هل تفتح «المصالح الاقتصادية» باب المصالحة بين الجزائر وفرنسا؟

بيساك: رجال الأعمال بإمكانهم إنقاذ العلاقات التي لامست القطيعة بسبب حدة الخلافات

الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
TT

هل تفتح «المصالح الاقتصادية» باب المصالحة بين الجزائر وفرنسا؟

الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)
الرئيس الجزائري مستقبلاً نظيره الفرنسي في أغسطس 2022 (الرئاسة الجزائرية)

بينما يرى مراقبون أن مبادرة اقتصادية جزائرية–فرنسية قد تُشكّل مدخلاً لاستئناف الحوار بين سلطات البلدين، أفرج القضاء الفرنسي عن مهاجر جزائري، بعد تعذّر تنفيذ قرار ترحيله، بسبب عدم حصول باريس على موافقة الجزائر. وجاء ذلك بعد شهور من صدور قرار الإبعاد، الذي شكّل إحدى محطات التوتر الحاد بين البلدين.

رئيس أكبر تجمع لأرباب العمل الجزائريين كمال مولى (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

وشاركت نحو 20 شركة فرنسية، إلى جانب أكثر من 150 مؤسسة جزائرية، أمس واليوم الأربعاء، في فعاليات «أيام الصناعة»، التي احتضنتها الجزائر العاصمة، وهي تظاهرة مخصّصة لتطوير القطاع الإنتاجي، وذلك رغم الأزمة السياسية الحادة التي تشهدها العلاقات بين البلدين منذ أواخر يوليو (تموز) 2024.

وصرح ميشيل بيساك، رئيس «غرفة التجارة والصناعة الجزائرية - الفرنسية»، التي تنظم هذا الحدث، للموقع الإخباري «كل شيء عن الجزائر»، بأن الأمر يتعلق بأول لقاء بين شركات جزائرية وفرنسية في مجال الصناعة خلال عام 2025. مؤكداً أن «الغرفة» سبق أن نظمت لقاءات قطاعية في مجالات الصيدلة والصناعات الغذائية. وشدد على أن «هدفنا اليوم هو جمع شركات من القطاع الصناعي ترغب في الاستثمار في الجزائر، أو نقل خبراتها إليها».

الرئيس الجزائري مستقبلاً وزير الخارجية الفرنسي في أبريل الماضي (الرئاسة الجزائرية)

وقال بيساك: «لقد نجحنا، ونحن فخورون بذلك، في استقطاب نحو عشرين شركة فرنسية تشارك اليوم في أيام الصناعة. وهناك أيضاً أكثر من 150 شركة جزائرية، منها 40 شركة من القطاع العام». ويمثل الشركات الجزائرية الخاصة تجمع أرباب العمل الأكبر في البلاد «مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري»، بقيادة رجل الأعمال كمال مولى.

وأضاف بيساك أن رجال الأعمال «بإمكانهم إنقاذ العلاقات الجزائرية- الفرنسية»، التي لامست القطيعة بسبب حدة الخلافات. موضحاً أن الشركات الفرنسية «لا تزال مهتمة بالجزائر، وفي الواقع لم تتوقف أبداً عن ذلك. وقد شهدنا تراجعاً بنسبة 21 في المائة في الصادرات الفرنسية إلى الجزائر في الربع الأول من 2025، ثم انخفضت نسبة التراجع إلى 18 في المائة خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة. أي إن هناك تباطؤاً في هذا الانخفاض... والأهم من ذلك أن هناك شركات جديدة تهتم بالجزائر، البلد الذي لا يمكن لفرنسا الاستغناء عنه. فهو يبعد ساعة وعشر دقائق فقط بالطائرة عن مرسيليا أو نيس (جنوب فرنسا)، وساعتين عن باريس. إنه بلد غني بالفرص. ورجال الأعمال براغماتيون، ويسعون إلى العمل مع نظرائهم من رجال الأعمال. وهناك شهية حقيقية بين الجزائر وفرنسا للاستمرار في العمل معاً».

وتابع بيساك موضحاً: «نحن نؤمن بذلك منذ وقت طويل. ويجب أن نفصل الاقتصاد عن السياسة، لأن هذا أمر بالغ الأهمية»، مشيراً إلى أن الشركات الفرنسية، البالغ عددها 6000 شركة، التي تعمل في الجزائر «لم تتوقف أبداً عن نشاطها، مهما كانت المواقف السياسية المتشددة، التي تم التعبير عنها في الآونة الأخيرة. ومن المؤكد أن الاقتصاد شيء مختلف تماماً عن السياسة. نحن بحاجة ملحة إلى الاستمرار في هذه العلاقة الاقتصادية».

الرئيس الجزائري مستقبلاً رجل الأعمال الفرنسي رودولف سعادة (الرئاسة الجزائرية)

وكان بيساك يشير إلى ملاسنات حادة بين مسؤولي البلدين، عبر وسائل الإعلام، تفجّرت في الفترة الأخيرة على خلفية سجن موظف قنصلي جزائري في باريس، بعد اتهامه بـ«خطف واحتجاز» يوتيوبر جزائري لاجئ في فرنسا، رفقة ثلاثة آخرين أُودعوا السجن أيضاً. وقد أدت هذه الحادثة إلى تبادل طرد 30 دبلوماسياً بين البلدين، وأجهضت مساعي تهدئة، كان من أبرزها زيارة وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل بارو، إلى الجزائر في 6 أبريل (نيسان) الماضي.

ويأتي الحضور المكثف للشركات الفرنسية في «أيام الصناعة»، بعد زيارة رودولف سعادة، الرئيس التنفيذي لشركة «سي إم أي – سي جي إم» الفرنسية العملاقة للنقل البحري، إلى الجزائر في 2 يونيو (حزيران). وعلّقت وسائل إعلام على هذه الزيارة بأنها «قد تكون مؤشراً على إنهاء التوترات بين الجزائر وباريس من بوابة الشراكة الاقتصادية»، علماً أن الخلافات اندلعت في نهاية يوليو 2024 عندما عبرت الجزائر عن غضبها من إعلان «الإليزيه» اعترافه بمغربية الصحراء.

في سياق متصل، أفرج القضاء الفرنسي، أمس الثلاثاء، عن المؤثر الجزائري «دوالمن»، واسمه الحقيقي بوعلام نعمان، بسبب عدم حصول وزارة الداخلية الفرنسية على موافقة السلطات الجزائرية لترحيله.

وبعد أن بلغت مدة احتجازه القصوى في مركز الاحتجاز الإداري (90 يوماً)، اضطرت السلطات الفرنسية إلى إطلاق سراحه، مع فرض الإقامة الجبرية عليه.

وبحسب محاميه، الأستاذ جان-بابتست موسيه، فإن هذا الإجراء ترافقه «شروط صارمة للغاية»، غير أن موكله الستيني «يبدي التزاماً تاماً باحترامها»، وفق ما أوردته قناة «سي نيوز» الفرنسية.

وفي مطلع عام 2025، وبعد سحب تصريح إقامته ضمن إجراء استعجالي، قام وزير الداخلية الفرنسي، برونو ريتايو، بترحيله إلى الجزائر. إلا أن السلطات الجزائرية رفضت استقباله، وأعادته إلى فرنسا، معتبرة أن عملية الترحيل «لم تحترم الأطر القانونية المعمول بها في مثل هذه الحالات»، وهو ما زاد من حدة التوتر بين البلدين.

رئيس غرفة التجارة الجزائرية الفرنسية ميشال بيساك (حسابه بالإعلام الاجتماعي)

وصدر حكم بحق «دوالمن» بالسجن 5 أشهر مع وقف التنفيذ، بعد دعوته عبر حسابه في تطبيق «تيك توك» إلى «إنزال عقوبة قاسية» بمعارضين جزائريين، وقد استأنف الحكم. كما جرى توقيف مؤثرين آخرين مؤيدين للسلطة في الجزائر، وُجهت إليهم تهم بـ«العنف» ضد نشطاء معارضين.


مقالات ذات صلة

الحكومة الجزائرية تعتمد قانوناً جديداً لمكافحة غسل الأموال سعيا للخروج من «القائمة الرمادية»

شمال افريقيا اجتماع «أفريبول» بالجزائر (الشرطة الجزائرية)

الحكومة الجزائرية تعتمد قانوناً جديداً لمكافحة غسل الأموال سعيا للخروج من «القائمة الرمادية»

برغم الالتزام الرسمي، وانخراط الجزائر في خطة عمل مشتركة مع مجموعة العمل المالي المعروفة اختصاراً بـ«جافي»، فإنها لا تزال تواجه قصورا في بعض الإجراءات.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري خلال إطلاق تشغيل محطة لتحلية مياه البحر غربي العاصمة (الرئاسة)

الجزائر تُسرّع وتيرة تحلية مياه البحر لتفكيك «قنبلة العطش»

أعلنت مجموعة «سوناطراك» الجزائرية للمحروقات عن بلوغ المرحلة النهائية من مسار الدخول التدريجي في الإنتاج بمحطة لتحلية مياه البحر في ولاية بجاية شرق العاصمة.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شمال افريقيا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون يترحم على أرواح شهداء الثورة في الجزائر 5 يوليو (د.ب.أ)

الجزائر تحتفي باستقلالها وسط ضغوط إقليمية وتداعيات إرث الاستعمار

في 5 يوليو (تموز) 2025 تحتفل الجزائر بمرور 63 سنة على استقلالها، وسط لحظة محورية في تاريخها الحديث. داخليًّا، تعوّل الحكومة على تعزيز التنويع الاقتصادي.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
تحليل إخباري الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

تحليل إخباري بقاء الكاتب صنصال في السجن يمدد الأزمة بين الجزائر وفرنسا

خيبة فرنسية من استثناء الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال من العفو الرئاسي الجزائري، لكن باريس ما زالت تأمل في صدور عفو «فردي» يصدره الرئيس تبون.

ميشال أبونجم (باريس)
شمال افريقيا الكاتب بوعلام صنصال (أ.ف.ب)

الكاتب بوعلام بو صنصال لن يطعن بحكم سجنه في الجزائر

قرّر الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال، الذي حُكم عليه بالسجن 5 سنوات، بعد إدانته تهمة «المساس بسلامة وحدة الوطن» في الجزائر، عدم الطعن بالحكم.

«الشرق الأوسط» (باريس)

تونس تصدر أحكاماً مشددة بالسجن على سياسيين كبار بينهم الغنوشي

راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» (د.ب.أ)
راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» (د.ب.أ)
TT

تونس تصدر أحكاماً مشددة بالسجن على سياسيين كبار بينهم الغنوشي

راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» (د.ب.أ)
راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» (د.ب.أ)

قالت إذاعة «موزاييك إف إم» التونسية إن محكمة أصدرت، اليوم الثلاثاء، أحكاماً بالسجن تتراوح من 12 إلى 35 عاماً على سياسيين كبار من بينهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ومسؤولين أمنيين سابقين بتهمة التآمر، في خطوة يقول منتقدون إنها تظهر «استخدام الرئيس قيس سعيد للقضاء لترسيخ حكم استبدادي».

ومن بين المحكوم عليهم بتهمة التآمر على الدولة في هذه المحاكمة نادية عكاشة، مديرة ديوان الرئيس قيس سعيد السابقة.

وحُكم على عكاشة التي فرت من البلاد بالسجن 35 عاماً.

وقالت «موزاييك» إن رئيس الوزراء السابق يوسف الشاهد المتهم في هذه القضية طعن على قرار دائرة الاتهام بإحالته إلى الدائرة الجنائية، وهو ما يعني أنه ليس مشمولاً في الأحكام حتى الآن في انتظار نتيجة الطعن.

وحُكم على الغنوشي (84 عاماً)، الرئيس المخضرم لحزب «النهضة الإسلامي»، بالسجن 14 عاماً.

والغنوشي، الذي كان رئيساً للبرلمان الذي حله سعيد، مسجون منذ عام 2023، وصدرت بحقه ثلاثة أحكام بالسجن لمدة تبلغ 27 عاماً في قضايا منفصلة في الأشهر القليلة الماضية.

ووُجهت اتهامات إلى 21 شخصاً في القضية، منهم عشرة في السجن بالفعل و11 فروا من البلاد.

وحكمت المحكمة على رئيس جهاز المخابرات السابق كمال القيزاني بالسجن 35 عاماً، ووزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام بالسجن 35 عاماً، ومعاذ الغنوشي، ابن راشد الغنوشي، بالسجن 35 عاماً. وفر الثلاثة من البلاد.

وحل سعيد البرلمان عام 2021 وبدأ الحكم بالمراسيم، ثم حل المجلس الأعلى للقضاء المستقل وأقال عشرات القضاة، وهي خطوة تصفها المعارضة بأنها انقلاب قوض الديمقراطية الناشئة التي فجرت شرارة انتفاضات «الربيع العربي» عام 2011.

ويرفض سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن خطواته قانونية وتهدف إلى إنهاء سنوات من الفوضى والفساد المستشري في أوساط النخبة السياسية.

ويقبع معظم قادة المعارضة وبعض الصحافيين ومنتقدي سعيد في السجن منذ أن سيطر سعيد على معظم السلطات في عام 2021.

وهذا العام، أصدرت محكمة أخرى أحكاماً بالسجن تتراوح من خمسة أعوام إلى 66 عاماً على قادة للمعارضة ورجال أعمال ومحامين بتهمة التآمر أيضاً، وهي قضية تقول المعارضة إنها ملفقة في محاولة لقمع معارضي الرئيس.

وتقول جماعات حقوقية ونشطاء إن سعيد حول تونس إلى سجن مفتوح ويستخدم القضاء والشرطة لاستهداف خصومه السياسيين.

ويرفض سعيد هذه الاتهامات، ويقول إنه لن يصبح ديكتاتوراً وإنه لا أحد فوق القانون مهما كان اسمه أو منصبه.