن توسع نطاق عملياتها مستهدفة سفناً أمريكية وبريطانية. ومنذ الخميس الماضي صعّد الحوثيون هجماتهم على إسرائيل، ما استدعى الأخيرة إلى شن هجوم جوي على مواني الحديدة، غرب البلاد، ومحطات الطاقة في صنعاء، مخلفاً أضراراً مادية في ميناء الحديدة وتسعة قتلى من العمال وإصابة ثلاثة آخرين.