تصفية ناشط في سجون الحوثيين تكشف استهداف موظفي ومنظمات الإغاثة

الحكومة اليمنية تطالب بمحاسبة مرتكبي جرائم الإخفاء القسري والتعذيب

أنشأت الجماعة الحوثية مجلساً استخباراتياً للرقابة على نشاط المنظمات الإغاثية بزعم التنسيق لتوزيعها (أ.ف.ب)
أنشأت الجماعة الحوثية مجلساً استخباراتياً للرقابة على نشاط المنظمات الإغاثية بزعم التنسيق لتوزيعها (أ.ف.ب)
TT

تصفية ناشط في سجون الحوثيين تكشف استهداف موظفي ومنظمات الإغاثة

أنشأت الجماعة الحوثية مجلساً استخباراتياً للرقابة على نشاط المنظمات الإغاثية بزعم التنسيق لتوزيعها (أ.ف.ب)
أنشأت الجماعة الحوثية مجلساً استخباراتياً للرقابة على نشاط المنظمات الإغاثية بزعم التنسيق لتوزيعها (أ.ف.ب)

بينما كانت عائلة مسؤول الأمن والسلامة في مكتب منظمة «إنقاذ الطفولة» في صنعاء تنتظر الوعود التي قطعها جهاز استخبارات الحوثيين بالإفراج عنه مقابل عدم الحديث عن واقعة اختطافه، تلقت منتصف ليل الثلاثاء الماضي اتصالاً من موظفين في الجهاز يطلب منها الحضور لاستلام جثته.

لمدة عامين ظل هشام الحكيمي يطالب المنظمة التي عمل فيها لمدة 15 عاماً بإعادته إلى صنعاء، المدينة التي أحبها رغم انعدام مقومات الحياة الكريمة، بعدما نقلته لإدارة العمليات الإنسانية في مخيمات اللاجئين السوريين في الأردن، ولم يخطر على باله بأن عودته كانت تقرب حياته من نهايتها في أقبية أحد أكثر أجهزة الاستخبارات سوءاً.

في مطلع سبتمبر (أيلول) الماضي، وبينما كان الحكيمي عائداً من عمله اعترضته وحدة من عناصر مخابرات الحوثيين التي كانت تتربص به، واقتادته معصوب العينين، وفق زملاء شهدوا الواقعة إلى جهة غير معلومة، وانقطعت أخباره تماماً عن عائلته من حينه.

مصادر من عائلة الحكيمي ذكرت لـ«الشرق الأوسط» أن أصدقاءه ألحوا عليها بعدم الحديث لوسائل الإعلام عن واقعة الاختطاف حتى لا يتشدد الحوثيون في رفض إطلاق سراحه، وهو ما التزمت به العائلة حتى ليلة إبلاغها بالقدوم لاستلام جثته.

العاملون في المنظمات الإغاثية عرضة بشكل دائم لاستهداف الحوثيين (منظمات إغاثية)

رفضت عائلة الحكيمي استلام جثته، وتطالب بتشريحها أولاً لمعرفة أسباب الوفاة، لأنها تشك في أنه تعرض للتعذيب في المعتقل حتى فارق الحياة، خاصة أنه اختطف ولم يكن يعاني من أي أمراض، كما أنه كان يتمتع بصحة جيدة، ورفضت العائلة مزاعم سلطة مخابرات الحوثيين أنه فارق الحياة نتيجة إصابته بذبحة صدرية.

وحسب العائلة، فإن منعهم من زيارته أو معرفة التهم الموجهة إليه أو توكيل محامٍ للدفاع عنه طوال فترة الاختطاف، أسباب تزيد من شكوكها بأن الوفاة لم تكن طبيعية، وأنه تعرض للتعذيب، في حين اكتفت المنظمة بتأكيد حالة الوفاة دون الإشارة إلى أنه كان مختطفاً لدى مخابرات الحوثيين.

الجميع متهمون بالتجسس

يقول علي، وهو أحد العاملين في منظمة إغاثية دولية لـ«الشرق الأوسط»، إن جميع موظفي المنظمات الإغاثية الأممية والدولية جواسيس وعملاء في نظر الجماعة الحوثية وقيادييها وعناصرها، مشيراً إلى أن جميع العاملين في هذه المنظمات ينتظرون أدوارهم في الاختطاف، إلا في حالة قبولهم بالعمل كجواسيس للحوثيين على الجهات التي يعملون لديها.

يضيف علي: «كلنا في مرمى الاستهداف الحوثي، رغم أنهم أوقفوا المرتبات واستحوذوا على العمل الإغاثي والتجاري، لكنهم يصرون على محاربة الناس في أرزاقهم».

هشام الحكيمي العامل في منظمة «إنقاذ الطفولة» أحدث ضحايا استهداف الجماعة الحوثية للعاملين في المجال الإنساني (فيسبوك)

وبالتزامن مع هذه الحادثة، ذكرت مصادر إغاثية لـ«الشرق الأوسط» أن عناصر الجماعة الحوثية اقتحموا منزل موظف لدى مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في صنعاء، بعد نحو 3 أشهر من اختطافه وإخفائه عندما كان في طريقه من صنعاء إلى مصر.

وطبقا لما ذكرته المصادر؛ فإن مخابرات الحوثيين داهمت منزل مبارك العنوة، الذي ينتمي إلى محافظة صعدة ويعمل موظفا لدى مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في اليمن، ونهبت جهاز كمبيوتر خاص به وهواتف زوجته وأولاده، وعبثت بمحتويات المنزل مسببة حالة من الرعب في أوساط الأطفال والنساء.

وأفادت المصادر أن مخابرات الحوثيين، ومنذ اختطاف العنوة، لم تفصح عن التهم الموجهة إليه، كما لم تسمح لعائلته بزيارته أو التواصل معه، وأنها أودعته سجناً تابعاً لها في محافظة إب لمدة شهر، قبل أن تنقله إلى أحد سجون المخابرات السرية في صنعاء.

ويكشف ناشطون في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي للحوثيين، أن مخابرات الجماعة تمارس انتهاكات واسعة بحق السكان الذين تشك في ولائهم، إذ أُغلقت المحافظة منذ بداية الحرب بشكل كامل، وتُفرض قيود مشددة على القادمين إليها، ويخضعون لاستجواب معمق حول أهداف زيارتهم، كما يتم إخضاعهم لمراقبة شديدة طوال وجودهم هناك.

حياة تحت الرقابة

يذكر عاملون في منظمات إغاثية في مناطق سيطرة الميليشيات لـ«الشرق الأوسط» أن الجهاز الاستخباري الحوثي الذي يشرف على عمل المنظمات الإغاثية، والمسمى بـ«المجلس الأعلى للشؤون الإنسانية»، أبلغ جميع المنظمات بمنع تحرك أي موظف محلي إلى خارج صنعاء أو مناطق سيطرة الحكومة، إلا بعد الحصول على تصريح مرور مسبق ينبغي تقديمه إلى المجلس قبل أسبوعين من موعد المهمة.

اقتحم الحوثيون منزل مبارك العنوة بعد اختطافه واحتجازه لمدة 3 أشهر (فيسبوك)

وتوضح المصادر أن مخابرات الجماعة الحوثية تلزم مقدم الطلب بتحديد وجهة الموظف والمهمة التي أوكلت إليه، والأشخاص الذين سيلتقيهم بالتفاصيل الدقيقة، على أن يُلزم هذا الموظف بتقديم تقرير مفصل إلى الجهاز المخابراتي عند عودته من المهمة.

ويلزم الموظف باحتواء تقريره على شرح تفاصيل رحلته من بدايتها إلى النهاية، وطبيعة اللقاءات التي عقدها، وماذا دار من نقاشات مع الأشخاص الذين التقاهم، وإلا سيكون عرضة للاستجواب والاعتقال.

واستنكرت الحكومة اليمنية تصفية المسؤول في منظمة إنقاذ الطفولة في سجن تابع لمخابرات الحوثيين، وطالبت المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومبعوثها الخاص ومنظمات حقوق الإنسان بمغادرة مربع الصمت، وإصدار إدانة واضحة للجريمة التي وصفتها بالنكراء.

وأدان وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني «بأشد العبارات» تصفية هشام الحكيمي أحد موظفي منظمة إنقاذ الطفولة، تحت التعذيب، بعد قرابة شهرين من اختطافه من أحد شوارع العاصمة صنعاء، وإخفائه قسراً.

مقر الأمن السياسي في صنعاء الذي تسيطر عليه الجماعة الحوثية ضمن 237 سجناً رسمياً احتلتها، و128 سجناً سرياً أنشأتها (إكس)

واتهم الإرياني الجماعة الحوثية باختطاف عدد من العاملين في الأمم المتحدة، و11 موظفاً في السفارة الأميركية والوكالة الأميركية للتنمية، منذ قرابة عامين، وإخفائهم قسراً في ظروف غامضة، دون توجيه أي تهم لهم، أو السماح بمقابلة أسرهم.

مطالب حكومية بالتحقيق

تشير التقارير الحقوقية، بناء على تصريحات الإرياني، إلى أن الجماعة الحوثية تدير نحو 641 سجناً، منها 237 سجناً رسمياً احتلتها، و128 سجناً سرياً استحدثتها بعد الانقلاب، وأن 32 مختطفاً تعرضوا للتصفية الجسدية، فيما انتحر آخرون، للتخلص من قسوة وبشاعة التعذيب، وسُجلت 79 حالة وفاة للمختطفين و31 حالة وفاة لمختطفين بنوبات قلبية، بسبب الإهمال الطبي ورفض إسعافهم للمستشفيات.

ونوّه الوزير اليمني إلى أن وزارة حقوق الإنسان اليمنية رصدت أكثر من 350 حالة قتل تحت التعذيب من إجمالي 1635 حالة تعرضت للتعذيب في معتقلات الحوثيين، كما وثّقت منظمات حقوقية متخصصة ارتكابهم جريمة الإخفاء القسري بحق 2406 من المدنيين في معتقلات غير قانونية، حيث يتعرضون لأبشع صنوف التعذيب النفسي والجسدي، والحرمان من الرعاية الصحية.

يواصل الحوثيون اختطاف 11 يمنياً كانوا موظفين سابقين لدى السفارة الأميركية في صنعاء (إكس)

ودعا الوزير إلى تحقيق عاجل وشفاف في جرائم تعذيب الأسرى والمختطفين والمحتجزين قسراً في معتقلات ميليشيات الحوثي، وملاحقة ومحاكمة مرتكبيها في المحاكم المحلية والدولية باعتبارهم «مجرمي حرب».

واتهم قيادات حوثية بالمشاركة في هذه الجرائم، بينهم عبد القادر المرتضى رئيس فريق الأسرى والمعتقلين لدى الجماعة، مناشداً المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن ومنظمات حقوق الإنسان بإصدار إدانة واضحة لهذه الجريمة النكراء، وممارسة ضغط حقيقي على الحوثيين للكشف عن مصير كافة المخفيين قسرا، وإطلاقهم فوراً.

كما دعا الولايات المتحدة الأميركية إلى إعادة تصنيف الجماعة الحوثية كمنظمة إرهابية، وملاحقة ومحاكمة قادتها المسئولين عن هذه الجرائم المروعة.


مقالات ذات صلة

آلاف اليمنيين في معتقلات الحوثيين لاحتفالهم بـ«26 سبتمبر»

العالم العربي مسلحون حوثيون في صنعاء عشية ذكرى ثورة سبتمبر يستعدون لقمع الاحتفالات (فيسبوك)

آلاف اليمنيين في معتقلات الحوثيين لاحتفالهم بـ«26 سبتمبر»

بدأت الجماعة الحوثية الإفراج عن بعض المختطفين بسبب احتفالهم بذكرى ثورة سبتمبر (أيلول)، في حين تقدر أعداد المختطفين بالآلاف في مختلف مناطق سيطرة الجماعة.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي جانب من سلسلة مبانٍ تتبع جامعة البيضاء الخاضعة لسيطرة للجماعة الحوثية (إكس)

الحوثيون يخضعون 1000 طالب وأكاديمي وموظف لتدريبات عسكرية

الجماعة الحوثية تجبر طلاباً وأكاديميين وموظفين في جامعة البيضاء على التعبئة القتالية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي النيران تشتعل في الناقلة «سونيون» بالبحر الأحمر بعد هجوم سابق من قبل الجماعة الحوثية (رويترز)

هجمات حوثية على إسرائيل واستهداف سفينتين في البحر الأحمر

الحوثيون يعلنون عن هجمات على إسرائيل واستهداف سفينتين في البحر الأحمر بالتزامن مع تولي قوات أسترالية قيادة قوات البحرية المشتركة لحماية الأمن البحري في المنطقة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي تعرُّض سفينتين لأضرار في هجمات قبالة ميناء الحديدة اليمني

تعرُّض سفينتين لأضرار في هجمات قبالة ميناء الحديدة اليمني

أفادت وكالة أمن بحري بريطانية، الثلاثاء، بأن طائرة مسيَّرة أصابت سفينة قبالة سواحل اليمن، حيث يشنّ المتمردون الحوثيون منذ أشهر هجمات على سفن.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي احتمالات ضعيفة جداً أن تتولى الجماعة الحوثية سد الفراغ الناتج عن تحجيم قوة «حزب الله» (رويترز)

ماذا ينتظر الجماعة الحوثية بعد اغتيال نصر الله؟

يناقش خبراء وباحثون سياسيون تأثير اغتيال حسن نصر الله على الجماعة الحوثية، وردود فعلها بعد الضربات الكبيرة التي يتلقاها «حزب الله» خلال الأيام الأخيرة.

وضاح الجليل (عدن)

اللجنة الدولية للصليب الأحمر تدعو إلى تخفيف المعاناة في الشرق الأوسط

آثار الدمار الذي سبّبته غارة إسرائيلية جنوب صيدا في لبنان (إ.ب.أ)
آثار الدمار الذي سبّبته غارة إسرائيلية جنوب صيدا في لبنان (إ.ب.أ)
TT

اللجنة الدولية للصليب الأحمر تدعو إلى تخفيف المعاناة في الشرق الأوسط

آثار الدمار الذي سبّبته غارة إسرائيلية جنوب صيدا في لبنان (إ.ب.أ)
آثار الدمار الذي سبّبته غارة إسرائيلية جنوب صيدا في لبنان (إ.ب.أ)

دعت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، اليوم الأحد، إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لتخفيف المعاناة في الشرق الأوسط، عشية الذكرى السنوية الأولى للهجوم غير المسبوق الذي شنّته حركة المقاومة الإسلامية «حماس» على إسرائيل.

ووفق «وكالة الصحافة الفرنسية»، قالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في بيان: «خلال العام الماضي، شهدت المنطقة دماراً واسع النطاق وتجريداً للأشخاص من صفتهم البشرية»، داعية جميع الأطراف إلى «احترام كرامة كل شخص متضرّر من هذا النزاع... وتحمُّل مسؤولياتهم، بموجب القانون الإنساني الذي يوفّر إطاراً للحد من المعاناة أثناء النزاع».

وأضافت: «أصبح المدنيون مجرّد أعداد، إذ طغت الخطابات المتضاربة بشأن النزاع على طابعهم الفريد، لكنّ وراء هذه الأرقام أفراداً، أطفالاً وآباء وأشقاء وأصدقاء يكافحون الآن من أجل البقاء على قيد الحياة، ويواجهون، كل يوم، الحزن والخوف وعدم اليقين بشأن مستقبلهم».

وتابعت: «شهد هذا العام قلوباً محطَّمة وأسئلة بلا إجابات»، لافتة إلى أن «شمل العائلات تشتّت، ولا يزال كثير من أحبائها محتجَزين، رغم إرادتهم. وقُتل عشرات الآلاف، ونزح الملايين في جميع أنحاء المنطقة».

ويصادف الاثنين الذكرى السنوية الأولى للهجوم غير المسبوق الذي نفذته حركة «حماس» على الأراضي الإسرائيلية، والذي أدى إلى اندلاع حرب بين الحركة والدولة العبرية في قطاع غزة امتدّت إلى لبنان، حيث تشنّ إسرائيل حرباً ضد «حزب الله».

وقالت اللجنة الدولة للصليب الأحمر: «بينما نقترب من مُضي عام على الهجمات، التي وقعت في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، والتصعيد واسع النطاق للأعمال العدائية الذي أعقب ذلك، لا يزال الناس في المنطقة يعانون وطأة الألم والمعاناة والخسارة التي لا تُطاق وتتجاوز الحدود».

وكرّرت دعوتها جميع الأطراف إلى «تحمل مسؤولياتهم، بموجب القانون الدولي الإنساني»، مؤكدة أنّه من خلال الالتزام بهذا القانون «يمكن للأطراف المتحاربين أن يخفّفوا المعاناة الإنسانية، ويمهدوا لمستقبل أكثر استقراراً وسلاماً».