تبعات الصراع تدفع سكاناً في صنعاء إلى الإفلاس وإغلاق المتاجر

البنك الدولي: توفير الطعام قلق تعيشه الأسر اليمنية كل يوم

يمني في صنعاء يفترش الشارع لبيع بضاعته من الذرة والبازلاء (أ.ف.ب)
يمني في صنعاء يفترش الشارع لبيع بضاعته من الذرة والبازلاء (أ.ف.ب)
TT

تبعات الصراع تدفع سكاناً في صنعاء إلى الإفلاس وإغلاق المتاجر

يمني في صنعاء يفترش الشارع لبيع بضاعته من الذرة والبازلاء (أ.ف.ب)
يمني في صنعاء يفترش الشارع لبيع بضاعته من الذرة والبازلاء (أ.ف.ب)

لم يعد بمقدور نجيب الحامدي توفير الحد الأدنى من احتياجات عائلته في صنعاء بعد إفلاسه وإغلاق 3 من متاجره، وتسريح العاملين فيها؛ نتيجة تبعات الصراع وتضاعف النفقات والإتاوات خلال التسع سنوت الماضية.

يفيد الحامدي «الشرق الأوسط»، بأن متاجره الخاصة ببيع المواد الغذائية، التي باع اثنين منها وأغلق الثالث، كانت مصدر الرزق الوحيد له ولأسرته، مرجعاً السبب إلى قلة الدخل، وتراجع القوة الشرائية لدى الناس؛ نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة وتوقف الرواتب، ما أدى لتراكم مديونياته وعجزه عن الإيفاء بالتزاماته.

يمنيون في صنعاء بجوار مدرسة شهدت بوقت سابق حادثة تدافع الفقراء ما أدى إلى مئات القتلى والجرحى (رويترز)

ومع الوضع المعيشي المزري الذي أصابه وأسرته عقب إغلاق متاجره، يؤكد الحامدي أن اليمنيين لم يحصدوا من هذه الحرب سوى المآسي والهموم والفاقة. ويضيف: «بالأمس كان لدي متاجر وعاملون، واليوم أتمنى الحصول على عمل ولو بالأجر اليومي لسد رمق عائلتي».

فقدان مصادر الدخل

الحامدي ليس الشخص الوحيد الذي فقد مصدر رزقه وأصبح يعيش أوضاعاً حرجة، بل هناك الآلاف من اليمنيين من مختلف الأعمار في صنعاء وغيرها ممن فقدوا مصادر عيشهم وأسرهم بفعل تبعات الحرب التي عصفت بالبلد وجعلته، وفق تقارير أممية، في مقدمة دول العالم من حيث المعاناة.

من جهته يقضي محمد.م، وهو مالك محل بيع مواد غذائية في شارع الستين بصنعاء، أغلب أوقاته منذ 6 أشهر في الجلوس أمام محله المغلق وبحوزته كشوف تحوي أسماء أشخاص يطلب منهم تسديد ما عليهم من ديون.

ويشكو محمد لـ«الشرق الأوسط»، من تراكم ديونه عند الغير، ما جعله يعجز عن الإيفاء بالتزاماته لدى كبار التجار الذين رفضوا مده بمواد غذائية إلا بعد تسديد ما عليه من مديونية.

وبينما لا توجد إحصاءات رسمية بعدد التجار والشركات الخاصة الذين تعرضوا للإفلاس والإغلاق جراء ظروف الحرب، تؤكد مصادر اقتصادية في صنعاء تصاعد أعداد اليمنيين ممن فقدوا مصادر عيشهم بعد إغلاق متاجرهم ومؤسساتهم نتيجة عوامل عدة، خلفتها الحرب الدائرة منذ سنوات.

ويقول سكان في صنعاء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» إن هناك آلاف المحال والشركات التي تقدم خدمات مختلفة للناس تعرضت للإغلاق والإفلاس؛ جراء تدهور الظروف، واتساع رقعة الفقر والجوع والبطالة، وانقطاع الرواتب.

ترف حوثي خلال الاحتفالات ذات الصبغة الطائفية رغم معاناة ملايين اليمنيين (إ.ب.أ)

وبإمكان أي شخص القيام بجولة واحدة في أي وقت لبعض شوارع وأسواق وأحياء صنعاء، وعندها سيشاهد مئات المتاجر والمؤسسات الخاصة إما مغلقة وفق تهم كيدية، أو تعرضت للإغلاق في فترات سابقة بسبب إفلاس ملاكها وعجزهم عن الإيفاء بأقل الالتزامات نحو أسرهم وتجاه الغير.

وفي حين دفعت الأوضاع المتدهورة بسبب الحرب مئات التجار إلى تسريح الآلاف من موظفيهم وعمالهم، أرجع اقتصاديون في صنعاء الأسباب إلى عوامل عدة، في مقدمها تدهور الاقتصاد بشكل عام، والإجراءات الجبائية غير القانونية المفروضة عليهم، وتدني القوة الشرائية للسكان.

وأدى استمرار النزاع إلى تدهور الاقتصاد اليمني بشكل حاد، وتسريح أكثر من 75 في المائة من العمالة لدى شركات القطاع الخاص، حيث إن واحدة من كل 4 شركات أغلقت في البلاد، إلى جانب تدهور القوة الشرائية للسكان، بحسب تقارير دولية.

ويحذر الخبراء الاقتصاديون من أن كوارث اقتصادية وإنسانية أشد تصاعداً قد تواجه ملايين السكان اليمنيين في حال استمرار عدم وجود أي حلول جدية تفضي إلى إحلال السلام ووقف الحرب الدائرة في البلد منذ سنوات.

قلق من انعدام الغذاء

كشف «برنامج الغذاء العالمي»، التابع للأمم المتحدة، في أحدث تقاريره، عن حرمان أكثر من 4 ملايين شخص في اليمن من المساعدات خلال الربع الأخير من العام الحالي، بسبب نقص التمويل.

وأكد البرنامج أنه اضطر إلى إجراء تخفيض برنامج الوقاية من سوء التغذية، وتقليص الأنشطة المتعلقة بالقدرة على الصمود وسبل العيش؛ بسبب أزمة التمويل الخانقة التي يمر بها البرنامج، لافتاً إلى أن التخفيض في المساعدات سيؤثر على نحو 3 ملايين شخص في شمال البلاد و1.4 مليون مستفيد في الجنوب، اعتباراً من الربع الأخير من عام 2023.

يمنيون في صنعاء يتناولون وجبة «السلتة» الشعبية الشهيرة في أحد المطاعم (رويترز)

إلى ذلك، ذكر البنك الدولي أن انعدام الأمن الغذائي مصدر قلق رئيسي يوماً بعد يوم تتحمله الأسر اليمنية، إذ اضطرت إلى الاعتماد على الاقتراض من أصحاب المحلات التجارية أو العائلة أو الأصدقاء.

البنك الدولي أشار في تقريره الأخير بعنوان «أصوات من اليمن» إلى لجوء اليمنيين، الذين يعيشون في ظروف حرب صعبة منذ ما يقرب من عقد من الزمان، إلى استراتيجيات تكيف مبتكرة، ولكن مدمرة في كثير من الأحيان.

ولفت إلى أن معظم الذين تم إجراء مقابلات معهم قالوا إن حالة الأمن الغذائي قد تدهورت، وإن هناك أزمة جوع حادة. وأكد أن أسعار المواد الغذائية ارتفعت بشكل حاد بما يتجاوز ما يستطيع اليمنيون تحمل نفقاته بحسب دخولهم.

ووفقاً للتقرير، فقد أدى عدم القدرة على تحمل التكاليف بسبب الارتفاع الصاروخي في أسعار المواد الغذائية إلى إجبار اليمنيين على خفض استهلاك الغذاء بشكل كبير، ومواجهة الجوع والمجاعة.


مقالات ذات صلة

الجيش الأميركي يتبنى قصف 15 هدفاً حوثياً

العالم العربي غارات أميركية استهدفت معسكراً للحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

الجيش الأميركي يتبنى قصف 15 هدفاً حوثياً

غداة سلسلة من الغارات التي ضربت 4 محافظات يمنية خاضعة للجماعة الحوثية المدعومة من إيران، أعلن الجيش الأميركي تبني هذه الضربات التي قال إنها طالت 15 هدفاً.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون يجبرون طلاب المدارس على المشاركة في أنشطة تعبوية (إعلام حوثي)

جانب من استهداف حوثي لطلبة المدارس في ضواحي صنعاء (فيسبوك)

المدارس الأهلية في صنعاء تحت وطأة الاستقطاب والتجنيد

كثف الحوثيون من استهداف قطاع التعليم الأهلي في صنعاء من خلال إجبار الطلبة والمعلمين في عدد من المدارس على المشاركة في دورات قتالية

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي ضربات غربية استهدفت معسكر الصيانة الخاضع للحوثيين في صنعاء (رويترز)

اتهامات حوثية لواشنطن ولندن بضربات جوية طالت 4 محافظات يمنية

استهدفت ضربات جوية غربية مواقع للجماعة الحوثية شملت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء وثلاث محافظات أخرى ضمن مساعي واشنطن لإضعاف قدرة الجماعة على مهاجمة السفن

علي ربيع (عدن)
العالم العربي مواقع غير رسمية مليئة بالنفايات الخطرة في اليمن تسبب التلوث (إعلام محلي)

النفايات ترفع معدل الاحتباس الحراري والتلوث في اليمن

كشف مرصد مختص بالبيئة عن استخدام الأقمار الاصطناعية في الكشف عن تأثير مواقع النفايات غير الرسمية في اليمن على البيئة والصحة وزيادة معدل الاحتباس الحراري.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي عنصر حوثي على متن عربة عسكرية في صنعاء (إ.ب.أ)

اتهامات لنجل مؤسس «الحوثية» باعتقال آلاف اليمنيين

قدرت مصادر يمنية أن جهاز الاستخبارات المستحدث الذي يقوده علي حسين الحوثي، نجل مؤسس الجماعة، اعتقل نحو 5 آلاف شخص على خلفية احتفالهم بذكرى «ثورة 26 سبتمبر».

محمد ناصر (تعز)

النفايات ترفع معدل الاحتباس الحراري والتلوث في اليمن

مواقع غير رسمية مليئة بالنفايات الخطرة في اليمن تسبب التلوث (إعلام محلي)
مواقع غير رسمية مليئة بالنفايات الخطرة في اليمن تسبب التلوث (إعلام محلي)
TT

النفايات ترفع معدل الاحتباس الحراري والتلوث في اليمن

مواقع غير رسمية مليئة بالنفايات الخطرة في اليمن تسبب التلوث (إعلام محلي)
مواقع غير رسمية مليئة بالنفايات الخطرة في اليمن تسبب التلوث (إعلام محلي)

كشف مرصد مختص بالبيئة عن استخدام الأقمار الاصطناعية في الكشف عن تأثير مواقع النفايات غير الرسمية في اليمن على البيئة وزيادة معدل الاحتباس الحراري، وقال إن هذه المواقع تشكل مخاطر تلوث بيئية كبيرة عبر الهواء والماء والتربة، فضلاً عن المواد المسرطنة والمعادن الثقيلة.

ووفق دراسة لمرصد الاستشعار عن بُعد، فإن الحرب في اليمن أثرت بشكل عميق على إدارة النفايات الصلبة، مما أدى إلى زيادة الإغراق والمخاطر على البيئة والصحة العامة، وقالت الدراسة إنه يتم استخدم الأقمار الاصطناعية في تحديد مواقع الإغراق، وبالتالي المساعدة في إيجاد التدابير العلاجية وسياسات إدارة النفايات.

إحراق النفايات في اليمن يؤدي إلى إطلاق الغازات فضلاً عن المواد المسرطنة (إعلام محلي)

وأوضح المرصد أنه رغم تراجع حدة الصراع الذي دام قرابة عقد من الزمان في اليمن، فإن البلاد لا تزال بعيدة عن السلام، إذ احتلت في بداية الصراع بالفعل المرتبة 160 من أصل 177 على مؤشر التنمية البشرية، مما عزز مكانتها بوصفها واحدة من أكثر دول العالم فقراً.

وأثناء الصراع أشار المرصد إلى نشوء عديد من تحديات إدارة النفايات، ما أدى إلى انتشار مواقع الإغراق غير الرسمية وتفاقم المخاطر البيئية والصحية، كما أدت الحرب إلى إجهاد الموارد الاقتصادية، وتعطيل البنية التحتية للنفايات، وتحويل الانتباه بعيداً عن إدارتها.

وأكدت الدراسة أن مواقع النفايات غير الرسمية المليئة بالنفايات الخطرة تسبب تلوث الهواء أثناء إحراقها، ما يؤدي إلى إطلاق غازات مثل ثاني أكسيد الكبريت، فضلاً عن المواد المسرطنة والمعادن الثقيلة، ورجحت أن يكون تفشي الكوليرا في اليمن عام 2016، الذي أسفر عن وفاة 3000 شخص، مرتبطاً بالنفايات الطبية غير المعالجة التي تلوث المجاري المائية.

100 حريق سنوياً

وأوضح المرصد أنه استعمل الأقمار الاصطناعية لتحديد ومراقبة مثل هذه المواقع باستخدام نظام معلومات الحرائق التابع لوكالة «ناسا»، وكشف عن تسجيل 1350 حريقاً بين أكتوبر (تشرين الأول) 2014، وأكتوبر2023، وقال إن هذه الحرائق تتركز في المناطق الحضرية على طول السواحل الغربية والجنوبية المكتظة بالسكان في اليمن.

ووفق ما جاء في دراسة المرصد فإن الصور أظهرت أن غالبية الحرائق وقعت في عامي 2019 و2021، حيث وقعت 215 و226 ​​حادثة على التوالي، بينما شهدت الفترة بين 2014 و2016 عدداً أقل من الحرائق، حيث سُجل 17 حريقاً فقط في عام 2016، لكن المرصد نبه إلى أنه على الرغم من انخفاض وتيرة الحرائق في عامي 2022 و2023، فإن كلا العامين لا يزالان يسجلان أكثر من 100 حريق سنوياً.

نظام إدارة النفايات المتدهور يسبب ضرراً كبيراً على البيئة والسكان في اليمن (إعلام محلي)

وبحسب البيانات فإن مواقع هذه النفايات كانت حول المدن الكبرى، إذ كان لدى كل من صنعاء والحديدة مكبّان جديدان للنفايات، كما ظهر معظم النفايات حول مدينة عدن؛ التي شهدت انخفاضاً كبيراً في معدلات جمع النفايات، وهو ما يفسر انتشار المكبات غير الرسمية.

ومع ذلك أكدت الدراسة أن ظهور مكبات النفايات غير الرسمية الجديدة لم يكن متأثراً بما إذا كانت المنطقة خاضعة لسيطرة الحوثيين أو الحكومة، كما أن قربها من مكبات النفايات الرسمية لم يمنع تشكلها، كما يتضح من حالات في عدن والمكلا.

ضرر على البيئة

نبهت دراسة مرصد الاستشعار عن بُعد، أن نظام إدارة النفايات المتدهور في اليمن يسبب ضرراً كبيراً على البيئة والسكان، ذلك أن لها تأثيرات على البيئية والمناخية، خصوصاً في ميناء «رأس عيسى» النفطي على البحر وصنعاء.

ففي «رأس عيسى» أوردت الدراسة أن ممارسات الإلقاء غير السليمة بالقرب من الساحل تساهم بشكل كبير في تلوث المياه البحرية والجوفية، كما يتسرب السائل الناتج عن تراكم النفايات إلى التربة ويصل إلى المياه الساحلية، مما يؤدي إلى تعطيل النظم البيئية البحرية وتعريض الأنواع للخطر.

وتقول الدراسة إن المواد البلاستيكية تتحلل من هذه المكبات إلى جزيئات بلاستيكية دقيقة، تبتلعها الكائنات البحرية وتتراكم بيولوجياً من خلال سلسلة الغذاء، أما في صنعاء، فتساهم مكبات النفايات في تغير المناخ بشكل كبير، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى انبعاثات غاز الميثان؛ لأنه مع تحلل النفايات العضوية بشكل لا هوائي، يتم إطلاق الغاز مما يؤدي إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري والتلوث الجوي المحلي.

مسؤولة في اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي تتفقد مكب القمامة غربي صنعاء (الصليب الأحمر)

وطالب المرصد باستراتيجية شاملة للتخفيف من هذه التأثيرات، بما في ذلك أنظمة التقاط غاز مكبات النفايات واستخدامه لتحويل الميثان إلى طاقة، وممارسات تحويل النفايات مثل التسميد وإعادة التدوير للحد من النفايات العضوية.

ولكنه رأى أن الصراع المستمر في اليمن غالباً ما يهمش جهود حماية البيئة، مما يجعل من الصعب معالجة هذه القضايا الحرجة بشكل فعال.

وأعاد مرصد الاستشعار عن بُعد التذكير بأن تحديد المخاطر البيئية الفعلية على الناس والنظم البيئية أمر مستحيل باستخدام هذه الأساليب وحدها. وقال إن تحديد المواقع «ليس سوى جزء صغير من الحل». وأكد أن معالجة إدارة النفايات الصلبة ستظل معقدة طالما بقي الوضع السياسي في اليمن على حاله.