واشنطن تضرب الحوثيين منفردة ... وغروندبرغ قلق على جهود السلام

الجماعة تتأهب لحصد المكاسب وسط تشكيك يمني في أثر الضربات

حض زعيم الحوثيين أتباعه على حشد المزيد من المجندين وجمع الأموال (أ.ف.ب)
حض زعيم الحوثيين أتباعه على حشد المزيد من المجندين وجمع الأموال (أ.ف.ب)
TT

واشنطن تضرب الحوثيين منفردة ... وغروندبرغ قلق على جهود السلام

حض زعيم الحوثيين أتباعه على حشد المزيد من المجندين وجمع الأموال (أ.ف.ب)
حض زعيم الحوثيين أتباعه على حشد المزيد من المجندين وجمع الأموال (أ.ف.ب)

عززت الولايات المتحدة ضرباتها المشتركة مع بريطانيا ضد مواقع الجماعة الحوثية في اليمن بضربة صاروخية بحرية منفردة، السبت، استهدفت صنعاء، وسط قلق المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ ومخاوفه من انهيار مساعيه لإحلال السلام.

ومع تشكيك باحثين يمنيين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» في الأثر الذي أحدثته هذه الضربات فيما يخص قدرة الجماعة العسكرية على الاستمرار في مهاجمة السفن، وجدت قادة الجماعة في الهجمات فرصة لتحويلها إلى مكاسب على الصعيد الداخلي، واستقطاب المزيد من الأتباع من بوابة مناصرة الفلسطينيين في غزة ومقارعة الدول العظمي في البحر الأحمر.

نفذت واشنطن ولندن ضربات لتحجيم قدرة الحوثيين على تهديد الملاحة في البحر الأحمر (رويترز)

الضربة الأميركية جاءت بعد ساعات من هجوم بصاروخ سقط على مقربة من سفينة تجارية في خليج عدن يعتقد أن الجماعة الحوثية أطلقته من مناطق سيطرتها للانتقام من أوسع ضربة تلقتها، الجمعة، على يد القوات الأميركية والبريطانية، حيث شملت صنعاء وأربع محافظات، وأدت إلى مقتل خمسة مسلحين وتدمير قدرات عسكرية من بينها أجهزة رادار وبنية تحتية للطائرات المسيرة والصواريخ.

وفي وقت سابق رفضت الحكومة اليمنية هذه الضربات، بشكل غير مباشر، وقالت إنها تتمسك بحقها السيادي في حماية الملاحة في البحر الأحمر، إلا أنها حملت الجماعة الحوثية مسؤولية ما آلت إليه الأمور من عسكرة للمياه الإقليمية اليمنية، كما حملت المجتمع الدولي مسؤولية سياساته التي قادت إلى تمكين الجماعة الحوثية وتعظيم قدرتها العسكرية.

وفيما عبر المبعوث غروندبرغ عن قلقه إزاء التطورات، دعا جميع الأطراف المعنية إلى تجنب أي خطوات من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم سوء الأوضاع في اليمن، أو تصعيد التهديد على طرق التجارة البحرية، أو زيادة التوترات الإقليمية في هذا الوقت الحرج.

وشدد غروندبرغ على ضرورة حماية المدنيين اليمنيين، والحاجة لصون التقدم الذي تم إحرازه فيما يتعلق بجهود السلام منذ هدنة عام 2022، بما في ذلك الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف مؤخراً في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، والمناقشات الجارية حول خريطة الطريق الأممية التي من شأنها تفعيل وقف إطلاق النار على الصعيد الوطني، واستئناف عملية سياسية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة ومعالجة أولويات أساسية لصالح الشعب اليمني.

وأشار المبعوث في البيان الذي وزعه مكتبه، السبت، ببالغ القلق إلى تزعزع الوضع الإقليمي بشكل متزايد، وإلى التأثير السلبي لذلك على جهود السلام في اليمن، وعلى الاستقرار والأمن في المنطقة. وحض جميع الأطراف المعنية على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتقديم المسارات الدبلوماسية على الخيارات العسكرية، داعياً إلى وقف التصعيد.

صواريخ توماهوك

أفادت القيادة المركزية الأميركية بأنها استخدمت صواريخ «توماهوك» من على متن إحدى سفنها في البحر الأحمر لضرب موقع رادار حوثي، في صنعاء، اتضح أنه في قاعدة الديلمي الجوية جوار مطار صنعاء.

صور جوية تظهر الفرق في موقع حوثي قبل وبعد الضربات الأميركية البريطانية (أ.ف.ب)

وفي الساعة 3:45 صباحاً (بتوقيت صنعاء) أفادت القيادة المركزية بأن قواتها شنت ضربة ضد موقع رادار تابع للحوثيين في اليمن نفذتها سفينة «يو إس إس كارني» (DDG 64) باستخدام صواريخ توماهوك للهجوم البري، ووصفتها بأنها كانت بمثابة إجراء متابعة على هدف عسكري محدد مرتبط بالضربات التي تم شنها في 12 يناير (كانون الثاني)، بهدف إضعاف قدرة الحوثيين على مهاجمة السفن البحرية، بما في ذلك السفن التجارية.

وأعاد البيان التذكير بأن الحوثيين المدعومين من إيران حاولوا منذ 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مهاجمة ومضايقة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن 28 مرة. وتشمل هذه الحوادث غير القانونية الهجمات التي استخدمت فيها الصواريخ الباليستية المضادة للسفن، والمركبات الجوية دون طيار، وصواريخ كروز.

وأكدت القيادة المركزية الأميركية مجدداً أنه لا علاقة لهذه الضربات بعملية «حارس الازدهار»، وهي تحالف دفاعي يضم أكثر من 20 دولة تعمل في البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن، أنشئت الشهر الماضي لحماية الملاحة بقيادة واشنطن.

استهدفت الضربات بنى تحتية ومواقع رادار ومستودعات حوثية في 5 محافظات يمنية (رويترز)

من جهته، قال المتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام لـ«رويترز» إن الضربات الأميركية، التي استهدف أحدثها قاعدة عسكرية في صنعاء، «لم يكن لها تأثير يذكر».

وكانت القوات الأميركية والبريطانية نفذت، الجمعة، ضربات مشتركة قال الحوثيون إنها زادت عن 70 غارة، بدعم من أستراليا وكندا وهولندا والبحرين، لإضعاف قدرة الجماعة على الاستمرار في هجماتها «غير القانونية والمتهورة على السفن الأميركية والدولية والسفن التجارية في البحر الأحمر».

وبحسب البيان الأميركي، استهدف هذا العمل المتعدد الجنسيات أنظمة الرادار وأنظمة الدفاع الجوي ومواقع التخزين والإطلاق للهجوم أحادي الاتجاه على الأنظمة الجوية من دون طيار وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية.

وعقب الضربات، أكد جنرال أميركي أن الحوثيين أطلقوا صاروخاً باليستياً مضاداً للسفن، وقال مدير العمليات في هيئة الأركان المشتركة اللفتنانت جنرال دوغلاس سيمز، للصحافيين: «نعلم أنهم أطلقوا صاروخاً واحداً على الأقل في رد انتقامي»، مضيفاً أن الصاروخ لم يصب أي سفينة، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

تزعم الجماعة الموالية لإيران أنها سترد للانتقام من الضربات الأميركية والبريطانية (أ.ب)

وكان بايدن، وصف، عقب ضربات الجمعة، الحوثيين بأنهم «جماعة إرهابية»، وقال إن واشنطن ستردّ عليهم إذا واصلوا سلوكهم الذي وصفه بأنه مثير للغضب، وفق ما نقلته «رويترز».

عقوبات واتهامات لإيران

فيما لم يخف المسؤولون الغربيون اتهاماتهم العلنية لإيران بالوقوف خلف الهجمات الحوثية في البحر الأحمر، واصلت الولايات المتحدة مسلكها الآخر لتجفيف موارد دعم الجماعة عبر العقوبات.

وأعلنت واشنطن، الجمعة، فرض عقوبات على شركتين مقرهما في هونغ كونغ والإمارات، تقومان بشحن سلع إيرانية نيابة عن شبكة تيسير مالية للحوثيين وفيلق القدس الإيراني.

وقالت وزارة الخزانة الأميركية، في بيان، إنها فرضت عقوبات على شركة مقرها هونغ كونغ وشركة مقرها الإمارات تقومان بشحن سلع إيرانية نيابة عن شبكة تيسير مالية حوثية مدعومة من فيلق القدس وهي خاضعة بالفعل لعقوبات أميركية. كما استهدفت أربع ناقلات نفط.

وأوضحت أن إحدى الناقلات المملوكة لشركة شيلو البحرية المحدودة التي مقرها هونغ كونغ، شحنت سلعاً إيرانية إلى الصين نيابة عن الوسيط المالي سعيد الجمل، وأن ناقلة أخرى سعت لإخفاء أصل البضائع، مستخدمة وثائق مزورة.

تبحث الجماعة الحوثية عن زيادة شعبيتها من بوابة مزاعم نصرة فلسطين (إ.ب.أ)

من جهته، طلب وزير الدفاع البريطاني غرانت شابس من إيران أن تحث حلفاءها الحوثيين على «التوقف والامتناع» عن الهجمات التي تشنها الجماعة في البحر الأحمر، وذلك في أعقاب الضربات التي وجهتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لمواقع تابعة لهم في اليمن.

ولفت شابس، الجمعة، إلى أن العالم بدأ «ينفد صبره» حيال أنشطة طهران التي تزعزع الاستقرار، ودعا طهران إلى أن «توضح وكلاءها الكثيرين» في الشرق الأوسط، بحسب ما أوردته وكالة الأنباء البريطانية (بي إيه ميديا).

تبعات الضربات

يكاد المراقبون السياسيون اليمنيون يجمعون على استفادة الجماعة الحوثية من الضربات الأميركية البريطانية، ويجزمون بأن الجماعة «باتت أكثر سعادة» لجهة أنها باتت تلفت أنظار الدول العظمى، وتشكل رقماً إقليمياً، إلى جانب المكاسب الأخرى من تعظيم شعبيتها محلياً، حيث بات قادتها يتحدثون عن مصداقية شعاراتهم المرفوعة منذ نشأة الجماعة بخصوص معاداة أميركا وإسرائيل.

ويقول الباحث والمحلل السياسي اليمني عبد الله السنامي لـ«الشرق الأوسط»، إن الضربات الأميركية البريطانية على مناطق سيطرة الحوثيين أدت إلى تعقيد الأزمة في المنطقة، ووسعت الشرخ في مشروع السلام المنتظر البعيد في اليمن، ودفعت بلغة الحرب إلى الواجهة، وقللت من الجهود الدبلوماسية، لا سيما ومنطقة الشرق الأوسط تعيش في وضع ساخن.

ومثل هذا العمل العسكري - بحسب السنامي - قد يدفع المنطقة إلى الانفجار، ذلك أن واشنطن ولندن لم تراعيا مصالح دول المنطقة، وهي الدول التي كان ينبغي ترك الأمر لها في معالجة مسائل الملاحة الدولية وغيرها.

كما أن التدخل العسكري الأميركي البريطاني دفع المنطقة بأكملها إلى قرب فوهة الاشتعال، في وقت حرج، كان يفترض العمل على تجنب مثل هذه الإجراءات، وإفساح المجال للجهود الدبلوماسية التي هي الأكثر نجاحاً، بحسب تعبيره.

ويجزم السنامي بأن الحوثيين حققوا مكاسب من القصف الأميركي البريطاني، كون هذا يتماشى مع سردياتهم الآيديولوجية، ويكسبهم شعبية لدى اليمنيين، ويمكّنهم من استغلال النزعة الكامنة في الناس تجاه فلسطين.

تقول الحكومة اليمنية إن الحوثيين يخدمون أجندة إيران ولا علاقة لهم بنصرة فلسطين (رويترز)

ويرى أن القصف أكسب الحوثيين شعبية كادت تكون مفقودة، ورحّل عنهم ملفات كانت تؤرقهم، مثل الرواتب وتقديم خدمات للمواطنين، وأيضاً منحهم فرصة لإحكام قبضتهم الأسرية على مؤسسات الدولة، والبروز بوصفهم لاعباً رئيسياً، إن لم يكن وحيداً، أمام المجتمع الدولي، وهو الأمر الذي يستميتون من أجله.

ولا يعتقد السنامي أن الضربات ستحد من قوة الحوثيين؛ لأسباب كثيرة، أهمها أن وجود الحوثيين في مناطق جبلية تعطيهم تحصيناً يحمي من هذه الضربات، كما أن الضربات عديمة الجدوى كونها أتت عقب ضربات التحالف الداعم للشرعية والتي أكسبتهم خبرة في الاحتماء، وحتى وفق القراءة العسكرية - بحسب تعبيره - فإن الضربات الجوية والصاروخية لا تؤدي الغرض منها ما لم يعقبها تحرك بري، الأمر الذي بات واضحاً أنه غير ممكن الآن.

احتمالات الرد

مع تهديد الجماعة الحوثية بالرد ضد المصالح الأميركية والبريطانية عقب الضربات، يرى الباحث والمحلل السياسي اليمني محمود الطاهر، أن الضربات حدت بشكل مؤقت من العمليات الحوثية في البحر الأحمر، وأن الجماعة لم تستطع الرد نتيجة للأضرار التي ألحقت في بنيتها العسكرية، وإن كانت تدعي غير ذلك.

ويتوقع الطاهر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين ينتظرون تعزيزات إيرانية من أجل الرد، لكنه يستدرك أن الرد سيكون خجولاً لمحاولة تبييض الوجه، وسيكون الرد الأميركي أعنف، وربما قد يتم تصنيف الحوثيين إلى جانب ذلك «جماعة إرهابية» بقناعة من إدارة الرئيس جو بايدن.

جندت الجماعة الحوثية آلاف المسلحين مستغلة الحرب الإسرائيلية في غزة (إ.ب.أ)

وبخصوص المكاسب التي قد يحققها الحوثي على المستوى الشعبي، يرى الطاهر أنها تكمن من خلال الترويج أن الجماعة بالفعل تقاتل إسرائيل وأميركا، حيث ستجد التعاطف الشعبي والسياسي من الجماعات الراديكالية.

في مواجهة ذلك، يشدد الطاهر على الدور الحكومي لتوعية اليمنيين من خلال تكثيف الخطاب ونشر المعلومات حول حقيقة ما يحدث، وأن الحوثي يمثل خطورة على اليمن والعالم نتيجة ما يقوم به من عمليات إرهابية لا علاقة لها بإسرائيل.

ويقول: «الضربات الأميركية والبريطانية، قد تحد من خطر الحوثي على المدى القصير، وليس الطويل، ولهذا فالعمليات الجوية وحدها ليست كافية مع بقاء الحوثي مسيطراً على المنافذ البحرية، وخصوصاً تلك القريبة من الممر الملاحي الدولي».

ويقترح الطاهر لكي يتم تحييد خطر الحوثي، تفويضاً دولياً كاملاً للحكومة اليمنية لإبعاد الحوثي من الساحل، وتحرير محافظة الحديدة، أما من غير ذلك «فسيبقى الحوثي، وسيزداد قوة، وستزداد المخاطر على المنطقة برمتها وليس على سفن الشحن الدولية فقط»، وفق تقديره.


مقالات ذات صلة

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

العالم العربي المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

فيما طالبت الأمم المتحدة بأكبر تمويل إنساني في اليمن للعام المقبل أفاد تقرير دولي بوجود 3.5 مليون شخص من فئة المهمشين لا يمتلكون مستندات هوية وطنية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

يشهد اليمن موسماً جديداً للأمطار الغزيرة التي تتسبب في أضرار كبيرة للسكان والبنية التحتية، في حين لا تزال البلاد وسكانها يعانون تأثيرات فيضانات الصيف الماضي.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.