هل مولت الولايات المتحدة بناء «سد النهضة» الإثيوبي؟

أديس أبابا تنفي... والقاهرة تستبشر بتصريحات ترمب

آبي أحمد يعلن اكتمال مشروع سد النهضة ويجري الاستعداد لتدشينه رسمياً (صفحته على «فيسبوك»)
آبي أحمد يعلن اكتمال مشروع سد النهضة ويجري الاستعداد لتدشينه رسمياً (صفحته على «فيسبوك»)
TT

هل مولت الولايات المتحدة بناء «سد النهضة» الإثيوبي؟

آبي أحمد يعلن اكتمال مشروع سد النهضة ويجري الاستعداد لتدشينه رسمياً (صفحته على «فيسبوك»)
آبي أحمد يعلن اكتمال مشروع سد النهضة ويجري الاستعداد لتدشينه رسمياً (صفحته على «فيسبوك»)

في أقل من شهر انتقد الرئيس الأميركي دونالد ترمب مرتين ما وصفه بـ«تمويل الولايات المتحدة» لـ«سد النهضة» الإثيوبي على نهر النيل، خلال سنوات سابقة. ورغم النفي الإثيوبي لذلك، فإن تصريحات ترمب المتكررة طرحت تساؤلات حول حقيقة تمويل واشنطن للسد، الذي يثير توترات مع دولتي المصب مصر والسودان.

وفي منتصف يونيو (حزيران) الماضي، خرج ترمب بتصريح مثير للجدل قال فيه إن «الولايات المتحدة موّلت بشكل غبي (سد النهضة) الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق، وأثار أزمة دبلوماسية حادة مع مصر».

والاثنين الماضي، كرر الحديث نفسه في مؤتمر صحافي مشترك مع الأمين العام لحلف شمال الأطلسي، مارك روته، بالبيت الأبيض، قائلاً: «إن الولايات المتحدة موّلت السد، وإنه سيكون هناك حل سريع للأزمة».

ورد وزير المياه والطاقة الإثيوبي، هبتامو إتيفا، على تصريحات ترمب الأولى، قائلاً عبر موقع «إكس»: «(سد النهضة) مشروع محلي بناه الشعب من أجل الشعب، وليس بمساعدات أجنبية».

ترمب والسيسي في لقاء سابق بواشنطن خلال ولاية الرئيس الأميركي الأولى (الرئاسة المصرية)

وانتقد الأكاديمي الإثيوبي الدكتور أبيل أباتي ديميسي، وهو زميل مشارك في «برنامج أفريقيا» بـ«معهد تشاتام هاوس» بلندن، تصريحات ترمب قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، إنها «مليئة بالمغالطات».

وأوضح: «الولايات المتحدة لم تموّل بناء السد بالطبع، فقد عارضت البناء منذ البداية، خشية نشوب توتر مع مصر، كما حاول ترمب التوسط بين أديس أبابا والقاهرة، لكن الوساطة فشلت في النهاية».

ديميسي المقيم في أديس أبابا، يرى أن أميركا «تتوسط مرة أخرى بين مصر وإثيوبيا، مع الأخذ في الاعتبار أن مغالطات ترمب ستؤثر على روح جهود الوساطة وحسن نيتها ونتائجها، لكن إثيوبيا لن ترفضها قطعاً، خصوصاً أن التوتر بين أديس أبابا والقاهرة له تداعيات سلبية عدة، ليس فقط على مشاريع نهر النيل، لكن أيضاً على استقرار المنطقة».

يتفق معه الباحث السياسي الإثيوبي فهد العنسي، الذي قال لـ«الشرق الأوسط»، إن «الادعاءات الأميركية عارية تماماً عن الصحة، ولا تستند إلى أي دليل موثوق»، لافتاً إلى أن «مخطط مشروع (سد النهضة) كان قائماً على أساس أن يتم الانتهاء منه خلال فترة زمنية لا تتجاوز خمس سنوات، إلا أن غياب التمويل الخارجي، واعتماد الحكومة الإثيوبية بشكل كامل على التمويل المحلي، أدّيا إلى تأخير كبير في التنفيذ، وامتداد فترة البناء إلى ما يقارب 14 عاماً».

«سد النهضة» الإثيوبي (حساب رئيس الوزراء الإثيوبي على «إكس»)

المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأميركية، ديفيد دي روش، فسّر ما قد يعنيه ترمب بـ«تمويل أميركا للسد الإثيوبي» قائلاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «الرئيس ترمب ذو خلفية تجارية، لا حكومية. لذلك، لديه رؤية أكثر واقعية لقابلية استبدال الأموال، مقارنةً بالمسؤولين الحكوميين الحاليين».

وأوضح: «لم تُسهم الولايات المتحدة بشكل مباشر في بناء (سد النهضة)، لكنها قدمت في السنوات الأخيرة مساعدات لإثيوبيا بمعدل يزيد على مليار دولار سنوياً... ربما يعني ترمب، أن الحكومة الإثيوبية استخدمت هذه الأموال لتمويل برامجها، ما أتاح لها توفير أموال لبناء سد النهضة».

ويعد دي روش، الذي يعمل حالياً أستاذاً في «مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية» (NESA) بـ«جامعة الدفاع الوطني» في واشنطن، من المقربين لإدارة ترمب.

لقاء بين السيسي وآبي أحمد على هامش «القمة الأفريقية-الروسية» عام 2019 (الرئاسة المصرية)

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2020، حينما شاركت واشنطن في مفاوضات السد، أدلى ترمب بتصريح يشير إلى أن الولايات المتحدة لعبت دوراً في الوضع، لكنه لم يقل صراحة إن الولايات المتحدة دفعت أموالاً لبناء السد. وبدلاً من ذلك، أشار إلى المساعدات الخارجية التي قدمتها الولايات المتحدة إلى إثيوبيا التي تبلغ في المتوسط 1.5 مليار دولار سنوياً، وأن بلاده فعلت الكثير لإثيوبيا، «ربما هذا ما يقصده من القول بمشاركة الولايات المتحدة في المشروع»، كما يشير الأكاديمي، عضو الحزب الجمهوري الأميركي، فرانك مسمار.

وأوضح مسمار لـ«الشرق الأوسط»، أن «مشروع بناء السد الذي تبلغ تكلفته 4.6 مليار دولار بدأ عام 2011، ولا يزال يتطلب 578,127.83 دولار لإكماله، أي ما يقرب من 7 في المائة من الناتج القومي الإجمالي لإثيوبيا. ورغم النجاح المحلي في جمع التبرعات، قوبلت مساهمات الإثيوبيين والمنحدرين من أصل إثيوبي الذين يعيشون في الخارج، بالتشكيك بسبب البيئة السياسية في إثيوبيا. كما أن الحكومة الصينية قدمت مبلغاً كبيراً من التمويل الدولي للبنية التحتية للطاقة الكهرومائية للسد، ما يسلط الضوء على الدعم العالمي للمشروع، وبالتالي، لا يمكن النجاح في إكمال (سد النهضة) من دون دعم مالي صريح، أو مساعدات من المؤسسات المالية الغربية».

رئيس الوزراء الإثيوبي خلال تفقد أعمال الإنشاءات بـ«سد النهضة» في أغسطس الماضي (قناته على «تلغرام»)

ولم تعلق مصر رسمياً على تصريحات ترمب لكنها استبشرت بإمكانية التدخل الأميركي لحل النزاع.

وعبَّر الرئيس عبد الفتاح السيسي، عن تقديره لتصريحات ترمب، قائلاً إنها «تبرهن على جدية الولايات المتحدة في تسوية النزاعات ووقف الحروب». وأضاف في بيان، الثلاثاء: «إن مصر تقدر حرص الرئيس ترمب على التوصل إلى اتفاق عادل يحفظ مصالح الجميع حول السد الإثيوبي، وتأكيده على ما يمثله النيل لمصر بوصفه مصدراً للحياة».

ولا يعتقد الخبير المصري في الشؤون الأفريقية، الدكتور رأفت محمود، أن الولايات المتحدة موّلت بناء السد بشكل مباشر، لكنه أوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «فكرة بناء السد ذاتها تخطيط أميركي منذ خمسينات القرن الماضي عبر مركز بحوث الزراعة الأميركي الذي ذهب ودرس مواقع لإقامة سدود على نهر النيل ومنها سد النهضة، رداً على قيام مصر ببناء السد العالي وقتها بدعم من الاتحاد السوفياتي».

وبالتالي، فإن واشنطن «خططت ورعت بناء هذا السد وهذا أهم من فكرة التمويل المباشر، فضلاً عن وجود مساعدات أميركية لأديس أبابا لم تتوقف».

«فكرة بناء السد ذاتها تخطيط أميركي منذ خمسينات القرن الماضي عبر مركز بحوث الزراعة الأميركي الذي ذهب ودرس مواقع لإقامة سدود على نهر النيل ومنها سد النهضة، رداً على قيام مصر ببناء السد العالي وقتها بدعم من الاتحاد السوفياتي».

الدكتور رأفت محمود

حقائق

مليار دولار سنوياً

متوسط حجم المساعدات الخارجية التي قدمتها الولايات المتحدة إلى إثيوبيا


مقالات ذات صلة

تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

شمال افريقيا سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

تصاعد التوتر المصري - الإثيوبي في النزاع المائي

صعّدت إثيوبيا لهجتها ضد مصر على خلفية نزاع «سد النهضة» متهمة إياها بالسعي إلى «احتكار نهر النيل» استناداً لاتفاقيات أُبرمت خلال «حقبة استعمارية».

أحمد جمال (القاهرة)
شمال افريقيا سد النهضة (رويترز)

إثيوبيا تتهم مصر بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في القرن الأفريقي

اتهمت وزارة الخارجية الإثيوبية مصر اليوم (الأربعاء) بتنفيذ «حملة لزعزعة الاستقرار» في منطقة القرن الأفريقي تتركز على إثيوبيا.

«الشرق الأوسط» (أديس أبابا)
شمال افريقيا سد النهضة الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

«سد النهضة»: مصر تحذر من «خطورة» الممارسات الإثيوبية «غير المسؤولة»

حذرت مصر من «خطورة الممارسات الإثيوبية غير المسؤولة» على حوض نهر النيل الشرقي

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا سد النهضة الإثيوبي (وكالة الأنباء الإثيوبية)

كيف استعدت مصر للتعامل مع إدارة «غير منضبطة» لـ«سد النهضة» الإثيوبي؟

لجأت مصر إلى فتح «مفيض توشكى» لتصريف كميات المياه الزائدة خلف «السد العالي» بالجنوب، عقب شكواها من إدارة «غير منضبطة» لـ«سد النهضة» الإثيوبي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا سد النهضة الإثيوبي (أ.ف.ب)

مصر تستبعد عودة مفاوضات «سد النهضة»... ماذا عن الخطوة القادمة؟

أثار استبعاد مصر عودة المفاوضات المباشرة مع إثيوبيا حول «سد النهضة» في الوقت الراهن تساؤلات حول الطرق البديلة التي ستسلكها القاهرة في مواجهة خطر «وجودي».

رحاب عليوة (القاهرة)

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
TT

الجزائر: 3 سنوات حبساً غير نافذ لصحافي «أهان رموز ثورة التحرير»

الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)
الكاتب الصحافي سعد بوعقبة (حسابات حقوقيين)

فرضت محكمة جزائرية، مساء أمس (الخميس)، عقوبة 3 سنوات حبساً موقوفة النفاذ، وغرامة مالية تبلغ مليون دينار جزائري، في حق الكاتب الصحافي المتهم الموقوف، سعد بوعقبة؛ بعد إدانته بتهمة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني». كما وقَّعت الهيئة القضائية ذاتها عقوبة عاماً حبساً موقوفة النفاذ في حق المتهم الثاني، الموجود تحت الرقابة القضائية، «عبد الرحيم. ح»، عن المشارَكة في الجُرم نفسه، بجنحة إهانة وقذف موجه باستعمال تكنولوجيات الإعلام والاتصال ضد رموز «ثورة التحرير الوطني»، مع الحكم بمصادرة عتاد القناة وغلقها نهائياً.

وجاء منطوق الحكم بعدما التمست النيابة في الجلسة عقوبتهما، بعد استجواب دقيق خضع له المتهمان، وتمسك كل واحد منهما بإنكار ما نُسب إليه من وقائع.

وأكد المتهم بوعقبة في تصريحاته أمام القاضي أنه لم يقل سوءاً في زعيم الثورة، الراحل أحمد بن بلة، موضحاً أنه يعدّه أحد رموز «ثورة التحرير الوطني»، وأحد أصدقائه، وجمعته به علاقة صداقة لا أحد يشكِّك فيها، بحسب ما نقلته صحف محلية. وقال إنه طوال مساره المهني لم يشعر بالإحباط رغم المتابعات القضائية التي طالته سابقاً، سوى في هذه القضية التي أكد أنها آلمته. كما تقدَّم بوعقبة في الجلسة بالاعتذار لابنة الضحية بن بلة مهدية، التي ذرفت دموعاً حارقة جراء ما عدّته إهانةً طالت والدها.

وفجَّرت قضية بوعقبة جدلاً حاداً حول حرية الرأي والخوض في مسائل التاريخ الخلافية، واحتجَّ الطيف السياسي الجزائري بشدة على وضع الصحافي الكبير بوعقبة في الحبس الاحتياطي قبل محاكمته أمس، بتهمة «الإساءة إلى رموز الثورة»،

وقالت «حركة مجتمع السلم» الإسلامية المعارضة إنها «تابعت باهتمام قضية إيداع الصحافي سعد بوعقبة الحبس المؤقت، على خلفية تصريحات أدلى بها عُدَّت مسيئةً لرموز الثورة»، مؤكدة أن «مثل هذه القضايا، لا ينبغي أن تقود إلى عقوبات سالبة للحرية، بحكم طبيعتها الصحافية، لأن الدستور يمنع سجن الصحافيين في مثل هذه الحالات»، مشددةً على «احترام كرامة الصحافي وحقوقه، واعتماد حلول حكيمة تحفظ حرية الصحافة، وتجنِّب البلاد التوتر».

من جهتها، عبّرت «حركة البناء الوطني» المؤيدة لسياسات الحكومة، عن «تضامنها مع الصحافي سعد بوعقبة في قضيته»، مشدّدة على أن «معالجة قضايا الرأي يجب ألا تتم عبر الحبس، بل عبر الحوار والتصويب، والاعتذار عند الضرورة». ورأت الحركة أن تصريحات الصحافي التي سببت له المشكلات «كانت في سياق تحليلي لا يرقى إلى اتهام شخصي»، وأن «اعتذاره لعائلة بن بلة كافٍ لإنهاء القضية».


اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
TT

اتحاد الشغل التونسي يدعو لإضراب عام وسط أزمة سياسية متفاقمة

جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)
جانب من المظاهرة التي نظمها «الاتحاد التونسي للشغل» وسط العاصمة أمس الخميس (رويترز)

أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، الذي يحظى بتأثير قوي، عن إضراب وطني في 21 يناير (كانون الثاني) المقبل، احتجاجاً على ما عدَّه «قيوداً على الحقوق والحريات»، والمطالبة بمفاوضات لزيادة الأجور، في تصعيد لافت للمواجهة مع الرئيس قيس سعيّد، وسط توترات اقتصادية وسياسية متفاقمة.

وقد يشل هذا الإضراب الوشيك القطاعات العامة الرئيسية، ويزيد منسوب الضغط على الحكومة ذات الموارد المالية المحدودة، مما يفاقم خطر حدوث اضطرابات اجتماعية، وسط تزايد الإحباط وضعف ملحوظ في الخدمات العامة.

وحذر الاتحاد، المدعوم بنحو مليون عضو، من أن الوضع يزداد سوءاً، مندداً بتراجع الحريات المدنية وجهود الرئيس سعيد، الرامية لإسكات الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وتعهد بمقاومة هذه الانتكاسة.

وفي خطاب أمام مئات من أنصاره قال الأمين العام لاتحاد الشغل، نور الدين الطبوبي، أمس الخميس، في تصريحات نقلتها وكالة «رويترز» للأنباء: «لن ترهبنا تهديداتكم ولا سجونكم. لا نخاف السجن... سنواصل نضالنا».

ويطالب الاتحاد بفتح مفاوضات عاجلة بشأن زيادة الأجور، وتطبيق كل الاتفاقيات المعلقة، التي ترفض السلطات تطبيقها.

وأضاف الطبوبي موضحاً أن الاتحاد وجَّه 18 مراسلة إلى الحكومة دون أن يكون هناك تجاوب. مؤكداً في تصريحه للصحافيين: «نحن لا نقبل هذا الخيار. نقبل الحوار والرأي، والرأي المخالف والحوار الهادئ والشفاف، الذي يفضي إلى نتائج ملموسة».

الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي خلال مشاركته أمس في المظاهرة التي نظمها «الاتحاد» وسط العاصمة التونسية (د.ب.أ)

وأقر قانون مالية 2026 زيادة في الأجور، لكن دون الدخول في أي مفاوضات مع اتحاد الشغل، ودون حتى تحديد نسبتها، في خطوة ينظر إليها على نطاق واسع على أنها محاولة جديدة من الرئيس سعيد لتهميش دور الاتحاد.

وتسلط خطوة الاتحاد بشأن إضراب الشهر المقبل الضوء على تزايد الغضب في أوساط المجتمع المدني من تراجع كبير في الحريات، وحملة متسارعة للتضييق على المعارضة والصحافيين ومنظمات المجتمع المدني، وتعطل الحوار الاجتماعي، إضافة إلى أزمة غلاء المعيشة المتفاقمة، التي دفعت العديد من التونسيين إلى حافة الفقر.

وتقول منظمات حقوقية إنه منذ عام 2021، مضى الرئيس سعيد في تفكيك، أو تهميش الأصوات المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بما فيها اتحاد الشغل، وسجن أغلب قادة المعارضة، وشدد سيطرته على القضاء. وانتقدت اعتقال منتقدين وصحافيين ونشطاء، وتعليق عمل منظمات غير حكومية مستقلة.

فيما ينفي الرئيس سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن إجراءاته قانونية وتهدف إلى وقف الفوضى المستشرية، مؤكداً أنه لا يتدخل في القضاء، لكن لا أحد فوق القانون.

ولعب الاتحاد دوراً محورياً في مرحلة الانتقال بعد الانتفاضة، وظل من أبرز المنتقدين لسيطرة الرئيس على معظم السلطات والتفرد بالحكم. ورغم أن الاتحاد دعم في البداية قرار سعيد حل البرلمان المنتخب في 2021، فإنه عارض إجراءاته اللاحقة، واصفاً إياها بأنها محاولة لترسيخ حكم الرجل الواحد.


تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
TT

تصادم أذرع «الوحدة» الليبية يُعيد التوتر المسلّح إلى الزاوية

عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)
عرض صباحي في المنطقة العسكرية الساحل الغربي (المكتب الإعلامي للمنطقة)

أمضت مناطق عدة في مدينة الزاوية الليبية (غرب) ليلتها على وقع دوي الرصاص والقذائف، إثر اشتباكات مسلحة بين تشكيلين محسوبين على حكومة «الوحدة الوطنية» المؤقتة، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، خلّفت قتلى وجرحى.

ووقعت هذه الاشتباكات، التي تُعد الأحدث في المدينة التي تعاني من تغول الميليشيات، مساء الخميس، واستمرت حتى الساعات الأولى من يوم الجمعة، بين «الكتيبة 103 مشاة»، المعروفة بـ«كتيبة السلعة» بإمرة عثمان اللهب، وتشكيل آخر تابع لقوة «الإسناد الأولى - الزاوية»، بقيادة محمد بحرون، الملقب بـ«الفأر».

آمِر «فرقة الإسناد الأولى» محمد بحرون الملقب بـ«الفأر» خلال حضور مناسبة رسمية بغرب ليبيا (حسابات موثوق بها على مواقع التواصل)

وأدى التصادم بين التشكيلين إلى نشر حالة من الذعر بين المواطنين، الأمر الذي اضطر جهاز الإسعاف والطوارئ إلى تحذير المسافرين عبر الطريق الساحلي - الزاوية، من الإشارة الضوئية - أولاد صقر وحتى بوابة الحرشة، بضرورة اللجوء إلى طرق بديلة، بعد إغلاقه بسبب التوتر الأمني.

ومع بداية القصف، أعلن جهاز الإسعاف والطوارئ عن إصابة مواطن مدني إثر سقوط مقذوف بالقرب منه على الطريق الساحلي، لكن مع هدوء الأوضاع نقلت مصادر طبية مقتل مواطنين في المواجهات، بالإضافة إلى إصابة آخرين؛ وذلك في حلقة جديدة من الصراع على توسيع النفوذ والسيطرة.

وتتبع قوة «الإسناد الأولى» لمديرية أمن مدينة الزاوية، التابعة لوزارة الداخلية بحكومة «الوحدة»، بينما تتبع «كتيبة السلعة» منطقة الساحل الغربي العسكرية.

وعكست متابعات شهود عيان أجواء الصدام المسلح بين الأذرع الأمنية والعسكرية للحكومة. وقال الناشط السياسي منصور الأحرش: «ما إن هطلت الأمطار البارحة في سماء الزاوية، حتى رافقها هطول من الضرب العشوائي بالأسلحة المتوسطة بين تشكيلين مسلحين، أحدهما يتبع وزارة الدفاع، والآخر يتبع وزارة الداخلية؛ ما أدى إلى مقتل مواطنين وإصابة آخرين».

وبنوع من الرفض لما يجري في الزاوية على يد التشكيلات المسلحة، ذكّر الأحرش ساخراً بأن الجبهتين المتقاتلتين «تتقاضيان مرتباتهما من الدولة؛ طبعاً خارج منظومة (راتبك لحظي)، وعلينا ألا ننسى العمل الإضافي أيضاً؛ لأن الاشتباكات وقعت خارج الدوام الرسمي».

وسبق أن أطلق مصرف ليبيا المركزي مطلع سبتمبر (أيلول) منظومة «راتبك لحظي»، التي تهدف إلى «تسريع وصول المرتبات لمستحقيها، بدلاً من النظام المعمول به لدى وزارة المالية، والذي كان يستغرق عدة أسابيع لصرف الرواتب للموظفين».

وتمكّن «جهاز دعم الاستقرار»، التابع للمجلس الرئاسي، الذي يقوده حسن أبو زريبة، من استعادة الهدوء في الزاوية بعد تدخله للفصل بين التشكيلين.

ويتكرر الصدام المسلح بين الميليشيات في الزاوية، حيث سبق أن شهدت المدينة اشتباكات بين مجموعات تعد من أذرع حكومة «الوحدة»، إثر محاولة اغتيال قيادي بارز في تشكيل مسلح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وكان قائد ميليشيا «قوة احتياط الزاوية»، محمد سليمان، الملقب بـ«تشارلي»، ومرافقه عبد الرحمن كارزو، قد أُصيبا بجروح خطيرة بعد استهداف سيارتهما بقذيفة «آر بي جي»، أطلقتها مجموعة مسلحة تابعة لـ«الفأر».

كما سبق أن طالت الاشتباكات المسلحة في الزاوية خزانات النفط في محيط مصفاة الزاوية للتكرير، أوقعت قتيلاً و15 جريحاً على الأقل، وهو ما اضطر «المؤسسة الوطنية للنفط» حينها إلى إعلان «القوة القاهرة»، قبل أن يتم إخماد النيران.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية وعسكريين ومدنيين خلال مشاركتهم في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعشية الاشتباكات التي شهدتها الزاوية، اختتمت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ندوة فنية استمرت يومين، بتعاون وثيق مع وزارات الدفاع والداخلية والخارجية، تناولت «تطبيق مدونة قواعد السلوك للوحدات والمؤسسات العسكرية والأمنية والشرطية»، التي أقرّتها السلطات الليبية في وقت سابق من هذا العام.

وأوضحت البعثة أن الندوة جمعت «كفاءات رفيعة المستوى» من الوزارات المعنية، ورئاسة الأركان العامة، وأعضاء لجنتي الدفاع والأمن القومي في مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، وبتمثيل فعال للمرأة.

وتمحورت المناقشات، بحسب البعثة، حول ترجمة مبادئ المدونة إلى ممارسات عملية بوضع خطط تدريبية مُعتمدة في جميع المؤسسات الأمنية الليبية، مع التركيز على الامتثال القانوني، والمساءلة والسلوك الأخلاقي، والمسؤولية الاجتماعية، والاحترافية، وهي عناصر أساسية لتعزيز الانضباط المؤسسي، واستعادة ثقة المواطنين، وتعزيز التماسك داخل قطاع الأمن.

واعتمدت الندوة الفنية «خريطة طريق شاملة لتوجيه المرحلة التالية في تعميم مدونة قواعد السلوك»، وتُحدّد الخريطة تدابير لتعزيز وحدة المؤسسات ونزاهتها، وترسيخ آليات المساءلة، وضمان الالتزام الكامل بالمبادئ الدستورية، والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.

ممثلون عن وزارات الدفاع والداخلية والخارجية في فعالية رعتها البعثة الأممية (البعثة)

وعَدَّ بدر الدين الحارثي، مدير شعبة المؤسسات الأمنية في البعثة، هذه الخطوة «مهمة نحو ترجمة مدونة قواعد السلوك إلى إجراءات عملية بقيادة وطنية»، وقال إن البعثة «لا تزال ملتزمة التزاماً كاملاً بدعم السلطات الوطنية في مساعيها لتحقيق هذه الإصلاحات، وغيرها من الإصلاحات الاستراتيجية والتشغيلية الضرورية لبناء قطاع أمني مهني، خاضع للرقابة وضوابط المساءلة».