«نصرة غزة»... شعار يغري انقلابيي اليمن بتجنيد الأطفال المتسولين

الجماعة تستغلهم للحصول على تمويل محلي ودولي

ازدادت أعداد المتسولين في اليمن خلال سنوات الانقلاب والحرب (غيتي)
ازدادت أعداد المتسولين في اليمن خلال سنوات الانقلاب والحرب (غيتي)
TT

«نصرة غزة»... شعار يغري انقلابيي اليمن بتجنيد الأطفال المتسولين

ازدادت أعداد المتسولين في اليمن خلال سنوات الانقلاب والحرب (غيتي)
ازدادت أعداد المتسولين في اليمن خلال سنوات الانقلاب والحرب (غيتي)

عاد «حيدر» إلى منزل والدته بعد نحو 7 أشهر قضاها في جبهات القتال إلى جانب الجماعة الحوثية في اليمن، ولم تهتم والدته في البداية بالتغيرات التي طرأت على شخصية طفلها الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، فعودته أطفأت هلعها عليه منذ اختفائه، لتكتشف لاحقاً أنه يعمل في عصابة للتسول.

اتُّهم «حيدر» -وهو اسم مستعار- بممارسة التسول حينما كان يحاول اكتساب المال عن طريق بيع العلكة والمياه في تقاطعات الشوارع في صنعاء. ترافق ذلك مع بدء تنظيم الجماعة الحوثية حملة مزعومة لمكافحة التسول منتصف عام 2021، ونتيجة جهود محامٍ استعانت به والدته أحيل إلى دار التوجيه الاجتماعي لإعادة تأهيل الأحداث.

حوَّلت الجماعة الحوثية أطفالاً متسولين إلى مقاتلين (أ.ف.ب)

فجأة اختفى الطفل من دار التوجيه الاجتماعي رفقة أطفال آخرين، ولم تعلم والدته سوى أنه جرى إلحاقهم بالمراكز الصيفية التابعة للجماعة الحوثية، والتي كانت على وشك انتهاء موسمها في حينه، ولم يجرِ إبلاغها في أي مركز تم إلحاقه، وتلقت وعداً بإعادته إلى الدار، إلا أنه لم يعد، وبعد فوات الأوان علم المحامي أنه تم اقتياده إلى جبهات مأرب.

ولجأت الجماعة الحوثية أخيراً إلى تصعيد إجراءاتها المزعومة لمكافحة التسول، وحسب ناشطين؛ فإن هذا التصعيد يهدف إلى استغلال المتسولين ضمن مزاعم المشاركة في الدفاع عن غزة في وجه الاعتداءات الإسرائيلية، ويجري إلزام زعماء عصابات التسول بدفع إتاوات تحت اسم تبرعات لأهل غزة، مقابل التغاضي عن أنشطتهم، بينما يتم اقتياد الأطفال إلى المعسكرات.

وخلال الأسابيع القليلة الماضية، بدأت الجماعة توسيع أنشطتها المزعومة في مكافحة التسول بعدد من المحافظات، بما فيها النائية التي يغلب عليها الطابع الريفي، وهو ما أثار استغراب الناشطين الذين وصفوا الأمر بالمريب؛ حيث إن التسول يحتاج إلى ازدحام سكاني وحركة تجارية نشطة، بينما تلك المناطق يعاني أهلها من فقر شديد أصلاً.

من اللقاءات التي نظمتها الجماعة الحوثية أخيراً بمزاعم تنظيم نشاطها في مكافحة التسول (إعلام حوثي)

ونظمت الجماعة عبر عدد من الإدارات والمجالس المحلية التي تسيطر عليها في عدد من المحافظات، اجتماعات ولقاءات لتوسيع حملة مكافحة التسول المزعومة، وعلى الرغم من أن اللقاءات طغت عليها السرية فإن وسائل الإعلام الحوثية أعلنت عن بعضها.

تأهيل المتسولين بالقتال

منذ عامين، أعلنت الجماعة الحوثية عن البدء في إجراءات لمكافحة التسول، وزعمت أنها تعمل على تحديث بيانات صندوق الرعاية الاجتماعية، وتفعيل قانونَي العمل والتأمينات والمعاشات الاجتماعية والصحية، واتخاذ إجراءات رادعة ضد عصابات التسول، وتوسيع مظلة المستفيدين من الضمان الاجتماعي، وإلزام التجار والشركات بالاعتماد على العمالة المحلية، وإحياء قيم التكافل الاجتماعي.

كما أعلنت عن تشكيل لجنة أمنية لترجمة ما سمَّته «موجهات» زعيمها عبد الملك الحوثي لمكافحة التسول، وإعداد مصفوفة عمل حول التطبيق العملي لمكافحة التسول وتعميمها على كافة المحافظات، واتخاذ إجراءات ضبط وتحرٍّ وتحقيق للقبض على عدد من العصابات المنظمة التي تمارس هذا النشاط، مستغلة حاجة الأفراد ومعاناتهم، وإنشاء مراكز لمكافحة التسول.

وذكرت تقارير صحافية وناشطون خلال العامين الماضيين أن تلك الإجراءات كانت غطاء لعمليات الاستقطاب واستغلال المتسولين، وأن مراكز مكافحة التسول لم تكن سوى معسكرات لغسل أدمغة الأطفال وتجنيدهم للقتال، بينما كانت مهام اللجنة الأمنية اقتياد المتسولين إلى معسكرات التدريب.

أطفال اليمن مهددون بالمجاعة والتسول والتجنيد (رويترز)

يقول المحامي الذي وقف إلى جانب أم الطفل «حيدر» في محنتها، إن الأم لجأت إليه مجدداً عند عودة طفلها من الجبهة لمساعدتها في الحصول على إعادة تأهيل ابنها نتيجة تغير طباعه وعدم قدرتها على السيطرة عليه؛ خصوصاً أنه يقضي أغلب الوقت خارج المنزل دون أن يخبرها عما يفعله.

راقبت الأم طفلها ولاحظت أنه يغادر المنزل صباحاً ويتجمع رفقة عدد من نظرائه في أحد تقاطعات الشوارع، أمام رجل بالغ يعمل على توجيههم وتوزيع المهام بينهم، وباستمرار المراقبة اكتشفت أنه يزاول التسول، فالتهمة التي كانت سبباً في احتجازه ومن ثم اقتياده إلى المعارك، أصبحت حقيقية.

يوضح المحامي أن «حيدر» وأمه لم يكونا يعلمان سابقاً أن محاولة بيع أشياء بسيطة هي نوع من أنواع التسول لاكتساب الشفقة والتعاطف؛ لكن الجهات التي زعمت مكافحة التسول استغلت مئات المتسولين، وأغلبهم من الأطفال، وساقتهم إلى الجبهات لتعيدهم أسوأ مما كانوا عليه.

ورجَّح أن تكون عصابات التسول الحالية تتبع عصابات أكبر أو شخصيات وقيادات نافذة، فمن خلال تعاونه مع إحدى المنظمات الاجتماعية في مواجهة ظاهرة التسول، وجد أن السلطات الحوثية ترفض التعاطي والتعاون مع هذه المنظمة أو غيرها.

تسول باسم مكافحة التسول

في السابق كانت سلطات الجماعة الحوثية ترفض الاهتمام بالتسول، بزعم أنها مشغولة بالحرب والمعارك ومواجهة الإرهابيين والمخربين كما تزعم، وأن التسول قضية هامشية.

ويؤكد المحامي أنه سمع أحد القادة الأمنيين التابعين للجماعة يصرح بالقول: «المتسول أشرف من الإرهابي. خلِّيه يدوَّر لقمة عيشه»؛ لكن الحال تغير منذ عامين بتوجيهات من زعيم الجماعة.

دفع انقلاب الجماعة الحوثية وحربها غالبية اليمنيين إلى ما دون خط الفقر (إ.ب.أ)

ويكشف مصدر في قطاع الشؤون الاجتماعية الذي تسيطر عليه الجماعة لـ«الشرق الأوسط» عن سبب آخر للاهتمام الشديد بقضية التسول، وهو السعي للحصول على التمويل والدعم الدوليين وإلزام القطاع الخاص بالتمويل من جهته؛ مشيراً إلى أن الجماعة الحوثية تعمدت تجاهل جهود الجمعيات والمنظمات الجماهيرية التي كانت تنشط في هذا المجال إلى أن أغلقت غالبيتها.

ولا يوجد اهتمام دولي لمعالجة قضايا التسول بشكل مباشر، إلا أن جهات التمويل الدولية تخصص كثيراً من الأموال لمواجهة الفقر.

ونوه المصدر إلى أن توقف أنشطة الجمعيات والمنظمات العاملة في هذا المجال يعود إلى انعدام الدعم، وغياب دور مؤسسات الدولة؛ لكن الأهم من ذلك هو التفشي الكبير لظاهرة التسول بسبب الأوضاع الإنسانية المأساوية التي وصلت إليها البلاد بفعل الحرب، وانقطاع رواتب موظفي الدولة، وما أصاب الاقتصاد والقطاع الخاص من أضرار.

وسخر من مزاعم الجماعة بمكافحة التسول وهي التي ضاعفت أعداد المتسولين، بقطع رواتب الموظفين العموميين وإغراق البلاد في الفقر، مبدياً أسفه على أشخاص من معارفه كانوا مثالاً في الاعتزاز بالنفس قبل أن تدفعهم هذه الأوضاع إلى التسول أو البحث عن بقايا الأكل في براميل القمامة.

عائلة يمنية نازحة من مدينة الحديدة إلى صنعاء تتناول وجبتها الوحيدة في اليوم (رويترز)

واستنكر المصدر لجوء وسائل الإعلام الحوثية إلى نشر أخبار وصور عن دورات تأهيلية للمتسولين تظهر فيها صورهم، وأغلبهم أطفال، وهم يتلقون التدريبات المزعومة، وهو ما يعدّ تشهيراً بهم أمام المجتمع، ووصمهم بجريمة التسول مستقبلاً، بعكس مزاعم إعادة دمجهم فيه.

وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات حول أعداد المتسولين، أو دراسات تحدد طبيعة وأسباب مزاولة التسول؛ فإن الوقائع الميدانية وشهادات السكان تشير إلى زيادة أعداد المتسولين في المدن اليمنية؛ خصوصاً الواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية، عشرات أضعاف ما كانوا عليه قبل الانقلاب في 2014.


مقالات ذات صلة

«تقييم الحوادث» في اليمن يفنّد عدداً من الادعاءات ضد التحالف

الخليج جانب من مؤتمر صحافي عقده «فريق تقييم الحوادث المشترك» في الرياض الأربعاء (الشرق الأوسط)

«تقييم الحوادث» في اليمن يفنّد عدداً من الادعاءات ضد التحالف

استعرض الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن عدداً من الادعاءات الموجهة ضد التحالف، وفنّد الحالات، كلٌّ على حدة، مع مرفقات إحداثية وصور.

غازي الحارثي (الرياض)
رياضة عربية فرحة عبد الله الحمدان بهدفه القاتل في شباك اليمن (تصوير: سعد العنزي)

خليجي 26: رغم الفوز... الأخضر باهت

حقق المنتخب السعودي الفوز على منتخب اليمن 3-2، الأربعاء، ليحصد أول ثلاث نقاط له في المجموعة الثانية بكأس الخليج لكرة القدم (خليجي 26) التي تستضيفها الكويت

«الشرق الأوسط» (الكويت)
العالم العربي عناصر حوثيون يحملون مجسماً لصاروخ وهمي خلال حشد في صنعاء دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)

إسرائيل تستقبل خامس هجوم حوثي خلال أسبوع

نفّذ الحوثيون خامس هجماتهم هذا الأسبوع باتجاه إسرائيل على الرغم من الردود الانتقامية المتوقعة من جانب تل أبيب والمخاوف التي تسيطر على الشارع اليمني.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يستنفرون استعداداً لضربات إسرائيلية أشدّ

الحوثيون يستنفرون استعداداً لضربات إسرائيلية أشدّ

رفع الحوثيون حالة الجاهزية القتالية إلى أعلى مستوياتها، ودفعوا بأغلب قواتهم إلى مناطق خطوط التماس مع القوات الحكومية تحسباً لضربات إسرائيلية أكثر شدة.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي صورة وزعها الحوثيون لصاروخ هاجموا به إسرائيل يسمونه «فلسطين 2» (إعلام حوثي) play-circle 03:14

الحوثيون يتجاهلون تهديدات نتنياهو ويواصلون هجماتهم تجاه إسرائيل

تجاهل الحوثيون المدعومون من إيران تهديدات بنيامين نتنياهو بضربهم وتدمير البنية التحتية وواصلوا هجماتهم باتجاه إسرائيل بالتوازي مع التصعيد ضد الجيش اليمني في تعز

علي ربيع (عدن)

«الحوثيون» يعلنون استهداف إسرائيل بصاروخ باليستي ومسيّرات

صورة لما تقول عنه جماعة «الحوثي» اليمنية إنه إطلاق لصاروخ فرط صوتي من طراز «فلسطين 2» باتجاه إسرائيل (جماعة «الحوثي» عبر «تلغرام»)
صورة لما تقول عنه جماعة «الحوثي» اليمنية إنه إطلاق لصاروخ فرط صوتي من طراز «فلسطين 2» باتجاه إسرائيل (جماعة «الحوثي» عبر «تلغرام»)
TT

«الحوثيون» يعلنون استهداف إسرائيل بصاروخ باليستي ومسيّرات

صورة لما تقول عنه جماعة «الحوثي» اليمنية إنه إطلاق لصاروخ فرط صوتي من طراز «فلسطين 2» باتجاه إسرائيل (جماعة «الحوثي» عبر «تلغرام»)
صورة لما تقول عنه جماعة «الحوثي» اليمنية إنه إطلاق لصاروخ فرط صوتي من طراز «فلسطين 2» باتجاه إسرائيل (جماعة «الحوثي» عبر «تلغرام»)

أعلن «الحوثيون» في اليمن، الأربعاء، إطلاق صاروخ باليستي وطائرات مسيّرة على إسرائيل، بعد أيام على هجوم استهدف تل أبيب، أصاب 16 شخصاً.

وكان الجيش الإسرائيلي أعلن صباح اليوم، أنه اعترض صاروخاً أطلق من اليمن باتجاه إسرائيل، وفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية.

وجاء في بيان للجيش، نشر على تطبيق «تلغرام» قرابة الساعة 4:30 صباحاً بالتوقيت المحلي (2:30 بتوقيت غرينيتش)، أنه «تم اعتراض صاروخ أطلق من اليمن قبل دخوله الأجواء الإسرائيلية».

وأشار إلى إطلاق صفارات الإنذار «في مناطق عدة بوسط إسرائيل»، في إجراء احترازي خشية سقوط شظايا وحطام جراء عملية الاعتراض، بحسب البيان.

وكان المتحدث العسكري باسم جماعة «الحوثي» اليمنية، يحيى سريع، قال، في بيان، إن جماعته استخدمت في الهجوم «صاروخاً باليستياً (فرط صوتي) نوع فلسطين 2».

ومساء الأربعاء، أعلن سريع عن «تنفيذ عمليتين عسكريتين استهدفتا هدفين» في تل أبيب، وكذلك «المنطقة العسكرية في عسقلان»، بالطائرات المسيرة الهجومية.

وأعلن الجيش الإسرائيلي أن طائرة مسيّرة «سقطت في منطقة مفتوحة»، بعد دوي صفارات الإنذار في جنوب إسرائيل، قرب قطاع غزة.

وكانت جماعة «الحوثي» قد أعلنت، الثلاثاء، استهداف وسط إسرائيل بصاروخ باليستي من طراز «فلسطين 2». وأفاد الجيش الإسرائيلي بدوره عن اعتراضه قبل دخوله المجال الجوي.

ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بدأ الحوثيون شنّ هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن انطلاقاً من المناطق الخاضعة لسيطرتهم في اليمن، في إطار «دعم» الفلسطينيين في قطاع غزة، حيث تدور حرب مدمّرة بين إسرائيل و«حماس» منذ أن شنّت الحركة هجوماً غير مسبوق على الدولة العبرية في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وخلال الأشهر الماضية، تبنّى الحوثيون إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة نحو إسرائيل، التي تعلن اعتراض معظمها.

وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد، الاثنين، أنه أوعز إلى الجيش «تدمير البنى التحتية للحوثيين»، بعدما أطلقوا صاروخين على الأقل باتجاه الدولة العبرية الأسبوع الماضي، أسفر أحدهما عن إصابة 16 شخصاً بجروح طفيفة في تل أبيب.

وشنّت إسرائيل غارات جوية على اليمن 3 مرات خلال الأشهر الماضية، آخرها في 19 ديسمبر (كانون الأول) استهدفت مواني وبنى تحتية للطاقة في صنعاء والحديدة، وأعلن الحوثيون أن هذه الضربة أسفرت عن مقتل 9 مدنيين.