أسر يمنية في صنعاء تقاوم الجوع والفقر بالصيام

وسط تفاقم سوء التغذية وحاجة ملايين السكان للمساعدات

مسن يمني يبيع الثوم على رصيف أحد الشوارع في صنعاء (الشرق الأوسط)
مسن يمني يبيع الثوم على رصيف أحد الشوارع في صنعاء (الشرق الأوسط)
TT

أسر يمنية في صنعاء تقاوم الجوع والفقر بالصيام

مسن يمني يبيع الثوم على رصيف أحد الشوارع في صنعاء (الشرق الأوسط)
مسن يمني يبيع الثوم على رصيف أحد الشوارع في صنعاء (الشرق الأوسط)

أجبر الوضع المادي والمعيشي المتدهور، واتساع رقعة الجوع والفقر والبطالة، وانقطاع الرواتب، مئات الأسر اليمنية الأشد فقراً في العاصمة اليمنية المختطفة، صنعاء، إلى اللجوء إلى الصيام التطوعي في أغلب أيام الأسبوع، بعد أن عجزت عن توفير 3 وجبات طعام أساسية يومية، مكتفية بتناول أفرادها وجبة واحدة عند الإفطار.

جاء ذلك بالتوازي مع تأكيد تقارير أممية تسجيل نحو 8 ملايين طفل وامرأة حامل ومرضعة، في 13 محافظة يمنية، ممن يعانون من سوء التغذية الحاد، وهم بحاجة إلى تدخلات غذائية عاجلة منقذة للحياة خلال العام الحالي.

يمنيون في صنعاء يتناولون وجبة «السلتة» الشعبية في أحد المطاعم (رويترز)

وتقول أم زينب، وهي ربة منزل تسكن بحي القاع في صنعاء، إنها عادة ما تلجأ وبقية أفراد العائلة إلى الصيام أغلب أيام الأسبوع، مرجعة ذلك إلى ما تعانيه من أوضاع بائسة جراء الحرب وتفشي الجوع والفقر، إضافة إلى زوجها المريض.

وشكت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، من انعدام شبه حاد للغذاء منذ نحو 3 سنوات مضت على إصابة زوجها بجلطة دماغية؛ تسببت له بشلل نصفي، وهو الأمر الذي دفعها مع بقية العائلة إلى الصيام في أغلب الأيام، والاكتفاء بوجبة واحدة عند الإفطار بنهاية كل يوم صيام.

وتتحدث أم زينب، وهي أم لأربعة أولاد، عن صراعها المرير مع رحلة البحث اليومية والشاقة لتوفير الرزق لأسرتها، وتأمين قيمة الدواء اللازم لزوجها، موضحة أنها تعمل كل يوم بالمنزل مع شقيقتيها انتصار (19 عاماً) وسماح (24 عاماً) في تحضير الخبز التقليدي (الملوج) وبيعه للزبائن وبعض المطاعم بالحي الذي تقطنه.

الصوم هو الحل

يؤكد عاملون إغاثيون في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، لجوء آلاف الأسر الفقيرة في المدنية وغيرها إلى الصيام، جراء سلسلة من المعوقات والمصاعب التي جعلت هذه الأسر تعجز عن تأمين كميات الطعام اليومي الكافي لها.

ومثل أم زينب، يلجأ أحمد (45 عاماً) وزوجته واثنان من أبنائه إلى الصوم في بعض أيام الأسبوع؛ نتيجة نفاد مدخراته المالية، وما يعانيه منذ أعوام مضت على الانقلاب والحرب وانقطاع الرواتب، من صعوبة في تأمين العيش.

تدخلات الحوثيين تسببت في إيقاف المساعدات إلى اليمنيين (منظمات إغاثية)

ويوضح أحمد، وهو اسم مستعار لموظف تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، بأنه استنفد طيلة السنوات الماضية كلّ مدخراته مع لجوئه بعد ذلك إلى بيع أغلب مقتنيات منزله؛ لتوفير المأكل والمشرب والملبس وتأمين إيجار المنزل لأسرته.

ولم يعد يتبقى أمام الموظف التربوي وعائلته بهذا الظرف العصيب، كما يقول، سوى اللجوء إلى الصيام، حتى يعتادوا على «الصبر وتحمل آلام الجوع، ومن أجل التقرب إلى الله ومناجاته خلال ساعات الصيام».

ويفضّل أحمد الصومَ والتحملَ والصبرَ على الجوع مع أطفاله، على ألا يخرج إلى الشارع لطلب المساعدة من الغير، مؤكداً وجود فوائد عديدة للصيام على الإنسان سواء أكان ذلك الصيام، فريضةً مثل صيام رمضان أم تطوعاً في بقية أيام السنة.

إطالة أمد الحرب

مع تدني سبل العيش، يشكو سكان كُثر في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرة الحوثيين لـ«الشرق الأوسط»، من معاناة متصاعدة وصعوبة في توفير ولو الجزء اليسير من الغذاء؛ بسبب الظروف التي أعقبت الانقلاب وإطالة أمد الحرب.

ويحمّل العاملون الإغاثيون في صنعاء الجماعةَ الحوثيةَ مسؤوليةَ ما وصلت إليه حال اليمنيين من فقر وجوع وحرمان بفعل مسلسل الإفقار والتجويع والفساد واختلاق مزيد من الأزمات والصراعات التي تنعكس سلباً على حياة ومعيشة ملايين السكان في البلد الذي يعاني واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية على مستوى العالم.

يمنيون عاطلون عن العمل ينامون أمام ساحة مؤسسة تجارية في صنعاء (الشرق الأوسط)

وفي تقرير حديث له، كشف مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) عن تسجيل 8 ملايين طفل وامرأة حامل ومرضعة، في 13 محافظة يمنية، ممن يعانون من سوء التغذية الحاد، وهم بحاجة إلى تدخلات غذائية عاجلة منقذة للحياة خلال العام الحالي.

التقرير الخاص بتحليل الاحتياجات الإنسانية في اليمن، ذكر أن مشكلة سوء التغذية الشاملة في اليمن تفاقمت بسبب ارتفاع مستويات الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، وممارسات تغذية الأطفال ورعايتهم دون المستوى الأمثل، وارتفاع عبء أمراض الأطفال بسبب الحصبة والإسهال بشكل رئيسي، فضلاً عن ضعف الوصول إلى الخدمات الأساسية.

وذكر المكتب الأممي أن نحو 7.7 مليون طفل يمني دون سن الخامسة وامرأة حامل ومرضعة سيعانون من سوء التغذية الحاد في عام 2024، وذلك في 112 مديرية تتبع 13 محافظة، مؤكداً أن اليمن يشهد أعلى معدلات سوء التغذية المسجلة على الإطلاق، ويستمر الوضع في التدهور، خصوصاً بين الأطفال والنساء الحوامل والمرضعات.


مقالات ذات صلة

الحوثيون يصعّدون هجماتهم ضد إسرائيل دون أضرار

العالم العربي مجسم وهمي لطائرة دون طيار من صنع الحوثيين (إ.ب.أ)

الحوثيون يصعّدون هجماتهم ضد إسرائيل دون أضرار

صعّدت الجماعة الحوثية المدعومة من إيران هجماتها باتجاه إسرائيل في الذكرى الأولى لأحداث السابع من أكتوبر 2023 دون حدوث أي أضرار.

علي ربيع (عدن)
المشرق العربي نيران تشتعل في ناقلة نفط استهدفها الحوثيون بالبحر الأحمر مؤخراً (رويترز)

«مركز إنساني» أسسه الحوثيون يشرف على «حرب السفن»

أظهر تحقيق من منظمة غير حكومية سويسرية أن الهجمات البحرية التي يشنها الحوثيون قبالة سواحل اليمن يشرف عليها مركز لتنسيق العمليات الإنسانية أسسه الانقلابيون.

العالم العربي مسلحون حوثيون في صنعاء يرددون «الصرخة الخمينية» (أ.ف.ب)

تنديد يمني باستمرار اعتقال الحوثيين للمحتفلين بـ«26 سبتمبر»

جددت الحكومة اليمنية التنديد باستمرار الحوثيين في اعتقال الآلاف من المحتفلين بذكرى ثورة «26 سبتمبر» التي أطاحت أسلاف الجماعة الانقلابية عام 1962

علي ربيع (عدن)
شؤون إقليمية محاكاة طائرة بدون طيار خلال مظاهرة مناهضة لإسرائيل، في صنعاء، اليمن 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ «أرض-أرض» أُطلق من اليمن

قال الجيش الإسرائيلي، اليوم (الاثنين)، إن صاروخ سطح-سطح أطلق من اليمن على وسط إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي 4.2 مليون يمني يقيمون في مناطق معرّضة لخطر «تدهور الأمن الغذائي الأسوأ»... (إ.ب.أ)

مساعدات أممية نقدية لـ1.43 مليون عائلة يمنية

ذكرت «منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (يونيسيف)» أن أكثر من 1.43 مليون أسرة تلقت مساعدات نقدية في إطار مشروع «الحوالات النقدية غير المشروطة».

وضاح الجليل (عدن)

«حزب الله» يستهدف قوات إسرائيلية على الحدود... وصفارات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل

الدخان يتصاعد مع تواصل القتال بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» (رويترز)
الدخان يتصاعد مع تواصل القتال بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» (رويترز)
TT

«حزب الله» يستهدف قوات إسرائيلية على الحدود... وصفارات الإنذار تدوي في شمال إسرائيل

الدخان يتصاعد مع تواصل القتال بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» (رويترز)
الدخان يتصاعد مع تواصل القتال بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» (رويترز)

قالت جماعة «حزب الله» اللبنانية، في بيان، إن مقاتليها استهدفوا جنوداً إسرائيليين، قرب قرية اللبونة الحدودية اللبنانية، بقذائف المدفعية والصواريخ، اليوم الأربعاء، وذلك بعد يوم من إعلان إسرائيل أنها قتلت اثنين من خلفاء الأمين العام للجماعة، حسن نصر الله.

وقال الجيش الإسرائيلي إن صفارات الإنذار دوَّت في شمال إسرائيل، اليوم الأربعاء، مضيفاً أن ثلاثة عسكريين إسرائيليين أُصيبوا بجروح خطيرة، أمس الثلاثاء، واليوم الأربعاء، خلال قتال في جنوب لبنان.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمس الثلاثاء، إن الغارات الجوية الإسرائيلية قتلت اثنين من خلفاء نصر الله الذي اغتالته إسرائيل، الشهر الماضي.

وتحدَّث نتنياهو، في مقطع فيديو نشره مكتبه، بعد ساعات من ترك نعيم قاسم، نائب الأمين العام لـ«حزب الله»، الباب مفتوحاً أمام وقف إطلاق النار عن طريق التفاوض. وتعاني الجماعة بعد قتل عدد من كبار قادتها في غارات جوية إسرائيلية.

وقال نتنياهو: «لقد نجحنا في إضعاف قدرات (حزب الله). لقد قضينا على آلاف الإرهابيين، بما في ذلك (حسن) نصر الله نفسه، وبديل نصر الله، وبديل البديل»، دون أن يذكر الأخيرين بالاسم.

القيادي البارز في «حزب الله» هاشم صفي الدين خلال مشاركته في تشييع قيادي قُتل بإدلب السورية (أ.ف.ب)

وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، إن هاشم صفي الدين، الرجل الذي من المتوقع أن يخلف نصر الله، ربما «جرى القضاء عليه». ولم يتضح، على الفور، مَن كان يقصده نتنياهو بوصف «بديل البديل».

وفي وقت لاحق، قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، إن إسرائيل تعلم أن صفي الدين كان موجوداً في مقر وحدة مخابرات «حزب الله» عندما قصفته طائرات مقاتِلة، الأسبوع الماضي، وأن وضع صفي الدين «قيد التحقق وعندما نعرف فسوف نبلّغ الجمهور».

ولم يُسمَع عن صفي الدين أي تصريح علني منذ تلك الغارة الجوية، التي كانت جزءاً من هجوم إسرائيلي متصاعد، بعد عام من الاشتباكات الحدودية مع «حزب الله».

وأضاف نتنياهو: «حزب الله، اليوم، أصبح أضعف مما كان عليه منذ سنوات عدة».

وقال الجيش الإسرائيلي، أمس الثلاثاء، إن الغارات الجوية المكثفة على منشآت تحت الأرض لـ«حزب الله» في جنوب لبنان، خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، أدت إلى مقتل 50 مقاتلاً، على الأقل، بينهم 6 من قادة قطاعات ومسؤولين بالمناطق.

وقال الجيش الإسرائيلي إنه أرسل الفرقة 146 إلى جنوب لبنان، وهي أول فرقة جنود احتياط يجري نشرها عبر الحدود، وإنه وسع العمليات البرية ضد «حزب الله»، من جنوب شرقي لبنان إلى جنوب غربيه.

ورفض متحدث عسكري الإفصاح عن عدد القوات التي كانت موجودة في لبنان، في توقيت محدد. لكن الجيش أعلن، في وقت سابق، أن ثلاث فِرق أخرى من الجيش تعمل هناك، وهو ما يعني أن الآلاف من الجنود، على الأرجح، على الأراضي اللبنانية.

وقصفت إسرائيل مجدداً الضاحية الجنوبية لبيروت؛ معقل «حزب الله»، وقالت إنها قتلت سهيل حسين حسيني، رئيس منظومة الأركان في الجماعة، في أحدث حلقة في سلسلة من الاغتيالات لبعض كبار القادة في «حزب الله».

وقال متحدث عسكري إسرائيلي إن أكثر من 3000 صاروخ أُطلقت على إسرائيل من لبنان حتى الآن في أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، لكن اعتراضات الدفاعات الجوية حالت دون وقوع كثير من الضحايا والأضرار الكبيرة.

وأدى الصراع المتصاعد بين إسرائيل و«حزب الله» إلى مقتل ما يزيد على ألف شخص في لبنان، خلال الأسبوعين المنصرمين، ودفع أكثر من مليون شخص إلى النزوح.

عناصر حوثيون في صنعاء متضامنون مع «حزب الله» اللبناني (أ.ف.ب)

وتفاقم التوتر الإقليمي، في الأسابيع القليلة الماضية، ليشمل لبنان، واندلع التوتر، قبل عام، عندما قادت حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية «حماس» هجوماً على جنوب إسرائيل، انطلاقاً من غزة.

وفي الأول من أكتوبر الحالي، شنت إيران، الداعمة لكل من «حزب الله» و«حماس»، هجوماً صاروخياً على إسرائيل. وأمس الثلاثاء، حذرت إيران إسرائيل من مغبّة تنفيذ وعيدها بالرد.

وقال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إن أي هجوم على البنية التحتية الإيرانية سيجري الرد عليه.

وذكر موقع «أكسيوس»، نقلاً عن ثلاثة مسؤولين أميركيين، أنه من المتوقع أن يُجري الرئيس الأميركي جو بايدن اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اليوم الأربعاء، حول أي خطط تتعلق بضرب إيران.

ونقل «أكسيوس» عن مسؤول أميركي قوله: «نريد استغلال المكالمة لمحاولة صياغة حدود الرد الإسرائيلي».

وذكر المسؤول الأميركي للموقع أن واشنطن تريد التأكد من أن إسرائيل تهاجم أهدافاً في إيران تكون مهمة، لكن ليس مُبالغاً فيها.

وتسعى قوى غربية للتوصل إلى حل دبلوماسي؛ خوفاً من أن يؤدي الصراع إلى زعزعة استقرار منطقة الشرق الأوسط المنتِجة للنفط ويجرّ الولايات المتحدة إلى الحرب.

وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون»، أمس الثلاثاء، أن وزير الدفاع الإسرائيلي غالانت ألغى زيارة إلى واشنطن، والاجتماع مع نظيره الأميركي، لويد أوستن، الذي كان مقرراً اليوم الأربعاء.

وفي كلمة نقلها التلفزيون من مكان لم يُكشف عنه، قال نعيم قاسم، نائب الأمين العام لـ«حزب الله»، إنه يؤيد محاولات التوصل إلى وقف لإطلاق النار.

وللمرة الأولى، لم يجرِ ذكر انتهاء الحرب في غزة بوصفه شرطاً مسبقاً لوقف القتال في لبنان. وقال قاسم إن «حزب الله» يدعم التحركات التي يقوم بها رئيس مجلس النواب نبيه بري، حليف «حزب الله»؛ لضمان وقف القتال.

ورفض مكتب نتنياهو التعليق على تعليقات قاسم. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، في إفادة صحفية بواشنطن، إن «(حزب الله) غيّر موقفه ويريد وقف إطلاق النار»؛ لأن الجماعة «في موقف دفاعي وتتعرض لضربات شديدة» في ساحة المعركة.

وقال قاسم إن قدرات «حزب الله» لا تزال بخير، رغم «الضربات المُوجعة» التي وجّهتها إسرائيل. وأضاف أن هناك عشرات المدن في إسرائيل في مرمى صواريخ «حزب الله».