حدد البنك المركزي الجزائري، في تقرير حديث، الوسائل المُستخدمة في تبييض الأموال، وصنف القطاعات الأكثر هشاشة، مؤكداً أن الاستثمار العقاري هو وجهة مفضلة لعائدات الأنشطة الخارجة عن القانون.
وتضمن التقرير، الذي تناولته وسائل إعلام محلية، «تقييم المخاطر القطاعية المتعلقة بغسل الأموال، وتمويل الإرهاب»، وحدد الوسائط التي تستغل في عمليات الغسل، والقطاعات الأكثر عرضة للخطر، حيث يبين أن عائدات العديد من الأنشطة غير القانونية تُغسل في قطاع العقار بشكل خاص.

ويهدف هذا التقييم، حسب التقرير، إلى «تعزيز نهج الرقابة القائم على المخاطر، الذي يعتمده بنك الجزائر، تماشياً مع توصيات مجموعة العمل المالي الدولية»، التي أدرجت الجزائر ضمن «القائمة الرمادية» في أكتوبر (تشرين الأول) 2024، وهي لائحة تضم البلدان الأقل التزاماً بمحاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأوضح التقرير أن الاقتصاد غير الرسمي في الجزائر يمثل ما بين 30 في المائة و35 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، «وهو ما يؤدي إلى خسائر ضريبية كبيرة، ويحدث منافسة غير عادلة تجاه القطاع الرسمي». كما يعد هذا الاقتصاد، وفقاً لما ذكره بنك الجزائر، «عاملاً يزيد من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب»، مشيراً إلى أن هذا الاستنتاج مدعوم بتقارير صادرة عن منظمات دولية، مثل صندوق النقد الدولي، و«مجموعة العمل المالي» التي تتبع إلى «مجموعة الـ7».

وصنف التقرير الفساد بوصفه «إحدى الجرائم الأساسية الأكثر إثارة للقلق»، كما حدد أشكال العائدات الناتجة عن الفساد، والتي تشمل النقود السائلة والممتلكات الثمينة والعقارات، والمركبات. وغالباً ما يتم توليد هذه العائدات داخل الجزائر، ثم تغسل محلياً أو تُحول إلى بلدان أو مناطق تعتبر بيئتها القانونية والتنظيمية ضعيفة أو غير شفافة، حسب البنك المركزي، الذي أشار إلى أن النظام المصرفي «لا يستخدم كثيراً في عمليات الغسل المباشر للأموال، إلا أن القطاع المالي معرض بشكل غير مباشر، خصوصاً من خلال قطاع العقار».
وكشف التقرير عن وجود «عمليات شراء عقارات عبر مروجين، يعمد فيها الجناة إلى إخفاء هوياتهم للتحايل على أنظمة الرقابة. كما تم رصد عدد من الدول الأجنبية التي تُستخدم كوجهات للتهرب والغسل، مما يزيد من خطر تدفقات مالية غير مشروعة عبر الحدود»، من دون ذكر أسماء هذه البلدان.
ورغم التهديدات المتعددة، يبقى التهرب الضريبي التهديد الأساسي، حسب تقرير المؤسسة المالية الأولى في البلاد، حيث شكل 35.1 في المائة من عمليات الحجز والمصادرة ما بين 2019 و2023. ويتجلى التهرب الضريبي في أشكال متعددة؛ أبرزها التصريح المنقوص عن الدخل. أما القطاعات الأكثر تضرراً من هذه الممارسات فهي الاستيراد والبناء والأشغال العمومية، والعقارات والتجارة.

كما أكد التقرير أن عائدات التهرب الضريبي «تغسل بشكل متكرر من خلال الاستثمار في العقارات، وشراء السلع الفاخرة، واستخدام السوق الموازية لتحويل الأموال إلى عملات أجنبية، وهذا ما يجعل القطاع البنكي مهدداً بشكل مباشر؛ لأن الشركات المعنية تنجز عمليات مصرفية، ما يجعل من النظام المالي قناة محتملة لإدخال الأموال غير المشروعة إلى الدائرة الرسمية».
وإضافة إلى الفساد والتهرب الضريبي، يعرّف بنك الجزائر مصادر أخرى للمخاطر؛ أبرزها الاتجار بالمخدرات والمخالفات الجمركية والتهريب. كما يتم غسل جزء من عائدات الاتجار بالمخدرات محلياً، حسب التقرير، عن طريق استثمارها في العقارات، أو شراء السلع الفاخرة، بينما يتم تحويل الجزء الآخر إلى الخارج عبر قنوات غير رسمية، أو عن طريق المهاجرين.
أما المخالفات الجمركية فيُصنفها التقرير على أنها «تهديد متوسط الخطورة»، لما لها من تأثير مباشر على النظام البنكي. وتشمل هذه المخالفات التلاعب بالأسعار (كالتصريح الناقص أو المبالغ فيه)، والتصريحات المزيفة بخصوص العملات، وحيازة أو نقل سلع ممنوعة أو خاضعة لتنظيمات خاصة، مشيراً إلى أن الجهات الرئيسية المتورطة تنتمي إلى قطاعات: الصناعات الغذائية والنسيج والإلكترونيات وقطع الغيار.
ويستنتج من التقرير أن «تأثير التهديدات على النظام البنكي الجزائري يظل محدوداً نسبياً؛ إذ يعد التهرب الضريبي والمخالفات الجمركية من بين أبرز العوامل التي تؤثر عليه بشكل مباشر».
أما بالنسبة لقطاع البريد، فيعد «الأكثر تعرضاً للمخاطر، بسبب اتساع شبكة فروعه، وخامة حجم عملياته وتنوع زبائنه، وضعف آليات الرقابة الداخلية».

وكان البنك المركزي قد أصدر في بداية العام تعليمات تحظر الحسابات الوهمية، وتلزم المؤسسات المالية بدور نشط في مكافحة بالفساد، وذلك في سياق دعم جهود البلاد للخروج من «القائمة الرمادية» بحلول 2026. ورغم كل هذه التدابير، أعلنت مفوضية الاتحاد الأوروبي في 10 يونيو (حزيران) الماضي، إدراج الجزائر ضمن «قائمة الدول عالية المخاطر في مجال غسل الأموال»، إلى جانب دول مثل لبنان وفنزويلا وكينيا، وذلك تماشياً مع تصنيف «مجموعة العمل المالي».




