أرجأت محكمة الجنايات بالعاصمة الجزائرية النظر في «قضية تهريب 7 قناطير من الكوكايين» إلى الدورة الجنائية المقبلة، التي ستُفتتح في أكتوبر (تشرين الأول) 2025، بينما كان لافتاً، حضور المدير العام السابق للأمن الوطني، اللواء عبد الغني هامل، متهماً، خلال جلسة افتتاح المحاكمة التي لم تدم سوى دقائق معدودة.
وقد قرر القاضي تأجيل المحاكمة استجابةً لالتماس من هيئة الدفاع عن المتهمين الستة، التي أكدت حاجتها إلى «المزيد من الوقت لدراسة الملف وتحضير المرافعات كما ينبغي».
ويُعد هذا التأجيل الثالث من نوعه، بعد تأجيلين سابقين بطلب من المحامين أنفسهم وللأسباب ذاتها؛ ما يثير تساؤلات حول الاستراتيجية التي تتبعها هيئة الدفاع، وفقاً لتعليقات صحافيين يواكبون تطورات القضية منذ الكشف عنها في 26 مايو (أيار) 2018.
وعلى رغم أن الجلسة لم تُستكمل، أصرَّ القاضي على استدعاء جميع الأطراف المعنية بالقضية، حيث طُلب من المتهمين والشهود والأطراف المدنية الحضور لتأكيد هويتهم.
وعرفت الجلسة، رغم قصرها، لحظة بارزة تمثلت في مثول اللواء عبد الغني هامل، المدير السابق للأمن الوطني، أمام القاضي لأول مرة. وقد بدا عليه الإرهاق، بحسب ما لاحظه صحافيون حضروا الجلسة. كما كان ابنه، عميار هامل، الذي يُحاكم بدوره، حاضراً في القاعة.
وتَرقب المتابعون، وخصوصاً المهتمين بالملف منذ سنوات، أقوال هامل في هذه القضية؛ كونه أدلى بتصريحات صحافية سابقة حين بلغه تورط سائقه الشخصي، بحسب التحقيق الأمني الذي أجرته مصالح الدرك الوطني حول شحنة الـ701 كلغ من الكوكايين التي تم حجزها بميناء وهران (على بعد 400 كلم غرب العاصمة). وصرّح هامل آنذاك، موجّهاً كلامه لقيادي كبير في الدرك الوطني عبر وسائل الإعلام: «إذا أردت أن تحارب الفساد، فيجب أن تكون نظيفاً»، في إشارة ضمنية إلى الجنرال غالي بلقصير، رئيس أركان جهاز الدرك حينها، الذي غادر البلاد في 2020 خوفاً من توقيفه في قضايا فساد مالي واستغلال النفوذ لأغراض غير مشروعة. وقد صدرت بحقه في 2021 مذكرة توقيف دولية، وكشفت صحيفة فرنسية لاحقاً، عن أنه يعيش في إحدى الجزر جنوب المحيط الهادئ.
وكانت المحكمة أدانت هامل سنة 2020 بالسجن 12 سنة نافذة، بعد إدانته بتهم متعددة، منها «غسل الأموال، واستغلال النفوذ، والحصول على عقارات وأراضٍ بطرق غير قانونية والثراء غير المشروع». كما وُجهت لابنيه، عميار وشفيق، وزوجته، تهم «فساد»، وأصدرت بحقهم أحكاماً بالسجن تتراوح بين 3 و8 سنوات.
وكان من المنتظر أيضاً الاستماع إلى كمال شيخي، المتهم الرئيس في القضية، وصاحب شحنة الكوكايين المستوردة من البرازيل. وتشير التحقيقات إلى أنه حاول تمريرها ضمن شحنة لحوم حمراء وصلت على متن الباخرة التي تم توقيفها بميناء وهران.
وقد شوهد شيخي في قاعة المحكمة إلى جانب المتهمين الخمسة الآخرين، لكن تأجيل الجلسة حال دون سماع أقواله، مؤقتاً.
ويؤكد محامو شيخي، المعروف بلقب «البوشي» (وتعني الجزار بالفرنسية، نسبة إلى نشاطه في تجارة اللحوم)، أنه لا توجد أدلة مباشرة تدينه، مستندين في ذلك إلى نتائج تحقيقات أجريت في البرازيل وإسبانيا، ضمن إنابات قضائية دولية أصدرتها الجزائر. وتشير هذه التحقيقات إلى أن شيخي لم يكن متورطاً في استيراد الشحنة التي تم التبليغ عنها أولاً في ميناء فالنسيا الإسباني، قبل أن تصل السفينة إلى وهران.
وجدير بالذكر، أن لائحة الاتهام في هذه القضية تتضمن «الاتجار الدولي بالمخدرات» و«غسل أموال»، و«الفساد واستغلال النفوذ» و «تأسيس تنظيم إجرامي».
وفي تعليقها على هذا التطور، ذكرت منصة «ماغرب إيميرجنت» الإخبارية الناطقة بالفرنسية، أن هيئة الدفاع «تتبنى، على ما يبدو، استراتيجية مزدوجة، تقوم على إبطاء وتيرة المحاكمة وتقليص التغطية الإعلامية»، مضيفة أن الهدف من هذا النهج هو «تهدئة الرأي العام، والتقليل من تأثير الشهادات أو المعلومات الحساسة التي قد تُكشف خلال الجلسات».
وأشارت المنصة، إلى أنه منذ حجز شحنة الكوكايين في مايو 2018، تحولت قضية كمال شيخي «مسلسلاً قضائياً طويلاً، تتكرر فيه التأجيلات، تحت ذرائع إدارية أو فنية أو إجرائية؛ ما يُغذي الشكوك حول خلفيات هذا التعطيل المتكرر في سير المحاكمة».
وأضافت، أن القضية «تتجاوز مسألة الاتجار بالمخدرات؛ إذ إن كمال شيخي مقاول معروف في مجال العقارات، ويُشتبه بتورطه في قضايا فساد، وتبييض أموال، والحصول على رخص بناء بطرق مشبوهة؛ ما يزيد من تعقيد الملف ويفسر جزئياً حجم الضغط المحيط بالمحاكمة».