تحالف «صمود» يؤكد استحالة الحل العسكري في السودان

دعا في رؤية سياسية جديدة إلى تفكيك حزب البشير


حمدوك يتوسط قيادات مدنية خلال مؤتمر سابق في لندن (الشرق الأوسط)
حمدوك يتوسط قيادات مدنية خلال مؤتمر سابق في لندن (الشرق الأوسط)
TT

تحالف «صمود» يؤكد استحالة الحل العسكري في السودان


حمدوك يتوسط قيادات مدنية خلال مؤتمر سابق في لندن (الشرق الأوسط)
حمدوك يتوسط قيادات مدنية خلال مؤتمر سابق في لندن (الشرق الأوسط)

دعا التحالف المدني الديمقراطي (صمود) في السودان، الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك، إلى الوقف الفوري للحرب عبر التفاوض، مؤكداً استحالة الحلول العسكرية، وجدد دعوته إلى تفكيك نظام «الإنقاذ» السابق الذي كان يتزعمه الرئيس المخلوع عمر البشير، وأيضاً حظر حزبه «المؤتمر الوطني»، وإعادة بناء وهيكلة المؤسسة العسكرية والأمنية، وتكوين حكومة مدنية انتقالية تحكم البلاد لمدة خمس سنوات، وتعد لانتخابات حرة نزيهة. كما وعد التحالف بتقديم رؤيته للقوى السياسية والمدنية للتشاور حول مشروع وطني متوافق عليه.

وأعلن «صمود» إكمال إعداد وثيقة رؤية سياسية لإنهاء الحروب واستعادة تأسيس الدولة المدنية، معلناً عزمه على تقديمها للقوى السياسية والمجموعات النسوية والشبابية والمدنية كافة، من أجل التوافق على رؤية موحدة تُخرج البلاد من أزماتها.

وجاء في الوثيقة، التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، أنّ النزاع في السودان لا يمكن حله عسكرياً مهما طال أمده، وأنّ الخيار الوحيد لوضع حدٍّ للمعاناة وحفظ وحدة البلاد يتمثل في الإنهاء الفوري للحرب، وإطلاق عملية سلام شاملة ذات مصداقية يقودها السودانيون، تؤدي إلى حل سياسي يعالج جذور الأزمة، بمحاورها الإنسانية ووقف إطلاق النار، وابتداع مسار سياسي مدني.

وتوقعت «صمود» أن تفضي العملية المزمع إطلاقها إلى وقف دائم لإطلاق النار، وتوقيع اتفاق سلام شامل، والانتقال إلى ترتيبات دستورية انتقالية تقوم على توافق عريض، وتستعيد «ثورة ديسمبر» في مسار الانتقال المدني الديمقراطي، وإعادة بناء وتأسيس منظومة أمنية وعسكرية موحدة، مهنية، وقومية، لا تتدخل في السياسة والاقتصاد.

بناء نظام عدالة

نازحون سودانيون في مخيم تديره «مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» ببلدة القلابات السودانية الحدودية مع إثيوبيا خلال نوفمبر 2024 (أ.ف.ب)

وشدّدت الوثيقة على أهمية بناء نظام عدالة، يحاسب الانتهاكات وينصف الضحايا، وتشكيل سلطة مدنية انتقالية بصلاحيات كاملة لتصفية آثار الحرب، وإعادة الإعمار، وقيادة البلاد إلى انتخابات ديمقراطية نزيهة. وبحسب الرؤية، فإنّ العملية السلمية يجب أن تستند إلى معايير واضحة، وأطراف معروفة ومحددة، تتمثل في القوى السياسية، وحركات الكفاح المسلح، والمجتمع المدني، والمهنيين، والنقابات، ولجان المقاومة، على أن تكون مدعومة ببُعد شعبي يشارك فيه أصحاب المصلحة.

وأكدت الوثيقة على رفض أي مساعٍ لما سمّته «إغراق العملية السياسية بواجهات مصنوعة ومزيّفة»، كما رفضت مكافأة حزب «المؤتمر الوطني» والحركة الإسلامية وواجهاتهما على إشعال الحرب والعمل على استمرارها، مؤكدة وجوب محاسبتهما. ووضعت الرؤية توصيفاً لمستويات الحكم الانتقالي بأن يكون «اتحادي، إقليمي، محلي»، يدير البلاد خلال فترة انتقالية مدتها خمس سنوات تنتهي بانتخابات عامة، تعقبها فترة تأسيسية ثانية مدتها خمس سنوات تقودها الحكومة المنتخبة.

وتتمثل مهام الحكومة الانتقالية في استدامة وقف إطلاق النار، وتنفيذ ترتيبات أمنية تشمل بناء وتأسيس المنظومة الأمنية والعسكرية، وجمع السلاح، وفرض سيادة حكم القانون، وتحقيق الاستجابة الإنسانية، وإعمار ما دمرته الحرب، وإطلاق عملية عدالة انتقالية ومصالحة وطنية، تتضمن كشف الحقائق، ومحاسبة الجناة، وجبر الضرر، وضمان عدم الإفلات من العقاب، والنهوض بالاقتصاد الوطني، ووقف تدهوره، ومكافحة الفساد.

وتشمل مهام الانتقال، وفقاً للرؤية، إصلاح مؤسسات الدولة المدنية والقضائية، وضمان استقلاليتها وكفاءتها، وتفكيك أدوات القمع، ومواجهة ما ترتّب على انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021، وتهيئة المناخ للحوار الوطني الجاد، وصياغة دستور دائم يعكس تطلعات المواطنين في دولة مدنية ديمقراطية.

تفكيك نظام البشير

الرئيس السابق عمر البشير في القفص أثناء محاكمته بعد إطاحته في 2019 (فيسبوك)

وشددت الرؤية على تفكيك نظام البشير، وحظر النشاط السياسي لحزب المؤتمر الوطني «المحلول» وواجهاته، وحظر تمثيله في مؤسسات الحكم والمفوضيات، ومنع إعادة تسجيله أو تسجيل جمعياته ومنظماته وواجهاته، على أن تؤول أمواله وأسهمه، سواء المسجلة باسمه أو بأسماء أي من واجهاته، إلى وزارة المالية.

وتعمل حكومة الانتقال على إعداد البلاد لإقامة انتخابات حرة نزيهة، من خلال إنشاء مفوضية انتخابات مستقلة، وإعداد سجل انتخابي شفاف، وضمان الحريات السياسية والإعلامية، وتعزيز الحوار مع المجتمع الدولي عبر سياسة خارجية متوازنة تستطيع حشد الدعم الإقليمي والدولي لصالح السلام والتحول المدني.

ونصّت الرؤية على أسس ومبادئ لإنهاء الحروب، وإعادة تأسيس الدولة السودانية، وتحقيق وحدة البلاد وسيادتها على أراضيها ومواردها ومجالها الجوي والبحري، وأن يكون الشعب مصدر السلطات خلال المرحلة الانتقالية، دون مشاركة العسكريين في الحكم، وبناء دولة مدنية، تقف على مسافة واحدة من جميع الأديان والمعتقدات، وتعتمد المواطنة أساساً للحقوق والواجبات دون تمييز ديني، أو جهوي، أو اجتماعي، أو اقتصادي، أو بسبب الإعاقة.

كما حددت الرؤية شكل الحكم بـ«نظام فيدرالي» يعترف بحقوق الأقاليم في إدارة شؤونها السياسية والاقتصادية والثقافية، وضمان حقوقها في المشاركة العادلة في جميع مستويات السلطة، مع اعتماد مبدأ التقاسم العادل للموارد، بما يحقق التوازن، ويستجيب للتنوع والمظالم التاريخية، ويكرّس العدالة والمساواة والحكم الرشيد، ويؤسس لمنظومة أمنية وعسكرية مبنية على الأسس المهنية القومية والمعايير الدولية، وتحقق استقلالية مؤسسات الدولة.

سياسة خارجية متوازنة

رئيس الوزراء السوداني الجديد يؤدي اليمين الدستورية أمام البرهان (سونا)

وخارجياً، دعت الوثيقة إلى انتهاج سياسة خارجية متوازنة، تراعي مصالح البلاد، وتدعم السلم والأمن الإقليمي والدولي، وتنأى عن التدخل في شؤون الغير، وتقوم على مبدأ حسن الجوار، وتحارب الإرهاب والتطرف والجرائم العابرة للحدود، والهجرة غير الشرعية.

ووصفت الرؤية الحرب بأنها «حرب وجودية» تهدد وحدة البلاد وتفتح الباب أمام سيناريوهات خطيرة، وقد تسببت في كارثة إنسانية غير مسبوقة، مشيرة إلى أنها تهدف في جوهرها إلى «تصفية ثورة ديسمبر»/كانون الأول، وقطع الطريق أمام أي مسار لتحول مدني ديمقراطي يحقق أهداف الثورة في الحرية والسلام والعدالة.

وأوضحت أنّ ضرورة وقف القتال تكمن في اعتماد حلول سلمية مستدامة تعالج أسباب الحروب وتضمد آثارها، وتستعيد نهضة البلاد عبر مشروع جامع يستكمل مسار التغيير، ويؤسس لدولة العدل والمواطنة والديمقراطية. وأكد تحالف «صمود» رفضه ترك البلاد رهينة للفوضى والتشظي، مشيراً إلى أنه سيخوض «المعركة المصيرية» بطرح رؤيته بصفتها إطاراً سياسياً استراتيجياً للقوى السياسية والمجتمعية.


مقالات ذات صلة

البرهان يتدخل ويبقي على أنصبة «الحركات المسلحة» في الحكومة

شمال افريقيا الفريق عبد الفتاح البرهان (أ.ف.ب)

البرهان يتدخل ويبقي على أنصبة «الحركات المسلحة» في الحكومة

أطراف «مسار دارفور» في اتفاق جوبا للسلام تتمسك بالحقائب الوزارية التي كانت تشغلها في «الحكومة المحلولة» دون تغيير.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا السودان يقول إنه دمر 50 ألف «جسم متفجر» من مخلفات الحرب  (أ.ف.ب)

السودان... السلاح في يد الجميع فمن يحمي المدنيين؟

يهدد انتشار السلاح في السودان بكثافة الأمن خارج مناطق الحرب، ورغم تقليل الخبراء من خطورته، فإن خلو البلاد منه يعد أمراً معقداً.

وجدان طلحة (بورتسودان)
تحليل إخباري البرهان و«حميدتي» خلال تعاونهما في إطاحة نظام البشير (أرشيفية - أ.ف.ب) play-circle

تحليل إخباري هدوء القتال في السودان... هدنة غير معلنة أم استراحة محارب؟

تشهد محاور القتال في السودان هدوءاً نسبياً، أرجعه خبراء إلى إنهاك الطرفين المتحاربين والصراعات الداخلية في صف كل طرف والضغوط الدولية.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا نزوح من مدينة الفاشر التي تحاصرها «قوات الدعم السريع» (أرشيفية - الشرق الأوسط)

الفاشر المحاصرة تنازع القتال والجوع

على وقع الحصار المستمر لمدينة الفاشر في غرب السودان، تراجعت قدرات السكان الشرائية، وباتوا عاجزين عن شراء القليل من الطعام بسبب الغلاء.

محمد أمين ياسين (نيروبي)
شمال افريقيا جامعة الخرطوم قبل الحرب (المكتبة الوطنية السودانية)

السودان: 3 مليارات دولار خسائر «التعليم العالي» جراء الحرب

قدَّرت وزارة التعليم العالي السودانية الأضرار الناتجة عن الحرب بقطاع التعليم العالي بنحو 3 مليارات دولار.

وجدان طلحة (بورتسودان)

تونس تصدر أحكاماً مشددة بالسجن على سياسيين كبار بينهم الغنوشي

راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» (د.ب.أ)
راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» (د.ب.أ)
TT

تونس تصدر أحكاماً مشددة بالسجن على سياسيين كبار بينهم الغنوشي

راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» (د.ب.أ)
راشد الغنوشي رئيس حركة «النهضة» (د.ب.أ)

قالت إذاعة «موزاييك إف إم» التونسية إن محكمة أصدرت، اليوم الثلاثاء، أحكاماً بالسجن تتراوح من 12 إلى 35 عاماً على سياسيين كبار من بينهم رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ومسؤولين أمنيين سابقين بتهمة التآمر، في خطوة يقول منتقدون إنها تظهر «استخدام الرئيس قيس سعيد للقضاء لترسيخ حكم استبدادي».

ومن بين المحكوم عليهم بتهمة التآمر على الدولة في هذه المحاكمة نادية عكاشة، مديرة ديوان الرئيس قيس سعيد السابقة.

وحُكم على عكاشة التي فرت من البلاد بالسجن 35 عاماً.

وقالت «موزاييك» إن رئيس الوزراء السابق يوسف الشاهد المتهم في هذه القضية طعن على قرار دائرة الاتهام بإحالته إلى الدائرة الجنائية، وهو ما يعني أنه ليس مشمولاً في الأحكام حتى الآن في انتظار نتيجة الطعن.

وحُكم على الغنوشي (84 عاماً)، الرئيس المخضرم لحزب «النهضة الإسلامي»، بالسجن 14 عاماً.

والغنوشي، الذي كان رئيساً للبرلمان الذي حله سعيد، مسجون منذ عام 2023، وصدرت بحقه ثلاثة أحكام بالسجن لمدة تبلغ 27 عاماً في قضايا منفصلة في الأشهر القليلة الماضية.

ووُجهت اتهامات إلى 21 شخصاً في القضية، منهم عشرة في السجن بالفعل و11 فروا من البلاد.

وحكمت المحكمة على رئيس جهاز المخابرات السابق كمال القيزاني بالسجن 35 عاماً، ووزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام بالسجن 35 عاماً، ومعاذ الغنوشي، ابن راشد الغنوشي، بالسجن 35 عاماً. وفر الثلاثة من البلاد.

وحل سعيد البرلمان عام 2021 وبدأ الحكم بالمراسيم، ثم حل المجلس الأعلى للقضاء المستقل وأقال عشرات القضاة، وهي خطوة تصفها المعارضة بأنها انقلاب قوض الديمقراطية الناشئة التي فجرت شرارة انتفاضات «الربيع العربي» عام 2011.

ويرفض سعيد هذه الاتهامات، ويقول إن خطواته قانونية وتهدف إلى إنهاء سنوات من الفوضى والفساد المستشري في أوساط النخبة السياسية.

ويقبع معظم قادة المعارضة وبعض الصحافيين ومنتقدي سعيد في السجن منذ أن سيطر سعيد على معظم السلطات في عام 2021.

وهذا العام، أصدرت محكمة أخرى أحكاماً بالسجن تتراوح من خمسة أعوام إلى 66 عاماً على قادة للمعارضة ورجال أعمال ومحامين بتهمة التآمر أيضاً، وهي قضية تقول المعارضة إنها ملفقة في محاولة لقمع معارضي الرئيس.

وتقول جماعات حقوقية ونشطاء إن سعيد حول تونس إلى سجن مفتوح ويستخدم القضاء والشرطة لاستهداف خصومه السياسيين.

ويرفض سعيد هذه الاتهامات، ويقول إنه لن يصبح ديكتاتوراً وإنه لا أحد فوق القانون مهما كان اسمه أو منصبه.