الزبيب الإيراني يغزو الأسواق اليمنية ويهدد المزارعين بالإفلاس

مزاعم حوثية بمنع الاستيراد بسبب الاكتفاء الذاتي

الحوثيون يجبرون المزارعين على التبرع لمقاتليهم بالهدايا «العيدية» ومنها الزبيب (إعلام حوثي)
الحوثيون يجبرون المزارعين على التبرع لمقاتليهم بالهدايا «العيدية» ومنها الزبيب (إعلام حوثي)
TT

الزبيب الإيراني يغزو الأسواق اليمنية ويهدد المزارعين بالإفلاس

الحوثيون يجبرون المزارعين على التبرع لمقاتليهم بالهدايا «العيدية» ومنها الزبيب (إعلام حوثي)
الحوثيون يجبرون المزارعين على التبرع لمقاتليهم بالهدايا «العيدية» ومنها الزبيب (إعلام حوثي)

يواجه مزارعو العنب في اليمن، خصوصاً في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، مخاطر الإفلاس والكساد، التي دفعت الكثير منهم إلى قلع أشجارهم، وهجرة مهنتهم والتحول إلى مهن أخرى، وذلك بسبب استيراد الزبيب الإيراني والإجراءات التعسفية إلى جانب ظروف المناخ القاسية والأوضاع الاقتصادية المتردية.

ورغم مزاعم الجماعة الحوثية بمنع استيراد الزبيب (العنب المجفف)، فوجئ المزارعون خلال عيدَي الفطر والأضحى هذا العام بإغراق الأسواق بالزبيب المستورد، وأغلبه من إيران، والذي يباع بأسعار أقل من الأسعار التي يباع بها الزبيب المحلي، بالتزامن مع جبايات حوثية تؤدي إلى إلحاق خسائر مضاعَفة بالمزارعين، والتوجه إلى زراعة نبتة «القات» المخدرة.

أطفال يمنيون يعملون في زراعة العنب خلال عملية قطف محصولهم لبيعه في الأسواق (إ.ب.أ)

وتعدّ نبتة القات أكثر ربحية وأقل تكلفة للمزارعين، إلى جانب إمكانية زراعتها وبيعها طوال العام، وليس فقط في مواسم محددة.

وأصدرت الجماعة الحوثية خلال السنوات الماضية قرارات ضمن ما قالت إنها استراتيجية لدعم وتطوير الزراعة وتحقيق الاكتفاء الذاتي؛ ومن ذلك منع استيراد الزبيب، لتمكين مزارعي العنب من زيادة وتطوير منتجاتهم.

وبينما كان قطاع واسع من مزارعي العنب في مناطق سيطرة الجماعة يقتلعون بعض أو كل أشجارهم لاستبدال نبتة القات بها، ضاعف آخرون من إنتاجهم طمعاً في تحقيق الأرباح بعد قرار الجماعة منع استيراد الزبيب، واضطروا في سبيل ذلك لشراء كميات كبيرة من المياه الجوفية لري مزارعهم.

وتعاني زراعة العنب في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية من الجفاف وشح المياه خلال العقود الأخيرة، وتبدل مواسم الأمطار، إلى جانب الضرر الذي ألحقته المبيدات الحشرية بمزارعهم نتيجة غياب الرقابة واستيراد أنواع خطرة ومحرمة دولياً من المبيدات.

وادعت الجماعة أنها بصدد التعاقد مع الجمعيات الإنتاجية والمزارعين لفترات طويلة الأمد لشراء منتجاتهم بأسعار مشجِّعة، إلا أن الزبيب المستورد استمر في التدفق وإغراق الأسواق.

مصادرة وجبايات

منذ أسبوعين بدأت ما تعرف باللجنة الزراعية والسمكية العليا، وهي كيان مستحدث، ووزارة الزراعة والري في حكومة الجماعة غير المعترف بها دولياً، تنفيذ حملات تفتيش ميدانية على محلات بيع وتداول الزبيب المستورد في عدد من أحياء صنعاء.

مزارع يمني يبدأ تجفيف العنب لتحويله إلى زبيب (إ.ب.أ)

بالتزامن مع حملتها لمصادرة الزبيب المستورد؛ نفذت الجماعة حملات لجمع تبرعات نقدية وعينية من التجار والباعة كهدايا عيدية لمقاتليها في الجبهات، وشملت تلك التبرعات كميات كبيرة من الزبيب المحلي.

أثارت الجبايات الحوثية استياء تجار الزبيب الذين استغربوا من إصرار الجماعة على مصادرة بضائعهم كهدايا للمقاتلين، في الوقت الذي تصادر فيه كميات كبيرة من البضائع المستوردة بحجة مخالفة قراراتها، وكان بإمكانها إهداء الكميات المصادرة للمقاتلين.

تعد مواسم الأعياد أكثر فترات شراء واستهلاك الزبيب الذي يستخدم كهدايا عيدية ويقدم للضيوف خلال الزيارات، كما أن الكثير من العائلات ترسل منه كميات كبيرة كهدايا لأقاربها في الأرياف والمحافظات البعيدة، وكلما زادت كمية وجودة الزبيب، كانت دليلاً على كرم المضيف أو مرسل الهدية.

وتقول مصادر تجارية في صنعاء إن كميات كبيرة من الزبيب المحلي تكدست في الأسواق ومخازن التجار نتيجة عدم توفر إمكانية تسويقها وبيعها، بسبب منافسة الزبيب الإيراني المستورد الذي يباع بأسعار أقل.

تراجع كميات الزبيب اليمني بسبب الصعوبات التي تعوق إنتاجه (أ.ف.ب)

ورغم مزاعم الجماعة تنفيذ حملة لملاحقة بائعيه؛ فإن ذلك لم يشكل فارقاً لدى تجار التجزئة الذين أبلغوا تجار الجملة والمزارعين برغبتهم في إعادة كميات الزبيب التي اشتروها منهم.

وبينت المصادر أن أعداداً من تجار الزبيب لجأوا خلال الأعوام الأخيرة إلى عقد اتفاقات مع المزارعين على شراء كميات محدودة من الزبيب؛ نظراً لعدم قدرتهم على بيعه بسبب تراجع القدرة الشرائية للسكان، ومنافسة الزبيب الإيراني المستورد.

دعم الاقتصاد الإيراني

اقترح تجار التجزئة على المزارعين وتجار الجملة استلام كميات الزبيب منهم لتسويقها وبيعها، ودفع أثمان ما تمكنوا من بيعه عند بداية الموسم الجديد، وإعادة الكميات التي عجزوا عن بيعها، إلا أن المقترح لم يكن عملياً بالنسبة للمزارعين وتجار الجملة الذين فضلوا بيعه في مناطق أخرى خارج سيطرة الجماعة أو تصديره إلى الخارج، وفقاً للمصادر.

في الأعياد تزدهر تجارة الزبيب في اليمن غير أن القدرة الشرائية خلال السنوات الأخيرة تسببت بكساده (أ.ف.ب)

هذه الاستراتيجية لم تنجح بدورها؛ بسبب الجبايات والإجراءات التعسفية التي تفرضها الجماعة على التصدير، ما اضطر المزارعين إلى تقليل إنتاجهم من العنب، واقتلاع الأشجار واستبدال نبتة القات بها.

مصادر أخرى بقطاع التجارة في صنعاء أكدت أن قيادات حوثية تجبر المزارعين وتجار الجملة على بيع الزبيب لها أو لتجار موالين للجماعة، بدلاً من تصديره وبيعه خارج مناطق سيطرتها، في حين يتم استيراد الزبيب الإيراني برضا وموافقة وزارتَي التجارة والزراعة في حكومة الجماعة التي لا يعترف بها أحد.

ورجحت احتمالية أن يكون لتوجه الجماعة حديثاً لتنفيذ قرارها بمنع استيراد الزبيب، علاقة بقرارات البنك المركزي اليمني الأخيرة، التي من شأنها محاصرة الجماعة مالياً واقتصادياً، واستنزاف العملات الأجنبية في مناطق سيطرتها.

القرار الحوثي بمنع استيراد الزبيب مضى عليه ما يقارب 18 شهراً، وخلال هذه الفترة كان هناك موسم لإنتاج العنب وتجفيفه، وموسم لتسويق الزبيب، إلا أن الجماعة لم تتخذ أي إجراء لمنع استيراد الزبيب إلا منذ أسبوعين، في الوقت الذي ضاعف فيه مئات المزارعين إنتاجهم.

يمني يبيع الزبيب في سوق شعبية في صنعاء قبل عيد الأضحى (أ.ف.ب)

استيراد الزبيب الإيراني يعد أحد مصادر تقديم الدعم من قبل الجماعة الحوثية للاقتصاد الإيراني الذي يعاني بسبب العقوبات الغربية.

ولجأت الجماعة الحوثية خلال الأعوام الماضية إلى تقديم الدعم للاقتصاد الإيراني من خلال استيراد وتسويق العديد من المنتجات الإيرانية، ومنها الغاز والفواكه.

وظل العنب إلى وقت قريب أحد مصادر الدخل الرئيسية للمزارعين اليمنيين، خصوصاً في المناطق الشمالية، وهي مناطق سيطرة الجماعة الحوثية حالياً، وتكثر زراعته في مناطق بني حشيش وبني الحارث وخولان وشبام الغراس في محافظة صنعاء، إلى جانب مناطق أخرى في محافظات عمران وصعدة (شمالاً) والجوف (شمال شرقي) والبيضاء (جنوب شرقي صنعاء).


مقالات ذات صلة

العالم العربي مخاوف يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

«اتفاق مسقط» للمحتجزين يفتح نافذة إنسانية وسط تفاؤل يمني حذر

اتفاق مسقط لتبادل نحو 2900 محتجز ينعش آمال اليمنيين بإنهاء معاناة الأسرى وسط تفاؤل حذر ومطالب بضمانات أممية لتنفيذ «الكل مقابل الكل»

«الشرق الأوسط» (الرياض - صنعاء)
العالم العربي لوحة في عدن تعرض صورة عيدروس الزبيدي رئيس «المجلس الانتقالي الجنوبي» الداعي للانفصال (رويترز)

الرياض ترسم مسار التهدئة شرق اليمن... «خروج سلس وعاجل» لـ«الانتقالي»

يرسم البيان السعودي مسار التهدئة شرق اليمن، داعياً لانسحاب قوات «الانتقالي» من حضرموت والمهرة، وسط ترحيب رئاسي وحكومي وإجماع حزبي ضد التصعيد.

«الشرق الأوسط» (جدة)
وفد سعودي زار حضرموت ضمن مساعي التهدئة وخفض التوتر (سبأ)

حضرموت تتمسك بالشرعية وتحذر من تكلفة «التحركات الأحادية»

جددت سلطة حضرموت دعمها الكامل للشرعية، محذّرة من التحركات العسكرية الأحادية، ومؤكدة أن أمن المحافظة، والحوار السياسي هما السبيل للاستقرار، والتنمية

«الشرق الأوسط» (جدة)
العالم العربي العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

جدّد العليمي رفضه القاطع لأي محاولات لتفكيك الدولة اليمنية أو فرض وقائع أحادية خارج المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية مؤكداً حماية المركز القانوني للدولة

«الشرق الأوسط» (جدة)

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

رئيس هيئة الاستعلامات المصرية: نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق غزة

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

قال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، اليوم الخميس، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل على عرقلة المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة.

وأضاف رشوان في تصريحات لقناة تلفزيون «القاهرة الإخبارية» أن نتنياهو يعمل وفق اعتبارات انتخابية لصياغة تحالف جديد.

وتابع أن نتنياهو يسعى لإشعال المنطقة، ويحاول جذب انتباه ترمب إلى قضايا أخرى، بعيداً عن القطاع، لكنه أشار إلى أن الشواهد كلها تدل على أن الإدارة الأميركية حسمت أمرها بشأن المرحلة الثانية من اتفاق غزة.

وحذر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية من أن نتنياهو يريد أن تؤدي قوة حفظ الاستقرار في غزة أدواراً لا تتعلق بها.

وفي وقت سابق اليوم، نقل موقع «واي نت» الإخباري الإسرائيلي عن مصدر عسكري قوله إن نتنياهو سيُطلع ترمب على معلومات استخباراتية عن خطر الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال اجتماعهما المرتقب قبل نهاية العام الحالي.

وأكد المصدر الإسرائيلي أن بلاده قد تضطر لمواجهة إيران إذا لم تتوصل أميركا لاتفاق يكبح جماح برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية.


الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
TT

الصوماليون يصوتون في أول انتخابات محلية بنظام الصوت الواحد منذ 1969

حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)
حملات حزبية في شوارع العاصمة الصومالية مقديشو لتشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات (إ.ب.أ)

أدلى الناخبون في الصومال، الخميس، بأصواتهم في انتخابات محلية مثيرة للجدل، تُعدّ الأولى التي تُجرى بنظام الصوت الواحد منذ عام 1969. ويقول محللون إن هذه الانتخابات تُمثل خروجاً عن نظام مفاوضات تقاسم السلطة القائم على أساس قبلي.

وقد نظمت الحكومة الاتحادية في البلاد التصويت لاختيار أعضاء المجالس المحلية، في أنحاء المناطق الـ16 في مقديشو، ولكنه قوبل برفض من جانب أحزاب المعارضة التي وصفت الانتخابات بالمعيبة والمنحازة.

يذكر أن الصومال انتخب لعقود أعضاء المجالس المحلية والبرلمانيين من خلال المفاوضات القائمة على أساس قبلي، وبعد ذلك يختار المنتخبون الرئيس.

يُشار إلى أنه منذ عام 2016 تعهّدت الإدارات المتعاقبة بإعادة تطبيق نظام الصوت الواحد، غير أن انعدام الأمن والخلافات الداخلية بين الحكومة والمعارضة حالا دون تنفيذ هذا النظام.

أعضاء «العدالة والتضامن» في شوارع مقديشو قبيل الانتخابات المحلية وسط انتشار أمني واسع (إ.ب.أ)

وجدير بالذكر أنه لن يتم انتخاب عمدة مقديشو، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم بانادير المركزي، إذ لا يزال شاغل هذا المنصب يُعيَّن، في ظل عدم التوصل إلى حل للوضع الدستوري للعاصمة، وهو أمر يتطلب توافقاً وطنياً. غير أن هذا الاحتمال يبدو بعيداً في ظل تفاقم الخلافات السياسية بين الرئيس حسن شيخ محمود وقادة ولايتي جوبالاند وبونتلاند بشأن الإصلاحات الدستورية.

ووفق مفوضية الانتخابات، هناك في المنطقة الوسطى أكثر من 900 ناخب مسجل في 523 مركز اقتراع.

ويواجه الصومال تحديات أمنية، حيث كثيراً ما تنفذ جماعة «الشباب» المرتبطة بتنظيم «القاعدة» هجمات دموية في العاصمة، وجرى تشديد إجراءات الأمن قبيل الانتخابات المحلية.

وذكر محللون أن تصويت مقديشو يمثل أقوى محاولة ملموسة حتى الآن لتغيير نظام مشاركة السلطة المعتمد على القبائل والقائم منذ أمد طويل في الصومال.

وقال محمد حسين جاس، المدير المؤسس لمعهد «راد» لأبحاث السلام: «لقد أظهرت مقديشو أن الانتخابات المحلية ممكنة من الناحية التقنية».


اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

اجتماعات في مصر وتركيا... مساعٍ لتفكيك عقبات «اتفاق غزة»

فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يسيرون وسط الملاجئ في مخيم النصيرات للنازحين بقطاع غزة (أ.ف.ب)

توالت اجتماعات الوسطاء لدفع اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، المتعثر حالياً، واستضافت القاهرة وأنقرة اجتماعين بشأن تنفيذ بنود الاتفاق، بعد لقاء موسع في مدينة ميامي الأميركية قبل نحو أسبوع بحثاً عن تحقيق اختراق جديد.

تلك الاجتماعات الجديدة في مصر وتركيا، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» أنها بمثابة مساعٍ لتفكيك عقبات الاتفاق المتعثر، وشددوا على أن إسرائيل قد لا تمانع للذهاب للمرحلة الثانية تحت ضغوط أميركية؛ لكنها ستعطل مسار التنفيذ بمفاوضات تتلوها مفاوضات بشأن الانسحابات وما شابه.

وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في بيان: «بتوجيه من رئيس الوزراء، غادر منسق شؤون الأسرى والمفقودين، العميد غال هيرش، على رأس وفد ضم مسؤولين من الجيش وجهاز الأمن العام (الشاباك)، والموساد إلى القاهرة».

والتقى الوفد الإسرائيلي مسؤولين كباراً وممثلي الدول الوسيطة، وركزت الاجتماعات على الجهود وتفاصيل عمليات استعادة جثة الرقيب أول ران غوئيلي.

وسلمت الفصائل الفلسطينية منذ بدء المرحلة الأولى لوقف إطلاق النار في 10 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، 20 أسيراً إسرائيلياً أحياء ورفات 27 آخرين، فيما تبقى رفات ران غوئيلي الذي تواصل «حماس» البحث عن رفاته، وتقول إن الأمر سيستغرق وقتاً نظراً للدمار الهائل في غزة، فيما ترهن إسرائيل بدء التفاوض لتدشين المرحلة الثانية من الاتفاق بتسلمها تلك الجثة.

وبالتزامن، أعلنت حركة «حماس»، في بيان، أن وفداً قيادياً منها برئاسة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية، قد التقى في أنقرة مع وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، في لقاء بحث «مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب على غزة والتطورات السياسية والميدانية».

وحذر الوفد من «استمرار الاستهدافات والخروقات الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة»، معتبراً أنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق وتقويض التفاهمات القائمة».

وجاء اللقاءان بعد اجتماع قبل نحو أسبوعٍ، جمع وسطاء اتفاق وقف إطلاق النار في مدينة ميامي الأميركية، وأفاد بيان مشترك عقب الاجتماع بأنه جارٍ مناقشة سبل تنفيذ الاتفاق.

ويرى الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور سعيد عكاشة، أن اجتماعي القاهرة وأنقرة يأتيان في توقيت مهم بهدف دفع تنفيذ الاتفاق وإنهاء العقبات بشكل حقيقي، والوصول لتفاهمات تدفع واشنطن لزيادة الضغط على إسرائيل للدخول للمرحلة الثانية المعطلة، مشيراً إلى أن مسألة الرفات الأخير تبدو أشبه بلعبة لتحقيق مكاسب من «حماس» وإسرائيل.

فالحركة تبدو، كما يتردد، تعلم مكانها ولا تريد تسليمها في ضوء أن تدخل المرحلة الثانية تحت ضغط الوسطاء والوقت وفي يدها ورقة تتحرك بها نظرياً، وإسرائيل تستفيد من ذلك بالاستمرار في المرحلة الأولى دون تنفيذ أي التزامات جديدة مرتبطة بالانسحابات، وفق عكاشة.

ويعتقد المحلل السياسي الفلسطيني، الدكتور عبد المهدي مطاوع، أن هذه الاجتماعات تبحث كيفية سد الفجوات، خاصة أن الجثة تمثل عقبة حقيقية، مشيراً إلى أن لقاء «حماس» في تركيا يهدف لبحث ترتيبات نزع السلاح ودخول القوات الدولية، خاصة أن أنقرة تأمل أن يكون لها دور، وتعزز نفسها وعلاقاتها مع واشنطن.

صورة عامة للمنازل المدمرة في مخيم النصيرات بوسط قطاع غزة (أ.ف.ب)

ولا تزال إسرائيل تطرح مواقف تعرقل الاتفاق، وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، إسرائيل كاتس، إن بلاده «لن تغادر غزة أبداً»، وإنها ستقيم شريطاً أمنياً داخل قطاع غزة لحماية المستوطنات، مشدداً على أنه يجب على «حماس» أن تتخلى عن السلاح، وإلا «فستقوم إسرائيل بهذه المهمة بنفسها»، وفق موقع «واي نت» العبري، الخميس.

فيما سعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، مساء الثلاثاء، إلى تحميل حركة «حماس» المسؤولية عن إصابة ضابط بالجيش الإسرائيلي في ‌انفجار عبوة ناسفة ‍في رفح، وانتهاك اتفاق ‌وقف إطلاق النار، الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن الحركة الفلسطينية أكدت أن الانفجار وقع في منطقة تسيطر عليها إسرائيل بالكامل، ورجحت أن يكون الحادث ناجماً عن «مخلفات الحرب».

وجاء اتهام نتنياهو لـ«حماس» قبل أيام من لقائه المرتقب مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب في الولايات المتحدة. ونقلت تقارير عبرية أن نتنياهو يريد إقناع ترمب بتثبيت «الخط الأصفر» حدوداً دائمة بين مناطق سيطرة إسرائيل و«حماس»؛ ما يعني احتلال إسرائيل لـ58 في المائة من مساحة القطاع.

ويتوقع عكاشة أن تعلن إسرائيل بعد لقاء ترمب أنها لا تمانع من دخول المرحلة الثانية، ولكن هذا سيظل كلاماً نظرياً، وعملياً ستطيل المفاوضات بجدولها وتنفيذ بنودها، ويبقي الضغط الأميركي هو الفيصل في ذلك.

ووفقاً لمطاوع، فإن إسرائيل ستواصل العراقيل وسط إدراك من ترمب أنه لن يحل كل المشاكل العالقة مرة واحدة، وأن هذه الاجتماعات المتواصلة تفكك العقبات، وسيراهن على بدء المرحلة الثانية في يناير (كانون الثاني) المقبل، تأكيداً لعدم انهيار الاتفاق.