عملة الحوثيين المعدنية تثير غضب الحكومة والأوساط الاقتصادية

اتهامات للجماعة بتدمير القطاع المصرفي وإذكاء الصراع

بوابة مقر البنك المركزي في صنعاء الخاضع للحوثيين (رويترز)
بوابة مقر البنك المركزي في صنعاء الخاضع للحوثيين (رويترز)
TT

عملة الحوثيين المعدنية تثير غضب الحكومة والأوساط الاقتصادية

بوابة مقر البنك المركزي في صنعاء الخاضع للحوثيين (رويترز)
بوابة مقر البنك المركزي في صنعاء الخاضع للحوثيين (رويترز)

أثار قيام الحوثيين في اليمن بسك عملة معدنية من فئة 100 ريال يمني، غضب الحكومة ممثلة في البنك المركزي في عدن، حيث وصفها بالعملة المزورة، فيما رأى محللون سياسيون واقتصاديون أن الجماعة ماضية في تدمير القطاع المصرفي وإذكاء الصراع الاقتصادي دون شعور بالمسؤولية الوطنية.

وكانت الجماعة الحوثية أعلنت، السبت، خلال مؤتمر صحافي في مقر فرع البنك المركزي اليمني الخاضع لها في صنعاء سك عملة معدنية من فئة 100 ريال، لمعالجة مشكلة الأوراق التالفة في مناطق سيطرتها من الفئة نفسها.

سك الحوثيون عملة معدنية وصفتها الحكومة اليمنية بأنها مزورة وغير شرعية (رويترز)

وفي حين زعمت الجماعة أنها سكت العملة وفق المعايير الدولية، قررت أن تطرحها للجمهور في مناطق سيطرتها ابتداء من الأحد، كما زعمت أن ذلك لن يؤثر على قيمة العملة، إذ سيتم إحلالها بدلا عن الأوراق التالفة.

وهذه هي المرة الأولى في التاريخ المصرفي الذي يتم فيه سك عملة معدنية، من فئة 100 ريال، حيث كانت أعلى فئة معدنية هي فئة 20 ريالا، قبل أن تقوم الجماعة بهذه الخطوة التي يتخوف اقتصاديون يمنيون من خطوات أخرى تتلوها لطباعة المزيد من النقود غير المشروعة.

أول رد حكومي

في أول رد حكومي على إعلان الجماعة الحوثية سك العملة المعدنية، جدد البنك المركزي اليمني في العاصمة المؤقتة عدن، تحذيره لكل الجهات والمؤسسات والأفراد من تداول أي عملة صادرة من فرع البنك في صنعاء المستولى عليه من قبل ميليشيا الحوثي الإرهابية.

وقال البنك في بيان، إنه «تابع إعلان ميليشيا الحوثي الإرهابية المستولية على فرع البنك المركزي بصنعاء سك عملة معدنية فئة مائة ريال، وإعلان طرحها للتداول بدلاً من العملة القانونية فئة المائة ريال الورقية».

وأكد البنك رفضه هذا «الفعل التصعيدي الخطير وغير القانوني الذي لا يأخذ بعين الاعتبار بأي شكل من الأشكال مصالح المواطنين»، لافتاً إلى أن هذه العملة تعد مزورة كونها صادرة من كيان غير قانوني.

وأضاف «المركزي اليمني» أنه يحتفظ بحقه القانوني في اتخاذ الإجراءات القانونية الاحترازية لحماية الأصول المالية للمواطنين والمؤسسات المالية والمصرفية، محملاً «الميليشيات الحوثية تبعات هذا التصعيد اللامسؤول وما يترتب عليه من تعقيد وإرباك في تعاملات المواطنين والمؤسسات المالية والمصرفية داخلياً وخارجياً».

وقوبلت الخطوة الحوثية بسيل من التهكم من قبل الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ رأوا أن الجماعة تحاول أن تعيد اليمنيين إلى العصور السحيقة، حيث استخدام العملات المعدنية.

ويرى المستشار الإعلامي في السفارة اليمنية في الرياض صالح البيضاني، أن إصرار الحوثي على المضي قدما في سياسة تدمير الاقتصاد اليمني والنظام المصرفي الهش في البلاد، تعبير عن النهج العبثي، والعقاب الجماعي الذي تمارسه الميليشيات الحوثية بحق اليمنيين.

وقال البيضاني إن «إصدار عملة معدنية مزورة، سيترتب عليه تعميق المعاناة الاقتصادية والإنسانية وخسارة العملة الوطنية المزيد من قيمتها جراء الممارسات الحوثية التي بدأت منذ الانقلاب وحتى اليوم».

مخاوف اقتصادية

وصف الخبير الاقتصادي اليمني مصطفى نصر وهو رئيس مركز الإعلام الاقتصادي اليمني، الخطوة المنفردة من قبل جماعة الحوثي بأنها «تصعيد جديد نحو مزيد من الانقسام النقدي وإذكاء الصراع في القطاع المصرفي اليمني».

وقال نصر في بيان إن «هذا الإجراء يمثل جس نبض للاستمرار في إصدار فئات نقدية أخرى من العملة عند الحاجة، وكذلك بناء اقتصاد مستقل بشكل متكامل».

وبالنسبة للتداعيات السلبية على القطاع المصرفي جراء الخطوة الحوثية، أوضح نصر أن ذلك سوف يعتمد على القرارات التي سيتخذها البنك المركزي اليمني في عدن التابع للحكومة الشرعية والمعترف به دولياً، والخطوات التي يمكن أن تتخذها المؤسسات المالية الدولية والنظام المالي العالمي.

العملة اليمنية في مناطق سيطرة الحوثيين باتت مهترئة لعدم سماح الجماعة بتداول الطبعات الجديدة بعدن (إكس)

وأشار إلى أن تأثير إنزال الفئات النقدية من العملة المعدنية «مائة ريال» سيعتمد على حجم الكمية النقدية، حيث لو جرى إنزال كميات أعلى مما يعادلها من العملة المهترئة سيبدأ تدحرج سعر الريال نحو الهبوط مقابل الدولار في مناطق سيطرة الحوثي، وسيفتح الشهية أيضاً لمزيد من الإصدارات لمواجهة النفقات، وبالتالي سيعمل على تدهور العملة، ناهيك عن أن تحويل فئة مائة ريال إلى نقد معدني سيعني مستقبلاً التضخم في الأرقام على حساب القيمة الحقيقية للفئات.

ورغم أن تكلفة العملة المعدنية أعلى فإن جماعة الحوثي كما يبدو فضلتها لأسباب تتعلق بسهولة سكها والحصول عليها، وفق ما أكده الخبير الاقتصادي اليمني مصطفى نصر.

تجسيد الانفصال

في اتجاه آخر، قال الباحث اليمني مصطفى ناجي الجبزي، إن الجماعة الحوثية تجسد الانفصال في اليمن كل يوم بخطوة وبإجراء، وهي تدعي تمثيل اليمن والدفاع عن سيادته.

وأضاف الجبزي أن إصدار عملة معدنية جديدة فئة مائة ريال دون اعتبار لتقاليد الإصدار القانونية ولا التقاليد الشكلية والتصاميم المعمول بها في الجمهورية اليمنية والحفاظ على رموز الجمهورية وفق النصوص الدستورية واللوائح النافذة، هي خطوة لفصل عرى الإدارة في اليمن وخلق نظامين مصرفيين دون مبالاة بمصالح الناس ومستقبل البلاد.

وأعاد الجبزي في منشور على «فيسبوك» التذكير بأن الجماعة الحوثية في السنوات الماضية رفضت إدخال العملة المطبوعة الجديدة، ووضعت قيوداً أمام الناس ونهبت أموالهم وهي تصادر العملة المطبوعة الجديدة، كما فرضت على اليمنيين في مناطق سيطرتها التعامل بأوراق نقدية تالفة جالبة للأوساخ والأمراض.

تزعم الجماعة الحوثية أنها سكت العملة المعدنية لمعالجة مشكلة الأوراق المهترئة من فئة 100 ريال يمني (إكس)

ومع تأكيده أن الجماعة اتخذت قراراً أحادياً عندما سكت عملة معدنية لا تعبر عن القيمة الفعلية للريال ولا تناسب السعر والاستخدام، قال إنها منذ سنوات فرضت عبر سياسات مالية قيمتين مختلفتين للعملة اليمنية، ويترتب على هذا ضياع لحقوق الناس الدفترية، وتعقيد في القيمة، وغبن ومشاكل وخلافات قضائية حول ديون سابقة يصعب تقديرها.

‏وشدد الباحث اليمني مصطفى الجبزي على أن التعدي على سيادة البنك المركزي هو مسمار في نعش اليمن وضربة قاصمة للمشترك النقدي بين اليمنيين بأبعاد العملية المتعلقة بالتداول وتدفق الأموال والسلع، واستمرار النشاط الاقتصادي وأرزاق الناس.

يشار إلى أن الجماعة الحوثية تمكنت من عملية سك النقود المعدنية عبر سيطرتها على آلة السك الموجودة في مقر البنك المركزي في صنعاء، وفق ما أفادت به مصادر مصرفية يمنية.


مقالات ذات صلة

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني الزبيدي يثمن دور السعودية في دعم بلاده (سبأ)

الزبيدي يثمن جهود السعودية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن

وسط تأكيد سعودي على استمرار تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لليمن، ثمّن عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، سعي المملكة إلى حشد الجهود لإحلال السلام.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي خسائر بشرية بصفوف الحوثيين جراء استمرار خروقهم الميدانية (فيسبوك)

انقلابيو اليمن يشيّدون مقابر جديدة لقتلاهم ويوسّعون أخرى

خصصت الجماعة الحوثية مزيداً من الأموال لاستحداث مقابر جديدة لقتلاها، بالتزامن مع توسيعها لأخرى بعد امتلائها في عدد من مناطق العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.