عمّقت مصر وإسبانيا علاقات التعاون باتفاقية «شراكة تنموية». وأكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، الخميس، أن «زيارة ملك إسبانيا فيليبي السادس إلى مصر تحظى بمكانة خاصة، بوصفها فرصة متجددة لتأكيد التزام بلدَيْنا بتطوير وتعميق أوجه التعاون الثنائي في المجالات الاقتصادية، والاستثمارية، والتنموية».
وتحظى الزيارة الرسمية لفيليبي السادس إلى مصر باحتفاء رسمي وشعبي واسع؛ نظراً لأهميتها في تعزيز «الشراكة الاستراتيجية» بين البلدين.
كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد استقبل، الأربعاء، ملك إسبانيا وقرينته، بقصر الاتحادية الرئاسي (شرق القاهرة)، في أول زيارة رسمية يُجريها الملك فيليبي السادس لمصر منذ تولِّيه العرش عام 2014.
وقال مدبولي، خلال «الملتقى المصري الإسباني للأعمال»، الخميس، بحضور ملك إسبانيا، إننا «نؤمن بأن إسبانيا، بما تمتلكه من خبرات متقدمة في مجالات التنمية المستدامة والتكنولوجيا والابتكار، شريك رئيسي لمصر في بناء مشروعات مشتركة قادرة على المنافسة إقليمياً ودولياً»، لافتاً إلى أن «الحكومة المصرية تُجدد التزامها بتوفير البيئة التشريعية والتنظيمية الداعمة، وتقديم التسهيلات اللازمة أمام المستثمرين الإسبان الراغبين في التوسع داخل السوق المصرية».
وأضاف: «جسّد اللقاء التاريخي، الذي جمع الرئيس السيسي ورئيس وزراء إسبانيا بيدرو سانشيز، في مدريد، فبراير (شباط) الماضي، مرحلة جديدة في مَسيرة العلاقات المتميزة بين مصر وإسبانيا؛ حيث يُمثل (اليوم) إطاراً عملياً لترجمة هذه الشراكة إلى واقع ملموس يخدم مصالح شعبيْنا الصديقين».
وتضمنت زيارة السيسي إلى مدريد، في فبراير الماضي، «توقيع الإعلان المشترك لترفيع العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية»، وترتَّب عليها حينها توقيع مذكرات تفاهم في مجالات النقل، والاقتصاد، والصحة.

وتحدّث مدبولي، الخميس، على ما اتخذته مصر من خطوات واسعة في مجال الإصلاح الاقتصادي وتطوير البنية التحتية، خلال السنوات الماضية، موضحاً: «كان له أثر عملي في إزالة معوقات صعبة أمام النمو الاقتصادي، وجذب الاستثمارات الأجنبية، حيث كان أبرز هذه الخطوات تمثّل في إصدار التشريعات المطلوبة لخلق مناخ جاذب لرؤوس الأموال والاستثمارات الخارجية، بما في ذلك إجراءات رادعة لمكافحة الفساد، وإزالة المعوقات البيروقراطية، وتسهيل الإجراءات المرتبطة بتسجيل الشركات الجديدة الراغبة في العمل بالسوق المصرية في أسرع وقت مُمكن، وكذا إصدار الرخصة الذهبية، فضلاً عن العمل على تفعيل الآلية الخاصة بحل المُنازعات القائمة مع بعض الشركات العاملة في مصر».
وذكر مدبولي أن «تعاوننا الاقتصادي، اليوم، يكتسب زخماً جديداً ويفتح آفاقاً رحبة لتعزيز الشراكة بين مؤسسات ومجتمعات الأعمال في البلدين، وهُنا يبرز الدور المحوري لمجلس الأعمال المشترك بين مصر وإسبانيا كأداة رئيسية لتفعيل التعاون وإطلاق شراكات ومشروعات قادرة على دعم مسيرة التنمية في البلدين»، داعياً مجتمعَي الأعمال في مصر وإسبانيا إلى «توسيع حجم الاستثمارات المشتركة، واستكشاف مزيد من الفرص الواعدة، وبناء مشروعات مستدامة تترجم إمكاناتنا المشتركة إلى واقع ملموس».

وفي كلمته، خلال «الملتقى المصري الإسباني للأعمال»، الخميس، أكد فيليبي السادس أن «العلاقة بين إسبانيا ومصر ناضجة وديناميكية»، لافتاً إلى أنه «في عام 2024، بلغت الصادرات الإسبانية لمصر ملياراً و457 مليون يورو، بينما تجاوزت واردات إسبانيا 1.6 مليار يورو»، وهي أرقام تعكس الثقة المتبادلة، وتُظهر إمكانات أكبر للتوسع بين البلدين، مضيفاً: «لهذا نحن هنا لتحويل هذه الإمكانات إلى مشروعات ملموسة وفرص استثمارية جديدة، علاوة على تلك القائمة بالفعل، وكذا شراكات تجارية، واستثمار جديد ومستدام، وذلك بما يعود بالنفع على مجتمعاتنا».
وأشار إلى أن التوقعات إيجابية، وترى الشركات المصرية، بشكل متزايد، إسبانيا بوصفها قِبلة أساسية لتوسعات استثماراتها دولياً، حيث تُعد إسبانيا الاقتصاد الخامس عشر عالمياً، والرابع على مستوى الاتحاد الأوروبي. كما تملك إسبانيا مكانة جغرافية استراتيجية، وتُعد أيضاً نقطة اتصال متميزة بين أوروبا وأميركا اللاتينية والبحر المتوسط، وكذلك الشرق الأوسط، وهذه ميزة تتمتع بها مصر أيضاً بوصفها نقطة التقاء بين أفريقيا وأوروبا وآسيا، ويُعدّ هذا الموقع فريداً من نوعه.
وأوضح فيليبي السادس أن الشركات الإسبانية الرائدة، التي تعمل في مصر منذ عقود، قد ترسخت مكانتها، فاليوم يوجد أكثر من 60 شركة إسبانية مستقرة بمصر، وتسهم بخبراتها في تطوير علاقتنا الاقتصادية والتجارية، لافتاً إلى أن «هناك شركات مصرية أيضاً تعمل في إسبانيا، ويعكس هذا مدى الثقة»، مشيراً إلى أننا «نعيش في سياق دولي معقّد للغاية يتسم بعدم اليقين والتغير المستمر، لكنه أيضاً مليء بالفرص»، موضحاً أن «إسبانيا ومصر تواجهان عدداً من التحديات، وخاصة ما يتعلق بالرقمنة، والابتكار، وضرورة تكييف نماذجنا الإنتاجية، وهذه الأمور تؤثر في البلدين بشكل مباشر، وتتطلب استجابات مشتركة».

وانطلقت، في القاهرة، الخميس، أعمال «الملتقى المصري الإسباني». وقال وزير الاستثمار والتجارة الخارجية المصري، حسن الخطيب، إن «حجم التبادل التجاري بين البلدين وصل إلى 3.1 مليار دولار (الدولار يساوي 48 جنيهاً في البنوك المصرية)، كما بلغ الاستثمار الإسباني في مصر 900 مليون دولار، وهذا يعكس الحاجة إلى تكثيف الجهود بين البلدين؛ من أجل زيادة الاستثمارات والتبادل التجاري بينهما».
في حين أكد وزير الخارجية الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، أن انعقاد «المنتدى الاقتصادي» في القاهرة، بحضور ملك إسبانيا، «يعكس متانة العلاقات الوثيقة التي تربط بين مصر وإسبانيا»، موضحاً أن البلدين يجمعهما تاريخ مشترك ويحيطهما البحر المتوسط، الأمر الذي يجعل التعاون بينهما ركيزة أساسية للاستقرار والأمن.
وأشار وزير الخارجية الإسباني إلى أن لمصر دوراً محورياً في استقرار منطقة المتوسط بفضل موقعها الجغرافي وتاريخها العريق واقتصادها المتنامي ومكانتها الجيوسياسية كحلقة وصل بين أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا، مؤكداً أن «إسبانيا تدرك التحديات التي تواجهها مصر حالياً، خاصة ما يتعلق بتداعيات العنف المستمر في غزة»، موضحاً: «ندرك أن تراجع عوائد قناة السويس يُعزى إلى التطورات السياسية بالمنطقة».
ومنذ نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، غيَّرت شركات شحن عالمية مسارها، متجنبة المرور في البحر الأحمر، على أثر استهداف جماعة «الحوثي» اليمنية السفن المارّة بالممر الملاحي؛ «رداً على استمرار الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة».
وسبق أن أشارت مصر، مراراً، إلى تأثر حركة الملاحة بقناة السويس بالتوترات الإقليمية. وسجَّلت إيرادات القناة، في العام الماضي، تراجعاً حاداً بنسبة 61 في المائة، لتحقق 3.9 مليار دولار، مقارنة بنحو 10.2 مليار دولار في عام 2023 الذي شهد في نهايته اندلاع الحرب على غزة.
وقال وزير المالية المصري، أحمد كجوك، نهاية الشهر الماضي، إن «بلاده خسرت 145 مليار جنيه من إيرادات قناة السويس في السنة المالية 2024-2025 نتيجة الاضطرابات في البحر الأحمر».



