خلافات جديدة تهدد «توافق» مجلسي النواب و«الدولة» في ليبيا

رفض برلماني لـ«تجزئة المناصب السيادية»

صورة وزعها المجلس الأعلى للدولة لاجتماع مجلس رئاسته برئاسة تكالة
صورة وزعها المجلس الأعلى للدولة لاجتماع مجلس رئاسته برئاسة تكالة
TT

خلافات جديدة تهدد «توافق» مجلسي النواب و«الدولة» في ليبيا

صورة وزعها المجلس الأعلى للدولة لاجتماع مجلس رئاسته برئاسة تكالة
صورة وزعها المجلس الأعلى للدولة لاجتماع مجلس رئاسته برئاسة تكالة

أعاد احتدام الجدل حول «المناصب السيادية» والمسارات السياسية في ليبيا، وعودته إلى الواجهة مجدداً، الخلافات حول صلاحيات مجلسي النواب و«الدولة»، مما يُنذر بمواجهة مفتوحة قد تعرقل التقدم نحو تسوية متفق عليها، تفتح الطريق أمام الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المنتظرة.

محمد تكالة رئيس المجلس الأعلى للدولة (إ.ب.أ)

وشدّد اجتماع مكتب رئاسة المجلس الأعلى للدولة، برئاسة محمد تكالة، في العاصمة طرابلس، الثلاثاء، على ضرورة تسريع وتيرة عمل اللجان المختصة، ومواصلة التشاور مع الشركاء الوطنيين والدوليين، بما يخدم الاستقرار السياسي والمسار الدستوري في البلاد.

وأدرج المجلس الاجتماع في إطار متابعة مخرجات الجلسة السابقة، التي خُصصت لمناقشة تقريري لجنة تقييم ودراسة «خريطة الطريق» الأممية ولجنة «المناصب السيادية»، إضافة إلى متابعة سير العمل داخل المجلس ومخرجات تقارير اللجان. كما أعرب المجلس عن بالغ قلقه إزاء الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا، القاضي بتحصين قرارات مجلس النواب المتعلقة بتعيينات المشير خليفة حفتر، القائد العام لـ«الجيش الوطني»، وترقيات الضباط، وعدّها أعمالاً تشريعية لا تخضع للرقابة الإدارية.

وأكد بيان للمجلس، الثلاثاء، أن الرقابة على دستورية القوانين واللوائح هي اختصاص أصيل للدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، وفقاً للإعلان الدستوري وقانون تنظيم المحكمة العليا لعام 1982، مشيراً إلى أن المحكمة الدستورية المستحدثة أُنشئت بقانون مثير للجدل، يفتقد إلى التوافق السياسي، وأنه سبق أن قضت الدائرة الدستورية بعدم دستوريته.

وعدّ المجلس أن الحكم «يمثل خطراً مباشراً على وحدة السلطة القضائية، من خلال خلق ازدواجية بين المحكمة العليا وهذه المحكمة المستحدثة، كما يعكس (تسييس) المؤسسة القضائية لصالح طرف سياسي واحد، ما يهدد مبدأ التوازن بين السلطات، ويعمّق الانقسام في البلاد».

وشدّد المجلس على تمسكه بأن المرجعية الوحيدة للرقابة الدستورية في ليبيا هي الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا، مؤكداً رفضه لأي محاولات لـ«تسييس» القضاء، أو استخدامه لتكريس الانقسام.

من جلسة سابقة لأعضاء مجلس النواب الليبي بقيادة عقيلة صالح (النواب)

كما حمّل مجلس النواب مسؤولية الاستمرار في ما وصفه بـ«التشريعات الأحادية»، داعياً المجتمع الدولي وبعثة الأمم المتحدة إلى عدم الاعتراف بالمحكمة المستحدثة، ودعم وحدة القضاء الليبي واستقلاله.

وكانت المحكمة الدستورية العليا قد قضت في جلستها، المنعقدة الاثنين بمقرها في بنغازي، بقبول طلب التفسير الدستوري المقدم من أسامة حماد، رئيس حكومة الاستقرار الموازية، بشأن قرار مجلس النواب رقم 20 لعام 2015، عادّةً أن ترقية الضباط، وتعيين قائد عام للجيش الليبي، أعمال تشريعية صادرة عن البرلمان، وبالتالي تخرج عن نطاق رقابة القضاء الإداري، مما يحصن هذه القرارات من الطعن الإداري.

وبينما التزم عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، الصمت، أعلن نائبه الثاني مصباح دومة، في بيان شديد اللهجة مساء الاثنين من بنغازي (شرق)، رفضه القاطع لتجزئة ملف «المناصب السيادية»، داعياً إلى تغيير جذري في مؤسسات الدولة العليا، وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة، بوصفها الطريق الوحيد لإنهاء الأزمة الممتدة منذ سنوات.

المشير خليفة حفتر (الجيش الوطني)

وعدّ دومة أن «تغيير المناصب السيادية والسلطة التنفيذية لا يجوز أن يتم إلا ضمن حزمة واحدة متكاملة، تُقدم من مجلس الدولة إلى مجلس النواب للفصل فيها، خلال جلسة رسمية خاصة، وفقاً لما نص عليه الاتفاق السياسي الليبي».

وأوضح دومة أن «اتفاق بوزنيقة» بشأن «المناصب السيادية»، الذي كان أحد أعضاء لجنته، تم خرقه بشكل واضح عبر تعيينات مخالفة لما تم الاتفاق عليه، مؤكداً أن الاتفاق ذاته «لم يُوقع من رئاستي مجلسي النواب والدولة، ولم يُعرض للمصادقة عليه، مما يجعله غير ملزم قانونياً».

واستناداً إلى المادة (15) من الاتفاق السياسي، أكد دومة أن تسمية رؤساء المناصب السيادية من صلاحيات مجلس النواب، بالتشاور مع مجلس الدولة، بينما يختص النواب وحدهم بتعيين الوكلاء وأعضاء هذه المناصب، لافتاً إلى رفضه تجزئة هذا الملف تحت أي ذريعة، وعادّاً أن مثل هذه الممارسات تُفاقم حالة الانسداد السياسي والانقسام داخل مؤسسات الدولة.

كما دعا دومة إلى تغيير جذري في بنية المؤسسات العليا، مؤكداً أن طموح الشعب الليبي في بناء دولة مدنية ديمقراطية «يبدأ من ضمان التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات متزامنة»، مشيراً إلى أن أكثر من 2.8 مليون مواطن سجلوا في منظومة الانتخابات منذ أكثر من خمس سنوات، دون تفعيل إرادتهم الشعبية.

وخلص دومة إلى أن مجلس النواب هو «الجهة التشريعية الوحيدة المنتخبة والمخوّلة قانونياً لإصدار القرارات السيادية»، داعياً إلى إعلاء المصلحة الوطنية فوق المحاصصة السياسية والترضيات، التي عطلت قيام الدولة.

اجتماع خوري بممثلي «مؤتمر الشباب» الاثنين (البعثة الأممية)

بدورها، شدّدت نائبة رئيسة بعثة الأمم المتحدة، ستيفاني خوري، على أهمية وفاء القادة السياسيين أيضاً بمسؤولياتهم تجاه المواطنين، بما في ذلك تقديم الخدمات، والمضي قُدماً بخريطة الطريق السياسية لتوحيد المؤسسات، وإجراء الانتخابات الوطنية.

ولفتت خوري في لقائها مع ممثلي «مؤتمر الشباب»، الذي عُقد مؤخراً بمدينة الزاوية، إلى ما وصفته بالتقدم المحدود حتى الآن في استكمال الخطوة الأولى نحو الانتخابات، بعد الإحاطة المقدمة لمجلس الأمن الدولي مؤخراً، كما جدّدت التزام البعثة بإشراك الشباب، والمكونات الثقافية، والنساء والأشخاص ذوي الإعاقة، في الحوار المُهيكل المقبل لضمان سماع أصواتهم.

ونقلت خوري عن المشاركين مخاوفهم بشأن الأزمة السياسية المستمرة، وتأكيدهم على ضرورة توحيد المؤسسات وإجراء الانتخابات، وخلق وعي بين الليبيين حول حقوقهم ومسؤولياتهم بصفتهم مواطنين.


مقالات ذات صلة

اتهامات لمسلحين في طرابلس بخطف مواطنين من ترهونة بعد لقائهم حفتر

شمال افريقيا اجتماع المشير خليفة حفتر مع وفد ترهونة في الثاني من نوفمبر 2025 (الجيش الوطني الليبي)

اتهامات لمسلحين في طرابلس بخطف مواطنين من ترهونة بعد لقائهم حفتر

قالت حكومة أسامة حماد في شرق ليبيا إن القبض على عدد من مواطني ترهونة، بعد لقائهم خليفة حفتر في بنغازي، يمثل نهجاً للمجموعات المسلحة المدعومة من حكومة «الوحدة».

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا حفتر خلال استقباله وفداً من قبائل بني وليد الأحد (القيادة العامة)

حفتر يدعو مجدداً لـ«حراك سلمي» في ليبيا

اعتبر حفتر أن ليبيا «في حاجة إلى تغيير جذري بالمشهد السياسي لضمان الأمن والاستقرار ووحدة الوطن»، وأكد أن «الحل للأزمة يكمن في المسار الذي يقرره الشعب».

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا صدام حفتر خلال زيارته براك الشاطئ جنوب غربي ليبيا الاثنين (القيادة العامة)

حفتر يطلق «مبادرة تنموية» لتعزيز استقرار جنوب ليبيا

أكد صدام حفتر خلال لقائه بمشايخ وأعيان قبائل براك الشاطئ أن المبادرة تمثل «عهد عمل وإعمار يسعى إلى رفع المعاناة عن المواطنين وتحريك عجلة التنمية».

خالد محمود (القاهرة)
شمال افريقيا المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي (الجيش الوطني الليبي عبر «فيسبوك»)

حفتر: الشعب سيحسم مصير الأزمة السياسية في ليبيا بعد فشل المبادرات

قال المشير خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي، الأحد، إن كل مَن سيقف في وجه الشعب واختياراته «سيجد نفسه في مواجهة القوات المسلحة».

«الشرق الأوسط» (بنغازي)
شمال افريقيا حفتر يؤكد أن قوات الجيش «ستضمن أي اتفاق يجمع الليبيين» (القيادة العامة)

حفتر يتعهّد بمساندة «الخيارات السياسية» للشعب الليبي

يرى المشير خليفة حفتر أن قواته المسلحة ليست هي التي تتخذ القرار الحاسم بشأن الأزمة السياسية في ليبيا؛ بل تقف دائماً إلى جانب الشعب الليبي في خياراته.

خالد محمود (القاهرة)

مسار مرهق لأكثر من 770 كيلومتراً: نازحون من الفاشر يروون ما كابدوه

اضطرّ بعضهم إلى السير مسافة 770 كيلومتراً من عاصمة ولاية شمال دارفور إلى مخيم في مدينة الدبة في شمال السودان (أ.ف.ب)
اضطرّ بعضهم إلى السير مسافة 770 كيلومتراً من عاصمة ولاية شمال دارفور إلى مخيم في مدينة الدبة في شمال السودان (أ.ف.ب)
TT

مسار مرهق لأكثر من 770 كيلومتراً: نازحون من الفاشر يروون ما كابدوه

اضطرّ بعضهم إلى السير مسافة 770 كيلومتراً من عاصمة ولاية شمال دارفور إلى مخيم في مدينة الدبة في شمال السودان (أ.ف.ب)
اضطرّ بعضهم إلى السير مسافة 770 كيلومتراً من عاصمة ولاية شمال دارفور إلى مخيم في مدينة الدبة في شمال السودان (أ.ف.ب)

روى نازحون سودانيون من جميع الأعمار لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» المسار المرهق الذي اضطروا إلى سلوكه في أثناء فرارهم من العنف في الفاشر، ويتحدّثون عن الجوع والعطش والجثث المتناثرة على الطريق، ونقاط التفتيش وعمليات التفتيش الوحشية ومشاهد العنف.

اضطرّ بعضهم إلى السير مسافة 770 كيلومتراً من عاصمة ولاية شمال دارفور، إلى مخيم في مدينة الدبة في شمال السودان.

وفي المجموع، نزح نحو 100 ألف مدني من الفاشر ومحيطها، بعدما استولت «قوات الدعم السريع» على المدينة التي شكّلت آخر معاقل الجيش في دارفور في 26 أكتوبر (تشرين الأول)، وفقاً لآخر تقديرات الأمم المتحدة.

ولجأ نحو 50 ألفاً منهم إلى مخيّم الدبة، وفقاً للسلطات الموالية للجيش.

وأسفرت الحرب المندلعة منذ أبريل (نيسان) 2023، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان، و«قوات الدعم السريع» بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو (حميدتي)، عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح ما يقرب من 12 مليون شخص.

ووصلت المفاوضات بشأن التوصل إلى هدنة إلى طريق مسدود منذ أشهر، مع سعي الجانبين إلى تعزيز مواقعهما على الأرض، وتثبيت شرعيتهما للسيطرة على البلاد.

زهرا: «ناس ميتون»

«وصلنا منتهين. قلنا إنّنا سنموت، لا ماء ولا أكل. الشارع صحراء... منذ خروجنا حتى وصولنا (إلى مخيّم) الدبة، (احتجنا) 16 يوماً... الناس ميتون في الشوارع والناس راقدون في الشوارع».

حسين: «مثل أفلام الرعب»

«بمجرد مغادرتنا للفاشر، بدأت حياة لا إنسانية. على بعد كيلومتر واحد من الفاشر، صوّب رجل مسدساً نحونا. (...) وهنا بدأت عمليات التفتيش والإهانات.

أخذوا القروش والتلفون والذهب. فتّشوا النساء تفتيشاً رهيباً... واحدة من البنات قالت عندي الدورة... ولكن دون جدوى.

الطريق مخيف. كانت الجثث في كل مكان. جثث كبار وجثث أطفال، وملابس أناس مقتولين على الأرض. الشارع مثل الأفلام المخيفة يعني أفلام الرعب.

كان هناك حاجز تفتيش لـ(قوات الدعم السريع). أنزلونا من المركبات... أخذوا تسعة شبان جانباً، واتهموهم بأنهم جنود وبدأوا بتعذيبهم. ركلوهم على رؤوسهم».

سليمان: «كما لو كنّا لسنا بشراً»

«تحرّشوا بالنساء، يعني حتى الملابس الداخلية يزيلونها. سرقوا التلفون والقروش، كل شيء يجدونه معك.

ثمّ كانت هناك مجموعة من الشباب بعمر 25 عاماً. بدأوا بتفتيشنا كما لو كنا لسنا بشراً. سمعنا أسوأ إهانات، كلمات لا تُقال للبشر حتى.

رأينا جثث شباب على الطريق. لا نعرف كيف ماتوا.

أخذوا تقريباً كل قروشي، 40 ألف خبّأتها في بعض الأماكن، أخذوها».

محمد (12 عاماً): «أرادوا اغتصاب أخواتي»

«لم يتركونا وشأننا. أرادوا اغتصاب أخواتي. وأمي قالت لهم اغتصبوني ولا تغتصبوا بناتي. ضربونا بالحجارة وذهبنا».

مزاهر: «يتفاخرون بأنّهم أزالوا غشاء بكارة»

«نحن البنات عندما نمشي مع بعضنا نضع الحنة على أيدينا، حتى لو لم نكن متزوجات؛ لأنّ (الدعم السريع) يحبون البنات ألا تكن متزوجات، وكما يتفاخرون بالقتل يتفاخرون بأنّهم أزالوا غشاء بكارة عدد كبير من البنات، أحدهم قال أنّه وصل إلى 40 بنتاً».

كفاح: امرأة شابة «مرهقة»

«سرنا على أقدامنا (من الفاشر) وأنا حامل، لم يروا أنني أحمل ابنتي» التي وُلدت بعد وصولها إلى المخيّم بفترة وجيزة في غياب والدها الذي قُتل في أعمال العنف التي دمّرت الفاشر. أشعر بالإرهاق لقلة الطعام والماء، لم يكن لدينا ما نشربه».


السودان: مستشار بارز لدقلو ينتقد تصريحات روبيو بشأن حظر الأسلحة لـ«الدعم»

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ب)
TT

السودان: مستشار بارز لدقلو ينتقد تصريحات روبيو بشأن حظر الأسلحة لـ«الدعم»

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ب)
وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ب)

قال مستشار بارز لقائد «قوات الدعم السريع» السودانية، اليوم (الخميس)، إن تعليقات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو الداعية إلى وقف تدفق الدعم العسكري من الخارج إلى مقاتلي القوات شبه العسكرية قد تعرض الجهود العالمية الرامية إلى التوصل لوقف لإطلاق النار للخطر.

ووفقاً لوكالة الصحافة الفرنسية، كان روبيو قد كشف في مؤتمر صحافي، مساء أمس (الأربعاء)، عن ممارسة ضغوط على الدول التي تزود «قوات الدعم السريع»، التي تقاتل الجيش السوداني منذ أكثر من عامين، بالأسلحة. وندّد بالوضع الإنساني في السودان، وقال إنه «يجب القيام بشيء ما» لقطع إمدادات الأسلحة وأشكال الدعم الأخرى التي تتلقاها «قوات الدعم السريع».

وأفادت منظمات إغاثة ومسؤولون في الأمم المتحدة أن استيلاء «قوات الدعم السريع» مؤخراً على الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، خلّف مئات القتلى، وتسبب في نزوح عشرات الآلاف من السكان هرباً من الفظائع التي ارتكبتها القوات شبه العسكرية.

ووفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، أدّى القصف العنيف والهجمات البرية في الفاشر ومحيطها إلى نزوح ما يقرب من 90 ألف شخص خلال الأسبوعين الماضيين، ما أجبر العائلات على الفرار عبر طرق غير آمنة، مع انعدام شبه تام للغذاء والماء والمساعدة الطبية.

ورفض الباشا طبيق، مستشار قائد «قوات الدعم السريع» محمد حمدان دقلو، تصريحات روبيو، ووصفها بأنها «خطوة غير ناجحة» لا تخدم الجهود العالمية الرامية إلى التوصل إلى وقف إطلاق نار إنساني.


مديرة «منظمة الهجرة»: وكالات الإغاثة «أبعد ما تكون» عن تلبية احتياجات نازحي السودان

سودانيون في معسكر بتشاد ينتظرون دورهم للحصول على المياه (أ.ف.ب)
سودانيون في معسكر بتشاد ينتظرون دورهم للحصول على المياه (أ.ف.ب)
TT

مديرة «منظمة الهجرة»: وكالات الإغاثة «أبعد ما تكون» عن تلبية احتياجات نازحي السودان

سودانيون في معسكر بتشاد ينتظرون دورهم للحصول على المياه (أ.ف.ب)
سودانيون في معسكر بتشاد ينتظرون دورهم للحصول على المياه (أ.ف.ب)

قالت إيمي بوب مديرة المنظمة الدولية للهجرة إن نقص التمويل لوكالات الإغاثة يزيد من حدة الأزمة في السودان، ويجعل منظمات المساعدات عاجزة عن مساعدة كثيرين من الفارين من مدينة الفاشر في دارفور ومناطق أخرى، والذين تُقدر أعدادهم بعشرات الألوف.

وتسببت الحرب بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» شبه العسكرية، التي اندلعت في أبريل (نيسان) 2023، في ما وصفته الأمم المتحدة بأكبر أزمة إنسانية في العالم في وقت تتقلص فيه ميزانيات المساعدات العالمية.

ونزح نحو 12.5 مليون سوداني داخل البلاد وخارجها حتى منتصف أكتوبر (تشرين الأول)، بالإضافة إلى 140 ألفاً آخرين فروا منذ أن شنت «قوات الدعم السريع» هجماتها على الفاشر وبلدات في منطقة كردفان.

انخفاض حاد في التمويل

وفقاً لبيانات الأمم المتحدة، لم يتم توفير سوى أقل من 10 بالمائة من تمويل قدره 229 مليون دولار وجهت المنظمة الدولية للهجرة نداءات من أجل توفيره للسودان هذا العام. ويمثل هذا انخفاضاً بـ44 في المائة من 212 مليون دولار للعام الماضي، قبل تخفيضات المساعدات الخارجية من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب ومانحين آخرين.

سودانيون يصفّون أوعية بلاستيكية انتظاراً للحصول على مياه الشرب في معسكر للنازحين بتشاد (أ.ف.ب)

وقالت بوب لوكالة «رويترز» في مقابلة عبر رابط فيديو من السودان: «شحنا توّاً آخر 35 خيمة من المستودع. لدينا في الوقت الحالي ألفا خيمة في الجمارك، لكن إذا فكرتم في حجم الاحتياج... فهذا أبعد ما يكون» عن تلبية الاحتياجات.

وخلص تقييم للوضع في بلدة طويلة، قبل أحدث تدفق للنازحين، إلى أن 10 بالمائة فقط ممن هم بالمخيمات هناك لديهم إمكانية الحصول على المياه بشكل موثوق، وأن نسبة أقل من هؤلاء لديهم فرصة استخدام مراحيض.

والمعروف حتى الآن أن ما يقرب من 100 ألف شخص غادروا الفاشر المنكوبة بالمجاعة منذ اجتياح «قوات الدعم السريع» لها، غير أن عدداً أكبر لم يُعرف مصيرهم. وتظهر بيانات المنظمة الدولية للهجرة أن معظمهم فروا إلى مناطق في محيط الفاشر لا يمكن لوكالات الإغاثة الوصول إليها، ويرجع ذلك جزئياً إلى مخاوف تتعلق بالسلامة.

وأوضحت بوب: «ببساطة، التعامل الأولي مع الوضع غير كافٍ لتلبية الاحتياجات. وعندما لا يحصل الناس في البداية على أبسط احتياجاتهم الأساسية تزداد درجة الاحتياج».

وأضافت أن هذا الأمر يزيد من عمليات النزوح المتكررة، ومنها غرباً إلى تشاد الفقيرة وإلى بلدان أخرى مثل ليبيا التي تعد نقطة انطلاق معتادة لرحلات القوارب المحفوفة بالمخاطر عبر البحر المتوسط.

وقالت «المنظمة الدولية للهجرة»، أمس (الأربعاء)، إنه من المتوقع أن يكون 29 سودانياً قد لاقوا حتفهم بعد انقلاب قارب مطاطي كانوا يستقلونه قبالة الساحل الليبي.

محاولة الفرار تواجَه بالانتقام

لا يزال من تمكنوا من مغادرة الفاشر، بعد سقوطها في يد «قوات الدعم السريع» بعد حصار طويل، يتحدثون عن أعمال انتقامية ضد من يحاولون المغادرة.

وتقول «قوات الدعم السريع» إنها تقدم المساعدة للنازحين وتتولى رعاية الموجودين داخل الفاشر.

وقال محيي الدين بخيت، الذي فقد اثنين من أبنائه عندما استهدفت طائرة مسيّرة مكاناً لاذوا به داخل المدينة، إن مسلحين من «قوات الدعم السريع» اعترضوا المجموعة التي كان من بينها في أثناء مغادرتهم المدينة.

وأضاف متحدثاً من بلدة الدبة التي يسيطر عليها الجيش أن «قوات الدعم السريع» بدأت بثاً مباشراً على هواتفهم.

وأوضح بخيت: «أنا كنت من ضمن الناس الذين جمعونا وعملوا بنا لايف (بثاً مباشراً). كلامهم في البداية كان كلاماً جميلاً جداً جداً بأنهم سيساعدوننا، ونعمل لكم أشياء جميلة، ثم جاءت عربة من العربات المصفحة ودهست الناس».

وأضاف: «نحو 30 أو 40 من هؤلاء ماتوا في مكانهم، ونحو 18 أو 20 شخصاً كلهم جرحى... هناك ناس تكسروا وحالتهم كانت صعبة جداً جداً».

ولم يتسنَّ لوكالة «رويترز» التحقق من رواية بخيت بشكل مستقل. وقال مسؤول في «قوات الدعم السريع»، بعد أن تم الاتصال به للتعليق، إن «قوات الدعم السريع» تحقق في مثل هذه الادعاءات، «لكن هناك حملة إعلامية منظمة ضد (القوات)».

وعن فقدانه زوجته واثنين من أبنائه وعدداً من شقيقاته خلال الحرب، قال بخيت: «أنا محروق في داخلي».