قبل نحو 3 أعوام، خلص تقرير للبنك الدولي إلى أن «التكلفة الاقتصادية للعواصف الترابية والرملية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تصل إلى 150 مليار دولار سنوياً، بما يعادل 2.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لمعظم بلدان المنطقة»، غير أن خبراء يتوقعون أنه «ربما تزيد التكلفة الاقتصادية لهذه العواصف، بعد تزايد وتيرة اندلاعها».
وشهدت عدة دول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، اندلاع 3 عواصف ترابية خلال 13 يوماً، وهو معدل مرتفع للغاية، يؤكد العلاقة بين تلك الأحداث المتواترة والمتطرفة وتغيرات المناخ. كما يشير من ناحية أخرى إلى أن «التكلفة الاقتصادية لمثل هذه الحوادث ستتجه نحو مزيد من الارتفاع». وكانت أولى تلك العواصف الترابية في 27 مايو (أيار) الماضي، حيث ضربت بعض مناطق مصر والمملكة العربية السعودية ودول الشام، وتكررت تلك العواصف بوتيرة أشد في هذه الدول يومي 1 و2 يونيو (حزيران) الحالي، ثم عادت من جديد خلال 7 و8 يونيو الحالي.
ويميل خبراء الطقس إلى الحديث عن الأسباب المباشرة لتلك العواصف، وهي واحدة في الأحداث الثلاثة، حيث تقول منار غانم، عضو المكتب الإعلامي لهيئة الأرصاد الجوية المصرية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «المنطقة تأثرت بمنخفض جوي خماسيني، وهو منخفض حراري ينشط في فصل الربيع وغير مُعتاد قدومه إلى المنطقة في هذا الوقت من العام، تصاحبه كتل هوائية تسببت في إثارة رمال وأتربة، مع وجود سحب رعدية بها رياح هابطة أدت إلى مزيد من إثارة الرمال والأتربة».
ولا يشكك خبراء المناخ بدورهم في هذه الأسباب المباشرة لاندلاع العواصف الترابية، لكنهم يرون أن «تلك الأسباب المباشرة تحركها تغيرات المناخية»، أشار إليها كريج مايسنر، الخبير الاقتصادي البيئي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالبنك الدولي.
ويقول مايسنر، في مقال نشره مطلع مايو 2020 بمدونته على موقع البنك الدولي، إن «هبوب العواصف الترابية يزداد خلال فترات الجفاف، المرتبطة بتغيرات المناخ، حيث تنشأ العواصف القوية إذا كانت التربة السطحية جافة».
إلى جانب ذلك، يشير مايسنر إلى أن سلوكيات البشر تتحمل بعض المسؤولية، حيث يعد تدهور الأراضي أحد الأسباب الرئيسية وراء كثير من العواصف الرملية والترابية.
وتعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من تزايد تدهور الأراضي، ونتيجة لذلك تبلغ خسائر خدمات النظام الإيكولوجي في المنطقة حوالي 4 أضعاف المتوسط العالمي، ويظهر ذلك بشكل واضح في الأردن، حيث تغطي الأراضي الرعوية أكثر من 80 في المائة من مساحة البلاد، ومع ذلك تدهورت الأراضي لدرجة أن الماشية لم تعد قادرة على أن تجد ما تأكله في المناطق الرعوية، كما يوضح مايسنر.
وتشير دراسة لأستاذ هندسة الموارد المائية بجامعة لوند الفرنسية، حسين الهاشمي، إلى هذا المزج بين الأسباب المناخية والبشرية، حيث ذهب في دراسته التي نشر الموقع الإلكتروني للجامعة ملخصاً عنها في 5 مايو الماضي، إلى أنه «توجد أعلى كثافة لمصادر الغبار في الشرق الأوسط في العراق بين نهري دجلة والفرات، وعلى طول الحدود السورية - العراقية».
ويقول الهاشمي، في تقرير نشره الموقع الإلكتروني للجامعة، بالتزامن مع نشر الدراسة، إن «المصادر الطبيعية للعواصف الرملية والترابية هي في الأساس الصحاري والأراضي الجافة، وفي الأشهر الحارة في الصيف تحمل الرياح الشمالية الشرقية القوية كميات كبيرة من الجزيئات عبر المنطقة، ومع ذلك أصبحت هذه العواصف أكثر تواتراً، فهي تمتد على فترات زمنية أطول وتنتشر إلى منطقة أوسع». وأضاف: «من المحتمل أن يكون تغير المناخ دافعاً، لكن توجد أيضاً عوامل بشرية مثل مزيد من الأراضي الزراعية المهجورة، وإدارة المياه في المنبع، والهجرة إلى المناطق الحضرية، وهجرة السكان وترك الأراضي بسبب النزاعات والحروب».
ونتيجة لذلك، يتوقع خالد أيوب، باحث المناخ بجامعة تولين الأميركية، «ارتفاع تكلفة فاتورة العواصف الترابية عن الرقم الذي حدده تقرير البنك الدولي قبل سنوات». وقال أيوب لـ«الشرق الأوسط» إن «تلك الفاتورة تشمل الضرر الواقع على المحاصيل وصحة الإنسان والحيوان والمباني والبنية التحتية، وتوقف العمل بالقوة خلال وقت العاصفة».
ووفق تقرير البنك الدولي، فإن الضرر الواقع على الصحة، يشمل زيادة حالات الربو بعد العواصف الترابية، ففي الكويت على سبيل المثال، أدت العواصف الترابية إلى زيادة بنسبة 8 بالمائة في دخول المصابين بنوبات الربو لغرف الطوارئ يومياً خلال فترة 5 سنوات، وفي قطر حدثت زيادة بنسبة 30 بالمائة في الإبلاغ عن نوبات الربو بعد هبوب الرياح.
ورغم ذلك لا تحظَ الخسائر الاقتصادية والاجتماعية والصحية المدمرة الناجمة عن العواصف الترابية باهتمام كافٍ، وهو ما دفع الأمم المتحدة أخيراً إلى إطلاق «تحالف جديد لمكافحة العواصف الرملية والترابية».
ووفق أيوب، فإن هذا التحالف هدفه «رفع الوعي بخطورة المشكلة وضخ الموارد لمواجهتها، كضخ استثمارات مثلاً لمعالجة تدهور الأراضي في المنطقة، حتى لا يساعد وضعها المتدهور على هبوب الرياح، وتوفير أنظمة الإنذار الأرضية أو المعتمدة على الأقمار الصناعية، والخاصة بهبوب العواصف الترابية والرملية».