دبلوماسي ليبي يؤكد «قوة» موقف «الجنائية الدولية» للمطالبة بتسليم سيف القذافي... و«النواب» يعترض

بعد اعتراف حكومة الدبيبة باختصاص المحكمة للنظر في قضايا عالقة منذ 2011

المكلف بتسيير وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة» الطاهر الباعور خلال استقباله أحمد الجهاني (وزارة الخارجية)
المكلف بتسيير وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة» الطاهر الباعور خلال استقباله أحمد الجهاني (وزارة الخارجية)
TT

دبلوماسي ليبي يؤكد «قوة» موقف «الجنائية الدولية» للمطالبة بتسليم سيف القذافي... و«النواب» يعترض

المكلف بتسيير وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة» الطاهر الباعور خلال استقباله أحمد الجهاني (وزارة الخارجية)
المكلف بتسيير وزارة الخارجية بحكومة «الوحدة» الطاهر الباعور خلال استقباله أحمد الجهاني (وزارة الخارجية)

قال مندوب ليبيا لدى المحكمة الجنائية الدولية، السفير أحمد الجهاني، إن موقف المحكمة «صار أكثر قوة للمطالبة بتسليم سيف الإسلام نجل الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي»، وذلك غداة اعتراف حكومة الوحدة «المؤقتة» الليبية باختصاص المحكمة في لاهاي بالتحقيق في جرائم ضد الإنسانية، يُشتبه بأنها ارتُكبت على أراضيها منذ عام 2011، وفق المدعي العام للمحكمة، كريم خان.

مدعي المحكمة الجنائية الدولية كريم خان (د.ب.أ)

وأوضح الجهاني لـ«الشرق الأوسط» أن سيف الإسلام «مطلوب من المحكمة، وصدر بحقه أمر قبض دولي لا يزال ساري المفعول»، وأعاد التذكير بأن «الجنائية الدولية لم تتوقف أبداً عن المطالبة بتسليمه إليها. لكن الآن ازداد موقف المحكمة قوة في مواجهة القضاء الليبي، الذي ينازعها في الاختصاص والولاية في محاكمة سيف الإسلام وآخرين».

وتكرر على نحو دوري مطالبات «الجنائية الدولية» السلطات الليبية بتسليم سيف القذافي (51 عاماً)، المطلوب لديها بتهم ارتكاب جرائم ضدّ الإنسانية ابتداءً من 15 فبراير (شباط) 2011، إبان الثورة التي أطاحت بحكم والده.

واعتُقل سيف القذافي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011 في الجنوب الليبي، قبل أن تطلق سراحه «كتيبة أبو بكر الصديق» في الزنتان سنة 2017.

في المقابل، نبه مندوب ليبيا لدى المحكمة الجنائية الدولية إلى أن المحكمة الجنائية الدولية «قضت في حكم نهائي بأنها غير مختصة بمحاكمة مدير جهاز الاستخبارات في نظام القذافي، عبد الله السنوسي»، مؤكداً أن القضاء الليبي «هو صاحب الاختصاص الأصيل لمحاكمته».

وبعد إعلان المدعي العام للجنائية الدولية موافقة حكومة «الوحدة» على ممارسة اختصاصات المحكمة للتحقيق في الأحداث، التي شهدتها ليبيا ما بين 2011 إلى 2027، شهدت الأوساط السياسية والقانونية الليبية ضجة واسعة.

رد مجلس النواب

لم تستبعد عضوة «لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان» بمجلس النواب الليبي، ربيعة أبوراص، أن تشهد جلسة مجلس النواب مناقشة الرد على هذه الخطوة التي «اتخذتها حكومة الدبيبة من جانب واحد»، وهو ما حدث بالفعل، حيث عبر البرلمان، اليوم السبت، عن «استغرابه» من تصريحات مدعي المحكمة الجنائية الدولية بشأن اختصاص المحكمة على الجرائم في ليبيا، وقال إن القضاء الليبي «قادر على محاكمة مرتكبي الجرائم على الأراضي الليبية... والمحكمة الجنائية ليست بديلاً عن القضاء الوطني، ولا عدالة تعلوه».

وقال بيان للجنة العدل والمصالحة الوطنية بالبرلمان الليبي، نشره المتحدث باسم المجلس عبد الله بليحق على صفحته في «فيسبوك»، إن مجلس النواب «يستغرب» تصريحات مدعي المحكمة الجنائية أمام مجلس الأمن، ويؤكد أن القضاء الليبي قادر على محاكمة مرتكبي الجرائم على الأراضي الليبية.

سيف الإسلام القذافي في أثناء تقديم أوراق ترشحه بالانتخابات الرئاسية في سبها عام 2021 (رويترز)

ورغم أن النائبة الليبية تقر بأن «التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية يُعدّ جزءاً من الالتزام بمكافحة الإفلات من العقاب، وضمان حقوق الضحايا»، فإن أبوراص قالت لـ«الشرق الأوسط» إن «ليبيا ليست دولة طرفاً في نظام روما الأساسي، الذي أُسست بموجبه المحكمة، وبالتالي فإن ولايتها على ليبيا لا تأتي تلقائياً، بل جاءت في السابق عبر قرار مجلس الأمن رقم 1970 في عام 2011».

وأضافت أبوراص موضحة أن «أي دعوة لتوسيع هذه الولاية حتى عام 2027 تستوجب نقاشاً وطنياً شفافاً وتوافقاً سياسياً، لا أن تكون مبادرة فردية، قد تُفهم على أنها محاولة لتسييس العدالة، أو توظيفها في الصراع الداخلي، وخاصة في ظل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد».

الدبيبة خلال لقاء مع المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في طرابلس خلال نوفمبر الماضي (مكتب الدبيبة)

ومن وجهة نظر قانونية، هناك من يتمسك بأن «اختصاص الجنائية الدولية في ملف ليبيا ولاية غير مطلقة، وذلك استناداً إلى الفقرة (ب) من المادة الـ13 من ميثاق روما»، وهي رؤية يتبناها رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا، عبد المنعم الحر، الذي وصف قبول ولاية المحكمة الجنائية الدولية على الحالة الليبية بأنه «قرار سياسي»، وقال إن «تنازع الاختصاص القضائي الوطني والدولي مسألة قانونية صرفة، وصاحب الاختصاص الأصيل هو القضاء الوطني، والقضاء الدولي هو قضاء مكمل في حالات عدم النزاهة، وعدم الرغبة وعدم الاستقلالية وعدم القدرة».

استحسان القرار

في المقابل، أيد قانونيون ليبيون الخطوة التي أقدمت عليها حكومة الدبيبة، ومن بينهم أستاذ القانون الجنائي بجامعة طرابلس، محمد بارة، الذي وصف القرار بأنه «خطوة جيدة لإقرار العدالة بعيداً عن الجدل السياسي».

وأوضح بارة أن «انضمام ليبيا لنظام المحكمة الجنائية الدولية أمر مقبول؛ لأن اختصاصها مكمل للقضاء الداخلي وليس بديلاً عنه»، مضيفاً أن أغلب دول أوروبا الغربية «انضمت إلى نظام المحكمة، ولم نسمع يوماً أن هذه المحكمة قد خرقت سيادتها بالنظر لأن القضاء الداخلي فيها يعمل بشكل صحيح».

رئيس الاستخبارات في عهد القذافي عبد الله السنوسي في أثناء محاكمته في 2014 (أرشيفية - رويترز)

وكان مجلس الأمن قد أحال الوضع في ليبيا إلى المدعي العام الأول للمحكمة الجنائية الدولية في 26 فبراير 2011، بعد أيام قليلة من بدء الثورة التي أطاحت بالنظام السابق، وفتح مكتب المدعي العام التحقيق في الثالث من مارس (آذار) 2011.

ويُلزم قرار مجلس الأمن السلطات الليبية بالتعاون مع المحكمة، ويشمل ذلك اعتقال أي شخص مطلوب للمحكمة موجود في ليبيا وتسليمه إليها. وسبق أن أصدرت الجنائية الدولية أوامر اعتقال بحق 12 شخصاً على خلفية الوضع في ليبيا. وتتعلق هذه القضايا بجرائم يُزعم ارتكابها خلال ثورة 2011، وجرائم متعلقة بالأعمال العدائية في ليبيا بين 2014 و2020، وجرائم في مراكز الاحتجاز، بما في ذلك ضد المهاجرين.


مقالات ذات صلة

كيف تفاعل الليبيون مع «الاستطلاع الأممي» حول الانتخابات المرتقبة؟

شمال افريقيا تيتيه في لقاء سابق مع عبد الحميد الدبيبة (البعثة الأممية)

كيف تفاعل الليبيون مع «الاستطلاع الأممي» حول الانتخابات المرتقبة؟

أخضعت البعثة الأممية لدى ليبيا مخرجات «اللجنة الاستشارية» بشأن الانتخابات العامة للاستطلاع الشعبي.

جاكلين زاهر (القاهرة )
شمال افريقيا اجتماع تيتيه وخوري مع قيادات الأمازيغ (البعثة الأممية)

أمازيغ ليبيا يشتكون للبعثة الأممية تعرضهم لـ«التهميش السياسي»

اشتكت قيادات من المجتمع الأمازيغي في ليبيا مجدداً من تعرضهم لـ«التهميش في مؤسسات الدولة»، وذلك خلال مشاورات مع بعثة الأمم المتحدة في البلاد.

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا العثور على لاجئين سودانيين قرب حدود ليبيا وتشاد (شعبة الإعلام الحربي)

الجيش الليبي يتصدى لمهربي أسلحة عبر الحدود مع مصر والسودان

أعلن الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، «إحباط محاولة تهريب أسلحة عبر الحدود المشتركة مع مصر والسودان».

خالد محمود (القاهرة )
شمال افريقيا عماد الطرابلسي وزير داخلية «الوحدة» المكلف (من مقطع فيديو)

سلطات طرابلس للقبض على الميليشياوي «العمو» المطلوب دولياً

تعهدت الأجهزة الأمنية في غرب ليبيا بالقبض على الميليشياوي أحمد الدباشي، الشهير بـ«العمو»، وكل من تورط في جرائم بمدينة صبراتة، وذلك خلال 24 ساعة.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شمال افريقيا المنفي يتوسط أطفالاً ليبيين خلال جولته في شوارع طرابلس (مكتب المنفي)

المنفي يشكّل «قوة مشتركة» لتأمين العاصمة الليبية

أجرى محمد المنفي رئيس المجلس الرئاسي الليبي جولة في شوارع طرابلس، وذلك عقب قراره بحظر المظاهر المسلحة في العاصمة، وتشكيله «قوة مشتركة» لتأمينها.

«الشرق الأوسط»

أجسام مضيئة في سماء مصر تُثير تساؤلات

أشكال مضيئة في سماء مصر (صفحة بني سويف على فيسبوك)
أشكال مضيئة في سماء مصر (صفحة بني سويف على فيسبوك)
TT

أجسام مضيئة في سماء مصر تُثير تساؤلات

أشكال مضيئة في سماء مصر (صفحة بني سويف على فيسبوك)
أشكال مضيئة في سماء مصر (صفحة بني سويف على فيسبوك)

أثار ظهور أشكال مضيئة في سماء مصر صباح السبت تساؤلات عدة بشأن مصدرها وأسبابها. ورجح مسؤولون ومتخصصون لـ«الشرق الأوسط» أنها «نتيجة القصف الصاروخي المتبادل بين إيران وإسرائيل وكذلك اعتراض الدفاعات الجوية خصوصاً في إسرائيل للصواريخ والمسيّرات التي أطلقتها عليها إيران».

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر تغريدات، مصحوبة بصور ومقاطع فيديو، توثق أشكال مضيئة أشبه بانفجارات الصواريخ وفي الوقت الذي عبر البعض عن تعجبه من الأمر وتساءلوا عن أسبابه، فهناك من ربطه بحالة القصف الصاروخي المتبادل حالياً بين إسرائيل وإيران، ولكن آخرين تحدثوا عن أن تلك الأشكال نتيجة لقيام القوات المسلحة المصرية بإطلاق ما وصفوه بقنابل ضوئية وتفعيل أجهزة الإنذار المبكر لرصد أي مسيّرات تخترق المجال الجوي المصري.

ولكن مصدراً مصرياً مسؤولاً قال لـ«الشرق الأوسط» إن «هذا كلام غير صحيح»، مؤكداً أن «أجهزة الرصد لدينا تعمل على مدار الساعة وعمليات الرصد والاستكشاف تعمل تكنولوجياً ولا يصدر عنها انفجارات أو أضواء أو أدخنة، لدينا منظومات دفاع جوي ومراقبة معقدة ومتطورة وآليات للقيادة والسيطرة».

خبراء رجحوا أن تكون هذه الأجسام ناتجة عن اعتراض إسرائيل صواريخ إيران (صفحة بني سويف على فيسبوك)

وشدد المصدر على أنه «لم يحدث أي اختراق للمجال الجوي المصري خلال القصف المتبادل بين إسرائيل وإيران» مرجحاً أن «الأشكال التي رآها البعض في مصر غالباً ناتجة عن تفاعل غازات الصواريخ الباليستية التي تتحول إلى نيتروجين مثلما يحدث مع عادم الطائرات النفاثة، وهذه الصواريخ مقصوفة شرقاً نحو إسرائيل وبعد ذلك تحولت عوادمها غرباً مع الهواء لذلك تمكن البعض من رؤيتها بمصر لأن إسرائيل مجاورة».

تفسير ظهور هذه الأشكال شهد تبايناً (الشرق الأوسط)

فيما رجح عدد من المغردين أن تكون تلك الأشكال التي ظهرت في السماء نتيجة عمليات تقوم بها أجهزة الرصد الإشعاعي بمصر لكشف أي تسرب إشعاعي بعد الإعلان عن ضرب منشآت نووية في إيران.

لكن نائب رئيس هيئة الطاقة النووية بمصر سابقاً، الدكتور علي عبد النبي، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «محطات الرصد البيئي والنووي موزعة في جميع ربوع مصر وعلى حدودها وتعمل بشكل دائم ولا تحتاج لوجود حرب أو قصف لتعمل، كما أن هناك أجهزة رصد إشعاعي في قناة السويس وفي المطارات والمواني لكشف أي شحنات مشعة»، مشيراً إلى أن «المنشآت التي تم ضربها في إيران في الغالب كان مستخدماً فيها مادة سادس فلوريد اليورانيوم UF6 وهي تستخدم لتخصيب اليورانيوم وغير مشعة على نطاق واسع، ولكنها لو تسربت تؤدي لتسمم في الجو والأرض على نطاق قصير لأنها مادة ثقيلة».

تساؤلات بشأن ظهورها فجر السبت في سماء مصر (صفحة بني سويف على فيسبوك)

ورجح عبد النبي أن «تكون الأشكال المضيئة التي ظهرت في مصر نتيجة اختراق صواريخ أو أجسام للطبقات العليا من الغلاف الجوي مما أدى لانفجارات مضيئة وتظهر ثابتة أمام أعيننا لأنها على ارتفاعات كبيرة جداً».

وأكد كبير مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية سابقاً، الدكتور يسري أبو شادي، عدم وجود تسرب إشعاعي مؤثر يصل إلى مصر ولا حتى دول الخليج. وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ما ظهر في سماء مصر من أجسام مضيئة يمكن أن يكون احتياطات من الجيش لكشف أي احتمال لأخطاء في المقذوفات الطائرة بسبب الحرب الحالية».

وكانت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية بمصر قد أصدرت بياناً السبت، جاء فيه أنه «في ضوء التطورات الجارية في المنطقة تود هيئة الرقابة النووية والإشعاعية أن تطمئن السادة المواطنين أنه لا يوجد مؤشرات على أي تغير أو زيادة في الخلفية الإشعاعية داخل جمهورية مصر العربية».

جانب من الأشكال المضيئة شرق مصر (الشرق الأوسط)

وأوضحت الهيئة أنها «تتابع على مدار الساعة التطورات المتعلقة بوضع المنشآت النووية بالمحيط الإقليمي وفقاً لتطورات الأحداث الجارية، وذلك من خلال المتابعة المستمرة للتقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والتنسيق الدائم مع الجهات الوطنية المعنية، ومتابعة الخلفية الإشعاعية من خلال منظومة الرصد الإشعاعي والإنذار والإبلاغ المبكر بالهيئة، التي تستخدم أحدث أجهزة الرصد الإشعاعي المنتشرة في أنحاء الجمهورية كافة».

وأهابت الهيئة بالمواطنين في مصر الاعتماد فقط على البيانات الرسمية الصادرة كمصدر موثوق للمعلومات في هذا الشأن، وفق البيان.

وأكد مسؤولون بمعهد البحوث الفلكية، وهيئة الاستشعار عن بُعد، وهيئة الأرصاد الجوية بمصر، لـ«الشرق الأوسط» عدم رصد أي ظواهر في مجال تخصصاتهم سببت تلك الأشكال المضيئة في السماء.

فيما قال عالم الفضاء المصري عصام حجي لـ«الشرق الأوسط» إنه «من الواضح أنها آثار اعتراض صواريخ وطائرات مسيّرة من منظومة دفاع جوي». موضحاً أن «الخطوط الرفيعة في تلك الأشكال هي المسار للصاروخ الاعتراضي والسحابة الكبيرة هي الانفجار للجسم المستهدف في الغالب لمسيّرات».