دفع اتساع رقعة الفقر عائلات يمنية إلى تقسيط ثمن سلال الغذاء عبر المصارف، في وقت كشف فيه تقرير أممي عن نسبة مرتفعة جداً من الفقر المتعدد الأبعاد، بالتزامن مع تحذيرات دولية من تفاقم الأوضاع الإنسانية في البلد المنهك جراء الصراع الممتد منذ نحو عقد من الزمن.
وأثار إعلان مصرف محلي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن عن تسهيل للعائلات بالحصول على سلة غذائية رمضانية بتقسيط ثمنها على 7 أشهر، ردود فعل ومشاعر متعددة في مختلف الأوساط، حيث رأي الغالبية أن هذا الإعلان يعبّر عن الحالة المعيشية الصعبة لمئات الآلاف من العائلات التي باتت عاجزة أمام غلاء الأسعار وقلة الدخل وانهيار العملة المحلية.
وتتضمن السلة الغذائية، التي وردت في الإعلان الذي أغرى العائلات المستهلكة بدفع ثمنها على سبعة أشهر، 10 كيلوغرامات من كل من السكر والأرز والدقيق، وبعض معلبات التونة، والصلصة، ومتطلبات الحلويات، وزجاجتين من العصير المركز، وقارورة زيت وكيس من الحليب المجفف.
وفي حين رأى عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن الإعلان قدم خدمة للموظفين العموميين، بتسهيل حصولهم على وجباتهم الرمضانية بالتقسيط، عوضاً عن عجز الجهات الرسمية في معالجة الأوضاع الاقتصادية؛ تحسّر آخرون على الحال الذي وصلت إليه الكثير من العائلات التي سارعت للتنافس للحصول على هذه الفرصة.
وأبدت سعاد محمد، وهي موظفة وربة بيت من عدن، أسفها من عدم قدرتها وغيرها على شراء سلة غذائية إلا بالتقسيط، الذي تم ابتكاره في الأساس لتسهيل الحصول على المنازل والأراضي والسيارات والأجهزة المنزلية ومتطلبات الرفاهية.
وأفادت في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، بأن تقسيط السلال الغذائية أصبح يشبه في تعقيد إجراءاته شروط تقسيط الكماليات؛ الأمر الذي أوقع الكثير من العائلات في متاعب السعي من أجل توفير شروط عروض التقسيط، وتقديم الكثير من الالتزامات لضمان سداد الأقساط دون تأخير.
ونوهت صفاء باسويد، وهي موظفة في شركة تجارية، إلى أن الإعلان موجّه إلى موظفي بعض القطاعات الحكومية المستقلة مالياً وإدارياً، وليس جميع القطاعات؛ ما يعني أن هذه الفرصة لن تتوفر لجميع الموظفين، عوضاً عمن لا يملكون مصادر دخل ثابتة.
وعلى الرغم من استنكار المعلم ياسر عفيف عرض الإعلان سلعاً منخفضة الجودة، فإنه أشار إلى أن التقسيط على سبعة أشهر لهذه النوعية من السلع يعني أنه لم يعد بإمكان محدودي الدخل وغالبية اليمنيين الحصول على سلع ذات جودة عالية، فبينما هذه السلة الغذائية قد تكلف البعض نصف راتب لسبعة أشهر، فإن غيرها قد تكلفهم رواتبهم كاملة.
البحث عن بدائل
تراجع الدعم الموجّه للإغاثة الإنسانية في اليمن خلال العام الحالي؛ ما أسفر عن وصول الوضع الإنساني في اليمن إلى المرتبة الخامسة، وهي الدرجة التي تلامس المجاعة، طبقاً لمسؤول يمني.
وينبّه جمال بلفقيه، المنسق العام للجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الكثير من الدول والمنظمات المانحة توقفت عن تقديم العون الإنساني إلى اليمن، لأسباب لا علاقة لها بتداعيات البحر الأحمر، ومن ذلك ظهور أزمات إنسانية أخرى في مناطق أخرى من العالم.
ويتوقع بلفقيه، أن يبدأ تأثير التوترات في البحر الأحمر على تدفق السفن وسلاسل الغذاء قريباً، مع ارتفاع تكلفة السلع الأساسية وتراجع المواد الإغاثية بفعل ارتفاع كلفة التأمين من ناحية، واضطرار عشرات السفن إلى سلوك طريق رأس الرجاء الصالح بعيداً عن مخاطر البحر الأحمر.
وأكد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية في الحكومة اليمنية، أن هناك مساعي ومقترحات يجري بحثها من أجل توفير بدائل لوصول السفن عبر البحر الأحمر إلى الموانئ اليمنية وبالأخص ميناء عدن، ومن تلك المقترحات أن يجري توفير أسطول من السفن الصغيرة لنقل السلع الموجهة إلى اليمن من الموانئ التي تلجأ إليها سفن النقل الكبيرة هرباً من توترات البحر الأحمر.
وجاء اليمن في قائمة الطوارئ الإنسانية للدول غير المصنفة في قائمة الأزمات الإنسانية، التي يتوقع أن يزيد تدهور أوضاعها خلال العام الحالي، بحسب لجنة الإنقاذ الدولية، حيث تنقسم دول قائمة المراقبة نصفين، النصف الأول أعلى عشر دول مصنفة، والقسم الآخر الدول غير المصنفة، وهو القسم الذي ورد اسم اليمن فيه.
وفي لقاءاته بمسؤولين محليين في محافظة الحديدة، أعرب شنجيراي تشيمباواندا، مدير مكتب برنامج الغذاء العالمي في الساحل الغربي لليمن، أن هجمات الجماعة الحوثية والردود العسكرية الغربية عليها أثّرت على عمل المنظمة بشكل كبير.
مستويات فقر عالية
تتمثل الصعوبات التي يواجهها برنامج الغذاء العالمي جراء توترات البحر الأحمر في نقص المساعدات المقدمة، وتأخير وصول المساعدات في وقتها، إلى جانب عدم القدرة على تنفيذ البرامج والمشاريع.
في السياق، كشف تقرير أممي حديث عن أن نسبة الأفراد الذين يعانون فقراً متعدد الأبعاد في عدد من المحافظات اليمنية بلغت 82.7 في المائة، وهو ما يعني أن أكثر من ثمانية من كل عشرة أشخاص في المحافظات يعانون فقراً متعدد الأبعاد.
ويرجع التقرير الصادر أخيراً عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي هذه النسبة إلى الحرب الدائرة في البلاد منذ عقد، حيث أفرزت تأثيرات سلبية على مستوى معيشة الأفراد والعائلات، من الفقر والحرمان والتحديات التي تقف عائقاً في الحصول على الخدمات الأساسية والفرص.
ويبيّن التقرير الذي صدر تحت مسمى «قياس الفقر متعدد الأبعاد في اليمن» أن متوسط عدد حالات الحرمان التي يواجهها الفقراء متعدد الأبعاد، بلغ 46.7 في المائة؛ مما يعني أن الفرد الفقير في المتوسط عانى من أكثر من 45 في المائة من الحرمان المرجح المحتمل.
والأبعاد التي اعتمدها التقرير هي التعليم والصحة وصحة الطفل والأم والخدمات ومستويات المعيشة والتوظيف، إلى جانب 17 مؤشراً آخر.