خيارات صعبة أمام المعلمين والطلاب اليمنيين بسبب الإضراب

الحوثيون يرفضون صرف الرواتب وينفقون على أتباعهم

تبدي العائلات اليمنية خوفها من أن يتم استغلال فراغ أطفالها لتجنيدهم للحرب (إكس)
تبدي العائلات اليمنية خوفها من أن يتم استغلال فراغ أطفالها لتجنيدهم للحرب (إكس)
TT

خيارات صعبة أمام المعلمين والطلاب اليمنيين بسبب الإضراب

تبدي العائلات اليمنية خوفها من أن يتم استغلال فراغ أطفالها لتجنيدهم للحرب (إكس)
تبدي العائلات اليمنية خوفها من أن يتم استغلال فراغ أطفالها لتجنيدهم للحرب (إكس)

فوجئ معلم الكيمياء وجدي الأثوري بأحد طلابه يعمل معه في نفس المكان لدى مقاول في أعمال البناء في العاصمة اليمنية صنعاء، وشعر كل منهما بالخجل من الآخر في البداية، قبل أن يصبحا صديقين يتعاملان مع الأمر باعتيادية، إلا أنه، ومن دون تعمد، وجد الأثوري نفسه يتعامل مع طالبه أحياناً كما لو كانا داخل الفصل الدراسي، وهو ما أثار لدى طالبه غضباً ظل يكتمه لوقت طويل، حتى جاءت لحظة لم يتمالك فيها نفسه، فعلق على أحد الأوامر قائلاً: «يا أستاذي... نحن هنا لأنهم قطعوا راتبك وراتب أبي، وجوعوا عائلتك وعائلتي، عليك أن تنسى أنك المعلم وأنا الطالب».

معلم متطوع يقدم دروساً للأطفال في مدرسة مبنية بالقش في محافظة حجة شمال غربي اليمن (أ.ف.ب)

شعر بالخجل من طالبه رغم أن تعليقه أضحكهما معاً وأضحك حتى المقاول الذي يعملان معه، والذي تعاطف معهما بسبب ذلك الموقف، وأكد تعاطفه بزيادة أجرتهما، ومنذ ذلك اليوم عاد المعلم للتعامل مع الطالب كزميل، في حين عاد الأخير إلى التعامل معه باحترام فائق.

ويعتزم المعلمون اليمنيون الاستمرار في إضرابهم الشامل إلى حين صرف رواتب كافة العاملين في القطاع التعليمي، وذكرت اللجنة التحضيرية لنادي المعلمين أن التضامن الشعبي الواسع مع المعلمين أجبر الحوثيين على الإفراج عن عدد من قيادات النادي بعد شهرين من اختطافهم بسبب دعوتهم إلى الإضراب للمطالبة بصرف الرواتب.

وكشفت إحصائية صادرة عن نادي المعلمين اليمنيين في صنعاء، عن إصابة 14 تربوياً يعملون في الديوان العام للوزارة بذبحات صدرية، وجلطات دماغية أدت إلى وفاة خمسة منهم، في حين يعاني تسعة آخرون آلام المرض، ومرارة العجز عن العلاج جراء قطع مرتباتهم، من دون أن يتلقوا أي مساعدات من قيادات جماعة الحوثي التي تسيطر على القطاع التربوي والتعليمي.

تعليم منزلي أو مساعدة العائلة

لم يعد مشير سلام، من سكان العاصمة اليمنية صنعاء، يقضي الكثير من الوقت مع أصدقائه في المساء، فمنذ ما يقارب الشهرين التزم بتقديم الدروس لأطفاله الثلاثة بعد عودته من العمل عصر كل يوم، وتحاول زوجته مساعدته في نفس المهمة صباحاً، وذلك بعد استمرار إضراب المعلمين للمطالبة برواتبهم المنقطعة منذ سبعة أعوام.

حُرم مئات الآلاف من الأطفال من حقهم في التعليم بسبب توقف رواتب المعلمين (أ.ف.ب)

تعدّ المهمة شاقة بالنسبة لسلام وزوجته؛ إذ كانا في الأعوام الماضية يقومان بمراجعة ومذاكرة الدروس للطفلين الكبيرين، في حين لم يكن الصغير قد التحق بالمدرسة حينها، وكانت مهمة المراجعة والمذاكرة استكمالاً لما تلقاه الطفلان في المدرسة، أما الآن فهما يؤديان مهام المعلمين، في محاولة لمنعهما من نسيان المدرسة وأجواء الدراسة، لكن المهمة تبدو معقدة جداً مع الطفل الثالث الذي التحق بالمدرسة للتو؛ إذ لا يملكان مهارات المعلمين ولا أجواء المدارس، وهو ما دفعهما للتفكير في الاستعانة بمدرسة خصوصية له، لولا ضيق الحال وصعوبة الأوضاع المعيشية.

ولجأ الكثير من المعلمين إلى تقديم دروس خصوصية لأطفال الأثرياء أو البحث عن عمل في المدارس الخاصة، في حين نشأت مبادرات في بعض المناطق لجمع الأموال من الأهالي وأولياء الأمور خصوصاً لمساعدة المعلمين في تحسين أوضاعهم المعيشية مقابل الاستمرار في التعليم.

غير أن وضع عائلة مشير سلام أفضل بكثير من عائلة سامي عبد الله الذي فضل الاستعانة بطفليه في عمله في البناء؛ إذ استغل توقف الدراسة لاصطحابهما إلى البناية التي اتفق مع صاحبها على إكمال أعمال التشطيبات فيها مقابل مبلغ مقطوع، وفضل بالتالي أن يتولى طفلاه مساعدته عوض الاستعانة بعمال آخرين.

يلجأ كثير من العائلات اليمنية إلى إلحاق أطفالهم بالأعمال اليومية الخطرة لمساعدتهم في الإنفاق (غيتي)

ورغم تذمر طفليه؛ فإنه كان حازماً معهما، ونبههما إلى أن الأفضل لهما وللعائلة أن يعملا معه ما داما لا يذهبان إلى المدرسة، ووعدهما بتلبية طلباتهما وتوفير ما يحتاجان إليه خلال الفترة المقبلة.

ويرى سامي عبد الله أن استعانته بطفليه في العمل وإن كان شاقاً، أفضل بكثير من وقت الفراغ الذي يقضيانه في اللعب في الشارع؛ إذ يسعى إلى إكسابهما خبرة حول صعوبة وقسوة الأوضاع التي يعيشون فيها، مبدياً تخوفه من استقطاب العصابات الإجرامية لهما، وملمّحاً إلى قلقه من تجنيدهما للقتال.

تعليم ملغوم

يذهب نادر غانم، وهو اسم مستعار لصاحب محل تجاري، ويدرس أطفاله في مدرسة خاصة، إلى أن هذا الإضراب فرصة لأولئك الآباء الذين يدرس أولادهم في مدارس عمومية لتعريفهم بجزء من تاريخ بلادهم، وأن تعطيلهم عن الدراسة كان بسبب جماعة صادرت رواتب معلميهم وأهانت كرامتهم.

ويتمنى غانم لو أنه ألحق أطفاله بمدرسة عمومية ليتلقوا من خلال هذا الإضراب درساً لن يتم تقديمه لهم في المدارس الخاصة، بما وصلت إليه أوضاع البلاد في ظل سيطرة وسطوة جماعة الحوثي، مشيراً إلى المقررات الدراسية في المناهج التي يدرسها أطفاله، والتي تمتلئ بالمضامين الطائفية والتاريخية المشوهة والمزورة.

وتصف التربوية المتقاعدة أمرية الشرجبي الوضع القائم بالمهين؛ إذ كان المعلمون في السابق يضربون من أجل تحسين أجورهم أو مستحقاتهم المرتبطة بالأجور، أو تحسين أوضاعهم الوظيفية ومساواتهم بغيرهم من موظفي الدولة الذين يتحصلون على الترقيات والعلاوات والمكافآت، لكنهم أخيراً أضربوا للمطالبة برواتبهم المنقطعة منذ سبعة أعوام.

حضور محدود للطلاب والمعلمين في إحدى المدارس اليمنية نتيجة إضراب المعلمين للمطالبة برواتبهم (إكس)

أما بالنسبة للآباء وأولياء الأمور، فهم، وفقاً للشرجبي، في وضع مربك؛ فمن ناحية كانوا يعلمون أن أطفالهم لا يتلقون تعليماً حقيقياً في ظل تردي المنظومة التعليمية وانهيار مؤسسات التعليم وسيطرة جماعة متطرفة عليها وتجييرها لصالح مشروعها، لكنهم في ذات الوقت لا يملكون بديلاً عن إلحاقهم بالمدارس من أجل الترقي في السلم الدراسي.

وتضيف: «لا يجد الآباء مفراً من تدريس أبنائهم لأجل أن يتدرجوا في العملية التعليمية حتى وإن كانت مشوهة وغير مجدية، فلا أحد يستطيع المغامرة بالتخلي عن المستقبل لأن الحاضر بائس، لكنهم في ذات الوقت يعلمون أن أطفالهم يعودون من المدارس بعقول تم تزييف وعيها وتحريضها حتى ضد أهاليهم».

ويخوض عشرات الآلاف من المعلمين مواجهة مع الانقلابيين الحوثيين منذ بدء العام الدراسي الجديد، من أجل الحصول على مرتباتهم مقابل العودة إلى العمل.


مقالات ذات صلة

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

العالم العربي واشنطن تقود تحالفاً لإضعاف قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن (الجيش الأميركي)

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

بينما جدد المبعوث الأممي هانس غروندبرغ مطالبته للحوثيين بإطلاق سراح الموظفين الأمميين فوراً، تواصلت، الثلاثاء، الضربات الغربية لليوم الرابع على مواقع الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)

انقلابيو اليمن متهمون بارتكاب انتهاكات ضد أقارب المغتربين

صعّدت جماعة الحوثيين في اليمن من وتيرة انتهاكاتها بحق أقارب المغتربين لا سيما المنتمون منهم إلى محافظتي إب والضالع، وذلك ضمن استهداف الجماعة الممنهج للسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الجماعة الحوثية وجدت في حرب غزة وسيلة إضافية لترهيب المعارضين لها (رويترز)

الحوثيون يرفضون إطلاق قيادات من «المؤتمر الشعبي»

بالتزامن مع الكشف عن وسائل تعذيب موحشة يتعرض لها المعتقلون بسجون مخابرات الجماعة الحوثية أكدت مصادر حقوقية استمرار الجماعة في رفض إطلاق قيادات «المؤتمر الشعبي»

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي دخان كثيف إثر استهداف مدينة الحديدة بغارات إسرائيلية رداً على هجوم صاروخي حوثي (إكس)

سفينة تبلغ عن انفجارات في محيطها قبالة الحديدة باليمن

قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إن سفينة على بعد 70 ميلاً بحرياً جنوب غربي الحديدة باليمن أبلغت عن عدة انفجارات في محيطها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي ممرضة في مدينة المخا تقيس محيط أعلى ذراع طفل للتحقق من تحسن حالته الصحية بعد تلقيه علاجاً لسوء التغذية (الأمم المتحدة)

سوء التغذية والشتاء يتربصان بأطفال اليمن والنازحين

يشهد اليمن زيادة في أعداد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم، في حين ينتظر النازحون، بسبب الحرب وتطرفات المناخ، شتاء قاسياً في ظل التردي الاقتصادي.

وضاح الجليل (عدن)

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
TT

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)
شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

كشف مصدر مصري مسؤول لـ«الشرق الأوسط» عن جهود عربية - أميركية جديدة لدفع جهود التهدئة في السودان. وقال المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، إن دول «السعودية ومصر والإمارات تعمل مع الولايات المتحدة، على التنسيق على أمل حلحلة الأزمة السودانية».

وأفاد المصدر المصري بأن «اجتماعاً ضم مسؤولين من الدول الأربع، استضافته السعودية نهاية الأسبوع الماضي، ناقش دفع الجهود المشتركة؛ لتحقيق انفراجة بالأزمة».

وسبق أن شاركت الدول الأربع في اجتماعات «جنيف»، التي دعت لها واشنطن لإنهاء الحرب بالسودان، منتصف أغسطس (آب) الماضي، إلى جانب ممثلين عن الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، غير أنها لم تحقق تقدماً، في ظل مقاطعة الحكومة السودانية المحادثات.

غير أن المصدر المصري، قال إن «اجتماع السعودية، الذي عقد يومي الخميس والجمعة الماضيين (ليس امتداداً لمبادرة جنيف)، وإن الآلية الرباعية الحالية هي للدول صاحبة التأثير في المشهد السوداني، وتستهدف دفع الحلول السلمية للأزمة». ورجح المصدر «انعقاد اجتماعات أخرى؛ لدفع جهود الدول الأربع، نحو وقف الحرب، وإيصال المساعدات الإغاثية للمتضررين منها».

صورة جماعية بختام اجتماعات جنيف حول السودان في أغسطس الماضي (إ.ب.أ)

ويشهد السودان منذ أبريل (نيسان) 2023 حرباً داخلية، بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، راح ضحيتها آلاف المدنيين، ودفعت «ما يفوق 10 ملايين سوداني للفرار داخلياً وخارجياً لدول الجوار»، حسب تقديرات الأمم المتحدة.

وعقب اندلاع الحرب، استضافت مدينة جدة العام الماضي، بمبادرة سعودية - أميركية، محادثات بين الجيش السوداني، و«قوات الدعم السريع»، أفضت إلى توقيع «إعلان جدة الإنساني»، الذي نصّ على حماية المدنيين، والمرافق الخاصة والعامة، والامتناع عن استخدامها لأغراض عسكرية. وتتمسك الحكومة السودانية بتنفيذ مخرجات «اتفاق جدة»، قبل الانخراط في أي مفاوضات مباشرة مع «قوات الدعم السريع».

توحيد الجهود

وترى مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفيرة منى عمر، أن «توحيد جهود الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة السودانية، سيسهم في تحريك حلول وقف إطلاق النار»، موضحة: «أدى تضارب الرؤى والمسارات الدولية، بسبب كثرة المبادرات والتدخلات التي خرجت من دول أفريقية وإقليمية ودولية، إلى إضعاف أي تحركات لوقف الحرب السودانية».

وقالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «التنسيق الرباعي بين مصر والإمارات والسعودية والولايات المتحدة، سيسهم في دفع جهود إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب على الأقل بصورة أكثر فاعلية»، مشيرة إلى أن «هناك مناطق مثل الفاشر في دارفور وولاية الجزيرة، تعاني من أوضاع إنسانية مأساوية».

ودعت إلى ضرورة تركيز تحرك الرباعي الدولي على «جهود وقف إطلاق النار، وأعمال الإغاثة، وصياغة خريطة طريق سياسية، تنهي الأزمة السودانية».

سودانيون يتلقون العلاج في مستشفى ميداني أقيم بمدينة أدري التشادية المحاذية للحدود مع السودان أغسطس 2023 (أ.ف.ب)

ويواجه السودان «واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية حالياً»، حسب تقديرات الأمم المتحدة، وأشار مدير عام منظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم، إلى أن «أكثر من نصف سكان السودان، يواجه خطر المجاعة والكوارث الطبيعية، مما يؤدي لانتشار الأوبئة»، وخلال زيارته لمدينة بورتسودان، في سبتمبر (أيلول) الماضي، شدّد على أن «الأزمة الإنسانية بالسودان، لا تجد اهتماماً كافياً دولياً».

دول مؤثرة

وباعتقاد الباحث السياسي السوداني المقيم في مصر، صلاح خليل، فإن «تشكيل رباعية من الدول صاحبة التأثير في الساحة السودانية، قد يحرك مسار الحلول السلمية، وتفعيل مسار جدة»، مشيراً إلى أن «توحيد جهود هذه الأطراف، سيسهم في تغيير مسار الأزمة السودانية»، منوهاً بأن «الدول الأربع تؤيد العودة لمسار جدة».

ورجح خليل، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، مشاركة الحكومة السودانية في مسار مفاوضات «الآلية الرباعية حال العودة إلى مسار جدة، ولن تقاطعه كما فعلت في مبادرة جنيف».

وأشار إلى أن «فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية، قد يغير من معادلة التأثير الدولي في الحرب داخل السودان».

وكان السفير السوداني في القاهرة عماد الدين عدوي، شدّد على «تمسك بلاده بمسار جدة، بوصفه آلية للتفاوض لوقف الحرب»، وقال في ندوة استضافتها نقابة الصحافيين المصرية نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، إن «بلاده ترفض المشاركة في أي مبادرة أفريقية، إلا بعد عودة عضوية السودان للاتحاد الأفريقي».