جرحى الحوثيين يعانون الإهمال والتمييز العرقي والمناطقي

يحصل قادة الجماعة على الامتيازات وغنائم الحرب

مقر مؤسسة الجرحى الحوثية المملوك لأحد قادة الجماعة (إكس)
مقر مؤسسة الجرحى الحوثية المملوك لأحد قادة الجماعة (إكس)
TT

جرحى الحوثيين يعانون الإهمال والتمييز العرقي والمناطقي

مقر مؤسسة الجرحى الحوثية المملوك لأحد قادة الجماعة (إكس)
مقر مؤسسة الجرحى الحوثية المملوك لأحد قادة الجماعة (إكس)

عندما نفد صبر اليمني عبد الله عباس المسداري، وصرخ باكياً وغاضباً في وجه أحد القادة الحوثيين المسؤولين عن علاج الجرحى مطالباً بحقه في الرعاية والاهتمام، رد عليه قائده: «كان الأفضل لك أن تنتقل إلى الجنة لترتاح هناك، بدلاً من أن تشغلنا بعلاجك ومطالبك ونحن في حرب مقدسة».

فقد المسداري ساقيه بداية الحرب في إحدى ضواحي مدينة تعز اليمنية (جنوب غربي)، وبعد ثمانية أعوام فقد الأمل في أن يحصل على بعض التقدير من طرف الجماعة التي أدرك أن الامتيازات وغنائم الحرب تذهب إلى قادتها وجزء بسيط من أتباعها، أما هو وأمثاله فحرموا حتى من رعاية طبية أو اجتماعية تحميهم من العوز.

تستخدم الجماعة الحوثية الجرحى في عروضها العسكرية للحصول على التعاطف والتأييد (إعلام حوثي)

لم يكتفِ القيادي الحوثي المكنى بـ«أبو عدنان» بتلك العبارات، بل زاد عليها المنّ على المسداري بإسعافه إلى المستشفى وعلاج جراحه، فبحسب هذا القيادي، ينبغي على الجريح أن يواصل القتال لينتقل إلى الجنة، وإن لم يفعل فهو كان يؤدي واجبه الذي لا ينبغي عليه المطالبة بأي استحقاقات مقابله.

ومنذ عام 2015، لم يحصل المسداري على شيء سوى مساعدات مالية ضئيلة وغير منتظمة، ولم يجرِ استيعابه ضمن جرحى ومتقاعدي القوة الميليشياوية التابعة للجماعة الحوثية والمعروفة بـ«اللواء 22 في تعز»، والتي يتولى مسؤوليتها القيادي الحوثي حمود دهمش، أو أيٍّ من المؤسسات التي أنشأتها الجماعة لرعاية الجرحى.

وبينما يعتقد المسداري أن هذا الإهمال الذي يتعرض له يأتي بسبب انتمائه إلى محافظة تعز؛ فإن غيره من الجرحى يتعرضون للإهمال بسبب عدم انتمائهم إلى السلالة التي تشكلت منها الجماعة الحوثية رغم انتماء الكثير منهم إلى نفس المناطق التي يتم وصفها بالحاضنة الاجتماعية للجماعة الحوثية.

احتجاج داخل المستشفى

منذ ثلاثة أيام، أغلق عدد من الجرحى الحوثيين مستشفى الثورة العام في العاصمة صنعاء، والخاضع لإدارة الجماعة الحوثية، احتجاجاً على الإهمال الذي يتعرضون له، والذي تسبب في مفاقمة جراح بعضهم وتدهور صحتهم، وبينما اتهم بعضهم إدارة المستشفى بإهمالهم بسبب مجانية علاجهم، رأى آخرون أن الإهمال تتعمده قيادة الجماعة نفسها.

وذكرت مصادر مطلعة في العاصمة صنعاء أن عدداً من الجرحى حاولوا الدخول إلى مكتب رئاسة هيئة مستشفى الثورة للشكوى حول الإهمال الذي يلاقونه، إلا أن موظفي المكتب منعوهم من الدخول وطردوهم إلى فناء المستشفى حيث تجمع الجرحى المطرودون مع آخرين كانوا ينتظرون في الفناء وغيرهم ممن وصلوا في نفس اللحظة وأغلقوا بوابة المستشفى.

مستشفى الثورة العمومي في صنعاء الذي أغلقه جرحى الجماعة الحوثية منذ ثلاثة أيام احتجاجاً على إهمالهم (إكس)

ولجأ مسلحو الجماعة المكلفون بحراسة المستشفى إلى الاعتداء على المحتجين وفض تجمعهم بالقوة وإطلاق النار في الهواء، ما تسبب بإصابات مختلفة بينهم، قبل أن يضطروا إلى الهروب خارج فناء المستشفى.

ووفقاً للمصادر، فإن إدارة المستشفى طلبت من الجرحى عدم إزعاجها، والتفاهم مع مؤسسة الجرحى التي تتولى الإنفاق على علاجهم، وأبلغتهم أن المؤسسة توقفت عن دفع المبالغ المتراكمة عليها مقابل علاجهم منذ أكثر من عام.

وأنشأ عدد من الجرحى صفحة على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) لنشر شكاوى الجرحى ومطالبهم، ورغم أن الصفحة حظيت باهتمام واسع من الجرحى الذين كتبوا عشرات المنشورات حول معاناتهم، فإن الصفحة أُغلقت خلال ساعات.

واتهم عدد من الجرحى في منشوراتهم قيادات الجماعة الحوثية بالإثراء على حسابهم، من خلال جمع الأموال بالتبرعات الطوعية والجبايات الإجبارية من مختلف الجهات والمؤسسات الرسمية لعلاجهم ورعايتهم وعائلاتهم، وفي مقابل ذلك لا يحصلون إلا على الفتات بحسب وصف عدد منهم، في حين تظهر معالم الثراء على القادة الحوثيين بوضوح.

فساد وتمييز

أشار أحد الجرحى في منشور إلى الفضيحة التي جرى تداول وثائق عنها منذ عامين ونصف العام، حول شراء رئيس مؤسسة الجرحى خالد المداني «فيلّا» بمبلغ 540 مليون ريال يمني (الدولار يساوي 530 ريالاً في مناطق سيطرة الجماعة)، ثم تأجيرها لتكون مقراً للمؤسسة بمبلغ مليون و200 ألف ريال شهرياً.

تحصل الجماعة الحوثية على أموال طائلة من خلال الجبايات بزعم علاج ورعاية الجرحى (إعلام حوثي)

ولفت آخر إلى أن الجرحى يشعرون بالغبن وتتضاعف آلامهم عند زيارة مقر المؤسسة أو اللقاء بقادتها أو بأي قادة حوثيين آخرين بسبب مظاهر الثراء التي تبدو عليهم. وتحسر في منشوره من أن السيارات التي يستقلها هؤلاء القادة والقصور التي يسكنونها جاءت بسبب تضحيات الجرحى والقتلى الذين يلاقون هم وعائلاتهم الإهمال والتجاهل.

واشتكى ثالث من أن المستشفيات ومندوبي مؤسسة الجرحى يمارسون التلاعب بهم، ويتم تأخير مواعيد الجلسات العلاجية والعمليات الجراحية وصرف الأدوية بسبب مماطلة المندوبين ومسؤولي المستشفيات وإهمال القادة، حتى تتعفن الجراح أو تتفاقم الإصابات وتزيد صعوبة معالجتها.

ورد عليه أحد زملائه بالتأكيد على أن أي شكوى أو تذمر يبديه أي جريح من هذا الإهمال والمماطلة يتسبب بمعاقبته والمزيد من التسويف في التعامل معه، بل وتعمد إهانته وإعطائه مواعيد بعيدة أو صعبة للزيارة والمراجعة.

وورد في المنشورات والتعليقات إشارات إلى التمييز في التعامل مع الجرحى بحسب الانتماء الجغرافي والعائلي، وأن المقاتلين المقربين من قيادات الجماعة يحظون بتعامل ورعاية كبيرين لا يفوقهما إلا التعامل مع المنتمين إليها سلالياً وكبار القادة الذين يتم علاجهم في أفضل المستشفيات وتحت رعاية أمهر الأطباء أو نقلهم إلى الخارج.

تدعي الجماعة الحوثية تكريم جرحاها عبر وسائل الإعلام في حين يشتكي الجرحى من الإهمال والمماطلة (إعلام حوثي)

ورد عدد من زوار الصفحة على المنشورات والتعليقات باتهام أصحابها بالعمالة والارتزاق، ونفوا أن يكون هؤلاء جرحى في الحرب، مدّعين أن الجريح لا يهاجم قيادة الجماعة التي وصفوها بـ«قيادة الثورة»، مهما بلغت آلامه وجراحه، مطالبين إياهم بالكتابة بأسمائهم الحقيقية بدلاً من الأسماء المستعارة.

وفي ذات السياق، ادعى معلقون آخرون أن ممارسات الفساد التي أدت إلى إهمال الجرحى جاءت من عناصر وقيادات مندسة في صفوف الجماعة للإساءة لقيادتها أمام الرأي العام.

وبينما لم يُعرف السبب وراء إغلاق الصفحة، يرجح مراقبون أن تؤدي استحقاقات الحرب الحوثية إلى حدوث انقسامات وصراعات بينية داخل الجماعة، من بينها ملفات استحقاقات القتلى والجرحى وتقاسم غنائم الحرب من نفوذ وأموال ومناصب، وخصوصاً أن الجماعة باتت تجد صعوبة في تجنيد المقاتلين وحشدهم إلى الجبهات بسبب هذه الملفات.


مقالات ذات صلة

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

العالم العربي المهمشون في اليمن يعيشون على هامش المدن والحياة الاقتصادية والسياسية منذ عقود (إعلام محلي)

3.5 مليون يمني من دون مستندات هوية وطنية

فيما طالبت الأمم المتحدة بأكبر تمويل إنساني في اليمن للعام المقبل أفاد تقرير دولي بوجود 3.5 مليون شخص من فئة المهمشين لا يمتلكون مستندات هوية وطنية

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

يشهد اليمن موسماً جديداً للأمطار الغزيرة التي تتسبب في أضرار كبيرة للسكان والبنية التحتية، في حين لا تزال البلاد وسكانها يعانون تأثيرات فيضانات الصيف الماضي.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي تأهيل الطرقات وتحسين البنية التحتية التي تأثرت بالحرب والانقلاب  (موقع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن)

البرنامج السعودي لإعمار اليمن يعزز دعم سبل العيش

تقرير حديث للبرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن حول مساهماته في بناء القدرات واستثمار طاقات الشباب اليمني لتحسين حياتهم وخدمة مجتمعهم وبناء مستقبل واعد.

«الشرق الأوسط» (عدن)
العالم العربي الحكومة اليمنية تراهن على قطاعي النفط والاتصالات لتحسين الإيرادات (إعلام محلي)

خطوات يمنية لمحاسبة مسؤولين متهمين بالفساد

أحال رئيس الحكومة اليمنية، أحمد بن مبارك، رئيس مؤسسة نفطية إلى النيابة للتحقيق معه، بعد أيام من إحالة مسؤولين في مصافي عدن إلى المحاكمة بتهمة الفساد.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

تتزايد مخاطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بسبب تفاقم الأزمة الاقتصادية، في حين تتصاعد الدعوات لإجراء حلول عاجلة ودائمة تمكن الحكومة من السيادة على الموارد.

وضاح الجليل (عدن)

بغداد لتكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي عدوان محتمل» على العراق

عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
TT

بغداد لتكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي عدوان محتمل» على العراق

عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)
عناصر من الأمن العراقي في شوارع بغداد (د.ب.أ)

قال وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، اليوم الاثنين، إن هناك خطة لتوسيع الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان لتشمل دولاً أخرى.

وفي كلمة، خلال افتتاح مؤتمر سفراء العراق الثامن حول العالم في بغداد، أكد الوزير أنه يجب تكثيف العمل الدبلوماسي لوقف «أي تهديد أو عدوان محتمل» على العراق.

وكان وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر قد قال، الأسبوع الماضي، إنه بعث رسالة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي حثَّ فيها على اتخاذ إجراء فوري للتصدي لأنشطة الجماعات المسلَّحة المُوالية لإيران في العراق، قائلاً إن الحكومة العراقية مسؤولة عن أي أعمال تحدث داخل أراضيها أو انطلاقاً منها.

كما ذكرت تقارير إعلامية أميركية، في وقت سابق من هذا الشهر، أن إدارة الرئيس جو بايدن حذرت الحكومة العراقية من أنها إذا لم تمنع وقوع هجوم إيراني من أراضيها على إسرائيل، فقد تواجه هجوماً إسرائيلياً.

وشنت إسرائيل هجوماً على منشآت وبنى تحتية عسكرية إيرانية، الشهر الماضي؛ رداً على هجوم صاروخي إيراني على إسرائيل، وذلك بعد أن قتلت إسرائيل الأمين العام لجماعة «حزب الله» اللبنانية المتحالفة مع إيران، حسن نصر الله، في سبتمبر (أيلول) الماضي.