أكد تقرير حديث للبنك الدولي أن اليمن «ربما يكون الأكثر فقراً» على مستوى العالم، وذكر أن بيانات الأمن الغذائي المتكامل تضع هذا البلد في مرتبة واحدة مع أفغانستان وهايتي والصومال وجنوب السودان والسودان ودول الساحل الأفريقي.
ووفق ما جاء في التقرير الخاص بتقييم مستوى الفقر، فإن اليمن كان في الأساس بلداً فقيراً قبل اندلاع الحرب، ولهذا خلفت عشر سنوات من الصراع والأزمات آثاراً وخيمة على الظروف المعيشية، حيث يعاني الملايين من الجوع والفقر.
غير أن مُعدّي التقرير تحدثوا عن أن الافتقار إلى البيانات جعل من الصعب تقدير عدد الفقراء في اليمن على وجه الدقة، أو تحليل الأسباب الرئيسية للفقر.
وبحسب البنك الدولي، فإن التقرير الذي أعدته وحدة الفقر والإنصاف بالبنك الدولي، اعتمد على مصادر بيانات جديدة متعددة لتقييم كيف من المحتمل أن يصبح أفقر بلد في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، واحداً من أكثر البلدان فقراً في جميع أنحاء العالم؛ وكيف أن اليمنيين العاديين يتأقلمون أو يحاولون التأقلم مع أشكال الحرمان المتعددة والمتداخلة.
صدمات اقتصادية
ذكر معدو تقرير البنك الدولي أن اليمن وقبل عقد من الزمن، كان بلداً منخفض الدخل، وكان 49 في المائة من السكان يعيشون تحت خط الفقر، وقالوا إنه ونظراً للتدهور الكبير في الظروف الاقتصادية خلال فترة الحرب، فمن الطبيعي الاستنتاج بأن الفقر قد ارتفع في خلال هذه السنوات التسع، وتناولوا جهود إحلال السلام وقالوا إن التفاؤل الحذر تضاءل بإمكانية تحويل الهدنة غير الرسمية، إلى وقف دائم لإطلاق النار خلال 2023.
وبينما كان تقرير البنك الدولي على وشك الانتهاء - وفق ما ذكر معدوه - حذر كثير من المراقبين من أن اليمن قد يتأثر بشكل كبير بالصراع في الشرق الأوسط وتداعياته المحلية، على خلفية استهداف الحوثيين سفن الشحن التجاري، ودخول القوات الأميركية والبريطانية على خط المواجهة معهم. وأكد البنك أن هذا احتمال لا يستطيع اليمنيون العاديون تحمله.
وفي حين رأى التقرير أن الصدمات الاقتصادية الكثيرة التي شهدتها البلاد منذ بداية الحرب هي المحرك الرئيسي للفقر، قال إن السلسلة الزمنية للاستهلاك الغذائي غير الكافي تظهر أن أزمة الجوع والفقر في البلاد قد تكشفت على أربع مراحل متميزة، فمع حلول أغسطس (آب) 2015، أي بعد بضعة أشهر فقط من الحرب، كان 48 في المائة من اليمنيين يعانون من سوء استهلاك الغذاء، أي بزيادة أربعة أضعاف عن العام الذي سبقه، وذلك تماشياً مع انهيار أوسع في الناتج الاقتصادي.
وأفاد البنك الدولي بأن انعدام الأمن الغذائي في اليمن وصل إلى أدنى مستوياته في عام 2018 عندما تقاطعت أبعاد الحرب المادية والاقتصادية، مع توجه الحكومة اليمنية إلى السيطرة على ميناء الحديدة أحد أكبر موانئ البلاد، وتشديد الرقابة على الواردات.
وقال إن التحسن الذي حدث في عامي 2019 و2020، كان جزئياً بسبب التدفق الهائل للمساعدات، لكن الوضع عاد للتدهور مدفوعاً بالهجوم العسكري للحوثيين على مأرب، وجائحة «كورونا»، والحرب في أوكرانيا عام 2022 وما صاحبها من صدمات.
وأقر البنك الدولي بتحسن انعدام الأمن الغذائي في اليمن منذ إعلان الهدنة في عام 2022، لكنه نبه إلى أنه لا يزال من بين البلدان التي تعاني من أعلى معدلات الجوع في العالم، حيث يعاني حوالي نصف السكان من سوء الاستهلاك الغذائي أو عدم كفاية استهلاكه. وقال إن أزمة الأمن الغذائي هي في الأساس أزمة تتعلق بقدرة الناس على الوصول إلى السلع في الأسواق المحلية، والقدرة على دفع ثمنها.
ووفق التقرير فإنه حين يستمر استيراد المواد الغذائية الأساسية وتقديمها من خلال المساعدات الإنسانية، فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل حاد على مدار النزاع، وفشل دخل الأسر في مواكبة التضخم، ومن ناحية أخرى انخفضت الإمدادات الغذائية، لا سيما مع ضعف الإنتاجية الزراعية المحلية، في حين زاد عدد سكان البلاد بنسبة تقدر بنحو 18 في المائة منذ عام 2015.
الصراع الاقتصادي
أوضح تقرير البنك الدولي أن الصراع الاقتصادي أصبح عاملاً مهماً في تفاقم انعدام الأمن الغذائي، وأنه خلال السنوات الأولى من الحرب، أظهرت المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون أسوأ نتائج الأمن الغذائي، ورأى أن قرار الحوثيين في عام 2019 بمنع تداول الطبعة الجديدة من العملة الوطنية التي أصدرتها الحكومة أدى إلى صراع اقتصادي، وعواقب سلبية مدمرة على الجميع.
وبحسب ما أورده التقرير فقد أصبح الوصول إلى المياه والصرف الصحي والكهرباء والتعليم والرعاية الصحية غير متاح وأكثر محدودية منذ بداية الحرب، على الرغم من بعض المكاسب التي تحققت قبل بدء الصراع مباشرة، حيث تدهورت إمكانية الحصول على الكهرباء من خلال الشبكة العامة بشكل كبير، ولهذا تم ربط 15 في المائة من اليمنيين بالشبكة في عام 2023، مقارنة بنسبة 78 في المائة في عام 2014.
واعترف معدو التقرير بأن الحصول على تقدير دقيق حول عدد اليمنيين الذين يعيشون تحت خط الفقر أمر صعب للغاية، لأن القيود المفروضة على جمع البيانات تجعل من المستحيل حساب مستويات الفقر النقدي باستخدام الأساليب التقليدية، كما أنه لم يتم إجراء أي مسح لميزانية الأسرة، وهو حجر الأساس لتقييمات الفقر التقليدية.
ونبه فريق البنك الدولي الذي أعد التقييم إلى أن فجوات البيانات والافتقار إلى معلومات موثوقة من أرض الواقع تُشكل عائقاً كبيراً أمام معرفة مستوى الفقر وغيره من أشكال التحليل الاقتصادي، خاصة وأن اليمن مجزأ سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، بما في ذلك وجود منطقتين اقتصاديتين منفصلتين بأسعار صرف مختلفة للغاية.
وأكد التقرير أن العوائق التشغيلية والافتقار إلى بيانات موثوقة حول النشاط الاقتصادي الرسمي وغير الرسمي وغير المشروع، تجعل التحليل الدقيق صعباً بشكل خاص، لكن التحليلات الإحصائية المستندة إلى أفضل البيانات المتاحة تشير إلى أن الفقر ربما زاد بأكثر من النصف خلال فترة الصراع.
وبحسب الفريق كانت هناك عدة محاولات لتقدير مستوى الفقر في اليمن، لكن هذه المحاولات اعتمدت على بيانات قديمة والكثير من الافتراضات، وتستنتج النماذج الإحصائية التي تم إجراؤها للمذكرة الاقتصادية القطرية الأخيرة للبنك الدولي الخاصة باليمن أن معدل الفقر يصل إلى 74 في المائة في 2022، وأنه يمكن أن يصل إلى ما بين 62 و74 في المائة بحلول عام 2030، اعتماداً على مسار الصراع والسيناريوهات المختلفة.
ويقول التقرير إنه وفي حالات الطوارئ الإنسانية الأليمة مثل حالة اليمن، غالباً ما يتقارب الفقر النقدي مع مقاييس الوصول إلى الغذاء، حيث يتم استخدام حصة أكبر من الدخل المتاح لتغطية التغذية الأساسية، وهناك أيضاً نمط قوي وشبه عالمي لحصة الإنفاق على الغذاء التي تتزايد مع انخفاض الدخل، وجزم أن بيانات الأمن الغذائي التي يتم جمعها في اليمن، هي من بين أعلى البيانات جودة وأكثرها اتساقاً وتكراراً.