هل يزيد اتفاق «أرض الصومال» مخاطر الإرهاب بالقرن الأفريقي؟

بعد تحذير مستشار شيخ محمود من نشاط تنظيمات متطرفة في المنطقة

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال توقيعه قانونا يلغي اتفاق «أرض الصومال» مع إثيوبيا (الرئاسة الصومالية - منصة إكس)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال توقيعه قانونا يلغي اتفاق «أرض الصومال» مع إثيوبيا (الرئاسة الصومالية - منصة إكس)
TT

هل يزيد اتفاق «أرض الصومال» مخاطر الإرهاب بالقرن الأفريقي؟

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال توقيعه قانونا يلغي اتفاق «أرض الصومال» مع إثيوبيا (الرئاسة الصومالية - منصة إكس)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال توقيعه قانونا يلغي اتفاق «أرض الصومال» مع إثيوبيا (الرئاسة الصومالية - منصة إكس)

لا يزال الاتفاق الذي وقعته الحكومة الإثيوبية مطلع الشهر الحالي مع منطقة «أرض الصومال» للحصول على ميناء وقاعدة عسكرية على خليج عدن بالبحر الأحمر يثير المزيد من ردود الفعل، إذ تصاعدت تحذيرات من إمكانية أن يتسبب الاتفاق في تحريك تنظيمات إرهابية ومتطرفة تنشط في منطقة القرن الأفريقي، أبرزها حركة «الشباب» الموالية لتنظيم «القاعدة»، وكذلك بعض الجماعات الموالية لتنظيم «داعش».

واعتبر الدكتور عبد الرحمن باديو، كبير مستشاري الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود لشؤون السلام والمصالحة في مقال نشره، الثلاثاء، على موقع «الصومال اليوم» Somaliatoday الإخباري، أن «أخطر الآثار المترتبة على توقيع مذكرة التفاهم هو إحياء المتطرفين مثل (حركة الشباب) و(داعش)، والتي تضاءلت بشكل كبير منذ عام 2023 في الصومال».

وحذر باديو من أن «يستخدم هؤلاء المتطرفون مذكرة التفاهم كذريعة للدفاع عن الدولة الصومالية المسلمة من الإثيوبيين، حيث تزودهم بدافع متجدد وقوة دافعة لتعبئة الشعب الصومالي والأجيال الشابة خاصة باسم الجهاد ضد مسيحيي إثيوبيا».

كان المتحدث باسم «حركة الشباب»، علي محمود راجي، وصف الاتفاق بين الحكومة الإثيوبية و«أرض الصومال» بأنه «ينتهك بشكل صارخ السيادة الصومالية»، ووصفه بأنه «غير قانوني»، وأعلن أن «الدماء ستُراق ردا على العدوان الإثيوبي».

وتوقع كبير مستشاري الرئيس الصومالي لشؤون السلام والمصالحة أن تتجلى تداعيات هذه المعارضة في توسع عمليات «حركة الشباب»، والتي من المحتمل أن تستهدف كلاً من «أرض الصومال» وإثيوبيا «في المستقبل القريب جدا».

واختتم باديو مقاله بالتأكيد على أن مذكرة التفاهم الموقعة بين أبي أحمد وموسى بيهي (رئيس إقليم أرض الصومال) «خطيرة، وتشكل تهديداً كبيراً للصومال وإثيوبيا وسكان القرن الأفريقي الأوسع»، مشيرا إلى أن هذا الاتفاق «لا يعرض استقرار منطقة القرن الأفريقي ومنطقة البحر الأحمر ذات الأهمية الاستراتيجية للخطر فحسب، بل يحمل أيضا إمكانية إثارة صراع له تداعيات واسعة النطاق»، داعيا إلى تدخل المجتمع الدولي بشكل استباقي لمنع الصراع الوشيك ومواجهة السياسات التي وصفها بـ«العدوانية» التي ينتهجها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد.

ورفضت الحكومة الصومالية بحسم توقيع المذكرة بين الحكومة الإثيوبية و«أرض الصومال»، ووصف الرئيس شيخ محمود الاتفاق بأنه «انتهاك غير مشروع» من جانب أديس أبابا للسيادة الصومالية، مؤكداً أنه «لن يمكن لأحد أن ينتزع شبراً من الصومال». كما استدعت مقديشو سفيرها لدى إثيوبيا للتشاور، ولاحقا وقع الرئيس الصومالي قانونا يلغي اتفاق إقليم أرض الصومال الانفصالي مع أديس أبابا.

وحذرت دول ومنظمات إقليمية ودولية عدة من بينها الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي من خطورة الخطوة الإثيوبية على السلم والأمن في منطقة القرن الأفريقي.

تداعيات خطيرة

بدورها، أكدت الدكتورة نرمين توفيق الباحثة في الشؤون الأفريقية والمتخصصة في شؤون التنظيمات المتطرفة أن الاتفاق «غير الشرعي وغير القانوني» الذي وقعته أديس أبابا مع إقليم أرض الصومال الانفصالي ستكون له تداعيات خطيرة، وسيؤدي إلى اضطرابات تهدد دول القرن الأفريقي. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن الاتفاق يثير حفيظة دول القرن الأفريقي الصومال وجيبوتي وحتى إريتريا التي تحالفت سابقا مع رئيس الوزراء الإثيوبي، لافتة إلى أن تلك الاضطرابات السياسية قد تتحول سريعا إلى اضطرابات أمنية بالنظر إلى البيئة الأمنية الهشة في تلك المنطقة.

وأوضحت الباحثة في الشؤون الأفريقية أن «حركة الشباب» التي تنشط في جنوب ووسط الصومال لديها مرتكز فكري يعتمد على مقاومة أي وجود أجنبي على أرض الصومال، والحركة تعتبر منطقة «أرض الصومال» جزءا من الأراضي الصومالية وبالتالي فإن أي وجود إثيوبي بها سيدفع عناصر الحركة إلى استهدافه.

ومنذ عام 1991 أعلن إقليم «أرض الصومال» نفسه دولة مستقلة تحت اسم «جمهورية أرض الصومال»، وهو استقلال لم تعترف به السلطة المركزية في مقديشو، وخلال 3 عقود عمل الإقليم على نيل اعتراف دولي باستقلاله لكنه لم يفلح في هذا المسعى، ويتضمن الاتفاق الأخير مع أديس أبابا اعتراف الأخيرة بالإقليم دولة مستقلة.

العدو التاريخي

وتشير توفيق إلى أن إثيوبيا كانت «العدو التاريخي» للصومال على مدى عقود، رغم محاولات الحلحلة التي قادها أبي أحمد خلال السنوات الأخيرة، فضلا عما تتمتع به «حركة الشباب» من قدرات على تنفيذ عمليات في العديد من دول المنطقة، وسبق لها أن نفذت عمليات في إثيوبيا وكينيا وأوغندا، ومن ثم فإنه من غير المستبعد أن تكون «أرض الصومال» وأي وجود إثيوبي مستقبلي فيها هدفا لـ«حركة الشباب».

وأشارت الخبيرة المصرية إلى وجود تنظيم «داعش» الصومال، وهو تنظيم أضعف نسبيا من «حركة الشباب» لكنه ينشط في شمال الصومال بالقرب من إقليم «أرض الصومال»، مرجحة أن يسعى التنظيم كذلك إلى استغلال الظروف المضطربة والتوتر الناجم عن الاتفاق لتنفيذ عمليات والتواجد في هذه المنطقة الاستراتيجية.

وتخوض الحكومة الصومالية مواجهات ضارية ضد «حركة الشباب»، وأطلق الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود في أغسطس (آب) 2022 المرحلة الأولى من عمليات مواجهة التنظيمات الإرهابية، وحققت القوات الصومالية مكاسب كبيرة على صعيد تحجيم «حركة الشباب»، لا سيما في إقليمي شبيلي الوسطى والسفلى بوسط البلاد.

وأسفر القتال ضد «حركة الشباب» عن انحسار نطاق سيطرة الجماعة المتطرفة بنحو الثلث، وتكبُّدها نحو ثلاثة آلاف قتيل (أي ثلث إجمالي مقاتليها البالغ قوامهم نحو تسعة آلاف مقاتل تقريباً)، واعتقال واستسلام نحو 700 آخرين، بينهم قادة ميدانيون، وانخفاض حجم هجماتها بنسبة 70 في المائة، وفقاً لرئيس الوزراء حمزة عبدي بري، الذي أكد في 4 مايو (أيار) الماضي، تحرير أكثر من 80 قرية وبلدة من سيطرة الحركة، وتحسن أمن العاصمة مقديشو بشكل كبير.

تصاعد خطر التطرف

وتوقعت عبير مجدي الباحثة في «مركز رع للدراسات الاستراتيجية» بمصر أن يؤدي قطع الصومال علاقته الدبلوماسية مع إثيوبيا إلى عدم استمرار الوجود القانوني للجنود الإثيوبيين في الصومال الذين يقاتلون «حركة الشباب»، حيث يوجد حاليا ما لا يقل عن 4 آلاف جندي إثيوبي منتشرين كجزء من بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال، وألف جندي آخر منتشرين كجزء من الاتفاقيات الثنائية، لذلك عند سحب إثيوبيا قواتها قد يعقد الأمر بشكل كبير خطط الحكومة الصومالية بتطهير جنوب الصومال من «حركة الشباب» بحلول نهاية عام 2024.

ورجحت في تحليل منشور لها على الموقع الإلكتروني للمركز أن تزيد «حركة الشباب» هجماتها الانتقامية ضد القوات الإثيوبية لتوسيع حركاتها بالتمدد في الداخل الإثيوبي من خلال شن هجمات انتقامية، إضافة إلى استغلال توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال في تعزيز التجنيد ودعم التمويل، فضلاً عند تمدد الحركة في إقليم «أرض الصومال» للقتال ضد إثيوبيا، الأمر الذي قد يعزز من تصاعد خطر التطرف والعنف في منطقة القرن الأفريقي.


مقالات ذات صلة

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

شمال افريقيا بدر عبد العاطي يلتقي كتيبة الشرطة المصرية المشاركة في حفظ السلام بالكونغو (الخارجية المصرية)

القاهرة تعزز مشاركتها في قوات حفظ السلام بأفريقيا

تأكيدات مصرية على لسان وزير الخارجية، بدر عبد العاطي، بشأن «الدور النبيل» الذي تقوم به القوات المصرية ضمن بعثات حفظ السلام عبر «تعزيز السلم والأمن» في أفريقيا.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
العالم العربي رئيس «أرض الصومال» المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

رئيس جديد لـ«أرض الصومال»... هل يُغيّر مسار مذكرة التفاهم مع إثيوبيا؟

بفوز رئيس جديد محسوب على المعارضة، لإقليم «أرض الصومال» الانفصالي، تتجه الأنظار نحو مصير مذكرة التفاهم الموقعة مع إثيوبيا والتي تعارضها الصومال.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي جانب من عملية التصويت بمركز اقتراع خلال الانتخابات الرئاسية بإقليم أرض الصومال لعام 2024 (أ.ف.ب)

مقديشو لتضييق الخناق دولياً على «أرض الصومال»

سلسلة إجراءات اتخذتها مقديشو تجاه رفض أي تدخل بشأن سيادتها على إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، وصلت إلى محطة استدعاء السفير الدنماركي ستين أندرسن.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا ضابط شرطة صومالي يقف في حراسة احتجاجات ضد صفقة ميناء إثيوبيا - أرض الصومال بمقديشو (رويترز)

تلميح إثيوبيا لـ«عدم خروج قواتها من الصومال» يعمق التوتر في القرن الأفريقي

تلميح إثيوبي باحتمال عدم خروج قواتها المشاركة بـ«حفظ السلام» في مقديشو بعد قرار صومالي باستبعادها رسمياً بنهاية العام.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
شمال افريقيا التصويت في انتخابات الرئاسية بإقليم «أرض الصومال» (وكالة الأنباء الصومالية)

كيف تنعكس انتخابات «أرض الصومال» على توترات «القرن الأفريقي»؟

أجرى إقليم «أرض الصومال» الانفصالي، الأربعاء، انتخابات رئاسية مرتقبة، في ظل تساؤلات حول تأثير نتائجها على توترات منطقة القرن الأفريقي.

أحمد إمبابي (القاهرة)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.