ملفات «سجناء العشرية السوداء» ومعتقلي الحراك تعود إلى الواجهة

العفو عن الكاتب صنصال يشعل النقاش ويكسر الصمت في الجزائر

صورة مركبة للكاتب بوعلام صنصال والمحكمة التي دانته (الشرق الأوسط)
صورة مركبة للكاتب بوعلام صنصال والمحكمة التي دانته (الشرق الأوسط)
TT

ملفات «سجناء العشرية السوداء» ومعتقلي الحراك تعود إلى الواجهة

صورة مركبة للكاتب بوعلام صنصال والمحكمة التي دانته (الشرق الأوسط)
صورة مركبة للكاتب بوعلام صنصال والمحكمة التي دانته (الشرق الأوسط)

رغم حالة الغضب التي أظهرها قطاعٌ واسعٌ من الجزائريين حيال الإفراج عن الكاتب الجزائري - الفرنسي بوعلام صنصال، فإن هذا القرار سمح للنشطاء المعارضين والحقوقيين بإعادة ملف «السجناء السياسيين» إلى واجهة الأحداث، من خلال المطالبة بإصدار إجراءات عفو رئاسي تشملهم، أسوة بالعفو الذي استفاد منه الروائي السبعيني، الذي أسهم إطلاق سراحه في تخفيف حدة التوترات الدبلوماسية بين الجزائر وفرنسا، ومهّد لترتيب لقاء بين رئيسَي البلدين خلال قمة «مجموعة العشرين» المقررة الأسبوع المقبل في جوهانسبرغ.

خلّف خروج صاحب رواية «2084: نهاية العالم» من السجن، الأربعاء الماضي، هزّات ارتدادية بالنظر إلى ردود الفعل الحادة الصادرة عن الأوساط السياسية والإعلامية في البلاد. وقد سمحت هذه القضية بإعادة ملف «المساجين السياسيين» إلى واجهة الأحداث. وهؤلاء ينقسمون إلى فئتين:

الفئة الأولى: تضم نحو 160 سجيناً من الإسلاميين الموجودين في السجن منذ أكثر من 30 سنة. ويرى المتعاطفون معهم أنه طالما استفاد صنصال من عفو رئاسي، فلا مانع من أن يصدر الرئيس إجراءً مماثلاً، خصوصاً أن غالبيتهم متقدمون في السن ويعانون أمراضاً مزمنة.

لخضر بركان من مساجين فترة الاقتتال مع الإرهاب في تسعينات القرن الماضي (الشرق الأوسط)

وتشمل هذه الفئة نشطاء «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظورة منذ 1992، حيث تمت متابعتهم وسجنهم بأحكام قاسية من طرف «المحاكم الخاصة» التي استحدثت مطلع تسعينات القرن الماضي، لمعالجة ملفات الإرهاب الذي اندلع إثر تدخل الجيش لإلغاء نتائج انتخابات البرلمان التي فاز بها «الإنقاذ» نهاية 1991. ويقضي هؤلاء عقوبات طويلة بالسجن، وغالبيتهم تجاوز الستين من العمر، وتؤكد عائلاتهم أنهم أصيبوا بأمراض خلال فترة سجنهم.

وداخل هذه الفئة توجد مجموعة أخرى تتكون من 20 ناشطاً من «جبهة الإنقاذ»، تم سجنهم العام الماضي على خلفية إصدارهم بياناً ينتقدون فيه الأوضاع الاقتصادية ويحمّلون السلطة مسؤولية «القمع» الذي تشهده الحريات.

أما الفئة الثانية فتتمثل في مساجين الحراك الشعبي (نحو 200)، غالبيتهم شباب معارضون حوكموا بتهم ذات طابع سياسي مرتبطة برفضهم للظروف التي جاء فيها الرئيس عبد المجيد تبون إلى الحكم نهاية عام 2019. ويقضي معتقلو الحراك عقوبات بتهم «إضعاف معنويات الجيش» و«الإساءة إلى رموز الدولة» و«المس بالوحدة الوطنية»، والتهمة الأخيرة يشتركون فيها مع بوعلام صنصال، وعلى هذا الأساس يطالب محاموهم بإصدار عفو رئاسي لفائدتهم كما استفاد منه صنصال.

إسلام لطرش أحد معتقلي الحراك (حسابات ناشطين)

العفو الرئاسي لا ينبغي أن يميز بين المساجين

معروف أن العفو الذي أقره الرئيس عبد المجيد تبون للكاتب المثير للجدل، جاء عقب وساطة من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، وقُدّم رسمياً على أنه «خطوة إنسانية» بحكم معاناة صنصال من المرض، إلا أنّه أعاد فتح تساؤلات سياسية وأخلاقية ودبلوماسية على المستويين الداخلي والخارجي.

وعلَق المحامي سعيد زاهي، وهو من أشهر المدافعين عن مساجين الحراك في ساحات القضاء، على هذا القرار قائلاً: «بركة الرئيس الألماني حررت حتى من كانوا يخشون التلميح لسجناء الرأي، وها هم اليوم يتحدثون عن العفو علناً... كلمة من الخارج كشفت صمت الداخل».

المحامي عبد الغني بادي (الشرق الأوسط)

كما نشر المحامي الكبير عبد الغني بادي على حسابه بـ«فيس بوك»، صورة لسجين من «جبهة الإنقاذ»، وكتب: «السيد بن يمينة عبد القادر، من ولاية تيارت (غرب البلاد)، مسجون منذ 34 عاماً بموجب حكم صادر عن محكمة غير دستورية، وهي المحاكم الخاصة التي أُلغيت لاحقاً بعد الجدل الذي أثير حول شرعيتها، غير أنّ أحكامها بقيت قائمة ونافذة. السيد عبد القادر، الذي يبلغ من العمر ثمانين عاماً، يعاني من أمراض مستعصية متعددة، ولم يعد قادراً على المشي. فهل من استجابة لنداءات ابنه محمد المتكّررة، ولرجاء أحفاده، حتى يقضي ما تبقى من عمره بينهم؟».

ويرى الرئيس السابق لحزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» المعارض، الكاتب سعيد سعدي المقيم بفرنسا، أن العفو عن صنصال «كشف عن تناقض عميق: في الجزائر، الإنسانية مثل المحروقات، صالحة للتصدير»، ويقصد أن العفو جاء بعد ضغط أو اهتمام خارجي، مثل تدخل الرئيس الألماني، «وليس بالضرورة نتيجة التزام داخلي صادق بالقيم الإنسانية أو العدالة».

الرئيس السابق لحزب «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

ويوضح سعدي أن هذه الخطوة «تعكس نوعاً من التبعية الأخلاقية للضغط أو الاعتراف الخارجي»، عاداً أن «إنسانية رئيس الدولة لا ينبغي أن تُستثار من طرف رئيس أجنبي».

ورغم ترحيبه بما يمثّله الإفراج من ارتياح لعائلة صنصال، فإنه يرى فيه «مؤشراً على ضعف سياسي وضعف في القضاء الجزائري»، الذي دان صنصال بالسجن 5 سنوات مع التنفيذ، علماً بأن الكاتب اعتقل في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 إثر تصريحات له أدلى بها لمنصة إخبارية فرنسية، زعم فيها أن «أجزاء واسعة من الغرب الجزائري تتبع تاريخياً للمغرب».

كما يلفت سعدي إلى «التزامن المثير للقلق» بين إطلاق سراح صنصال والحكم بخمس سنوات سجناً على الشاب الشاعر محمد تاجديت، أحد أبرز رموز الحراك الشعبي، قائلاً: «نفس العقوبة، نفس المجتمع، مع ذلك يسلك المصيران دروباً متناقضة».

من جهته أقرّ رئيس حزب «جيل جديد»، سفيان جيلالي، بالطابع الإنساني للعفو، لكنه نبّه إلى أن «عدم تعميمه على سجناء آخرين معتقلين لأسباب أقل وطأة سيُنظر إليه كظلم بيّن». كما يؤكد أن العفو الرئاسي «لا يجب أن يُبنى على شفاعة أجنبية، ولا أن يحدث تمييزاً بين المواطنين».

القاضي المتقاعد حبيب عشي (حسابه الخاص بالإعلام الاجتماعي)

أما القاضي المتقاعد الحبيب عشي، فيرى أنه «ما دامت الدولة والسلطة العليا تحركت في إطار التوازنات الاستراتيجية وبعد النظر الدبلوماسي، فالأخذ بخاطر الدولة الألمانية (التماس عفو عن صنصال) خطوة لا بأس بها، بل قد تكون ضرورية في سياق العلاقات الدولية المتشابكة، خصوصاً إذا كانت تصب في مصلحة الجزائر وصورتها كشريك موثوق ومتزن»، موضحاً أن «الانسجام الداخلي لا يقل أهمية عن التوازن الخارجي»، لذلك يدعو إلى أن يبادر الرئيس عبد المجيد تبون «بعفو ثان يشمل باقي المدانين من النمط نفسه، من منطلق وطني خالص، حتى لا يُفهم الموقف الرسمي على أنه كيل بمكيالين. فمثل هذه الخطوة ستكون رسالة قوة سياسية وأخلاقية، تُظهر أن الدولة لا تخضع للضغوط، بل تتصرف من موقع الثقة والعدل، وأن المصالحة الوطنية ليست ظرفية بل نهج دائم يترجم في الأفعال لا في الأقوال».


مقالات ذات صلة

الجزائر: ارتفاع مقلق للوفيات نتيجة الجرعات الزائدة من المخدرات

شمال افريقيا مخدرات صادرها الجيش الجزائري بالحدود (وزارة الدفاع)

الجزائر: ارتفاع مقلق للوفيات نتيجة الجرعات الزائدة من المخدرات

أكدت بيانات معهد الأدلة الجنائية للدرك الوطني الجزائري حدوث تحول كبير في نمط تعاطي المخدرات، والمؤثرات العقلية في البلاد.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الصحافي الفرنسي كريستوف غليز (أ.ف.ب)

ماكرون يبدي «قلقاً بالغاً» لإدانة صحافي فرنسي في الجزائر

أعلن قصر الإليزيه، الخميس، أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «تلقى بقلق بالغ نبأ الحكم بالسجن على الصحافي الفرنسي كريستوف غليز في الجزائر».

«الشرق الأوسط» (باربس)
شمال افريقيا الصحافي الفرنسي المسجون في الجزائر (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

محاكمة صحافي تضع التقارب الجزائري - الفرنسي تحت «اختبار عسير»

شهد محيط محكمة مدينة تيزي وزو شرق العاصمة الجزائرية، الأربعاء، أجواء غير عادية بسبب محاكمة صحافي فرنسي تطالب بلاده بالإفراج عنه.

العالم العربي صورة مركبة بمناسبة تهنئة رئيس الحكومة الإسبانية الرئيس الجزائري بإعادة انتخابه في 2024 (الرئاسة الجزائرية)

حكومة إسبانيا تسعى لإعادة التوازن في علاقاتها بالجزائر

تحضّر إسبانيا لاستقبال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، في ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في أول زيارة له منذ توليه الحكم عام 2019.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
رياضة عربية مجيد بوقرة مدرب المنتخب الجزائري (كاف)

بوقرة مدرب الجزائر: مباراة السودان صعبة

أكد مجيد بوقرة، مدرب المنتخب الجزائري لكرة القدم، جاهزية فريقه لمواجهة نظيره السوداني، الأربعاء، على «استاد أحمد بن علي» في الجولة الأولى من منافسات المجموعة.

«الشرق الأوسط» (الدوحة )

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
TT

بريطانيا تنهي تقييد حركة ناشط مصري تصدى لـ«حصار السفارات»

أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)
أحمد عبد القادر (ميدو) رئيس اتحاد شباب المصريين في الخارج (صفحته على فيسبوك)

أنهت السلطات البريطانية تقييد حركة رئيس «اتحاد شباب المصريين في الخارج»، أحمد عبد القادر (ميدو)، الذي سبق توقيفه على ذمة اشتباكات أمام السفارة المصرية في لندن خلال تصديه لما عرف بحملة «حصار السفارات المصرية بالخارج»، في أغسطس (آب) الماضي.

وأعلن الشاب المصري عبر حسابه على «فيسبوك»، الخميس، «إلغاء قرار منعه من السفر وتحديد إقامته والمراقبة، واتخاذه قرار بالعودة إلى مصر»، مشيراً إلى إسقاط غالبية التهم الموجهة ضده، فيما تتبقى أمامه قضية واحدة مرتبطة بـ«تهديد المتظاهرين» ستنظر في أغسطس 2026.

وترجع وقائع القضية إلى إيقاف ميدو من جانب الشرطة البريطانية برفقة نائبه أحمد ناصر عدة ساعات على خلفية الاشتباك مع محتجين مصريين وعرب أمام سفارة مصر في لندن اتهموا خلالها السلطات المصرية بمنع إدخال المساعدات إلى قطاع غزة، قبل الإفراج عن الموقفين إثر اتصال بين وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي ومستشار الأمن القومي البريطاني جوناثان باول.

ورغم عودة ناصر بعدها إلى مصر على الفور، ظل ميدو ممنوعاً من مغادرة بريطانيا لحين نظر المحكمة في قضيته التي بدأت في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، واستكملت في جلسة الخميس الرابع من ديسمبر (كانون الأول).

ومنذ نهاية يونيو (حزيران) الماضي، شهدت سفارات وبعثات دبلوماسية مصرية حول العالم احتجاجات ومحاولات «حصار وإغلاق»، بدعوى مطالبة القاهرة بفتح «معبر رفح» على الحدود مع غزة، وإيصال المساعدات لأهالي القطاع الذين يعانون «التجويع»، وذلك رغم تأكيدات مصرية رسمية متكررة على عدم إغلاق المعبر من الجانب المصري، وأن منع دخول المساعدات يعود للقوات الإسرائيلية المسيطِرة على الجانب الفلسطيني من المعبر.

وقال مسؤولون وبرلمانيون مصريون إن حصار السفارات المصرية في الخارج يأتي ضمن «حملات تحريضية» تدبرها جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة في مصر، بهدف «تشويه الدور المصري في دعم القضية الفلسطينية».

وفي رسالته على «فيسبوك»، الخميس، وجه ميدو الشكر إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية عبد العاطي الذي قال إنه لم يتأخر عن الوقوف بجانبه خلال الفترة الماضية.

جانب من استقبال الشاب المصري أحمد ناصر بعد عودته من لندن في أغسطس الماضي (صفحته على فيسبوك)

وقال نائبه ناصر لـ«الشرق الأوسط» إن هناك بلاغات متبادلة بينهما واثنين ممن هاجموا السفارة وإنها ستُنظر أمام القضاء في مايو (أيار) المقبل، بينما ستُنظر بلاغات أخرى مقدمة ضد ميدو في أغسطس، متوقعاً الحصول على براءة من الادعاءات التي ينظرها القضاء البريطاني كونها «احتوت على معلومات غير صحيحة».

وأضاف: «ميدو لا يواجه أي مشكلات قانونية في العودة إلى بريطانيا خلال الفترة المقبلة»، مشيراً إلى أنه سيعود معه لاستكمال مشاريعهما ونشاطهما التجاري مع استمرار سريان إقامتهما الدائمة.

وعَدَّ عضو مجلس النواب مصطفى بكري القرار البريطاني «متوقعاً» ويعكس نجاح جهود الدبلوماسية المصرية في الدفاع عن المواطنين المصريين بالخارج.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ميدو لم يرتكب أي جريمة يعاقَب عليها، وإنما الجريمة هي التي ارتكبها المتطرفون الذين ذهبوا إلى السفارة لمحاصرتها».


عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
TT

عشرات «الطعون» الجديدة تلاحق انتخابات «النواب» المصري

مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)
مصريون يستعدون لدخول أحد مراكز الاقتراع في انتخابات مجلس النواب (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)

تلاحق عشرات الطعون القضائية نتائج المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب المصري، لتضاف إلى سلسلة الطعون التي رافقت المرحلة الأولى، وأدت إلى إعادة الانتخابات في عدة دوائر، وسط جدل سياسي حول إجراءات الاستحقاق البرلماني.

وصوت المصريون، الخميس، في اليوم الثاني (الأخير) للانتخابات في الدوائر الـ19 الملغاة، بالإضافة إلى دائرة إعادة بالفيوم، ضمن المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب.

وجرت عمليات التصويت في 1775 لجنة فرعية على مستوى الـ20 دائرة في 7 محافظات، والتي يتنافس فيها 455 مرشحاً على 43 مقعداً.

وتوالت الطعون على المحكمة الإدارية العليا ضد قرارات الهيئة الوطنية للانتخابات بإعلان نتائج الجولة الأولى للمرحلة الثانية، حيث بلغ عددها حتى منتصف اليوم 200 طعن من مختلف المحافظات المشمولة بالمرحلة، وفق وسائل إعلام محلية.

وتحفظت الهيئة الوطنية للانتخابات عن التعليق على هذا العدد من الطعون، فيما قال المستشار أحمد بنداري، مدير الجهاز التنفيذي بالهيئة الوطنية للانتخابات، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الهيئة ما زالت تنتظر نهاية يوم الخميس، وهو آخر موعد قانوني لتقديم الطعون، وفق الجدول الزمني المعتمد».

وأوضح مصدر قضائي مصري أن الدائرة الأولى بالمحكمة الإدارية العليا ستبدأ فحص ملفات الطعون، وحددت الجلسة الأولى لنظرها في 7 ديسمبر (كانون الأول) الحالي. كما يحق للمرشحين غير الفائزين التقدم بطعونهم خلال 48 ساعة من إعلان النتيجة.

لقطة من أمام إحدى اللجان الانتخابية بمحافظة الجيزة (المنظمة المصرية لحقوق الإنسان)

ونظراً لتزايُد الطعون المرتبطة بالمرحلة الثانية للانتخابات، يرجح أستاذ القانون الدستوري عبد الله المغازي احتمال إعادة الانتخابات في عدد من دوائر المرحلة الثانية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن هذا الاحتمال «يتوقف على طبيعة الأسباب التي يستند إليها المرشحون في طعونهم، ومدى اقتناع المحكمة بصلابة الحجج القانونية المقدَّمة».

وشدّد المغازي على أن المحكمة تعتمد معياراً رئيسياً يتمثل في التحقق من سلامة العملية الانتخابية، وضمان الالتزام الصارم بالأطر القانونية المنظمة لها قبل إصدار أي قرار بإعادة الاقتراع.

وتوزعت الطعون على المرحلة الثانية للانتخابات على 10 محافظات هي: القاهرة، والدقهلية، والقليوبية، والشرقية، وكفر الشيخ، والغربية، وشمال سيناء، والمنوفية، والإسماعيلية، ودمياط، بحسب وسائل إعلام محلية.

يأتي هذا وسط حالة من الجدل السياسي والقانوني، عقب سلسلة المخالفات التي رافقت التصويت في المرحلة الأولى للانتخابات البرلمانية، ودفعت الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى مطالبة الهيئة الوطنية للانتخابات بمراجعة التجاوزات.

وبعد إلغاء نتائج 19 دائرة في سبع محافظات دفعة واحدة، أصدرت المحكمة الإدارية العليا قرارات أبطلت فيها نتائج 30 دائرة أخرى؛ لتقفز نسبة الدوائر الملغاة في النظام الفردي إلى ما يتجاوز 60 في المائة.

وتؤكد الهيئة الوطنية للانتخابات أن الإجراءات المتخذة لتصحيح المسار «تعكس قوة مجلس النواب المقبل»، وفقاً للمستشار بنداري الذي قال في تصريحات متلفزة إن كل الإجراءات القانونية والرقابة القضائية اتُّخذت لضمان أن يكون المجلس منتخباً بإرادة الناخبين.

لكن الكاتب الصحافي عبد الله السناوي يرى أن حجم الدوائر الملغاة والأحكام القضائية التي انتقدت امتناع الجهة المشرفة عن تقديم محاضر الفرز في المرحلة الأولى، «لا يمكن اعتبارهما مجرد خلل إجرائي عابر».

وقال في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن الطعون المتزايدة وإعادة الانتخابات في هذا العدد الكبير من الدوائر «ليستا دليلاً على تصحيح المسار، بل هما مؤشر على اضطراب أعمق في البيئة القانونية والتنظيمية»، مشدداً على أن أنصاف الحلول «لا تبني شرعية مستقرة للبرلمان»، ودعا إلى «إصلاح عميق للبنية القانونية للانتخابات، وفتح المجال العام، وإطلاق الحريات السياسية؛ كخطوة أولى لإصلاح هذا المشهد».

ومن المقرر إعادة التصويت في الدوائر الثلاثين الملغاة بحكم «الإدارية العليا» للمرحلة الأولى، بحيث تُجرى الجولة الأولى يومي 8 و9 ديسمبر الحالي للمصريين بالخارج، ويومي 10 و11 ديسمبر للداخل، على أن تعلن النتيجة يوم 18 من الشهر.

وفي حالة الإعادة، تُجرى الانتخابات في الخارج يومي 31 ديسمبر و1 يناير (كانون الثاني)، وفي الداخل يومي 3 و4 يناير، وتُعلن النتيجة النهائية يوم 10 يناير.


تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
TT

تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)
سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

صعّدت إثيوبيا لهجتها ضد مصر على خلفية نزاع «سد النهضة»، متهمة إياها بالسعي إلى «احتكار نهر النيل» استناداً لاتفاقيات أُبرمت خلال «الحقبة الاستعمارية»، وعرقلة المفاوضات بين البلدين، وهو ما عدَّه خبراء ومحللون «لغة تصعيدية» قد تضاعف الخلافات القائمة.

وفي بيان صدر، الأربعاء، قالت الخارجية الإثيوبية إن المسؤولين المصريين «يدَّعون احتكار مياه النيل تحت ذريعة معاهدات تم إبرامها خلال الحقبة الاستعمارية». وأثار البيان حفيظة المصريين.

ورغم استمرار المفاوضات بين البلدين بمشاركة السودان لأكثر من 12 عاماً بحثاً عن التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم بشأن بناء «سد النهضة» وتشغيله، اتهم البيان الإثيوبي مصر بـ«عرقلة المفاوضات»، ودعت أديس أبابا الجهات المعنية إلى إدانة ما وصفته بـ«السلوك غير المسؤول من جانب مصر بالتظاهر بالانخراط في التفاوض والحوار دون جدوى».

وصدر البيان بعد ساعات من تحذير وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي من «الممارسات الإثيوبية غير المسؤولة» على حوض نهر النيل الشرقي، مؤكداً خلال مؤتمر صحافي في برلين مع وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول، الثلاثاء، أنها «تُشكل خطراً داهماً على مصالح مصر المائية وأمنها القومي».

مؤتمر صحافي بين وزيري الخارجية المصري بدر عبد العاطي والألماني يوهان فاديفول الثلاثاء تحدث فيه عن موقف مصر من سد النهضة (الخارجية المصرية)

وكانت إثيوبيا قد افتتحت سد النهضة رسمياً في سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد 14 عاماً من بدء أعمال البناء، وهو أكبر سد لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا.

واتفق خبراء مصريون في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» على أن بيان إثيوبيا «حمل لغة تصعيدية» قد تضاعف من خلافات البلدين فيما يتعلق بالتعامل مع الملف المائي، ويفتح الباب أمام إقدام القاهرة على اتخاذ إجراءات قانونية إزاء ما تراه عدم التزام بالقوانين المنظمة لاستخدامات المياه في الأنهار الدولية، دون استبعاد أي حلول حال تعرض مصالحها للضرر.

وأبدت إثيوبيا من خلال البيان تمسكها بما تعده حقها في «استخدام مواردها المائية»، مؤكدة أنها «غير ملتزمة مطلقاً بأن تطلب الإذن من أي جهة لاستخدام الموارد الطبيعية الموجودة داخل حدودها».

والنيل الأزرق الذي بنت عليه إثيوبيا «سد النهضة» هو المنبع الرئيسي لنهر النيل في مصر.

القانون الدولي

وقال رئيس لجنة الشؤون الأفريقية في مجلس النواب المصري، شريف الجبلي، إن البيان «تجاوز الأعراف الدبلوماسية، ويزيد صعوبة العودة إلى الحوار البناء بين إثيوبيا ومصر والسودان».

وأضاف: «البيان لا يعترف بالاتفاقيات المعمول بها سابقاً بشأن الحقوق المائية التاريخية لدولتي المصب، ويتجاوز قوانين إدارة الأنهار الدولية التي تنص على الاستخدام العادل والمعقول للمياه».

وأكد في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن البيان «يتجاهل مسألة عدم الإضرار بالدول الأخرى، وهو ما يشير إلى إصرار إثيوبيا على اتخاذ موقف أحادي بشأن استخدامات مياه النهر، ما يفتح الباب أمام إقدام مصر على اتخاذ إجراءات قانونية لمواجهة انتهاكات القانون الدولي».

وتابع قائلاً: «لدى مصر حقوق تاريخية وقانونية لا يمكن تجاهلها»، مشيراً إلى أن البيان الإثيوبي «يهدد الأمن المائي، ويتطلب خططاً استراتيجية تعمل على مواجهة أي تصعيد غير محسوب في قضية المياه قد يضر بالأمن في منطقة القرن الأفريقي».

رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لدى افتتاحه سد النهضة (الخارجية الإثيوبية)

وتتمسَّك القاهرة بما تعده «الحق التاريخي» لها في مياه النيل وفقاً لاتفاقيات دولية تضمن لها حصة تقدر بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه.

وأكد الجبلي أهمية استمرار المطالبات المصرية بتطبيق القانون الدولي والتوصل إلى اتفاق قانوني بشأن «سد النهضة» بإشراف جميع الأطراف الدولية بما فيها الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، «لضمان إدارة الموارد المائية بشفافية واستحداث آلية مراقبة مشتركة تتضمن الرقابة التقنية الدقيقة لتتبع تدفقات مياه النيل ومنع الإجراءات الأحادية».

الخيارات المتاحة

مساعد وزير الخارجية المصري لشؤون السودان السابق، حسام عيسى، قال إن البيان الإثيوبي جاء رداً على النشاط الدبلوماسي المصري الرافض لتصرفات أديس أبابا «الأحادية» بشأن تشغيل السد، «التي أدت إلى فيضانات في السودان وصلت تأثيراتها إلى مصر».

وقبل أيام فندت وزارة الري المصرية إجراءات إثيوبيا التي أدت إلى «عدم انتظام تصريف المياه»، ما دفعها إلى إعلان إجراءات حمائية لاستيعاب المياه الزائدة.

وقال عيسى لـ«الشرق الأوسط»: «مصر تضع الآن جميع أوراقها على الطاولة، ولديها الوسائل المتاحة كافة لحماية مصالحها وأمنها المائي، ولن تقبل بنقص قطرة مياه واحدة، وسعيها إلى تجنب المشاكل والصراعات لا يعني عدم سلكها الطرق كافة التي تضمن أمنها».

وأضاف: «الخلاف المصري مع إثيوبيا يتركز في نهجها القائم على عدم وضع اعتبار للأضرار التي قد يتعرض لها جيرانها، سواء كان ذلك بشأن سد النهضة أو سعيها إلى الوصول لمنفذ بحري على البحر الأحمر».

ويرى الخبير في الشأن الأفريقي، رامي زهدي، أن مصر يمكنها التحرك لحفظ الحقوق المائية عبر استخدام «الوسائل الدبلوماسية، أو اللجوء إلى المحاكم الدولية، أو استخدام وسائل خشنة حالة الضرورة».

وأوضح في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن حالات الضرورة تتمثل في «وجود مهددات لاستقرار الدولة المصرية، أو التأثير سلباً على الأمن في منطقة البحر الأحمر، أو الاستمرار في إجراءات تهديد الأمن المائي عبر تصريف كميات هائلة من المياه بما يشكل خطراً داهماً أو شح المياه».

وسبق أن أعلنت مصر انتهاء مسار التفاوض بشأن السد، متهمة إثيوبيا بالتعنت وإفشال المفاوضات، مؤكدة أنها تحتفظ بحقها في الحفاظ على مصالحها الوجودية وفقاً للقانون الدولي، على أساس أن نهر النيل شريان الحياة في البلاد ومصدرها الوحيد للمياه.