أطفال اليمن... تكلفة كبيرة للعودة إلى مدارس مزدحمة وتنقصها الجودة

عشرات آلاف التلاميذ مهددون بالتسرب وسوء التغذية

أطفال في مدينة تعز اليمنية يتكدسون في مبانٍ غير مكتملة بعد تعرض مدارسهم للدمار (أ.ف.ب)
أطفال في مدينة تعز اليمنية يتكدسون في مبانٍ غير مكتملة بعد تعرض مدارسهم للدمار (أ.ف.ب)
TT

أطفال اليمن... تكلفة كبيرة للعودة إلى مدارس مزدحمة وتنقصها الجودة

أطفال في مدينة تعز اليمنية يتكدسون في مبانٍ غير مكتملة بعد تعرض مدارسهم للدمار (أ.ف.ب)
أطفال في مدينة تعز اليمنية يتكدسون في مبانٍ غير مكتملة بعد تعرض مدارسهم للدمار (أ.ف.ب)

بدأ العام الدراسي الجديد في اليمن، وغالبية الأسر ليست مستعدة لإلحاق أطفالها بالمدارس، حيث تمنعها الأوضاع المعيشية الصعبة وانهيار العملة المحلية (الريال) من الوفاء بالتزامات الرسوم وشراء الأدوات المدرسية، إلى جانب توفير الوجبات الغذائية وأجور المواصلات، في حين تسعى مبادرات محلية وجهات دولية إلى مساعدة الطلاب على العودة إلى المدارس.

وفيما دشن وزير التربية والتعليم في الحكومة اليمنية طارق العكبري من عدن العام الدراسي الجديد للتعليم الأساسي والثانوي (2023 - 2024) وفقاً للتقويم الوزاري، أشاد بكوادر الوزارة وجهودهم في الظروف الاستثنائية الصعبة التي تمر بها البلاد، مؤكداً على استشعارها لمعاناة المعلمين، وسعيها من أجل حقوقهم، وتفهمها للأوضاع المعيشية التي تواجهها الأسر اليمنية.

ويقدر إجمالي الأطفال المتقدمين للدراسة هذا العام بنحو 2.5 مليون طالب وطالبة في التعليم الأساسي والثانوي في عموم المحافظات اليمنية.

ويلاحظ مدير مدرسة في مدينة تعز (جنوبي غرب) أن غالبية العائلات لا تلحق أولادها بالمدارس إلا بعد مرور ما يقارب الشهر من بدء العام الدراسي لعدم قدرتها على توفير متطلبات العام الدراسي منذ البداية، في حين أن عدداً آخر من الطلبة يذهب للعمل خلال العطلة الصيفية من أجل متطلبات دراسته، ويضطر لمواصلة العمل حتى مع انطلاق العام الدراسي.

ويتهم المدير الذي طلب عدم ذكر اسمه، القطاع التجاري باستغلال انطلاق العام الدراسي كل عام لمضاعفة الأعباء على العائلات، حيث ترتفع أسعار مستلزمات الدراسة بشكل غير طبيعي، ومثلها أسعار ملابس الأطفال والأزياء المدرسية وحتى المواد الغذائية التي تعد منها الأمهات وجبات لأطفالهن، في ظل غياب رقابة فاعلة من الجهات المسؤولة.

تعاني المدارس الحكومية من نقص في الإمكانات والكادر التعليمي وتكدس الطلبة (البنك الدولي)

ويضيف المدير في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تأخر التحاق الطلبة بالمدارس يتسبب في عدم مقدرتهم على استيعاب المقررات الدراسية، وتخلفهم عن أقرانهم ممن التحقوا بالدراسة في أول يوم، مرجحاً أن يكون هذا أحد أسباب تفاوت مستويات التحصيل، والقدرة على الاستيعاب وخوض الامتحانات باستعداد كامل.

ويتحسر المدير لأن هناك طلاباً يتسربون من التعليم لعدم مقدرة عائلاتهم على إكمال تعليمهم واضطرارها إلى إبقائهم في المنازل، أو الاستعانة بهم لمضاعفة مدخول الأسرة من خلال مساعدة رب الأسرة في الأعمال الحرة، أو العمل بالأجر اليومي.

وينوه إلى أن كثيراً من المعلمين بدورهم يتخلفون عن الحضور إلى المدارس عند بدء العام الدراسي لاضطرارهم استغلال العطلة الصيفية في أعمال بالأجر اليومي.

أثر سوء التغذية

يزيد عدد الأطفال ممن هم في سن الدراسة في اليمن عن 10.6 مليون طفل، وفقاً لإحصاءات من بينها بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، التي تقول إن اليمن يواجه أزمة تعليمية حادة، حيث أدت الحرب إلى انقطاعات متكررة في سير العملية التعليمية في جميع أنحاء البلاد، وأدت إلى تفتت نظام التعليم، ما أثر بشكل عميق على التعلّم والتطور المعرفي والعاطفي والصحة للأطفال.

وقدرت «اليونيسيف» وجود 2.4 مليون طفل خارج المدارس، بينما يحتاج أكثر من 8 ملايين إلى مساعدات مدرسية إضافة إلى معاناتهم من النقص الغذائي الذي يتسبب في تراجع تحصيلهم الدراسي.

ومنذ قرابة 7 أشهر قدرت منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة (اليونيسيف) أن اثنين من كل 3 أطفال في عمر 10 سنوات وأقل في اليمن، لا يستطيعون قراءة وفهم نص بسيط، مطالبة بمساعدة أطفال اليمن على تعلم أساسيات القراءة والرياضيات.

وترتفع تكاليف مواصلات نقل الطلاب بين منازلهم ومدارسهم بسبب الأزمات المتكررة في الوقود من جهة، وقطع الطرقات ونصب نقاط وحواجز التفتيش في الشوارع والطرقات من جهة أخرى.

أطفال اليمن يساعدون أهاليهم في الأعمال المنزلية وكسب المعيشة (الصليب الأحمر)

ووصل سعر الكراسة المكونة من 80 ورقة إلى 700 ريال على الأقل، بما يقارب 9 ريالات للورقة الواحدة، بينما لا يقل سعر القلم عن 300 ريال، أما الحقائب المدرسية، فتزيد أسعارها مع بدء كل عام دراسي بنسبة كبيرة، ووصل سعر أقل أنواعها جودة ومتانة إلى 4 آلاف ريال وفق بيانات إعلانات متاجر المستلزمات المدرسية في مدينتي تعز وعدن، (وصل سعر الدولار في المناطق المحررة إلى 1490 ريالاً).

مبادرات محلية ودعم دولي

يقف أولياء أمور الطلاب في موقف صعب بين خيارات، إما الدفع بأطفالهم إلى المدارس العمومية المزدحمة والتي تقل جودة التعليم فيها بسبب الزحام وتغيب المعلمين إما لمرضهم أو نزوحهم أو مزاولتهم أعمالاً أخرى أو الإهمال، أو إلحاقهم بالمدارس الخاصة التي ترتفع تكلفة الدراسة فيها عاماً بعد آخر.

ويتساءل نبيل ثابت إن كان بإمكانه تسديد أقساط مدرسة طفليه البالغة 350 ألف ريال من راتبه الذي يبلغ 80 ألف ريال فقط، (الدولار نحو 1400 ريال في المناطق اليمنية المحررة) مبدياً قلقه من أن يضطر إلى الاستدانة عند قرب انتهاء العام الدراسي من أجل ذلك، ليأتي العام الدراسي التالي ولم يستطع سداد ديونه، فراتبه يكفي بالكاد لالتزاماته المعيشية.

ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «قررت المغامرة بإلحاق الطفلين بمدرسة خاصة لأستثمر في مستقبلهما، ففي المدارس الحكومية لا أضمن لهما جودة التعليم، لكني في الحقيقة لم أخطط لما سأفعله من أجل سداد الرسوم».

في هذا السياق أعلن برنامج الأغذية العالمي، أواخر يوليو (تموز) الماضي، استمراره في تقديم الوجبات الخفيفة المدعمة لطلاب المدارس في اليمن، والتي تحتوي على العناصر الغذائية والفيتامينات الأساسية، للطلاب في جميع أنحاء البلاد، ما يساعد على سد الفجوات الغذائية.

يقول برنامج الأغذية العالمي إنه يدعم ضمن مساعداته في اليمن برنامج التغذية المدرسية (الأمم المتحدة)

وجاء إعلان البرنامج التابع للأمم المتحدة رغم تعليق تدخلاته في مجال الوقاية من سوء التغذية في اليمن بسبب النقص التمويل الحاد، والذي قال إنه سيؤثر على أكثر من مليوني شخص يعانون من سوء التغذية خاصة الأطفال والنساء.

وفي مدينة تعز بدأ مجموعة من الشباب المتطوعين تنفيذ مبادرة لدعم عودة الأطفال إلى المدارس، بالتعاون مع عدد من التجار ورجال الأعمال لتخفيف العبء عن الأسر المحتاجة وتشجيع الأطفال على الدراسة بتوفير مستلزمات مدارسهم بأسعار في متناول عائلاتهم.

ومن جانبها دعمت «يونيسيف» نشاط «المرسم الحر» لتحفيز الطلبة على العودة إلى المدرسة، في مدارس عدة، في محافظات صنعاء والحديدة وإب وتعز وحجة ومأرب والمحويت، وذلك بالتعاون مع وزارة الخارجية اليابانية.


مقالات ذات صلة

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

العالم العربي واشنطن تقود تحالفاً لإضعاف قدرات الحوثيين على مهاجمة السفن (الجيش الأميركي)

غارات تستهدف الحوثيين... وغروندبرغ يطالبهم بإطلاق الموظفين الأمميين

بينما جدد المبعوث الأممي هانس غروندبرغ مطالبته للحوثيين بإطلاق سراح الموظفين الأمميين فوراً، تواصلت، الثلاثاء، الضربات الغربية لليوم الرابع على مواقع الجماعة.

علي ربيع (عدن)
العالم العربي الحوثيون متهمون بتصعيد انتهاكاتهم ضد اليمنيين (إ.ب.أ)

انقلابيو اليمن متهمون بارتكاب انتهاكات ضد أقارب المغتربين

صعّدت جماعة الحوثيين في اليمن من وتيرة انتهاكاتها بحق أقارب المغتربين لا سيما المنتمون منهم إلى محافظتي إب والضالع، وذلك ضمن استهداف الجماعة الممنهج للسكان.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
العالم العربي الجماعة الحوثية وجدت في حرب غزة وسيلة إضافية لترهيب المعارضين لها (رويترز)

الحوثيون يرفضون إطلاق قيادات من «المؤتمر الشعبي»

بالتزامن مع الكشف عن وسائل تعذيب موحشة يتعرض لها المعتقلون بسجون مخابرات الجماعة الحوثية أكدت مصادر حقوقية استمرار الجماعة في رفض إطلاق قيادات «المؤتمر الشعبي»

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي دخان كثيف إثر استهداف مدينة الحديدة بغارات إسرائيلية رداً على هجوم صاروخي حوثي (إكس)

سفينة تبلغ عن انفجارات في محيطها قبالة الحديدة باليمن

قالت هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية إن سفينة على بعد 70 ميلاً بحرياً جنوب غربي الحديدة باليمن أبلغت عن عدة انفجارات في محيطها.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم العربي ممرضة في مدينة المخا تقيس محيط أعلى ذراع طفل للتحقق من تحسن حالته الصحية بعد تلقيه علاجاً لسوء التغذية (الأمم المتحدة)

سوء التغذية والشتاء يتربصان بأطفال اليمن والنازحين

يشهد اليمن زيادة في أعداد الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد الوخيم، في حين ينتظر النازحون، بسبب الحرب وتطرفات المناخ، شتاء قاسياً في ظل التردي الاقتصادي.

وضاح الجليل (عدن)

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».