الحوثيون يتحدّون التحذيرات... وواشنطن تقترب من إعلان القوة البحرية

ضمن تصعيد مستمر وقلق دولي على سلامة الملاحة

استغل الحوثيون الحرب في غزة لحشد المئات من المجندين الجدد (أ.ب)
استغل الحوثيون الحرب في غزة لحشد المئات من المجندين الجدد (أ.ب)
TT

الحوثيون يتحدّون التحذيرات... وواشنطن تقترب من إعلان القوة البحرية

استغل الحوثيون الحرب في غزة لحشد المئات من المجندين الجدد (أ.ب)
استغل الحوثيون الحرب في غزة لحشد المئات من المجندين الجدد (أ.ب)

ضربت الجماعة الحوثية بالتحذيرات الأميركية والتنديد الدولي عُرض الحائط، وأعلنت، الجمعة، تنفيذ هجومين صاروخيين على ناقلتي حاويات في البحر الأحمر، توالياً لهجمات مستمرة منذ الشهر الماضي، حيث تزعم الجماعة أنها تناصر الفلسطينيين في غزة.

يأتي ذلك في وقت نقلت فيه وسائل إعلام أميركية أن واشنطن اقتربت من إعلان القوة المزمع نشرها أو توسيعها في جنوب البحر الأحمر.

وشهدت الأيام الأخيرة هجمات حوثية عدة رغم مساعي القوات البحرية الأميركية والفرنسية والبريطانية لتقديم المساعدة لسفن الشحن، وذلك بالتوازي مع توجه واشنطن لتشكيل تحالف دولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر.

زورق يتبع قوات خفر السواحل اليمنية قبالة سواحل المخا (أ.ف.ب)

ولا تزال الجماعة المدعومة من إيران تحتجز منذ الشهر الماضي سفينة «غالاكسي ليدر» التي قامت بقرصنتها وتحويلها إلى مزار لأتباعها قبالة سواحل مدينة الحديدة.

ورغم التحذيرات الدولية واليمنية من مغبة استمرار هذه الهجمات وخطرها المهدد للأمن الغذائي في اليمن مع ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين، فإن الجماعة قالت إنها مستمرة في مهاجمة السفن التي تزعم أنها متجهة من أو إلى الموانئ الإسرائيلية بغض النظر عن جنسيتها.

وفي بيان للمتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع، قال إن جماعته قامت بناءً على توجيهات زعيمها عبد الملك الحوثي بمهاجمة سفينتي حاويات في البحر الأحمر، بـ«صاروخين مناسبين» وهما ناقلة «إم إس سي ألانيا» وناقلة «إم إس سي بالاتيوم»، زاعما أنهما كانتا متجهتين إلى إسرائيل.

كما زعم المتحدث الحوثي أن عملية استهداف السفينتين جاءت بعد رفض طاقميهما الاستجابة لنداءات الجماعة الحوثية، وكذلك الرسائل التحذيرية النارية، وقال إن جماعته تطمئن كل السفن المتجهة إلى كل الموانئ حول العالم عدا الموانئ الإسرائيلية بأنه لن يصيبها أي ضرر وأن عليها الإبقاء على جهاز التعارف مفتوحاً.

تأكيدات غربية

أفادت تقارير غربية، الجمعة، بصحة الهجمات الحوثية التي تبنتها الجماعة، وأشارت هيئة عمليات التجارة التابعة للبحرية البريطانية إلى ورود تقارير عن حادثة بالقرب من ميناء الحديدة اليمني.

وقالت الهيئة في بيان على منصة «إكس» إن الحادثة وقعت على مسافة 60 ميلاً بحرياً جنوب غربي ميناء الحديدة. وقبل ساعات، أفادت الهيئة نفسها بتلقيها تقارير بوقوع حادثة شمال ميناء المخا اليمني بالقرب من مضيق باب المندب، وفي الواقعتين، نصحت الهيئة السفن المارة في المنطقة بتوخي الحذر والإبلاغ عن أي أنشطة مثيرة للريبة.

يسعى زعيم الجماعة الحوثية لتبييض جرائم جماعته في الداخل اليمني عبر أحداث غزة (إ.ب.أ)

إضافة إلى ذلك، نقلت وكالة الصحافة الفرنسية، عن مسؤول أميركي وشركة استخبارات، أن مقذوفاً أُطلق من منطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن، وأصاب سفينة شحن في البحر الأحمر، الجمعة.

وقال المسؤول الأميركي في وزارة الدفاع للوكالة: «نحن على علم بأن شيئاً ما أُطلق من منطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين في اليمن ضرب هذا المركب الذي تضرر. ووردت معلومات عن اندلاع حريق».

وذكرت شركة الاستخبارات الخاصة «آمبري» بأن سفينة الحاويات المملوكة لشركة النقل الألمانية «هاباغ لويد» والتي ترفع علم ليبيريا «تعرّضت لأضرار مادية جراء هجوم جوي» شمال مدينة المخا اليمنية الساحلية.

وأفادت بأن «المقذوف ضرب وفق التقارير الجانب المطل على الميناء من المركب، وسقطت حاوية في البحر نتيجة الصدمة. أدى المقذوف إلى اندلاع حريق على ظهر السفينة» أُبْلِغَ عنه عبر اللاسلكي.

وقال ناطق باسم الشركة الألمانية لوكالة الصحافة الفرنسية إن هجوماً حدث على واحدة من سفننا». ونوّه بأن السفينة انطلقت من ميناء بيرايوس، وكانت متجهة إلى سنغافورة. وأكّد عدم وقوع أي جرحى وأن السفينة تواصل رحلتها إلى الوجهة.

ناقلة نرويجية تعرضت لهجوم حوثي صاروخي جنوب البحر الأحمر (أ.ف.ب)

ويعترف مسؤولون أميركيون بأن التحذيرات لم تدفع الحوثيين حتى الآن إلى وقف تصعيد هجماتهم، التي تسببت حتى الآن بوقف وصول السفن التجارية إلى ميناء إيلات في جنوب إسرائيل بشكل شبه كامل. وهو ما أجبر السفن المتجهة إلى إسرائيل من آسيا، على أن تدور حول أفريقيا، ما يجعل الرحلة أطول بثلاثة أسابيع، وأكثر تكلفة وفقاً لموقع «أكسيوس» الإخباري.

عدم علاج المشكلة سياسياً

ومع سعي الولايات المتحدة لتشكيل القوة البحرية المشتركة، التي يتوقع الإعلان عنها، الجمعة، وفق «أكسيوس»، فإن اكتفاء إدارة بايدن بمعالجة المشكلة عبر حلول أمنية رغم أهميتها، أثار انتقادات عدة، بسبب إصرار واشنطن على عدم اتخاذ خطوات سياسية، تعالج المشكلة جذرياً، من بينها عدم إعادة تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، وقال المسؤول الدفاعي الأميركي، إن «قوة عمل خاصة متعددة الجنسيات»، ستبدأ فور الإعلان عن تشكيلها بالعمل في البحر الأحمر لردع الحوثيين عن شن مزيد من الهجمات ومواجهتهم.

واشنطن تتهم إيران

رأى مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان أن الحوثيين يشكلون «تهديداً ملموساً لحرية الملاحة». وقال لصحافيين، الجمعة، خلال زيارة إلى إسرائيل إن «الولايات المتحدة تعمل مع المجتمع الدولي ومع شركاء من المنطقة ومن جميع أنحاء العالم للتعامل مع هذا التهديد» مضيفاً: «الحوثيون يضغطون على الزناد (...) لكن إيران تسلمهم السلاح».

ومع تصعيد الحوثيين هجماتهم في البحر الأحمر، وهو الأمر الذي يرى فيه سياسيون يمنيون سعياً من الجماعة للتهرب من استحقاقات السلام وإدخال البلاد في أتون أزمة دولية جديدة، أبدى الاتحاد الأوروبي غضبه إزاء الهجمات مع التذكير بأثرها على الأوضاع الإنسانية في البلاد.

مدمرة أميركية في البحر الأحمر تستجيب لنداءات الاستغاثة من سفن الشحن (أ.ب)

وأدان الاتحاد الأوروبي بشدة هجمات الحوثيين الأخيرة بالصواريخ، ويشمل ذلك الهجوم على الناقلة النرويجية «ستريندا»، وقال في بيان، الخميس، إن الهجمات المتعددة من المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين في اليمن تهدد الملاحة الدولية والأمن البحري، ما يمثل انتهاكاً جسيماً للقانون الدولي.

ويوم الخميس، ذكرت «آمبري» أن سفينة شحن مملوكة لجزر مارشال وترفع علم هونج كونج رصدت سقوط صاروخ في المياه أثناء إبحارها باتجاه الشمال، وذلك شمال غربي المخا باليمن. وأن طاقم السفينة لم يصب بأذى. مشيرة إلى اعتقادها أن الكيان المتسبب في الحادث هم الحوثيون.

تهديد الحوثيين المتصاعد للملاحة دفع واشنطن للتحرك من أجل تشكيل تحالف دولي واسع في البحر الأحمر، وهو الأمر الذي ترى فيه إيران خطراً وشيكاً يستهدف ذراعها الحوثية في اليمن.

المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ (رويترز)

ونقلت «رويترز» عن المبعوث الأميركي إلى اليمن تيم ليندركينغ، الخميس، قوله إن بلاده تريد تشكيل «أوسع تحالف بحري ممكن» لحماية السفن في البحر الأحمر، وإرسال «إشارة مهمة» إلى الحوثيين في اليمن بأنه لن يُتَسَامح مع مزيد من الهجمات.

وتتعامل الحكومة اليمنية بحذر مع الموقف المتصاعد، وتحمّل المجتمع الدولي مسؤولية ما آلت إليه الأمور في البحر الأحمر، حيث وقفت الدول الكبرى دون تحرير الحديدة وموانئها، وضغطت لإبرام اتفاق «استوكهولم» الذي استفادت منه الجماعة الحوثية لتعزيز قدراتها العسكرية، وزيادة تهديدها للملاحة في البحر الأحمر.

وفي تصريح حديث قال عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني عيدروس الزبيدي إن تهديدات الحوثيين لخطوط الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن تشكل خطورة على الأمن الغذائي والقومي لليمن. مؤكداً أن القوات المسلحة في بلاده ستكون «مع المجتمع الدولي في حماية خطوط الملاحة البحرية».

مصادر غربية تحدثت عن تعرض ناقلة حاويات دولية للقرصنة في البحر الأحمر من قبل الحوثيين (إكس)

باب المندب

يبلغ عرض باب المندب 30 كيلومتراً في أضيق نقاطه، ما يجعل حركة الناقلات صعبة ومقتصرة على قناتين للشحنات الواردة والصادرة، تفصل بينهما جزيرة بريم (ميون).

عبر المضيق نحو 7.80 مليون برميل يومياً من شحنات النفط الخام والوقود في أول 11 شهراً من 2023، ارتفاعاً من 6.60 مليون برميل يومياً طوال 2022، وفقاً لشركة تحليلات النفط «فورتيكسا». ورصدت «فورتيكسا» عبور 27 ناقلة محملة بالخام أو الوقود يومياً في المتوسط في عام 2023، ارتفاعاً من 20 في العام الماضي.

قالت إدارة معلومات الطاقة إن 12 بالمائة من إجمالي النفط المنقول بحراً في النصف الأول من 2023 وكذلك 8 بالمائة من تجارة الغاز الطبيعي المسال مرت من باب المندب وخط أنابيب «سوميد» وقناة السويس.

تسلسل زمني للأحداث

رصدت «رويترز» تسلسلاً زمنياً للأحداث، حيث يستهدف الحوثيون في اليمن السفن في جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

  • 15 ديسمبر (كانون الأول): قال مسؤول دفاعي أميركي إن مقذوفاً أطلق من منطقة باليمن يسيطر عليها الحوثيون أصاب سفينة الجسرة المملوكة لشركة ألمانية ترفع علم ليبيريا، ما أدى إلى نشوب حريق دون وقوع إصابات.
  • 15 ديسمبر: «ميرسك» تنفي مزاعم حركة الحوثي بأنها نفذت عملية عسكرية بطائرة مسيرة على سفينة تابعة لشركتها تبحر باتجاه إسرائيل، لكنها تقول إن الناقلة استُهدفت بصاروخ. وقالت مصادر ملاحية، الخميس، إن سفن شركة «ميرسك تانكرز» لديها خيار تغيير مسارها عبر رأس الرجاء الصالح بسبب تدهور الوضع الأمني في البحر الأحمر.
  • 12 ديسمبر: قال المتحدث باسم الحوثيين إن الجماعة استهدفت الناقلة التجارية النرويجية «ستريندا». وقال مسؤول أمريكي لـ«رويترز» إن الهجوم وقع على مسافة نحو 111 كيلومتراً شمال مضيق باب المندب في نحو الساعة 2100 بتوقيت غرينتش.
  • 9 ديسمبر: حذر الحوثيون من أنهم سيستهدفون جميع السفن المتجهة إلى إسرائيل بغض النظر عن جنسيتها، وحذروا جميع شركات الشحن العالمية من التعامل مع الموانئ الإسرائيلية.
  • 3 ديسمبر: قال الجيش الأمريكي إن 3 سفن تجارية تعرضت لهجوم في المياه الدولية في جنوب البحر الأحمر، وأعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن هجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ على سفينتين إسرائيليتين في المنطقة.
  • 19 نوفمبر (تشرين الثاني): قالت إسرائيل إن الحوثيين استولوا على سفينة شحن مملوكة لبريطانيا، وتديرها اليابان في جنوب البحر الأحمر.


مقالات ذات صلة

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً جديدةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الأمطار في اليمن تترك مخيمات النازحين بأوضاع سيئة (المجلس النرويجي للاجئين)

نصف سكان اليمن يواجهون تهديدات زائدة بسبب تغير المناخ

نبه البنك الدولي إلى المخاطر الزائدة التي يواجهها اليمن نتيجة لتغير المناخ وأكد أن سكاناً كثيرين يواجهون تهديدات مثل الحرارة الشديدة والجفاف والفيضانات

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي مقر البنك المركزي اليمني في عدن (إعلام حكومي)

«المركزي اليمني» يستهجن مزاعم تهريب أموال إلى الخارج

استهجن البنك المركزي اليمني أنباء راجت على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي قيام البنك بتهريب الأموال في أكياس عبر المنافذ الرسمية، وتحت توقيع المحافظ.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني الزبيدي يثمن دور السعودية في دعم بلاده (سبأ)

الزبيدي يثمن جهود السعودية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن

وسط تأكيد سعودي على استمرار تقديم الدعم الإنساني والإغاثي لليمن، ثمّن عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني، عيدروس الزبيدي، سعي المملكة إلى حشد الجهود لإحلال السلام.

«الشرق الأوسط» (عدن)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.