قيود الحوثيين على تصدير رمّان صعدة تهوي بأسعاره

مساعٍ للسيطرة على الإنتاج الزراعي والتسويق

مزارع رمان في صعدة حيث يحظى بشهرة دولية واسعة بسبب جودته (رويترز)
مزارع رمان في صعدة حيث يحظى بشهرة دولية واسعة بسبب جودته (رويترز)
TT

قيود الحوثيين على تصدير رمّان صعدة تهوي بأسعاره

مزارع رمان في صعدة حيث يحظى بشهرة دولية واسعة بسبب جودته (رويترز)
مزارع رمان في صعدة حيث يحظى بشهرة دولية واسعة بسبب جودته (رويترز)

يضطر مزارعو الرمان في محافظة صعدة اليمنية (شمال) إلى بيع محاصيلهم بأبخس الأثمان بعد أن منعتهم الجماعة الحوثية من بيع منتجاتهم خارج مناطق سيطرتها؛ إذ ترفض منذ أواخر الشهر الماضي نقاط التفتيش في محافظتي صعدة والجوف عبور الشاحنات المحملة بمحصول الرمان المخصص للتصدير خارج البلاد.

واتخذ القياديان الحوثيان زكريا المتوكل، الذي عينته الجماعة الحوثية مديراً لمكتب الزراعة في محافظة صعدة، وحسين صلاح المراني المكنى «أبو طه»، والمعين مديراً لأمن المحافظة، قراراً بمنع تصدير الرمان إلى دول الجوار، إلا بعد إلزام المزارعين والمصدرين بتغيير طريقة تعبئة وتغليف الرمان.

واشترط القياديان الحوثيان أن تكون صناديق تعبئة الرمان المخصص للتصدير صغيرة الحجم، وأن تحتوي كل عبوة طبقة واحدة فقط من الثمار.

ولجأ مزارعو الرمان في محافظة صعدة إلى الاحتجاج على ذلك القرار، والاعتصام أمام مبنى السلطة المحلية في المحافظة، الذي تسيطر عليه الجماعة، مطالبين بإلغاء القرار، أو تأجيل العمل به إلى الموسم المقبل.

وتذكر مصادر زراعية في المحافظة أن المزارعين أبدوا استعدادهم لدفع أي أموال تشترطها الجماعة، مثل الغرامات، مقابل عدم إيقاف شحن محاصيلهم أو منعها من التصدير والسماح لهم بتصدير العبوات الحالية من الرمان دون إجراء أي تعديلات.

تبريرات غير منطقية

يستنكر المزارعون والمصدّرون القرار الحوثي المفاجئ، الذي اتُّخذ بعد أن أتموا عمليات التعبئة والتغليف وبدأوا نقل منتجاتهم بواسطة الشاحنات باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً، استعداداً لنقلها إلى المنافذ الحدودية.

ووفق المزارعين والمصدّرين، فإن هذا القرار يتسبب لهم في خسائر كبيرة؛ إذ سيضطرهم إلى إعادة شراء عبوات التعبئة والتغليف وفق الشروط التي حددها القيادي المتوكل، وإعادة عملية التعبئة والتغليف مجدداً، في حين أن كميات كبيرة من المحصول قد تم نقلها فعلياً، وتنتظر الوصول إلى المنافذ الحدودية.

محافظة صعدة من أعلى مناطق اليمن إنتاجاً للرمان (إكس)

وبينما لم توضح الجماعة الحوثية أسباب اشتراطها هذه الطريقة في التعبئة والتغليف، يبرر ناشطون تابعون لها هذا الإجراء باتهام الدول المستوردة للرمان بفتح العبوات وإعادة التعبئة والتغليف لبيع الرمان في عبوات أصغر حجماً وتسويقه على أنه منتج محلي، مما يضر بالرمان اليمني ويقلل من انتشاره.

ويسخر خبير اقتصادي من هذه «الادعاءات» التي يرى أنها «غير منطقية، ولا يمكن أن تقدِم عليها أي جهة أو دولة؛ لأن المنتجات المحلية أرخص من المنتجات المستوردة، ولن تجد مبرراً لرفع أسعار المنتجات التي تزور بياناتها بزعم أنها منتجات محلية».

ونوه الخبير، الذي طلب من «الشرق الأوسط» حجب بياناته نظراً إلى إقامته في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، بأن «أسعار المحاصيل والمنتجات تكون أعلى في حال كانت أحجام العبوات أصغر ومحتوياتها أقل، وهو ما تحاول الجماعة الحوثية تحقيقه للحصول على أعلى نسبة ممكنة من الإيرادات.

وتتمثل الإيرادات في دخول مزيد من العملات الأجنبية إلى مناطق سيطرة الجماعة من جهة، وزيادة الجبايات التي تفرضها على المزارعين والمصدّرين بحجة ارتفاع مبيعاتهم وزيادة أسعارها في الأسواق الخارجية».

بأبخس الأسعار يباع الرمان في أسواق صعدة اليمنية بعد أن منع الحوثيون تصديره (إكس)

وفنّد الخبير مزاعم الناشطين الحوثيين بأن «محال البيع بالتجزئة أو البيع المباشر للمستهلك حول العالم تعمل فعلاً على توزيع محتويات صناديق المنتجات الزراعية في عبوات صغيرة أو إفراغها وعرض المنتجات أمام المستهلكين لاختيار الكميات التي تناسبهم، وتضع بيانات هذه المنتجات أمامهم لتبرير أسعارها»، وأن «التزوير إن حدث فسيكون في بيانات المنتجات المحلية وليس المستوردة».

مساعٍ للاستحواذ

يتهم مصدّرو ومزارعو الرمان الجماعة الحوثية بابتكار شروط تعجيزية لعرقلة التصدير، في سعي منها إلى الاستحواذ على المحاصيل لمصلحة الجمعيات والشركات المختصة في تسويق وتصدير المنتجات الزراعية التي أنشأتها، والتي يديرها عدد من قادتها، وإجبار المزارعين على البيع لها بأسعار زهيدة.

وتنظم الجمعيات الزراعية التابعة للجماعة الحوثية، بالتعاون مع الكيانات الموازية لمؤسسات الدولة، فعاليات موسمية حول زراعة وإنتاج وتسويق الرمان، وغيره من المنتجات الزراعية، وهي الفعاليات التي يتوجس منها المزارعون والمصدّرون؛ لأنها تأتي، طبقاً للمصادر الزراعية، ضمن مساعي السيطرة على الإنتاج الزراعي وتجييره لإثراء الجماعة.

المزارعون اليمنيون يتعرضون لتعسف الحوثيين وإتاواتهم (رويترز)

ويساور القلق منتجي ومصدّري الرمان في محافظة صعدة من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى إلحاق خسائر كبيرة بهم، بعد أن أنفقوا مبالغ كبيرة خلال موسم الإنتاج الحالي، وبدأت ملامح هذه الخسائر تظهر في اضطرارهم إلى بيع منتجاتهم المعدّة للتصدير في الأسواق المحلية.

وانخفضت أسعار الرمان في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية بمعدل يصل إلى 50 في المائة بمحافظة صعدة، وبما بين 20 و40 في المائة في باقي المحافظات، تبعاً لبعدها أو قربها من محافظة صعدة.

وكانت عودة تصدير الرمان إلى دول الجوار خلال الأعوام الأخيرة مكنت المزارعين من تفادي الخسائر الموسمية التي يتكبدونها بسبب ارتفاع أسعار الوقود، وصيانة المعدات، وقلة عدد مخازن التبريد، إلى جانب الجبايات الحوثية المفروضة عليهم بالقوة.

وتسبب توقف التصدير سابقاً، بفعل الممارسات الحوثية واستمرار الحرب، في تراجع إنتاج الرمان ومحاصيل أخرى، واضطرار المزارعين إلى التوجه لزراعة نبتة القات المخدرة التي تلقى رواجاً محلياً واسعاً.


مقالات ذات صلة

«تقييم الحوادث» في اليمن يؤكد عدم استهداف التحالف مستشفى صرواح الريفي في 2015

الخليج المستشار منصور المنصور خلال المؤتمر الصحافي الأربعاء في الرياض (الشرق الأوسط)

«تقييم الحوادث» في اليمن يؤكد عدم استهداف التحالف مستشفى صرواح الريفي في 2015

أكد الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن أن مهمته إيضاح الحقائق بحيادية تامة ودون تحيز.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
خاص عنصر حوثي خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

خاص مواقف متباينة في صنعاء حول الحرب الإيرانية - الإسرائيلية

أظهرت المتابعة للشارع اليمني الخاضع للحوثيين أن الحرب الإيرانية - الإسرائيلية الحالية أفرزت السكان والناشطين إلى ثلاث فئات متباينة في ردود الفعل والمواقف

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي إعادة فتح الطريق الرئيسي المغلق في الضالع سمحت بدخول البضائع والسلع من ميناء عدن (إكس)

قيود حوثية قاسية على طريق حيوي أعيد فتحه بين عدن وصنعاء

بعد إعادة فتح طريق حيوي بن عدن وصنعاء، بدأ الحوثيون فرض جبايات جديدة على السكان، وعلى مشترياتهم من مناطق سيطرة الحكومة، واستحدثوا جمارك جديدة.

وضاح الجليل (عدن)
تحليل إخباري موالون للجماعة الحوثية يرفعون صوراً لزعيمهم خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

تحليل إخباري خوفاً على مشروعهم من الانهيار... دعوات حوثية للبحث عن حلول عاجلة للأزمة اليمنية

برزت أصوات من داخل جماعة الحوثيين تدعو إلى التحرك العاجل والبحث عن مخرج للأزمة اليمنية، تحسباً لتفاقم الأوضاع الإقليمية وتداعياتها المحتملة على الداخل اليمني.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي صاروخ استعرضه الحوثيون في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء (رويترز)

دعم إيران للحوثيين يمنع تعاطف اليمنيين معها

لم يخفِ الشارع اليمني، المؤيد للحكومة، ارتياحه لما يتعرض له النظام في طهران من ضربات إسرائيلية على أمل أن يقود ذلك إلى توقف دعم الانقلاب الحوثي واستعادة الدولة.

علي ربيع (عدن)

مواقف متباينة في صنعاء حول الحرب الإيرانية - الإسرائيلية

عنصر حوثي خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)
عنصر حوثي خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

مواقف متباينة في صنعاء حول الحرب الإيرانية - الإسرائيلية

عنصر حوثي خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)
عنصر حوثي خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

أثار إعلان الجماعة الحوثية وقوفها مع إيران في مواجهة إسرائيل، سخط الشارع اليمني، حيث يرى سكان وناشطون في العاصمة المختطفة صنعاء أن الجماعة تسعى مُجدداً لإقحام نفسها في حروب جديدة يدفع فاتورتها الشعب اليمني دون غيره.

ويأمل سكان في صنعاء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» ألا يقحم قادة الانقلاب الحوثي اليمنيين في صراعات «لا ناقة لهم فيها ولا جمل»، بخاصة في ظل هذه المرحلة التي يصفونها بـ«العصيبة»، إذ يعاني الملايين من الجوع وانعدام فرص الحياة.

وكانت جماعة الحوثيين تبنّت، الأحد الماضي، أولى الهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل لمساندة إيران بالتنسيق مع الأخيرة، وذلك غداة تأكيد زعيمها عبد الملك الحوثي دعمه لموقف طهران «بكل ما يستطيع» للرد على الضربات الإسرائيلية.

وجاء تبني الجماعة للهجمات المنسقة مع طهران عقب ساعات من استقبال العاصمة المختطفة صنعاء ضربات إسرائيلية هدفت لاغتيال قادة حوثيين، يتصدرهم رئيس أركان الجماعة محمد عبد الكريم الغماري، وسط تعتيم على نتائج العملية.

آثار الدمار إثر قصف صاروخي إيراني شرق تل أبيب (أ.ف.ب)

وشهدت صنعاء ومدن أخرى خاضعة للحوثيين تبايناً في ردود الفعل والمواقف الشعبية، لكنها اتسمت في معظمها إما بالصمت أو بالتشفي من طهران وتل أبيب على حد سواء، بسبب تقديم الأولى الدعم والتمويل للجماعة الحوثية لقتل وتجويع وتشريد اليمنيين، وبسبب ارتكاب إسرائيل المجازر في غزة.

ثلاث فئات

أظهرت متابعة الشارع اليمني الخاضع للحوثيين أن الحرب الإيرانية الإسرائيلية الحالية أفرزت السكان والناشطين إلى ثلاث فئات متباينة في ردود الفعل والمواقف، إذ تمثلت الفئة الأولى في «المتابعين بصمت» الذين يرون باختصار أن هذه الحرب هي «تصفية الظالمين بالظالمين». وفق تعبيرهم.

أما الفئة الثانية فتمثلت في أتباع الجماعة الحوثية والموالين لها ممن يؤيدون بقوة الضربات الإيرانية ضد إسرائيل، ويطالبون كبار قادة جماعتهم بسرعة التدخل لدعم إيران من باب رد الجميل لها.

تصاعد الدخان عقب هجوم إسرائيلي على مستودع للنفط في طهران (رويترز)

وتمثلت الفئة الأخيرة في المؤيدين لما يتعرض له النظام الإيراني، الذين يرون أنه حول اليمن إلى مسرح مفتوح للحرب وقام بدعم الانتهاكات الحوثية وتزويد الجماعة بالأسلحة لترسيخ انقلابها وقمع اليمنيين.

ويبدي «سامي»، وهو اسم مستعار لأحد سكان صنعاء، ارتياحه إزاء استمرار توجيه ضربات عنيفة للنظام الإيراني حتى يلاقي، بحسب قوله، مصيره حيال دعمه المتكرر للإرهاب الحوثي.

ويتمنى سامي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن تؤدي هذه المواجهة إلى إضعاف النفوذ الإيراني أو حتى سقوطه بصورة نهائية في المنطقة، وعلى رأسه الذراع الحوثية في اليمن.

ويرى أن أي استهداف قوي وُمدمر للنظام الإيراني في الوقت الحالي سينعكس حتماً على حلفائه في اليمن الممثلين في الجماعة الحوثية.

رقابة أمنية

على صعيد المنع الحوثي للتأييد المحلي في صنعاء لضرب إيران، فقد نشرت الجماعة العشرات من الجواسيس والمخبرين التابعين لها في معظم شوارع وأحياء صنعاء وعلى مستوى أماكن التجمعات والمقاهي والحدائق العامة، بغية مراقبة وتتبع أحاديث السكان بخصوص الصراع الحالي، والإبلاغ عن المؤيدين لضرب إيران.

صواريخ اعتراضية إسرائيلية تتصدى لهجوم حوثي (رويترز)

وكانت الجماعة الحوثية لجأت عقب تنفيذ الضربة الأولى ضد إيران لاستخدام كافة الوسائل والطرق الممكنة لإقناع السكان في صنعاء وبقية المدن بضرورة تأييد طهران، بزعم أن الأخيرة تقف حالياً بالنيابة عن الدول العربية والإسلامية في مواجهة إسرائيل والغرب.

ويرى مراقبون في صنعاء أن ذلك يأتي خوفاً من الخلاص من النظام الإيراني الذي لطالما قدم لها الدعم والتمويل لمواصلة انقلابها وحربها ضد اليمنيين وزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وخشية من أن يأتي الدور القادم عليها.