أعادت وفاة هشام الحكيمي الموظف مع منظمة «إنقاذ الطفولة» في أحد المعتقلات الحوثية في صنعاء، التذكير بالمأساة التي يعانيها زملاؤه من موظفي الوكالات الأممية والموظفين السابقين لدى السفارة الأميركية، وسط مخاوف من أن يواجهوا المصير نفسه.
وفي بيان قلّما يكون مباشرا إلى الحوثيين، دعت الأمم المتحدة الحوثيين إلى تقديم معلومات وافية وعاجلة بشأن الظروف التي أدت إلى وفاة الحكيمي.
وقال ديفيد غريلسي وهو منسق الشؤون الإنسانية في اليمن إنه يشعر بالجزع الشديد والأسى لوفاة أحد موظفي رعاية الأطفال وهو قيد الاحتجاز من قبل سلطات صنعاء (الحوثيين). مضيفا في بيان: كان هشام الحكيمي الذي عمل مع منظمة رعاية الأطفال منذ العام 2006 قد احتجز بتاريخ 9 سبتمبر (أيلول) 2023.
وفاة الحكيمي الذي يتكهن حقوقيون بأنه مات تحت التعذيب في أحد السجون التابعة لما يسمى «جهاز الأمن الوقائي» التابع لزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي مباشرة، أثارت غضباً حكومياً وحقوقياً، وسط دعوات للضغط على الجماعة لإطلاق سراح كافة المعتقلين من موظفي الوكالات الدولية وموظفي السفارة الأميركية.
هذه المخاوف بشأن حياة المعتقلين عززها أخيراً قيام أجهزة الجماعة الحوثية باقتحام منزل مبارك العنوه في صنعاء، وهو أحد المختطفين الموظفين لدى وكالة أممية، وترويع عائلته ومصادرة هواتفهم وحواسيبهم، وذلك بعد نحو شهرين من اختطافه.
وبحسب البيان الأممي، لا يزال 3 من موظفي الأمم المتحدة محتجزين، اثنان منذ نوفمبر 2021، وواحد منذ أغسطس (آب) 2023. وقال غريسلي: لم تتمكن الأمم المتحدة ولا عائلاتهم من زيارتهم. أدعو سلطات صنعاء إلى تقديم معلومات كاملة عن ظروفهم، وإتاحة الزيارة لهم.
وتكتفي واشنطن من وقت لآخر بإصدار بيانات للتذكير بالمعتقلين من موظفي سفاراتها بصنعاء، وبقية الموظفين الأمميين، وتقول إنها ستواصل مساعيها الدبلوماسية سعياً للإفراج عنهم، كما جاء في أحدث بيان للسفارة قبل أيام.
في ذكرى مرور عامين على اعتقال موظفينا المحليين، سفير الولايات المتحدة لدى اليمن ستيفن فاجن، يعرب عن دعمه الصادق لعائلات وأصدقاء وزملاء موظفينا المحليين المعتقلين في صنعاء. pic.twitter.com/EbBliKv8N2
— U.S. Embassy to Yemen السفارة الأمريكية لدى اليمن (@USEmbassyYemen) October 19, 2023
ويبدي أحد الحقوقيين العاملين في صنعاء مخاوفه بشأن حياة المعتقلين، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إنه لا يستبعد أن يلاقوا مصير الحكيمي، خصوصاً بعد مرور أكثر من عامين على اعتقال أغلبهم، دون السماح لعائلاتهم بزيارتهم أو حتى للمنظمات الإنسانية.
ويؤكد الحقوقي الذي طلب عدم ذكر اسمه، خشية البطش به، أن السبب الرئيسي لاعتقال هؤلاء الموظفين مع الوكالات الأممية، هو عدم ثقة الجماعة الحوثية فيهم؛ إذ إن كل يمني من غير سلالة زعيمها متهم بالتآمر والخيانة، إلى جانب سعيها إلى إحلال موالين لها من السلالة الحوثية في هذه المواقع الوظيفية.
وتكابد أسر المعتقلين مأساة مضاعفة، فإلى جانب الخوف وفقدان العائل، تتعرض للإرهاب المستمر؛ حيث تتلقى التهديد بأن مصير عائلها سيكون عرضة لمخاطر أكبر، لو تم الحديث إلى وسائل الإعلام، أو إثارة قضية الاعتقال للرأي العام. وفق ما ذكره لـ«الشرق الأوسط» مصدر من عائلة أحد المختطفين.
ويتهم الحقوقيون اليمنيون المنظمات الأممية والدولية بأنها تخلت عن المعتقلين الذين يعملون معها؛ بل يوجه بعض الحقوقيين اتهامات مباشرة لمسؤولي هذه المنظمات بالتواطؤ مع الجماعة الحوثية، كما هي الاتهامات التي أثيرت عقب وفاة الحكيمي.
ويؤكد الحقوقي اليمني، رياض الدبعي، أن اثنين من موظفي المفوضية السامية لحقوق الإنسان في اليمن لا يزالان معتقلين ومخفيين قسراً لدى الجماعة الحوثية، وهما عبد المعين عزان ومبارك العنوه.
أثنين من موظفي المفوضية السامية لحقوق الإنسان @UNHumanRights معتقلين ومخفيين قسراً لدى جماعة الحوثي بصنعاء. هما عبدالمعين عزان ومبارك العنوه وحتى اللحظة يرفض الحوثيون الافراج عنهم أو الكشف عن اماكن تواجدهم.تعرضت والدة عبدالمعين عزان لست جلطات ومن ثم توفت ومع ذلك لم يسمح... pic.twitter.com/4AXkcwNkis
— Riyadh Aldubai رياض الدبعي (@RiyadhAldubai) October 27, 2023
ويشير الدبعي إلى معاناة عائلة عبد المعين عزان المعتقل منذ أكثر من عامين؛ حيث تعرضت والدته لست جلطات قبل أن تفارق الحياة، دون أن تسمح له الجماعة الحوثية بوداعها.
تنديد حكومي
إضافة إلى التنديد الحقوقي بانتهاكات الجماعة الحوثية ضد الموظفين في الوكالات الدولية المعتقلين لديها، لقيت وفاة الحكيمي واقتحام منزل العنوه إدانة حكومية ومطالبة بالضغط الدولي لإطلاق المعتقلين، ومحاسبة المتورطين في اختطافهم من عناصر الجماعة الحوثية.
واستنكر وزير الإعلام معمر الإرياني في بيان رسمي «بأشد العبارات» اقتحام الحوثيين منزل مبارك العنوه، أحد موظفي المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في اليمن (OHCHR) والعبث بمحتوياته، ونهب هواتف زوجته وأطفاله وأجهزتهم المحمولة، بعد نحو شهرين من اختطافه، وإخفائه قسراً في معتقل تابع لما يسمى جهاز «الأمن والمخابرات».
ووصف الإرياني هذه الحادثة بـ«الجريمة النكراء»، وقال إنها تأتي «بالتزامن مع إقدام ما يسمى جهاز الأمن والمخابرات التابع لميليشيا الحوثي، على تصفية هشام الحكيمي أحد موظفي منظمة (save the Children) الدولية المتخصصة في رعاية الأطفال، تحت التعذيب، بعد قرابة شهرين من اختطافه، وإخفائه قسراً، في امتداد لسياسة التضييق على المنظمات الدولية العاملة في مناطق سيطرتها».
وأشار الوزير اليمني إلى أن الجماعة الحوثية تواصل اختطاف عدد من العاملين في منظمات تابعة للأمم المتحدة، إلى جانب 11 شخصاً من الموظفين المحليين الحاليين والسابقين لدى السفارة الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية، منذ عامين، وإخفاءهم قسراً في ظروف غامضة، دون أن توجه لهم أي تهم، أو السماح لهم بمقابلة أسرهم، في انتهاك صارخ للقوانين والمواثيق الدولية.
وطالب وزير الإعلام اليمني المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومبعوثها الخاص لليمن ومنظمات حقوق الإنسان، بـ«مغادرة مربع الصمت، وإصدار إدانة واضحة لهذه الجريمة النكراء»، وفق تعبيره.
ودعا الإرياني إلى ممارسة «ضغط حقيقي على ميليشيا الحوثي، لكشف مصير جميع المخفيين قسراً، وإطلاقهم فوراً، والتحرك -وفي المقدمة الولايات المتحدة الأميركية- لإعادة تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، وملاحقة ومحاكمة قياداتها المسؤولين عن هذه الجرائم المروعة باعتبارهم مجرمي حرب».