ملفات «سجناء العشرية السوداء» ومعتقلي الحراك تعود إلى الواجهة

العفو عن الكاتب صنصال يشعل النقاش ويكسر الصمت في الجزائر

صورة مركبة للكاتب بوعلام صنصال والمحكمة التي دانته (الشرق الأوسط)
صورة مركبة للكاتب بوعلام صنصال والمحكمة التي دانته (الشرق الأوسط)
TT

ملفات «سجناء العشرية السوداء» ومعتقلي الحراك تعود إلى الواجهة

صورة مركبة للكاتب بوعلام صنصال والمحكمة التي دانته (الشرق الأوسط)
صورة مركبة للكاتب بوعلام صنصال والمحكمة التي دانته (الشرق الأوسط)

رغم حالة الغضب التي أظهرها قطاعٌ واسعٌ من الجزائريين حيال الإفراج عن الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال، فإن هذا القرار سمح للنشطاء المعارضين والحقوقيين بإعادة ملف «السجناء السياسيين» إلى واجهة الأحداث، من خلال المطالبة بإصدار إجراءات عفو رئاسي تشملهم، أسوة بالعفو الذي استفاد منه الروائي السبعيني، الذي أسهم إطلاق سراحه في تخفيف حدة التوترات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، ومهّد لترتيب لقاء بين رئيسَي البلدين خلال قمة «مجموعة العشرين» المقررة الأسبوع المقبل في جوهانسبرغ.

خلّف خروج صاحب رواية «2084: نهاية العالم» من السجن، الأربعاء الماضي، هزّات ارتدادية بالنظر إلى ردود الفعل الحادة الصادرة عن الأوساط السياسية والإعلامية في البلاد. وقد سمحت هذه القضية بإعادة ملف «المساجين السياسيين» إلى واجهة الأحداث. وهؤلاء ينقسمون إلى فئتين:

الفئة الأولى: تضم نحو 160 سجيناً من الإسلاميين الموجودين في السجن منذ أكثر من 30 سنة. ويرى المتعاطفون معهم أنه طالما استفاد صنصال من عفو رئاسي، فلا مانع من أن يصدر الرئيس إجراءً مماثلاً، خصوصاً أن غالبيتهم متقدمون في السن ويعانون أمراضاً مزمنة.

لخضر بركان من مساجين فترة الاقتتال مع الإرهاب في تسعينات القرن الماضي (الشرق الأوسط)

وتشمل هذه الفئة نشطاء «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة منذ 1992، حيث تمت متابعتهم وسجنهم بأحكام قاسية من طرف «المحاكم الخاصة» التي استحدثت مطلع تسعينات القرن الماضي، لمعالجة ملفات الإرهاب الذي اندلع إثر تدخل الجيش لإلغاء نتائج انتخابات البرلمان التي فاز بها «الإنقاذ» نهاية 1991. ويقضي هؤلاء عقوبات طويلة بالسجن، وغالبيتهم تجاوز الستين من العمر، وتؤكد عائلاتهم أنهم أصيبوا بأمراض خلال فترة سجنهم.

وداخل هذه الفئة توجد مجموعة أخرى تتكون من 20 ناشطاً من «جبهة الإنقاذ»، تم سجنهم العام الماضي على خلفية إصدارهم بياناً ينتقدون فيه الأوضاع الاقتصادية ويحمّلون السلطة مسؤولية «القمع» الذي تشهده الحريات.

أما الفئة الثانية فتتمثل في مساجين الحراك الشعبي (نحو 200)، غالبيتهم شباب معارضون حوكموا بتهم ذات طابع سياسي مرتبطة برفضهم للظروف التي جاء فيها الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم نهاية عام 2019. ويقضي معتقلو الحراك عقوبات بتهم «إضعاف معنويات الجيش» و«الإساءة إلى رموز الدولة» و«المس بالوحدة الوطنية»، والتهمة الأخيرة يشتركون فيها مع بوعلام صنصال، وعلى هذا الأساس يطالب محاموهم بإصدار عفو رئاسي لفائدتهم كما استفاد منه صنصال.

إسلام لطرش أحد معتقلي الحراك (حسابات ناشطين)

العفو الرئاسي لا ينبغي أن يميز بين المساجين

معروف أن العفو الذي أقره الرئيس عبد المجيد تبون للكاتب المثير للجدل، جاء عقب وساطة من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، وقُدّم رسمياً على أنه «خطوة إنسانية» بحكم معاناة صنصال من المرض، إلا أنّه أعاد فتح تساؤلات سياسية وأخلاقية ودبلوماسية على المستويين الداخلي والخارجي.

وعلَق المحامي سعيد زاهي، وهو من أشهر المدافعين عن مساجين الحراك في ساحات القضاء، على هذا القرار قائلاً: «بركة الرئيس الألماني حررت حتى من كانوا يخشون التلميح لسجناء الرأي، وها هم اليوم يتحدثون عن العفو علناً... كلمة من الخارج كشفت صمت الداخل».

المحامي عبد الغني بادي (الشرق الأوسط)

كما نشر المحامي الكبير عبد الغني بادي على حسابه بـ«فيس بوك»، صورة لسجين من «جبهة الإنقاذ»، وكتب: «السيد بن يمينة عبد القادر، من ولاية تيارت (غرب البلاد)، مسجون منذ 34 عاماً بموجب حكم صادر عن محكمة غير دستورية، وهي المحاكم الخاصة التي أُلغيت لاحقاً بعد الجدل الذي أثير حول شرعيتها، غير أنّ أحكامها بقيت قائمة ونافذة. السيد عبد القادر، الذي يبلغ من العمر ثمانين عاماً، يعاني من أمراض مستعصية متعددة، ولم يعد قادراً على المشي. فهل من استجابة لنداءات ابنه محمد المتكّررة، ولرجاء أحفاده، حتى يقضي ما تبقى من عمره بينهم؟».

ويرى الرئيس السابق لحزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» المعارض، الكاتب سعيد سعدي المقيم بفرنسا، أن العفو عن صنصال «كشف عن تناقض عميق: في الجزائر، الإنسانية مثل المحروقات، صالحة للتصدير»، ويقصد أن العفو جاء بعد ضغط أو اهتمام خارجي، مثل تدخل الرئيس الألماني، «وليس بالضرورة نتيجة التزام داخلي صادق بالقيم الإنسانية أو العدالة».

الرئيس السابق لحزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

ويوضح سعدي أن هذه الخطوة «تعكس نوعاً من التبعية الأخلاقية للضغط أو الاعتراف الخارجي»، عاداً أن «إنسانية رئيس الدولة لا ينبغي أن تُستثار من طرف رئيس أجنبي».

ورغم ترحيبه بما يمثّله الإفراج من ارتياح لعائلة صنصال، فإنه يرى فيه «مؤشراً على ضعف سياسي وضعف في القضاء الجزائري»، الذي دان صنصال بالسجن 5 سنوات مع التنفيذ، علماً بأن الكاتب اعتقل في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 إثر تصريحات له أدلى بها لمنصة إخبارية فرنسية، زعم فيها أن «أجزاء واسعة من الغرب الجزائري تتبع تاريخياً للمغرب».

كما يلفت سعدي إلى «التزامن المثير للقلق» بين إطلاق سراح صنصال والحكم بخمس سنوات سجناً على الشاب الشاعر محمد تاجديت، أحد أبرز رموز الحراك الشعبي، قائلاً: «نفس العقوبة، نفس المجتمع، مع ذلك يسلك المصيران دروباً متناقضة».

من جهته أقرّ رئيس حزب «جيل جديد»، سفيان جيلالي، بالطابع الإنساني للعفو، لكنه نبّه إلى أن «عدم تعميمه على سجناء آخرين معتقلين لأسباب أقل وطأة سيُنظر إليه كظلم بيّن». كما يؤكد أن العفو الرئاسي «لا يجب أن يُبنى على شفاعة أجنبية، ولا أن يحدث تمييزاً بين المواطنين».

القاضي المتقاعد حبيب عشي (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

أما القاضي المتقاعد الحبيب عشي، فيرى أنه «ما دامت الدولة والسلطة العليا تحركت في إطار التوازنات الاستراتيجية وبعد النظر الدبلوماسي، فالأخذ بخاطر الدولة الألمانية (التماس عفو عن صنصال) خطوة لا بأس بها، بل قد تكون ضرورية في سياق العلاقات الدولية المتشابكة، خصوصاً إذا كانت تصب في مصلحة الجزائر وصورتها كشريك موثوق ومتزن»، موضحاً أن «الانسجام الداخلي لا يقل أهمية عن التوازن الخارجي»، لذلك يدعو إلى أن يبادر الرئيس عبد المجيد تبون «بعفو ثان يشمل باقي المدانين من النمط نفسه، من منطلق وطني خالص، حتى لا يُفهم الموقف الرسمي على أنه كيل بمكيالين. فمثل هذه الخطوة ستكون رسالة قوة سياسية وأخلاقية، تُظهر أن الدولة لا تخضع للضغوط، بل تتصرف من موقع الثقة والعدل، وأن المصالحة الوطنية ليست ظرفية بل نهج دائم يترجم في الأفعال لا في الأقوال».


مقالات ذات صلة

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

الرياضة صورة من حفل افتتاح كأس الأمم الأفريقية بالمغرب 21 ديسمبر 2025 (أ.ف.ب)

اختبار البداية يبتسم للعرب في العرس الأفريقي بالمغرب

سجلت المنتخبات العربية حضوراً لافتاً في المباريات الافتتاحية مؤكدة أنها تدخل المنافسة برؤية واضحة وثقة فنية تعكس تطور كرة القدم العربية على الساحة القارية.

كوثر وكيل (الرباط)
شمال افريقيا أعضاء البرلمان الجزائري خلال تصويتهم بالإجماع على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (أ.ب)

البرلمان الجزائري يصادق بالإجماع على قانون يُجرّم الاستعمار الفرنسي

صادق البرلمان الجزائري بالإجماع، الأربعاء، على قانون يجرّم الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830 - 1962)، ويصفه بأنه «جريمة دولة».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا من جولة لحوار الرئاسة مع الأحزاب في 21 مايو 2024 (الرئاسة)

الجزائر: سباق مبكر بين المعسكر الرئاسي والتيار الديمقراطي على «استحقاقات 2026»

مع اقتراب موعد الانتخابات الجزائرية، المقررة في 2026، بدأت الساحة السياسية تستعيد بعض حيويتها، بعد فترة من الركود والجمود أعقبت توقيف الحراك الشعبي.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا وزير العدل (وسط) مع البرلماني صاحب مقترح تعديل قانون الجنسية (البرلمان)

الجزائر: مسؤول يهوّن من المخاوف بشأن «إسقاط الجنسية» عن المعارضين

هوَّن مسؤول حكومي رفيع من المخاوف المرتبطة بأحد نصين سيناقشان في البرلمان الجزائري، مؤكداً أنه «لا يستهدف أصحاب الرأي المخالف».

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا رئيس البرلمان في اجتماع مع أصحاب مقترحَي تجريم الاستعمار وتعديل قانون الجنسية (البرلمان)

البرلمان الجزائري يرفع وتيرة التشريع ضد فرنسا والمعارضين

عرض البرلمان الجزائري، السبت، نصَّين مهمّين للنقاش العام؛ الأول يخصّ مقترح قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي (1830-1962)، والثاني يتعلق بتعديل قانون الجنسية.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
TT

«الدعم السريع» تتقدم غرباً وحاكم إقليم دارفور يتوعد

عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)
عناصر من «قوات الدعم السريع» (أ.ف.ب)

في الوقت الذي تتقدم فيه «قوات الدعم السريع» حثيثاً تجاه بلدة «الطينة»، عند الحدود التشادية - السودانية، بعد أن أعلنت إكمال سيطرتها على بلدة «كرنوي» صباح الخميس، وانسحاب «القوة المشتركة» التابعة للجيش، تعهد رئيس «حركة تحرير السودان»، (حاكم إقليم دارفور)، مني أركو مناوي، بعدم الاستسلام، ومحاربة ما أسماه «الفوضى والبربرية».

وقال مناوي، الذي يشغل أيضاً منصب حاكم إقليم دارفور، في تغريدة على حسابه بمنصة «إكس»، مساء الأربعاء: «لن نسلّم أرواحنا ولا تاريخنا ولا هويتنا للفوضى والبربرية.. الليلة سمر، وغداً أمر»، بعد أن كان قد ذكر في وقت سابق أن قواته «انسحبت».

حاكم إقليم دارفور وقائد «حركة جيش تحرير السودان»، مني أركو مناوي، يزور مخيم نازحين بشمال السودان يوم 26 نوفمبر 2025 (أ.ف.ب)

وتعد بلدة «الطينة» آخر جيوب القوات الموالية للجيش المعروفة بـ«القوة المشتركة»، وتقع على الحدود السودانية التشادية مباشرة، وتنقسم إلى بلدتين باسم «الطينة السودانية، الطينة التشادية»، وتعرف بأنها عاصمة دار قبيلة «زغاوة» المشتركة بين البلدين.

وبثت منصات موالية لـ«قوات الدعم السريع»، مقاطع فيديو ذكرت فيها أنها حققت انتصاراً كاسحاً في بلدة «كرنوي»، فيما ذكرت صحيفة «دارفور 24» أن «قوات الدعم السريع» دخلت منطقة كرنوي الواقعة في الشمال الغربي لولاية شمال دارفور، وأن القوة المشتركة انسحبت نحو بلدة «الطينة» على الحدود مع دولة تشاد.

وقال شاهد لـ«الشرق الأوسط»، إن «قوات الدعم السريع» المدعومة بقوات «تحالف السودان التأسيسي»، (تأسيس)، اقتربت من بلدة الطينة، التي انسحبت إليها «القوة المشتركة» الحليفة للجيش، وينتظر أن تشهد معاركاً طاحنة بين القوتين.

قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو يلقي كلمة أمام قواته (أرشيفية - قناته على «تلغرام»)

وحضّ مناوي في حسابه على «فيس بوك»، مواطني المنطقة ومن أسماهم بـ«أهلي» للدفاع عن «أنفسهم»، بقوله: «نرفض الذل، والدفاع عن الوطن ليس خياراً، بل واجباً، ولا نبحث عن الدم، لكننا نحمي الأرض والعرض والتاريخ»، وتابع: «حين يستباح الوطن، يصبح الصمت خيانة».

لكن دعوات مناوي للمواطنين لم تلقَ استجابة، بل ردت عليه مجموعة من سكان المنطقة ببيان حمل توقيع «أبناء قبيلة الزغاوة» التي يتحدر منها، دعته إلى «عدم الزج باسم القبيلة في الحرب»، وإبعادها عن «الاستقطابات السياسية والعسكرية المتواصلة».

وقالت في البيان إن القبيلة «ليست كياناً سياسياً أو عسكرياً، أو أداة في الصراع على السلطة»، وتابع: «نرفض رفضاً قاطعاً التحدث باسم القبيلة أو توظيفها كتلة سياسية موحدة، أو الادعاء بتمثيلها في أي صراع سياسي أو عسكري».

ويأتي هذا التطور العسكري بعد استيلاء «قوات الدعم»، الأربعاء، على بلدات «أبو قمرة، أم برو، بير سبيل»، وسيطرتها الخميس على «كرنوي»، ولم يتبقَ على الحدود المشتركة بين تشاد والسودان سوى بلدة «الطينة».

وتعد «الطينة» أحد أهم النقاط التجارية والأمنية في شمال دارفور. وتقع إلى الشرق منها، بلدة «كرنوي» المركز الإداري يربط المناطق الحدودية بالداخل، بينما تقع بلدة «أم برو» إلى الشرق من «الطينة» وكرنوي، وتتميز بطبيعة جبلية تجعل منها منطقة استراتيجية عسكرياً.

آلاف اللاجئين من دارفور يعيشون حالياً بمخيم أدري الحدودي في تشاد هرباً من الحرب (رويترز)

وتكون هذه البلدات مثلثاً حدودياً يربط السودان بدولة تشاد، وتسعى الأطراف المتصارعة للسيطرة عليه لتأمين خطوط الإمداد أو إغلاقها بوجه الخصم.

وتعرف المنطقة التي تدور فيها المعارك إدارياً بـ«دار زغاوة»، وهم المجموعة الإثنية التي تنتشر على طرفي الحدود بين الدولتين، وينحدر منها معظم قوات حاكم دارفور، مني أركو مناوي، ووزير المالية، جبريل إبراهيم، اللذين يديران الحرب هناك من بورتسودان.

وبسيطرة «قوات الدعم السريع» على بلدة «الطينة»، تكون قد سيطرت على كامل إقليم دارفور، وعلى الحدود المشتركة مع دولة تشاد، باستثناء جيب صغير عند سفوح «جبل مرة» بوسط دارفور، تسيطر عليه قوات «حركة تحرير السودان»، بقيادة عبد الواحد محمد النور، الذي اختار الحياد في الصراع لكن ومواقفه أقرب لـ«قوات الدعم السريع».

وبإكمال عملية «الطينة»، لن يكون هناك خيار أمام القوة المشتركة الموالية للجيش الموجودة هناك، سوى «الانسحاب» لداخل دولة تشاد.


السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
TT

السياسة الأميركية في ليبيا… حراك كثير وحسم قليل

قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)
قائد «أفريكوم» مع حفتر في بنغازي (القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي)

مع مرور عام على تولي إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب مقاليد السلطة، تتآكل الآمال العريضة باختراق أميركي في الملف الليبي المعقّد، إذ اتسم نهج إدارته بـ«الحذر، والانتقائية»، مع إعادة تموضع محدودة، دون استراتيجية شاملة لمعالجة الانقسام الليبي.

وينظر مراقبون إلى أداء إدارة ترمب في الملف الليبي خلال العام الماضي على أنه انتهج مقاربة تقوم على «تسويات على نار هادئة»، تعتمد تفاهمات سياسية وعسكرية محدودة، و«مصافحات شكلية»، تزامناً مع تصاعد أولوية «الصفقات الاقتصادية»، ولا سيما في قطاع النفط.

في المقابل غابت المقاربة المتكاملة التي تمزج الدبلوماسية بالأمن، وبناء المؤسسات، فاعتمدت واشنطن أدوات سياسية واقتصادية مرنة، وزادت من الحضور الدبلوماسي، مع التركيز على اتصالات مباشرة عبر مسعد بولس مستشار ترمب، وصهره المخوّل بملف الشؤون الأفريقية.

الدبيبة مع قائد قوات «أفريكوم» في لقاء بطرابلس (حكومة «الوحدة» الليبية المؤقتة)

مؤشرات تعيين بولس

في مطلع ولاية إدارة ترمب، أثار تكليف بولس بمتابعة الملف الليبي آمالاً باختراق محتمل، باعتباره مؤشراً على اقتراب ليبيا من دائرة اهتمامه، غير أن حالة من الحذر ظلت قائمة، وهو ما أكدت عليه تطورات العام لاحقاً.

ويعتبر هاني شنيب، رئيس المجلس الوطني للعلاقات الأميركية-الليبية، أن «تعيين بولس شكّل مؤشراً مبكراً على محدودية الزخم الأميركي تجاه هذا الملف»، لافتاً إلى أن «مقاربة واشنطن لقضايا شمال وجنوب الصحراء ما زالت تتعامل معها بوصفها ملفات شديدة التعقيد، لكنها ليست في صدارة الأولويات».

ومع ذلك، أولى مراقبون اهتماماً بزيارة بولس إلى طرابلس وبنغازي، ولقاءاته مع قادة عسكريين في شرق ليبيا، وغربها، في يوليو (تموز) 2025، حين ناقش معهم «دعم الشراكة الأميركية–الليبية، والتعاون الاقتصادي، خصوصاً في قطاع الطاقة، وتعزيز توحيد المؤسسات الليبية، والمصالحة الوطنية».

ما ذهب إليه شنيب أكد عليه العضو السابق في مجلس الأمن القومي الأميركي، بن فيشمان، وعزا ذلك جزئياً –في حديثه لـ«الشرق الأوسط»– إلى «انشغال مستشار ترمب على نحو أكبر بملفات أخرى، مثل الحرب الأهلية في السودان».

ويلحظ شنيب أن تركيز الإدارة انصب أيضاً على الأزمة الأوكرانية، ما جعل السياسة الأميركية في ليبيا «تنضج على نار هادئة» بانتظار إنجاز ملفات أكثر أولوية من وجهة نظر واشنطن.

جانب من جلسة مجلس الأمن الأخيرة حول الأزمة السياسية في ليبيا (المجلس)

برغماتية على نار هادئة

وفق هذا التقدير، تعاملت الإدارة الأميركية مع الأفرقاء الليبيين شرقاً وغرباً ببرغماتية، وعلى «نار هادئة» وفق متابعين من دون انحياز معلن، مع تركيز واضح على «إدارة التوازن» بين القوى القائمة، أكثر من السعي إلى إحداث تغيير جذري في بنية السلطة.

كان المثال العملي على هذه المقاربة هو رعاية بولس للقاء مستشار رئيس حكومة «الوحدة» المؤقتة لشؤون الأمن القومي إبراهيم الدبيبة، ونائب قائد «الجيش الوطني» صدام حفتر، في روما، في سبتمبر (أيلول) 2025، إذ اقتصر على رعاية «مصافحات»، ومناقشة ملفات أمنية، وسياسية، وعسكرية، وطاقية، بما في ذلك مساعي تشكيل حكومة موحدة، من دون ترجمة ذلك إلى مسار سياسي فعّال.

وبحسب فيشمان، فإن «نهج ترمب في صنع السلام يقوم على المصافحة أكثر من الجوهر»، وهو –من وجهة نظره– «نمط يتكرر في أكثر من ساحة دولية، ويتوقع أن يستمر في ليبيا».

هذا «النهج البرغماتي» الأميركي، ومن منظور الباحثة الفرنسية فيرجيني كولومبييه لـ«الشرق الأوسط»: «يدفع الصراع من دون حسم، ويعزز النفوذ داخل الكتلتين المتنافستين شرقاً وغرباً، بما يفاقم توترات التحالفات المحلية، خصوصاً غرب ليبيا»، فعادة أن «أي تسوية مستدامة تتطلب مقاربة شاملة، وضمانات موثوقة، لا صفقات ضيقة بين الزعماء».

وامتدت التحركات الأميركية الحذرة إلى الملف العسكري في ليبيا، حيث تتنازع السلطة حكومتان: إحداهما في الغرب برئاسة عبد الحميد الدبيبة، والأخرى تسيطر على الشرق والجنوب بقيادة أسامة حماد، وبدعم من «الجيش الوطني» تحت قيادة المشير خليفة حفتر.

وشملت الجهود الأميركية تعزيز التنسيق الأمني عبر زيارات «أفريكوم» بقيادة داغفين أندرسون ونائبه جون برينان، ودعم مساعي توحيد المؤسسة العسكرية، بالإضافة إلى التحضير لمناورة مشتركة في سرت.

ويشير بن فيشمان إلى أن «زيارات قادة (أفريكوم) هي امتداد لجهود إدارة بايدن السابقة»، مضيفاً أن «استضافة ليبيا تمريناً أمنياً إقليمياً برعاية أميركية في سرت تعزز هذا المسار العسكري»، لكنه قال: «جوهرياً، لا توجد فوائد سياسية كبيرة من جمع الفصيلين العسكريين معاً».

اجتماع «لجنة المتابعة الدولية» بشأن ليبيا المنبثقة عن مسار برلين في طرابلس (البعثة الأممية في ليبيا)

البعد الاقتصادي

اقتصادياً، بدّلت «النار الهادئة» مسارها لا شدتها، إذ برز اهتمام أكبر بقطاع الطاقة، وشجّعت إدارة ترمب عودة الشركات الأميركية إلى السوق الليبية عبر مذكرات تفاهم، واتفاقيات لتطوير الحقول، وزيادة الإنتاج، وسط تحذيرات خبراء من هشاشة هذا المسار في ظل الانقسام المالي، وغياب إطار قانوني موحد.

تشير كلوديا غازيني، كبيرة المحللين في مجموعة «الأزمات الدولية»، لـ«الشرق الأوسط» إلى أن إدارة ترمب زادت انخراطها في ليبيا عبر وساطة مالية، واقتصادية، خاصة في ملفي الميزانية، والنفط، ما يعزز بقاء القوى الحاكمة شرقاً وغرباً. بالمقابل، تحذر كولومبييه من أن الانخراط الانتقائي المبني على مصالح تجارية «لن يحقق استقراراً دائماً، أو سلاماً مستداماً».

أما دبلوماسياً، فتجلّت سياسة «النار الهادئة» بوضوح مع استمرار الغموض في الموقف الأميركي، إذ اكتفت واشنطن بالقائم بالأعمال جيريمي برنت، من دون تعيين سفير جديد، مكرّسة إخفاق الإدارة السابقة في تثبيت جينيفير جافيتو، بما يعكس إدارة حذرة تُبقي الحضور قائماً من دون رفع مستوى الانخراط الرسمي.

النفوذ الروسي

دولياً، حضرت السياسة نفسها في تعاطي واشنطن مع النفوذ الروسي المتزايد في ليبيا، والذي تطور من وجود عناصر شركة «فاغنر» إلى «فيلق أفريقيا»، والحضور بشكل دائم في قواعد عسكرية ليبية.

وفي هذا السياق، فضّل البيت الأبيض –وفق مراقبين– انتهاج «سياسة احتواء ناعم» لحليف موسكو، خليفة حفتر، عبر تعزيز التعاون العسكري، وزيارات القادة الأميركيين إلى بنغازي، وسرت، بحسب رؤية الخبير في المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمينوف.

وسط هذه المسارات الأميركية، تتنامى تساؤلات الليبيين حول أهداف تحركات إدارة ترمب، بين دعم الانتخابات، أو الاكتفاء بصفقات مؤقتة. وينقل الباحث السياسي محمد محفوظ مخاوف من أن «تجاهل أميركا للمسار الانتخابي قد يطيل الأزمة»، مكرراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» التحذير من «تكلفة باهظة لصفقات أمنية واقتصادية سابقة على حياة الليبيين».


«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
TT

«الدعم السريع» تسيطر على مناطق حدودية مع تشاد

حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)
حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي (فيسبوك)

أعلنت «قوات الدعم السريع» إكمال سيطرتها على مناطق حدودية مع تشاد، بينها أم قمرة وأم برو، ونشرت مقاطع مصورة تُظهر انتشار قواتها هناك، في وقت لم يصدر فيه تعليق رسمي من الجيش السوداني.

وقالت «الدعم السريع» إن العملية هدفت إلى إنهاء وجود ما وصفتها بالجيوب المسلحة، ووقف أعمال انتقام وفوضى تتهم الجيش السوداني و«القوة المشتركة» المتحالفة معه بتنفيذها ضد قيادات الإدارة الأهلية ومدنيين. وأكدت نشر قوات لتأمين المدنيين والطرقات والمرافق العامة في تلك المناطق لإعادة الاستقرار.

وفي تطور آخر، تأكد مقتل قائد «الفرقة 22 مشاة» التابعة للجيش السوداني في مدينة بابنوسة، اللواء معاوية حمد عبد الله، خلال هجوم شنته «الدعم السريع» على المدينة مطلع ديسمبر (كانون الأول) الحالي. ورغم عدم صدور بيان من الجيش بشأن مقتل قائده، أفاد موقع رسمي تابع لحكومة الولاية الشمالية بأن حاكمها العسكري، عبد الرحمن إبراهيم، قدّم واجب العزاء في الفقيد بمنطقة أنقري التابعة لمحلية البرقيق.