بينما يرى مراقبون أن مبادرة اقتصادية جزائرية–فرنسية قد تُشكّل مدخلاً لاستئناف الحوار بين سلطات البلدين، أفرج القضاء الفرنسي عن مهاجر جزائري، بعد تعذّر تنفيذ قرار ترحيله، بسبب عدم حصول باريس على موافقة الجزائر. وجاء ذلك بعد شهور من صدور قرار الإبعاد، الذي شكّل إحدى محطات التوتر الحاد بين البلدين.
وشاركت نحو 20 شركة فرنسية، إلى جانب أكثر من 150 مؤسسة جزائرية، أمس واليوم الأربعاء، في فعاليات «أيام الصناعة»، التي احتضنتها الجزائر العاصمة، وهي تظاهرة مخصّصة لتطوير القطاع الإنتاجي، وذلك رغم الأزمة السياسية الحادة التي تشهدها العلاقات بين البلدين منذ أواخر يوليو (تموز) 2024.
وصرح ميشيل بيساك، رئيس «غرفة التجارة والصناعة الجزائرية - الفرنسية»، التي تنظم هذا الحدث، للموقع الإخباري «كل شيء عن الجزائر»، بأن الأمر يتعلق بأول لقاء بين شركات جزائرية وفرنسية في مجال الصناعة خلال عام 2025. مؤكداً أن «الغرفة» سبق أن نظمت لقاءات قطاعية في مجالات الصيدلة والصناعات الغذائية. وشدد على أن «هدفنا اليوم هو جمع شركات من القطاع الصناعي ترغب في الاستثمار في الجزائر، أو نقل خبراتها إليها».
وقال بيساك: «لقد نجحنا، ونحن فخورون بذلك، في استقطاب نحو عشرين شركة فرنسية تشارك اليوم في أيام الصناعة. وهناك أيضاً أكثر من 150 شركة جزائرية، منها 40 شركة من القطاع العام». ويمثل الشركات الجزائرية الخاصة تجمع أرباب العمل الأكبر في البلاد «مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري»، بقيادة رجل الأعمال كمال مولى.
وأضاف بيساك أن رجال الأعمال «بإمكانهم إنقاذ العلاقات الجزائرية- الفرنسية»، التي لامست القطيعة بسبب حدة الخلافات. موضحاً أن الشركات الفرنسية «لا تزال مهتمة بالجزائر، وفي الواقع لم تتوقف أبداً عن ذلك. وقد شهدنا تراجعاً بنسبة 21 في المائة في الصادرات الفرنسية إلى الجزائر في الربع الأول من 2025، ثم انخفضت نسبة التراجع إلى 18 في المائة خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة. أي إن هناك تباطؤاً في هذا الانخفاض... والأهم من ذلك أن هناك شركات جديدة تهتم بالجزائر، البلد الذي لا يمكن لفرنسا الاستغناء عنه. فهو يبعد ساعة وعشر دقائق فقط بالطائرة عن مرسيليا أو نيس (جنوب فرنسا)، وساعتين عن باريس. إنه بلد غني بالفرص. ورجال الأعمال براغماتيون، ويسعون إلى العمل مع نظرائهم من رجال الأعمال. وهناك شهية حقيقية بين الجزائر وفرنسا للاستمرار في العمل معاً».
وتابع بيساك موضحاً: «نحن نؤمن بذلك منذ وقت طويل. ويجب أن نفصل الاقتصاد عن السياسة، لأن هذا أمر بالغ الأهمية»، مشيراً إلى أن الشركات الفرنسية، البالغ عددها 6000 شركة، التي تعمل في الجزائر «لم تتوقف أبداً عن نشاطها، مهما كانت المواقف السياسية المتشددة، التي تم التعبير عنها في الآونة الأخيرة. ومن المؤكد أن الاقتصاد شيء مختلف تماماً عن السياسة. نحن بحاجة ملحة إلى الاستمرار في هذه العلاقة الاقتصادية».
وكان بيساك يشير إلى ملاسنات حادة بين مسؤولي البلدين، عبر وسائل الإعلام، تفجّرت في الفترة الأخيرة على خلفية سجن موظف قنصلي جزائري في باريس، بعد اتهامه بـ«خطف واحتجاز» يوتيوبر جزائري لاجئ في فرنسا، رفقة ثلاثة آخرين أُودعوا السجن أيضاً. وقد أدت هذه الحادثة إلى تبادل طرد 30 دبلوماسياً بين البلدين، وأجهضت مساعي تهدئة، كان من أبرزها زيارة وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، إلى الجزائر في 6 أبريل (نيسان) الماضي.
ويأتي الحضور المكثف للشركات الفرنسية في «أيام الصناعة»، بعد زيارة رودولف سعادة، الرئيس التنفيذي لشركة «سي إم أي – سي جي إم» الفرنسية العملاقة للنقل البحري، إلى الجزائر في 2 يونيو (حزيران). وعلّقت وسائل إعلام على هذه الزيارة بأنها «قد تكون مؤشراً على إنهاء التوترات بين الجزائر وباريس من بوابة الشراكة الاقتصادية»، علماً أن الخلافات اندلعت في نهاية يوليو 2024 عندما عبرت الجزائر عن غضبها من إعلان «الإليزيه» اعترافه بمغربية الصحراء.
في سياق متصل، أفرج القضاء الفرنسي، أمس الثلاثاء، عن المؤثر الجزائري «دوالمن»، واسمه الحقيقي بوعلام نعمان، بسبب عدم حصول وزارة الداخلية الفرنسية على موافقة السلطات الجزائرية لترحيله.
وبعد أن بلغت مدة احتجازه القصوى في مركز الاحتجاز الإداري (90 يوماً)، اضطرت السلطات الفرنسية إلى إطلاق سراحه، مع فرض الإقامة الجبرية عليه.
وبحسب محاميه، الأستاذ جان-بابتست موسيه، فإن هذا الإجراء ترافقه «شروط صارمة للغاية»، غير أن موكله الستيني «يبدي التزاماً تاماً باحترامها»، وفق ما أوردته قناة «سي نيوز» الفرنسية.
وفي مطلع عام 2025، وبعد سحب تصريح إقامته ضمن إجراء استعجالي، قام وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، بترحيله إلى الجزائر. إلا أن السلطات الجزائرية رفضت استقباله، وأعادته إلى فرنسا، معتبرة أن عملية الترحيل «لم تحترم الأطر القانونية المعمول بها في مثل هذه الحالات»، وهو ما زاد من حدة التوتر بين البلدين.
وصدر حكم بحق «دوالمن» بالسجن 5 أشهر مع وقف التنفيذ، بعد دعوته عبر حسابه في تطبيق «تيك توك» إلى «إنزال عقوبة قاسية» بمعارضين جزائريين، وقد استأنف الحكم. كما جرى توقيف مؤثرين آخرين مؤيدين للسلطة في الجزائر، وُجهت إليهم تهم بـ«العنف» ضد نشطاء معارضين.