غارات إسرائيلية تحرق مستودعات وقود في الحديدة... واستنفار حوثي

قالت إنها رد على مقتل شخص وإصابة آخرين بمسيّرة استهدفت تل أبيب

دخان كثيف شاهده السكان من منطقة بعيدة عن موقع الهجوم الإسرائيلي على الحديدة السبت (أ.ف.ب)
دخان كثيف شاهده السكان من منطقة بعيدة عن موقع الهجوم الإسرائيلي على الحديدة السبت (أ.ف.ب)
TT

غارات إسرائيلية تحرق مستودعات وقود في الحديدة... واستنفار حوثي

دخان كثيف شاهده السكان من منطقة بعيدة عن موقع الهجوم الإسرائيلي على الحديدة السبت (أ.ف.ب)
دخان كثيف شاهده السكان من منطقة بعيدة عن موقع الهجوم الإسرائيلي على الحديدة السبت (أ.ف.ب)

شنت إسرائيل سلسلة غارات استهدفت مواقع من بينها مستودعات الوقود في ميناء الحديدة اليمني الخاضع للحوثيين، يوم السبت، مما تسبب في قتلى وجرحى بحسب وسائل إعلام تابعة للجماعة المدعومة من إيران.

وذكرت قناة «المسيرة» أن ثلاثة أشخاص قُتلوا و87 أصيبوا في الضربات الجوية الإسرائيلية.

يأتي ذلك غداة مقتل شخص وإصابة آخرين في تل أبيب إثر هجوم بطائرة مسيّرة تبنته الجماعة التي تزعم أنها تساند الفلسطينيين في غزة.

وتبنت الجماعة الحوثية منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي العديد من الهجمات ضد إسرائيل، دون أي تأثير يذكر، كما تبنت مهاجمة أكثر من 170 سفينة في البحرين الأحمر والعربي، وادعت مهاجمة سفن في موانئ إسرائيلية منفردة ومشتركة مع فصائل عراقية موالية لإيران.

لهب ودخان كثيف يتصاعد من موقع قصف إسرائيلي لموقع قرب ميناء الحديدة يوم السبت (أ.ف.ب)

وفي حين أكد الجيش الإسرائيلي أن الغارات التي استهدفت منشآت تخزين الوقود في ميناء الحديدة، أدت الضربات إلى إشعال حريق ضخم وتحدثت وسائل إعلام الجماعة الحوثية عن سقوط قتلى وجرحى لم تحدد عددهم على الفور.

ووفق ما أفاد به سكان في الحديدة لـ«الشرق الأوسط» استنفر الحوثيون في أرجاء المدينة كافة، فيما التزم أغلب السكان منازلهم مع القصف الذي وصف بأنه الأعنف منذ بدء الضربات الأميركية والبريطانية على مواقع الحوثيين في المدينة.

وقال وكيل محافظة الحديدة في الحكومة الشرعية، وليد القديمي لـ«الشرق الأوسط»: «إن الحوثيين وضعوا السكان عرضة للاستهدافات الأميركية والبريطانية المتكررة وأخيراً الإسرائيلية».

وأضاف القديمي أن هدف الحوثيين «تحقيق أطماع إيران في المنطقة والسيطرة على الممر التجاري بالبحر الأحمر». مشيراً إلى نزوح السكان من منازلهم في الحديدة إلى خارج المدينة وإلى المحافظات المجاورة.

ويرى ماجد المذحجي رئيس مركز صنعاء للدراسات أن هذه المرحلة أكثر تقدماً في الاشتباك الدولي مع الحوثيين تدخل بها إسرائيل في المعادلة بطريقة صريحة، مرجحاً أن يأخذ المشهد منحى آخر في الاشتباك بين الجانبين.

ويعتقد رئيس مركز صنعاء للدراسات أن تبني الجماعة الهجوم بطائرة مسيّرة ضد إسرائيل تحول كبير في معادلة المواجهة التي تجمع المجتمع الدولي مع الحوثيين، وقال: «هذا الهجوم هو محطة أخرى في حرب اليمن ومحطة كبيرة ويمكن وصفه بالتحول الكبير (....) الضربات الأولى للحوثيين تجاه إسرائيل أدت إلى التدخل الأميركي والبريطاني وبالتأكيد ذلك يترافق مع الهجمات على البحر الأحمر ولكن في الجانب الآخر هذا يحرك عادة البعد الحمائي الدولي لإسرائيل وينقل مستوى التدخل إلى مستويات أعلى».

تأكيد إسرائيلي

أكد متحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن طائرات الجيش شنت غارات ضربت أهدافاً «لنظام الحوثي الإرهابي» في ميناء الحديدة في اليمن. وأوضح في تغريدة على «إكس» أن الغارات جاءت رداً على «مئات الهجمات ضد دولة إسرائيل طوال الأشهر الأخيرة».

وقال إن مهاجمة ميناء الحديدة سببها أنه معبر نقل الأسلحة والذخيرة من إيران إلى الحوثيين، بينما ذكر وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت في بيان أن «دماء المواطنين الإسرائيليين لها ثمن».

يمنيون يشاهدون النيران من منطقة بعيدة عن موقع الاستهداف في الحديدة السبت (أ.ف.ب)

وفي أول تعليق للجماعة الحوثية، وصف المتحدث باسمها محمد عبد السلام، في تغريدة على منصة «إكس» الغارات بأنها «عدوان غاشم استهدف منشآت مدنية وخزانات النفط ومحطة الكهرباء في الحديدة بهدف مضاعفة معاناة الناس» والضغط على الجماعة للتوقف عن مساندة غزة وفق ادعائه. متوعداً بالاستمرار في تنفيذ المزيد من الهجمات.

وبحسب إفادات السكان تركز القصف على شمال الحديدة حيث يوجد الميناء، ومستودعات الوقود، إضافة إلى محطة لتعبئة الغاز، كما استهدفت الضربات مبنى قيادة الشرطة العسكرية الخاضع للحوثيين في المدينة.

وقال الإعلام الموالي للحوثيين إن الغارات أدت إلى انفجارات ضخمة، في منشآت تخزين الوقود والغاز وتصاعد الدخان بشكل كثيف، حيث شوهد من مسافات بعيدة، زاعماً أن الضربات نفذت بطائرات من طراز «إف 35». ونقلت قناة «المسيرة» الحوثية عن مصادر طبية أن عدداً من الأشخاص قتلوا وأصيبوا.

خوف وأزمة وقود

ذكر سكان في الحديدة وفي صنعاء وعدد من المناطق الخاضعة للحوثيين لـ«الشرق الأوسط» أن محطات تعبئة الوقود أغلقت أبوابها عقب الغارات مباشرة وأن طوابير طويلة من السيارات تشكلت عند محطات شركة النفط وسط مخاوف من أزمة خانقة في وقود السيارات وارتفاع أسعارها.

ويتعمد الحوثيون - بحسب السكان - افتعال مثل هذه الأزمات لبيع الوقود بأضعاف سعره، كما أنهم يغلقون المحطات الرسمية ويديرون أسواق سوداء للبيع، كذلك يخشى السكان من أزمة خانقة في غاز الطهي بعد الأنباء التي وردت عن استهداف محطة تعبئة الأسطوانات خلال الغارات الإسرائيلية.

وأفادت مصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» بأن السكان في الحديدة يعيشون حالة من الذعر مع عودة تحليق المقاتلات في سماء المدينة، وأنهم يخشون تجدد الضربات.

وعجز الحوثيون - وفق المصادر - عن السيطرة على حريق مخازن الوقود الذي شكل سحابة داكنة في أجواء المدينة، وأكدت سقوط ضحايا في هذه الضربات لكن الإجراءات المشددة التي فرضها الحوثيون على المواقع المستهدفة وفي محيط المستشفيات حالت دون معرفة العدد الدقيق للقتلى والجرحى.

ويقول المسؤولون في الحكومة اليمنية إن الجماعة الحوثية وجدت منذ أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي فرصة لتبييض جرائمها ضد اليمنيين ومحاولة التحول إلى لاعب إقليمي تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين، مع الهروب من استحقاقات السلام واستغلال التطورات لتجنيد مئات الآلاف بذريعة الاستعداد لمحاربة إسرائيل فيما أعين قادة الجماعة مصوبة على بقية المناطق اليمنية المحررة.

أول هجوم ناجح

مع سقوط أول قتيل إسرائيلي في هجمات الحوثيين، الجمعة، كان المسؤولون الإسرائيليون، صرحوا بأنهم «يعملون على تعزيز فوري لمجمل منظومات الدفاع، وسيقومون بمحاسبة أي أحد يستهدف دولة إسرائيل أو يرسل إرهاباً ضدها».

وتدعي الجماعة أنها تشن منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) هجماتها في البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي؛ لمنع ملاحة السفن المرتبطة بإسرائيل بغضّ النظر عن جنسيتها، وكذا السفن الأميركية والبريطانية، كما تزعم أنها تقوم بهجمات في البحر المتوسط وموانئ إسرائيلية بالاشتراك مع فصائل عراقية مسلحة.

جانب من الدخان الذي خلفه الهجوم الإسرائيلي على مواقع في الحديدة السبت (أ.ف.ب)

ولم تؤكد أي تقارير غربية أو إسرائيلية الهجمات السابقة المزعومة، باستثناء هجوم الجمعة، حيث بدا الأمر مختلفاً مع إفاقة السكان في تل أبيب على دوي انفجار المسيّرة التي يرجح الجيش الإسرائيلي أنها مطورة من طائرة «صماد 3» ذات المكونات الإيرانية.

وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع في بيان متلفز، إن جماعته استهدفت أحد الأهداف المهمة في منطقة يافا المحتلة (تل أبيب) بواسطة طائرة مسيّرة جديدة اسمها «يافا»، زاعماً أنها قادرة على تجاوز المنظومات الاعتراضية وأنها حققت أهدافها بنجاح.

وهدد المتحدث الحوثي بأن تل أبيب ستكون منطقة غير آمنة وستكون هدفاً أساسياً في مرمى جماعته التي ستركز على الوصول إلى العمق الإسرائيلي، مدعياً وجود بنك أهداف عسكرية وأمنية حساسة.

وتبنت الجماعة الحوثية في الأسابيع الماضية، منفردة ومشتركة مع فصائل عراقية مدعومة من إيران هجمات سابقة ضد سفن في ميناء حيفا وأخرى في البحر المتوسط، دون أن يكون لها أي أثر، وذلك ضمن ما تسميه الجماعة المرحلة الرابعة من التصعيد.

ويشكك مراقبون يمنيون في قدرة الجماعة الحوثية على تنفيذ هجمات مؤثرة في إسرائيل، ولا يستبعدون أن يكون الهجوم الأخير تم تنفيذه من مناطق أخرى غير يمنية، بتخطيط إيراني، فيما قامت الجماعة بتبنيه لدرء خطر الرد الإسرائيلي على طهران.

تصعيد مستمر

تبنى زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي في خطبته الأسبوعية، الخميس، مهاجمة 170 سفينة في البحر الأحمر وخليج عدن منذ بدء التصعيد في نوفمبر الماضي، كما أقر بتلقي أكثر من 570 غارة منذ 12 يناير (كانون الثاني) الماضي، معترفاً بسقوط 57 قتيلاً و87 جريحاً، من جراء الضربات التي تشنها واشنطن ومعها بريطانيا في أربع مناسبات لتحجيم قدرات الجماعة.

مشهد آخر للدخان المتصاعد من موقع استهدفته إسرائيل في الحديدة يوم السبت (أ.ف.ب)

وأصابت الهجمات الحوثية، حتى الآن، نحو 30 سفينة منذ بدء التصعيد، غرقت منها اثنتان؛ إذ أدى هجوم في 18 فبراير (شباط) إلى غرق السفينة البريطانية «روبيمار» في البحر الأحمر، قبل غرق السفينة اليونانية «توتور»، التي استهدفت في 12 يونيو (حزيران) الماضي.

كما أدى هجوم صاروخي في 6 مارس (آذار) الماضي إلى مقتل 3 بحارة، وإصابة 4 آخرين، بعد أن استهدف في خليج عدن سفينة «ترو كونفيدنس» الليبيرية.

وإلى جانب الإصابات التي لحقت بالسفن، لا تزال الجماعة تحتجز السفينة «غالاكسي ليدر» التي قرصنتها في 19 نوفمبر الماضي، واقتادتها مع طاقمها إلى ميناء الصليف، شمال الحديدة، وحوّلتها مزاراً لأتباعها.

وتسبّب تصعيد الحوثيين في إصابة مساعي السلام اليمني، التي يقودها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ بالجمود؛ إذ تسود المخاوف من انهيار التهدئة الهشّة المستمرة منذ عامين، وعودة القتال على نطاق أوسع.

وتقول الحكومة اليمنية إن الحل ليس في الضربات الغربية الدفاعية ضد الحوثيين، وإن الوسيلة الأنجع هي دعم قواتها المسلحة لاستعادة الحديدة وموانئها وكل مؤسسات الدولة المختطفة وإنهاء الانقلاب المدعوم إيرانياً.

ألسنة اللهب والدخان تتصاعد من انفجار في ناقلة نفط بعد هجوم في البحر الأحمر باليمن (إ.ب.أ)

وفي أحدث تصريحات لمجلس القيادة الرئاسي اليمني (الخميس) دعا الجماعة الحوثية إلى «تحكيم العقل والتعاطي الإيجابي مع المساعي الحميدة لإحلال السلام، (...) والتوقف عن المتاجرة المكشوفة بأوجاع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة».

وبالعودة إلى ماجد المذحجي، يقول رئيس مركز صنعاء للدراسات: «الآن مع بدء أولى الضربات الحوثية هناك؛ ظلت الوتيرة ذات طابع دفاعي في البحر الأحمر وفي مواجهة الحوثيين، والنقلة الحقيقية حين سقط هذا القتيل في تل أبيب. هذا يغير القواعد وينقل مستوى الخطر الى أعلى وهو الدفعة الإضافية التي تنتظرها المؤسسات العسكرية في البلدان المتداخلة في اليمن لتدفع بالسياسيين لاتخاذ قرار على ضربات أكثر تأثيراً على الحوثيين».

ومن ثم، يعتقد المذحجي أنها مرحلة «أكثر تقدماً من اشتباك المجتمع الدولي مع الحوثيين، تدخل فيها إسرائيل بطريقة صريحة»، مضيفاً: «أعتقد أن المشهد يأخذ منحى مختلفاً تماماً في الاشتباك بين المجتمع الدولي والحوثيين».


مقالات ذات صلة

القوات المشتركة تنقل 1000 من سكان سقطرى في رحلات مجانية خلال 9 أشهر

الخليج القوات المشتركة السعودية تواصل جهودها الإنسانية في الأراضي اليمنية كافّة (الشرق الأوسط)

القوات المشتركة تنقل 1000 من سكان سقطرى في رحلات مجانية خلال 9 أشهر

تواصل القوات المشتركة السعودية جهودها الإنسانية في جميع الأراضي اليمنية حيث سيّرت مؤخراً بالتنسيق مع السلطة المحلية في محافظة أرخبيل سقطرى رحلة جوية مجانية إلى…

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي مقاتلة «إف 18» تنطلق من حاملة طائرات أميركية في البحر الأحمر لصد هجمات الحوثيين (الجيش الأميركي)

ضربات أميركية تدمر 5 مسيّرات حوثية ومنظومتي صواريخ

أوضحت القيادة المركزية الأميركية أن قواتها دمرت خلال الـ24 ساعة الماضية 5 طائرات مسيرة تابعة للحوثيين المدعومين من إيران ومنظومتين صاروخيتين.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الجماعة الحوثية تتهم موظفي الإغاثة بالتجسس لمصلحة الولايات المتحدة وإسرائيل (رويترز)

اليمن يدعو لمعاقبة الانقلابيين لاختطافهم الموظفين الإنسانيين

دعا معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية إلى تكثيف العقوبات الدولية على الحوثيين نتيجة استمرار اعتقالهم لموظفي الوكالات الإنسانية

علي ربيع (عدن)
العالم العربي مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

خسائر بشرية بصفوف الحوثيين جراء خروقهم الميدانية

تكبدت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران عشرات القتلى خلال الأسابيع الستة الأخيرة إثر خروقها الميدانية المتصاعدة على خطوط التماس مع القوات الحكومية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الحوثيون يرون في إحياء النزعة الوطنية لليمنيين تهديداً لوجودهم الانقلابي (إ.ب.أ)

الحوثيون يعتقلون العشرات لمنع الاحتفال بثورة «26 سبتمبر»

استبق الحوثيون انتفاضة شعبية متوقعة في الذكرى السنوية لثورة «26 سبتمبر»/أيلول التي أطاحت نظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، واعتقلوا عشرات الناشطين في محافظة إب

محمد ناصر (تعز)

نجار فلسطيني في قطاع غزة يصنع صنادل خشبية لبناته مع احتدام الحرب

يستخدم صابر أدوات النجارة الأساسية لصنع الصنادل مقابل سعر رمزي (رويترز)
يستخدم صابر أدوات النجارة الأساسية لصنع الصنادل مقابل سعر رمزي (رويترز)
TT

نجار فلسطيني في قطاع غزة يصنع صنادل خشبية لبناته مع احتدام الحرب

يستخدم صابر أدوات النجارة الأساسية لصنع الصنادل مقابل سعر رمزي (رويترز)
يستخدم صابر أدوات النجارة الأساسية لصنع الصنادل مقابل سعر رمزي (رويترز)

فقدت الطفلة الفلسطينية هبة دواس (12 عاماً) حذاءها في الفوضى التي صاحبت فرارها مع أهلها من الهجوم العسكري الإسرائيلي في غزة.

لذلك؛ صنع لها والدها النجار صندلاً بنعال من الخشب (يشبه القبقاب) حتى تتمكن من السير بأمان وسط أطنان الأنقاض والرمال الساخنة وأسياخ المعادن الملتوية في القطاع الفلسطيني المحاصر.

وفي تقرير لـ«رويترز»، قالت هبة التي تعيش في مخيم مع عائلتها في مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة وهي تمشي على الرمال الساخنة بحذائها الجديد: «كان عندنا صنادل بس كانت مقطعة كتير، ولما نزحنا صرنا نجري، وإحنا بنجري الصندل تقطع كتير، رميته وصرت أجري مع الناس إللي صاروا كانوا يجروا. ولحد لما نزلنا هانا رجلينا صارت حم (ساخنة) كتير ومع الشوب والأرض صارت ساخنة اضطرينا نشتري صنادل من الخشب».

وجاءت الفكرة إلى النجار صابر دواس (39 عاماً) بعد أن وجد أن أسعار الصنادل باهظة الثمن. والآن لم تعد ابنته مضطرة إلى السير حافية القدمين وسط أنقاض غزة.

وقال إنه كان عليه أن يصنع مقاساً لكل ابنة.

صابر دواس يصنع صندلاً بنعال من الخشب حتى تتمكن ابنته من السير بأمان وسط أطنان الأنقاض والرمال الساخنة وأسياخ المعادن الملتوية في غزة (رويترز)

طلب على الصنادل

بعد فترة وجيزة، لاحظ جيرانه قيامه بصنع صنادل خشبية فبدأوا يطلبون منه أن يصنع بعضاً منها لأطفالهم.

واستخدم صابر أدوات النجارة الأساسية لصنع هذه القطع مقابل سعر رمزي، على حد قوله.

ولهذه الصنادل نعال خشبية وأحزمة مصنوعة من شريط مطاطي أو قماش. لكن التحدي يتمثل في العثور على مزيد من الخشب لأن الفلسطينيين يحتاجون إليه في طبخ الطعام وإشعال النار.

وقال دواس وهو يكشط قاعدة صندل لتنعيمها بينما تراقبه إحدى بناته الصغيرات بجانبه: «كل اشي إحنا في غزة هنا بصعوبة لما نلاقيه».

وربما يخفف صنع صنادل خشبية من ضغوط الحرب، لكن الحياة لا تزال محفوفة بالتحديات في غزة، حيث أدى الهجوم الإسرائيلي على حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) إلى مقتل أكثر من 41 ألف فلسطيني، بحسب وزارة الصحة في غزة.

ويقول مسؤولون صحيون في غزة إن نحو مليوني شخص نزحوا، وفي كثير من الأحيان مراراً وتكراراً.

دواس أثناء العمل على قاعدة صندل (رويترز)

وبدأت حركة «حماس» الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عندما باغت مقاتلوها جنوب إسرائيل بهجوم أسفر عن مقتل 1200 شخص وأسر أكثر من 250 آخرين، وفقاً للإحصاءات الإسرائيلية.

ومنذ ذلك الحين، تعاني غزة أزمة إنسانية؛ إذ يكافح الفلسطينيون من أجل العثور على الغذاء والماء والوقود في أثناء تنقلهم ذهاباً وإياباً في القطاع بحثا عن مكان آمن يؤويهم.

وفشلت الولايات المتحدة وقطر ومصر في التوصل إلى وقف لإطلاق النار بعد محاولات عدة.

وتم إغلاق معبر رفح الحدودي مع مصر؛ مما أدى إلى توقف تدفق المساعدات والسلع الأساسية ومنها الأحذية.

وقال مؤمن القرا، وهو إسكافي فلسطيني يعمل في إصلاح الأحذية القديمة في سوق صغيرة بخان يونس: «بالنسبة للأحذية إذا بيظل الوضع زي هيك أسبوعين، كتيرها شهر، حتمشي الناس حافية، لأنه الخيطان بتشح وبعد شوية حتنقطع والوجوه إللي بنفصل فيها بدأت تشح برضه كمان».

وأضاف: «المعبر مسكر (مغلق)، وأغلبية الناس في الوقت هذا إللي إحنا فيه بتمشي فردة شكل وفردة شكل، وإذا ظل الوضع هيك كمان أسبوعين شهر بالكتير ومفتحش المعبر الناس حتمشي حافية وإحنا حنقعد برضه كذلك الأمر يعني لأنه الحين الوضع صعب جداً».