أثار قرار «بنك السودان المركزي» باحتكار بيع وتصدير الذهب، ردود فعل متباينة للعاملين في المجال، ما بين مؤيدين عدّوا القرار صائباً بشرط أن يخضع لرقابة وتشديد في الإجراءات، ومعارضين رأوا أنه يسهم في زيادة تهريب الذهب، ولا يعدو أن يكون «حيلة» للتحكم في النقد الأجنبي.
القرار جاء ضمن حزمة من الإجراءات الإصلاحية التي اتخذتها الحكومة السودانية في أغسطس (آب) الماضي، لضبط الأداء الاقتصادي، ووقف تدهور الجنيه السوداني، أمام العملات الأجنبية.
وأقرت لجنة الطوارئ الاقتصادية برئاسة رئيس الوزراء، كامل إدريس، حصر شراء وتسويق الذهب في جهة حكومية واحدة على أن تلتزم هذه الجهة بتوفير النقد الأجنبي اللازم للمستوردين، وذلك قبل تسمية «المركزي السوداني» المنفذ الوحيد لتنفيذ هذه الإجراءات.

وشددت على أهمية «إخضاع المنتج من الذهب لمتابعة دقيقة حتى تصديره، لضمانة عدم تهريبه عبر قنوات غير مشروعة»، وعُدت حيازة أو تخزين الذهب من غير مستندات رسمية «جريمة تهريب يعاقب عليها القانون».
وانخفض سعر صرف الجنيه السوداني ليعادل أكثر من 3 آلاف جنيه مقابل الدولار الأميركي الواحد، في ظل النقص الكبير بالاحتياطي النقدي للعملات في «البنك المركزي»، وهو ما يدفع بالتجار والمستوردين إلى الشراء من «السوق السوداء»، ما يؤدي إلى تدنٍّ إضافي في قيمة العملة الوطنية.
زيادة التهريب
ورأى أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية، إبراهيم أونور، أن احتكار بيع وشراء الذهب «يتطلب تبني سياسات مالية ونقدية متكاملة بالتوازي، بهدف تحقيق استقرار في سعر الصرف، لمحاصرة التضخم».
وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن هذا القرار «يوحي بأن البنك المركزي يسعى فقط للحصول على الذهب، وليس إجراء إصلاح اقتصادي في البلاد».
وأضاف أن «بنك السودان يكرر الأخطاء المجربة سابقاً، ولا يبحث عن حلول للمشكلة».

وسبق أن طبق هذا القرار إبان سنوات حكم الرئيس السوداني السابق، عمر البشير، لكنه لم ينجح في خفض عمليات تهريب الذهب، ولا في جلب العملات الصعبة، بحسب خبراء في الاقتصاد.
وقال أونور إنه «كان يجب على البنك المركزي إجراء دراسة حول أسباب فشل الإجراءات السابقة بهذا الصدد، قبل أن يعود ويمضي في الاتجاه نفسه، الذي يؤدي إلى زيادة التهريب وارتفاع سعر الصرف مقابل العملة الوطنية».
وتابع: «على البنك تكوين احتياطي نقدي من العملات الأجنبية، وطرح سندات في سوق الأوراق المالية، بما يؤدي إلى استقرار سعر الصرف، ومكافحة التضخم».
وأوضح المنشور الذي عممه «بنك السودان المركزي»، أن شراء الذهب يتم وفق أسعار البورصة العالمية والمحلية، وأن شراء الذهب الحر (التعدين الأهلي)، يجب أن يتم بواسطة البنك أو أي جهة يفوضها، لكن عملية التصدير تقع عليه حصرياً.

ويقدر حجم إنتاج الذهب من التعدين الأهلي التقليدي بأكثر من 80 في المائة من الإنتاج الكلي في البلاد، ويعمل في القطاع نحو مليوني شخص، في 14 ولاية بالسودان، وفقاً لتقديرات حكومية رسمية.
«قرار ظالم»
ووصف أحد كبار المصدرين، لـ«الشرق الأوسط»، بعد أن طلب بشدة حجب هويته، قرار «البنك المركزي» بأنه «ظالم» لمنتجي الذهب، «ويساعد في زيادة التهريب، وتدمير الاقتصاد السوداني».
وقال: «منذ صدور قرارات لجنة الطوارئ الاقتصادية قبل 3 أسابيع، يتم تهريب ما بين 200 إلى 300 كيلوغرام من الذهب إلى إحدى دول الجوار»، وتوقع أن ترتفع الكميات المهربة إلى خارج البلاد في الفترة المقبلة.
وكشف عن «أن البنك المركزي يخصم في تحليل المعايرة ما بين 10 إلى 15 غراماً في كيلو الذهب الواحد، وبالتالي ينقص السعر للمنتج، لذلك يلجأ بعض المنتجين لبيعه للمهربين؛ لأنهم يقبلون أي كمية من وبسعر جيد».

ودعا «البنك المركزي» إلى مراجعة هذه القرارات التي وصفها بأنها «عقاب للمصدرين الذين وقفوا إلى جانب الحكومة في الحرب الدائرة».
يذكر أن «شعبة مصدري الذهب» كانت قد رفضت قرارات لجنة الطوارئ الاقتصادية، بتنظيم تجارة وتصدير الذهب، بحصر عمليات الشراء والتسويق في جهة حكومية واحدة، معتبرة أن هذه الإجراءات «ذات آثار كارثية ومدمرة للاقتصاد الوطني».
وفقاً لتقديرات وزارة المعادن بلغ إنتاج الذهب نحو 64 طناً، العام الماضي، متوقعاً زيادة الإنتاج إلى 80 طناً، توفر 3 مليارات دولار لخزينة الدولة.




