أكدت مصر «أهمية سرعة التوصل إلى هدنة إنسانية فاعلة تُمهد لوقف شامل لإطلاق النار في السودان»، وذلك بعد أيام من سيطرة «قوات الدعم السريع» على مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور في غرب السودان.
جاء ذلك خلال اتصالين هاتفيين تلقاهما وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، الخميس، من كبير مستشاري الرئيس الأميركي مسعد بولس، ووكيل السكرتير العام للأمم المتحدة توم فليتشر، تناولا تطورات الأوضاع في السودان.
كما تناولت محادثات جمعت بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ونظيره الإريتري أسياس أفورقي، الخميس، في القاهرة «سبل إنهاء الحرب في السودان، وضرورة دعم مؤسسات الدولة الوطنية، وفي مقدمتها القوات المسلحة السودانية، ورفض أي محاولات لإنشاء كيانات موازية».
وكانت «قوات الدعم السريع» بالسودان قد أعلنت، الأحد الماضي، سيطرتها على الفرقة السادسة في مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور بعد معارك وصفتها بـ«الضارية». وفي المقابل، قال رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، إن قيادة الجيش في الفاشر «قررت مغادرة المدينة لِما تعرضت له من تدمير وقتل ممنهج للمدنيين».
وتعددت الاتصالات التي أجراها وزير الخارجية المصري مع مسؤولين دوليين خلال الساعات الماضية، والتقى، الأربعاء، في القاهرة، وزير الخارجية السوداني محيي الدين سالم، في ظل مساعٍ حثيثة للوصول إلى حلول تقود إلى هدنة إنسانية والتعامل مع الأوضاع المتردية في دارفور بعد انسحاب الجيش السوداني من مدينة الفاشر.

وبحسب بيان صادر عن «الخارجية المصرية»، الخميس، فقد تضمن الاتصال الهاتفي مع توم فليتشر «تبادلاً للرؤى بشأن سبل تعزيز الاستجابة الدولية للأزمة الراهنة، وضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى الفئات (الأكثر تضرراً)». كما أشار فليتشر إلى «اعتزامه تقديم إحاطة لمجلس الأمن حول الانتهاكات السافرة التي يشهدها السودان».
وأكد المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير تميم خلّاف، لـ«الشرق الأوسط» أن «مصر تتابع عن كثب التطورات الأخيرة في السودان، وتكثف من اتصالاتها مع الأطراف كافة بهدف الدفع نحو وقف فوري لإطلاق النار وتهيئة بيئة مواتية للحوار السياسي الشامل، بما يجنب الشعب السوداني مزيداً من المعاناة».
وأوضح خلّاف أن «القاهرة تعزز جهودها الإنسانية لتقديم الدعم والإغاثة للمتضررين، وتعمل على تنسيق المساعدات عبر المنافذ الحدودية، بالتعاون مع الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية»، مضيفاً: «هناك ثوابت تدعو مصر من خلالها لضرورة الحل السلمي للأزمة السودانية عبر حوار وطني جامع يحقق تطلعات الشعب السوداني في الأمن والتنمية والاستقرار».

وشدد عبد العاطي خلال اتصاله، الخميس، مع مسعد بولس على «ضرورة الالتزام بتنفيذ بيان (الرباعية الدولية) الصادر في 12 سبتمبر (أيلول) الماضي، وأهمية سرعة التوصل إلى هدنة إنسانية فاعلة تمهد لوقف شامل ودائم لإطلاق النار، وتؤسس لعملية سياسية شاملة يقودها السودانيون أنفسهم».
وتضمّن البيان الصادر عن «المجموعة الرباعية»، وتضم السعودية ومصر والإمارات والولايات المتحدة، أنه «لا يوجد حل عسكري يمكن تطبيقه لإنهاء النزاع»، وطالب أطراف النزاع بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، ودعا لهدنة إنسانية لمدة ثلاثة أشهر بشكل مبدئي، مع إطلاق عملية انتقال شاملة وشفافة خلال تسعة أشهر من بدء وقف إطلاق النار.
وبحسب مصدر مصري مطلع، فإن القاهرة تستهدف تسريع تطبيق مسار «الرباعية» على أرض الواقع من خلال هدنة مبدئية لمدة ثلاثة أشهر، على أن يعقبها هدنة أخرى تصل إلى ستة أشهر تنتهي بوقف إطلاق النار بشكل كامل.
وأشار المصدر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إلى أن مصر تدعم استمرار «المسار العسكري» عبر «منبر جدة» من خلال انسحاب «قوات الدعم السريع» من المناطق المدنية ودمجها في صفوف الجيش أو الشرطة.

وأوضح المصدر المطلع أن دعوة جميع المكونات السياسية لحوار شامل تهدف للتوصل إلى تفاهمات بين القوى المدنية على إدارة المرحلة الانتقالية بواسطة حكومة مدنية تتشكل من كفاءات. وأضاف: «كان ذلك تصوراً للقاء الذي عقدته مصر في يوليو (تموز) من العام الماضي، ومن المتوقع دعوة الحكومة السودانية المعترف بها دولياً».
واستضافت مصر العام الماضي مؤتمر «القوى السياسية والمدنية السودانية»، تحت شعار «معاً لوقف الحرب»، بهدف «تقديم رؤى لإنهاء النزاع»، وذلك بحضور ممثلين لمنظمات إقليمية ودولية، ودبلوماسيين من دول أفريقية وعربية وأوروبية، وغاب عنه في ذلك الحين ممثلون عن الحكومة السودانية و«قوات الدعم السريع».
وشارك في المؤتمر عدد من الأحزاب والكيانات السياسية السودانية، أبرزها مكونات تجمع «الميثاق الوطني»، الذي يضم تجمعَي «الكتلة الديمقراطية» و«قوى الحراك الوطني»، بجانب «مكونات تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية» (تقدم)، قبل أن تنقسم الآن إلى «تحالف القوى المدنية والديمقراطية» (صمود) الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، وتحالف «السودان التأسيسي» الذي يتحالف الآن مع «قوات الدعم السريع»، وطيف واسع من الأحزاب السودانية مثل «حزب الأمة» و«الحزب الاتحادي».




