تحويلات المغتربين تنعش الاقتصاد المصري... فهل يمكن الاعتماد عليها؟

«قفزات قياسية» عززها «تعويم» الجنيه والفرص الاستثمارية

مؤتمر رسمي يستعرض جهود الدولة في رعاية أبنائها بالخارج مطلع أغسطس الجاري (الخارجية المصرية)
مؤتمر رسمي يستعرض جهود الدولة في رعاية أبنائها بالخارج مطلع أغسطس الجاري (الخارجية المصرية)
TT

تحويلات المغتربين تنعش الاقتصاد المصري... فهل يمكن الاعتماد عليها؟

مؤتمر رسمي يستعرض جهود الدولة في رعاية أبنائها بالخارج مطلع أغسطس الجاري (الخارجية المصرية)
مؤتمر رسمي يستعرض جهود الدولة في رعاية أبنائها بالخارج مطلع أغسطس الجاري (الخارجية المصرية)

تنتظر أسرة المصري أحمد رمضان، الذي يعمل في السعودية، تحويلاً مالياً يعادل نحو 13 ألف جنيه (268 دولاراً)، يصل إليها عبر البنك، بداية كل شهر. تنفق الأسرة المقيمة في الفيوم (جنوب القاهرة)، والمكونة من أم وطفلتين، المبلغ على بنود المعيشة المختلفة من مأكل وملبس ومدارس وترفيه... فيوفر لها «حياة مقبولة»، في حين أن راتب الزوجة من عملها مدرسةً بـ«الحصة» داخل مصر «لن يكفي بنداً واحداً»، حسب رمضان.

ويوجد أكثر من 11 مليون مصري في الخارج حتى عام 2022، وفق الجهاز المركزي للإحصاء. وتشهد السوق الرسمية زيادة في تحويلات المصريين من العملة الصعبة منذ نحو عام فقط؛ ما يمثل «الوعاء الدولاري» الأهم لدى الدولة، وفق خبراء اقتصاديين تحدثوا لـ«الشرق الأوسط».

ووصفت الحكومة المصرية في بيان، الاثنين، تدفقات تحويلات المصريين بالخارج خلال السنة المالية 2024/ 2025 بـ«القياسية»، مسجلة نحو 36.5 مليار دولار، بمعدل زيادة 66.2 في المائة عن العام المالي السابق.

وارتفعت التحويلات خلال الربع الأخير من العام المالي، في الفترة بين أبريل (نيسان) ويونيو (حزيران) الماضيين، بمعدل 34.2 في المائة، لتصل إلى نحو 10.0 مليار دولار مقابل نحو 7.5 مليار دولار خلال نفس الفترة من العام الماضي. وعلى المستوى الشهري حقق يونيو الماضي المستوى الأعلى بـ3.6 مليار دولار، بزيادة 40.7 في المائة عن نفس الشهر من العام الماضي.

وزير الخارجية والهجرة المصري خلال اجتماع مع وفد للجالية المصرية في اليونان (أرشيفية - وزارة الخارجية)

لماذا زادت؟

يرجع الخبراء الزيادة في تحويلات المصريين بالخارج إلى قرار تحرير سعر صرف الجنيه الذي اتخذته الحكومة المصرية في مارس (آذار) من عام 2024، وارتفع بموجبه سعر الدولار رسمياً في البنوك إلى نحو 50 جنيهاً، بدلاً من نحو 30 جنيهاً؛ ما أدى إلى «القضاء على السوق السوداء» التي كانت تذهب غالبية تحويلات المصريين في الخارج إليها، وفق الخبير الاقتصادي علي الإدريسي.

وقال الإدريسي لـ«الشرق الأوسط» إن قرار تحرير سعر الصرف من أهم إيجابياته تدفق التحويلات من الخارج عبر «السوق الرسمية» (البنوك) بعد حصولها على نفس السعر في «السوق السوداء»، بخلاف سهولة إجراءات التحويل.

ووفق أحد المصريين العاملين في الخليج، تحدث لـ«الشرق الأوسط»، طالباً عدم نشر اسمه، فإن التحويل عبر «السوق السوداء» كان خيار الكثيرين مع وجود سعرين للصرف الفارق بينهما كبير. ويتم هذا التحويل عبر «تجار العملة»؛ إذ يقوم المصري بمنح الأموال التي يرغب في تحويلها بالعملة الأجنبية لأحدهم في نفس الدولة، والذي بدوره يبلغ آخرين تابعين له في مصر بمنح المستفيدين قيمتها بالجنيه المصري.

في حين يرجع الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الأعمال المصري - الكندي، أحمد خطاب، الزيادات الأخيرة إلى «نجاح الحكومة في مواجهة الشائعات والحملات المضادة لها في الخارج»، بالإضافة إلى «الفرص الاستثمارية الكبيرة، مثل مشروع شراء عقار في الداخل (بيت الوطن) - أطلقته في مايو/ أيار الماضي - وغيره من الفرص».

وأضاف خطاب لـ«الشرق الأوسط» أن «المصريين في الخارج وجدوا أن عوائد استثماراتهم في الداخل أكبر من تجميدها في الخارج؛ ما دفعهم لزيادة التحويلات»، مشيراً أيضاً إلى «النزعة الوطنية» لدعم الاقتصاد.

سبب آخر لزيادة تحويلات المغتربين يشير إليه المصري المقيم في السعودية أحمد رمضان، وهو «الغلاء»، موضحاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «كنت أحول ما يعادل 500 ريال سعودي، وتكفي أسرتي. الآن أحتاج إلى تحويل 1000 ريال على الأقل».

كيف تدعم الاقتصاد؟

يعتبر الإدريسي أن تحويلات المصريين في الخارج واحدة من أهم المصادر الدولارية للاقتصاد؛ كونها من المصادر «غير المولدة لتكلفة»؛ أي لن يترتب عليها فوائد مثل الديون أو السندات، مثلها مثل السياحة والاستثمارات المباشرة وقناة السويس قبل أن تتعرض لأزمتها الحالية بفعل الأوضاع الإقليمية.

يتفق معه الباحث الاقتصادي في «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، محمد رمضان، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «لا يوجد مصدر آخر حالياً يوفر هذا الكم من التدفقات الدولارية سنوياً (نحو 30 ملياراً) مثل تحويلات المصريين في الخارج؛ فعوائد السياحة، وحتى قناة السويس، أقل من ذلك الرقم بكثير».

ولفت رمضان إلى أن «هذه التحويلات داعم مهم لاستقرار سعر الصرف»، لكنه نبّه في الوقت نفسه إلى مخاطر الاعتماد عليها بشكل كامل في ظل أنها «متذبذبة»، وقابلة للتراجع حال تعرض سعر الصرف لأزمة كبيرة يمكن أن تؤدي لعودة «السوق السوداء»، قائلاً: «بعد تعويم الجنيه في عام 2016، حدثت زيادات في تحويلات المصريين بالخارج، لكن ذلك لم يمنع دخول مصر في أزمة دولارية بعد عدة سنوات». لكن عضو مجلس الأعمال المصري - الكندي، استبعد عودة «السوق السوداء»، في ظل «السياسات الحكومية الأخيرة لتأمين الدولار، سواء بتجميد بعض المشاريع أو التوجه لتحقيق اكتفاء ذاتي من كثير من السلع التي كانت تحتاج إلى دولار لتوفيرها»، مشيراً إلى أنه «لولا الحرب الروسية - الأوكرانية، والعدوان الإسرائيلي على غزة، لكان احتياطي النقد الأجنبي شهد زيادات أكبر».

ويرى الخبير الاقتصادي علي الإدريسي أن الحكومة في حاجة لطرح مزيد من الاستثمارات الإنتاجية لاستغلال أموال المصريين في الخارج على نحو أفضل، أو إنشاء كيانات يشاركون فيها بأسهم، وتستثمر في الأصول التي ترغب الدولة في التصرف فيها، بدلاً من البحث عن مستثمرين أجانب.

يتفق المصري رمضان، الذي يعمل في السعودية منذ 14 عاماً، مع هذا الطرح، قائلاً إنه «يحتاج أن يشعر أن هناك فرصاً للمغتربين، باعتبارهم يوفرون دخلاً كبيراً للدولة»، مطالباً بمزايا لهم مثل عودة مبادرات كـ«سيارات المصريين في الخارج». وانتهت المبادرة التي أتاحت إعفاءات جمركية كبيرة لسيارات المصريين بالخارج في أبريل (نيسان) 2024.

وكان رئيس الحكومة المصرية، مصطفى مدبولي، أعلن في مؤتمر صحافي في 6 أغسطس (آب) الحالي، أن الحكومة تبحث مع البنك المركزي طرح أوعية ادخارية مميزة للمصريين بالخارج.


مقالات ذات صلة

دراسة تتوقع ارتفاع الإيرادات السياحية في مصر إلى 30 مليار دولار بحلول 2030

الاقتصاد سائحون يتفقدون «المتحف المصري الكبير» الذي ساهم في زيادة أعداد السياح منذ افتتاحه مؤخراً (أ.ب)

دراسة تتوقع ارتفاع الإيرادات السياحية في مصر إلى 30 مليار دولار بحلول 2030

توقعت دراسة حديثة ارتفاع مساهمة قطاع السياحة المصري في الناتج المحلي، من 8.5 في المائة حالياً إلى 15 في المائة (نحو 25-30 مليار دولار) بحلول عام 2030.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد بنايات على نيل القاهرة (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر تنتظر 3.8 مليار دولار من صندوق النقد الدولي خلال أسابيع

تنتظر مصر أن يصرف صندوق النقد الدولي نحو 3.8 مليار دولار ضمن برنامج القرض الممتد بجانب جزء آخر من صندوق الاستدامة والصلابة.

صبري ناجح (القاهرة)
الاقتصاد شعار صندوق النقد الدولي على مقره بالعاصمة الأميركية واشنطن (رويترز)

صندوق النقد يتوصل لاتفاق بشأن المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج مصر

قال صندوق النقد الدولي اليوم الاثنين إنه توصل ‌إلى ‌اتفاق ‌على ⁠مستوى الخبراء ​بشأن ‌المراجعتين الخامسة والسادسة لبرنامج مصر ضمن تسهيل الصندوق ⁠الممدد.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يوجه الحكومة والبنك المركزي لزيادة الاحتياطي من النقد الأجنبي خلال اجتماع الأحد (الرئاسة المصرية)

مصر: ارتفاع قياسي لتحويلات المغتربين لا يردم فجوة العملة الصعبة

سجَّلت تحويلات المصريين في الخارج «رقماً قياسياً» جديداً خلال الأشهر الـ10 السابقة، مقتربة من الـ34 مليار دولار (الدولار نحو 48 جنيهاً).

رحاب عليوة (القاهرة)
الاقتصاد رئيس الوزراء المصري خلال لقائه وزير الكهرباء (رئاسة مجلس الوزراء)

مصر: الربط الكهربائي مع السعودية يتم تجهيزه لبدء المرحلة الأولى

قال وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري إن مشروع الربط الكهربائي المصري السعودي يتم تجهيزه في صورته النهائية لبدء تشغيل المرحلة الأولى في القريب العاجل.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

رئيس الوزراء السوداني: لن نقبل قوات أممية دون موافقة الحكومة

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)
TT

رئيس الوزراء السوداني: لن نقبل قوات أممية دون موافقة الحكومة

رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)
رئيس الحكومة الانتقالية في السودان كامل إدريس متحدثاً مع الصحافيين في نيويورك الاثنين (الأمم المتحدة)

قال رئيس الوزراء السوداني، كامل إدريس، إن المبادرة التي طرحتها حكومته لوقف الحرب، والتي عرض تفاصيلها أمام مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الماضي، بعثت برسالة واضحة إلى المجتمع الدولي، مفادها أن السودان «دولة تسعى إلى السلام لا الحرب»، وإنها نقلت البلاد «من موقع المتلقي للمبادرات إلى موقع صانعها». وأكد إدريس في الوقت نفسه أن السودان، بوصفه دولة ذات سيادة، لن يقبل بنشر أي قوات أممية أو فرض أي آليات رقابة دولية دون اتفاق صريح مع الحكومة.

وتنص المبادرة الحكومية على وقف شامل لإطلاق النار تحت رقابة إقليمية ودولية، بمشاركة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وجامعة الدول العربية، إلى جانب انسحاب «قوات الدعم السريع» من جميع المناطق التي تسيطر عليها، وتجميع عناصرها في معسكرات محددة.

وفي مؤتمر صحافي عقده بمدينة بورتسودان، العاصمة الإدارية المؤقتة، عقب عودته من الولايات المتحدة، شدد إدريس على أن مخاطبته لمجلس الأمن تمثل «اعترافاً دولياً كاملاً بشرعية الحكومة المدنية في السودان»، مضيفاً: «عرضنا رؤيتنا الشاملة لحل الأزمة وأكدنا للعالم أننا دعاة سلام ولسنا دعاة حرب».

نزع السلاح أولوية

وأوضح رئيس الوزراء أن أي هدنة لا تترافق مع نزع سلاح «قوات الدعم السريع» وتجميع قواتها، ستؤدي إلى تعقيد النزاع وإطالة أمد الحرب، مشيراً إلى أن هذه الإجراءات يجب أن تتم بتوافق وضمن رقابة دولية متفق عليها. وفي رده على التساؤلات بشأن آليات الرقابة الدولية، أكد إدريس أن السودان «لن يقبل بأي قوات أممية مفروضة»، قائلاً: «اكتوينا بجمرة القوات الدولية، ولن نكرر تجارب سابقة ذقنا فيها الأمرّين»، مشدداً على أن أي رقابة دولية مشروطة بموافقة الحكومة السودانية.

نازحة سودانية من منطقة هجليج داخل مخيم في مدينة القضارف شرق السودان 26 ديسمبر (أ.ف.ب)

وأشار إدريس إلى أن من أولويات المبادرة ضمان وصول المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين في جميع أنحاء البلاد، لافتاً إلى أن مرجعيتها تستند إلى خريطة الطريق التي قدمتها الحكومة السودانية للأمم المتحدة، والجهود السعودية – الأميركية، وما تم التوصل إليه في إعلان مبادئ اتفاق جدة. كما كشف عن لقاءات وصفها بالإيجابية والداعمة لجهود وقف الحرب، جمعته مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيس مجلس الأمن الدولي، وأعضاء المجموعة الأفريقية بالمجلس، التي تضم الجزائر وسيراليون والصومال.

وأشار رئيس الوزراء إلى رفض عدد كبير من الدول والمنظمات الدولية لأي محاولة لتشكيل حكومة موازية في السودان، في إشارة إلى حكومة «تحالف تأسيس» التي تقودها «قوات الدعم السريع» وحلفاؤها في مدينة نيالا بجنوب دارفور.

وأكد إدريس أن الحكومة تعتزم الشروع في خطوات عملية لتنفيذ المبادرة، عبر الدعوة إلى حوار سوداني – سوداني شامل لا يستثني أحدًا، تسبقه إجراءات لتهيئة المناخ العام، تتيح مشاركة السودانيين في الخارج، من خلال رفع القيود وشطب البلاغات غير المؤثرة، وصولًا إلى انتخابات حرة ونزيهة. وختم إدريس بالإشارة إلى أن الحكومة السودانية ستكثف تحركاتها الدبلوماسية مع دول الجوار لدعم مبادرة السلام، والعمل على تحسين علاقاتها مع الدول التي ما زالت تقدم دعمًا لـ«قوات الدعم السريع».

لاتفاوض ولاهدنة

من جهة ثانية، أكد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، مالك عقار، أنه «لا تفاوض ولا هدنة» مع «قوات الدعم السريع»، مشددًا على أن «السلام العادل سيتحقق عبر رؤية وخريطة طريق يضعها الشعب السوداني وحكومته». وأوضح عقار أن الحرب الدائرة في البلاد تمثل صراعًا على الموارد، وتهدف إلى إحداث تغيير ديمغرافي في السودان.

ميدانيًا، اتهمت «قوات الدعم السريع» الجيش السوداني بشن غارة جوية باستخدام طائرة مسيّرة استهدفت احتفالًا لمواطنين بأعياد الميلاد في منطقة «بيام جلد» بجنوب كردفان، ما أسفر، بحسب قولها، عن مقتل 12 شخصًا وإصابة 19 آخرين، بينهم أطفال ونساء.

وفي سياق متصل، أعلنت «القوة المشتركة» المتحالفة مع الجيش السوداني أنها تمكنت من إحباط هجمات متزامنة شنتها «قوات الدعم السريع» على عدد من المناطق في ولاية شمال دارفور، مؤكدة تكبيدها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد. وأضافت «القوة المشتركة» في بيان أن «قوات الدعم السريع» أقدمت على إحراق قرى بأكملها، في محاولة لتفريغ المناطق من سكانها، ووصفت ذلك بأنه انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني.

وكانت «قوات الدعم السريع» قد أعلنت، الأربعاء الماضي، سيطرتها على بلدتي أبو قمرة التابعة لمحلية كرنوي، وأمبرو، عقب معارك محدودة مع «القوة المشتركة».


مصر تعوّل على الجهود الإقليمية لدعم مسارات التهدئة في اليمن

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تعوّل على الجهود الإقليمية لدعم مسارات التهدئة في اليمن

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال لقاء سابق مع رئيس المجلس الرئاسي اليمني بالقاهرة في نوفمبر 2024 (الرئاسة المصرية)

تعوّل مصر على الجهود الإقليمية لدعم مسارات التهدئة وخفض التصعيد في اليمن، بما يحافظ على وحدة وسلامة أراضيه، إلى جانب تحقيق «تسوية شاملة تلبي تطلعات الشعب اليمني في الأمن والاستقرار والتنمية».

وأكدت وزارة الخارجية المصرية «موقف القاهرة الثابت الداعم للشرعية في اليمن»، وشددت في إفادة، الجمعة، على «حرصها الكامل على وحدة اليمن، وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة الوطنية، بما يمهد لاستعادة الاستقرار في اليمن والمنطقة، ويضمن حرية الملاحة في البحر الأحمر».

وعاد التصعيد أخيراً للساحة اليمنية، بعد تحركات عسكرية نفذها «المجلس الانتقالي الجنوبي»، في محافظتي حضرموت والمهرة، شرق اليمن.

سفينة هولندية تعرّضت لهجوم حوثي في خليج عدن أواخر سبتمبر الماضي (أ.ب)

وأعربت القاهرة، الجمعة، عن «تقديرها للجهود المبذولة للعمل على خفض التصعيد في اليمن، للحيلولة دون تفاقم الوضع الراهن».

وناقش وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، مع نظيره اليمني، شائع الزنداني، «الجهود التي تقودها المملكة العربية السعودية والإمارات من أجل خفض التصعيد وتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن»، وأكد، وفقاً لبيان «الخارجية المصرية»، الجمعة، «ترحيب بلاده بالاتفاق المتعلق بتبادل الأسرى والمحتجزين في اليمن، باعتباره خطوة تدعم الجهود الجارية لتهيئة مناخ مُواتٍ لاستئناف مسار التسوية».

وكانت السعودية قد أشارت إلى إرسال فريق عسكري سعودي - إماراتي مشترك إلى عدن، لوضع ترتيبات تضمن عودة قوات «الانتقالي» إلى مواقعها السابقة خارج حضرموت والمهرة، وتسليم المعسكرات لقوات «درع الوطن» والسلطات المحلية، وفق إجراءات منظمة وتحت إشراف قوات التحالف.

وأكد بيان لـ«الخارجية السعودية»، الخميس، أن «القضية الجنوبية عادلة، ولن تُحل إلا عبر الحوار، ضمن الحل السياسي الشامل، بعيداً عن فرض الأمر الواقع بالقوة».

في سياق ذلك، دعا الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، إلى تجنب التصعيد وتغليب المصلحة العليا للشعب اليمني، والتمسك بوحدة البلاد، وقال في إفادة، الخميس، إن «التطورات الأخيرة، تزيد من تعقيد الأزمة اليمنية، وتضر بمبدأ وحدة التراب اليمني».

وأعاد أبو الغيط التأكيد على الموقف العربي الموحد بشأن الالتزام بوحدة اليمن وسيادته وأمنه وسلامة أراضيه، ورفض أي تدخل في شؤونه الداخلية، مؤكداً «دعم الحكومة اليمنية الشرعية بقيادة مجلس القيادة الرئاسي».

سفير مصر السابق لدى اليمن، يوسف الشرقاوي، أكد أن «تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية بهذا الشكل المتسارع يهدد الوضع الأمني في اليمن كاملاً»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجهود العربية والإقليمية يجب أن تركز على حماية وحدة اليمن وسلامة أراضيه، والتصدي لأي محاولات تشجع لاتجاهات انفصالية تضر بوحدة الأراضي اليمنية».

وباعتقاد الشرقاوي، فإن «الدور العربي محوري لخفض التصعيد في الأراضي اليمنية»، وقال إن «التسوية يجب أن تقوم على حوار وطني يمني داخلي، ويتم تنفيذ مخرجاته»، إلى جانب «البناء على (اتفاق مسقط) الخاص بتبادل الأسرى، بما يهيئ المناخ لتسوية سياسية للأزمة».

و«تخشى القاهرة من انعكاسات التوتر والتصعيد في اليمن على الأوضاع الإقليمية»، وفق الشرقاوي، الذي قال إن «مصر تهتم بالتهدئة في اليمن، بما ينعكس إيجابياً على الوضع الأمني في جنوب البحر الأحمر، وحركة الملاحة في باب المندب، لارتباطها المباشر بحركة الملاحة في قناة السويس».


«ضعف المشاركة» في الاقتراع يهدد إعادة الدوائر الملغاة بـ«النواب» المصري

مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)
مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)
TT

«ضعف المشاركة» في الاقتراع يهدد إعادة الدوائر الملغاة بـ«النواب» المصري

مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)
مصريون في طابور أمام القنصلية المصرية بالرياض قبل الإدلاء بأصواتهم الخميس (تنسيقية شباب الأحزاب)

تُلاحق مخاوف «ضعف المشاركة» مجدداً الانتخابات البرلمانية المصرية، مع انطلاق جولة إعادة التصويت في الدوائر الـ19 التي أُلغيت نتائجها في المرحلة الأولى من انتخابات مجلس النواب، والمقرر إجراؤها يومَي السبت والأحد، وهو ما بدا واضحاً في تقديرات حقوقيين وسياسيين وإعلاميين راهناً.

وتُعد نسب المشاركة أحد أبرز التحديات التي تواجه انتخابات «النواب»، التي وُصفت بأنها «الأطول والأكثر إثارة للجدل»، بعد أن جرى التصويت خلالها عبر ثماني جولات متتالية، تخللتها إعادة الانتخابات في عشرات الدوائر التي أُلغيت نتائجها بقرارات من الهيئة الوطنية للانتخابات والمحكمة الإدارية العليا.

ورغم أن «الوطنية للانتخابات» المخولة بالإشراف على العملية الانتخابية، لا تعلن رسمياً نسب المشاركة، فإن «تراجع الإقبال بدا واضحاً»، بحسب متابعات منظمات حقوقية، من بينها المركز الإعلامي لحقوق الإنسان (إحدى الجهات المعتمدة لمراقبة الانتخابات)، وظهر ذلك جلياً في أحد مراكز الاقتراع بحي الهرم في محافظة الجيزة، ضمن الدوائر الثلاثين التي أُعيد التصويت فيها يومَي 10 و11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي.

وعلى الرغم من أن دوائر الريف عادة ما تشهد إقبالاً نسبياً أكبر، بفعل الاعتبارات العائلية والقبلية، فإن النتائج جاءت دون التوقعات خلال جولة الإعادة في المرحلة الثانية، التي أُجريت يومَي 14 و15 ديسمبر. ففي دائرة مركز ومدينة طنطا، على سبيل المثال، «لم تتجاوز نسبة المشاركة 9.3 في المائة».

مركز اقتراع بجولة الإعادة في المرحلة الثانية لانتخابات «النواب» (تنسيقية شباب الأحزاب)

وعلى وقع هذه الأرقام التي تحدثت عنها نتائج الفرز، تصاعد الحديث في وسائل إعلام حكومية وشبه حكومية عن ضعف المشاركة. وخصّص الكاتب الصحافي المصري، محمود مسلم، في مقال له بصحيفة «الأهرام» شبه الرسمية، الجمعة، الضوء على ما وصفه بـ«المقارنات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي بين انتخابات مجلس النواب وانتخابات الأندية»، معتبراً أن هذه المقارنات «ليست في مصلحة العملية السياسية ولا القائمين عليها».

وفي السياق نفسه، أشار الإعلامي المصري، أسامة كمال، عبر برنامجه على قناة «دي إم سي» مساء الأربعاء الماضي، إلى أن «انتخابات مجلس النواب تكشف عن ضعف في نسب المشاركة في عدد من الدوائر»، متناولاً المسألة بإيجاز ضمن نقاش أوسع حول المشهد السياسي.

وتكرر الهيئة الوطنية للانتخابات، في مؤتمراتها الصحافية المتعاقبة خلال جولات الإعادة، دعوة المواطنين إلى «المشاركة بكثافة في الاقتراع». وكان رئيس غرفة العمليات المركزية بالهيئة، القاضي أحمد بنداري، قد دعا المواطنين، أخيراً، إلى «المشاركة والتصويت بشكل أكبر في الانتخابات».

غير أن رئيس حزب «التحالف الشعبي الاشتراكي»، مدحت الزاهد، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «ضعف المشاركة لا يقتصر على المرحلة الحالية، بل يمثل امتداداً لسنوات سابقة».

ناخبون مصريون أمام أحد مراكز الاقتراع في محافظة كفر الشيخ خلال جولة إعادة المرحلة الثانية (تنسيقية شباب الأحزاب)

وعزا الزاهد ضعف المشاركة الانتخابية إلى «سياق عام يتيح لأصحاب الأموال الفوز، مروراً بتقسيم الدوائر، وصولاً إلى نظام القوائم المطلقة، الذي يحرم كثيراً من الكفاءات من التمثيل البرلماني». ويرى أن «تعزيز المشاركة السياسية وحماية حقوق المرشحين والمواطنين يمثلان خطوة أساسية لتقوية الديمقراطية وإنتاج برلمان قادر على مواجهة التحديات الوطنية».

وفي مقابل الجدل المتزايد حول ضعف الإقبال، نقلت «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية بمصر، الجمعة، استعدادات أمنية مكثفة لتأمين جولة الإعادة في الدوائر الـ19. وأفادت بأن وزير الداخلية المصري، اللواء محمود توفيق، كلف مديري الأمن والقيادات الأمنية والمستويات الإشرافية بالمحافظات المعنية، بالمرور على القوات المشاركة في خطة التأمين، للتأكد من جاهزيتها الكاملة لتنفيذ المهام الموكلة إليها بدقة وانضباط.

في حين يعتقد أستاذ علم الاجتماع، الدكتور سعيد صادق، أن ضعف الإقبال على انتخابات الإعادة في الدوائر الملغاة «ليس مفاجئاً»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هذا التراجع يعكس انخفاض حماس الناخبين مقارنة بالجولات السابقة».